قبور من الركام لآلاف المفقودين في غزة
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
غزة – "قتلوا زوجتي وأطفالي ويحرمونني من انتشالهم ودفنهم في قبور"، بقلب يعتصره الألم يلخص محمود أبو حصيرة حكاية وجع يومية، وجرح لم يندمل، منذ أن دمرت غارة جوية إسرائيلية منزله فوق رؤوس أفراد أسرته الصغيرة، و15 آخرين.
ولا يزال الوجع يتجدد يوميا لدى أبو حصيرة (37 عاما) حزنا على زوجته أمل (28 عاما) وطفليه زياد (8 أعوام) وغادة (5 أعوام) العالقين تحت أنقاض منزله المدمر غرب مدينة غزة.
في الشهر الثاني من الحرب الدامية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" عام 2023، أغارت مقاتلات حربية على منزل أبو حصيرة وحولته إلى قبر كبير من ركام، ويقول للجزيرة نت "مرت شهور طويلة ولا تزال زوجتي وطفلاي ونحو 15 آخرين من ذوي زوجتي كانوا نازحين لدينا تحت الأنقاض".
قبور من ركام
شاء القدر أن لا يكون أبو حصيرة موجودا إلى جانب أسرته لحظة وقوع الغارة الغادرة، بيد أنه يقول "أشعر أنني جسد بلا روح، كأن روحي مدفونة مع زوجتي وأطفالي تحت الركام".
وبحزن شديد كأن الجريمة وقعت للتو يتحدث أبو حصيرة عن شعوره المؤلم بالفقد الكبير "أشعر أن جرحا غائرا في قلبي، ورغم مرارة الفقد فإنني أتشوق لانتشالهم من تحت الأنقاض، وإكرامهم بالدفن في قبور معروفة، لترتاح أجسادهم ويرتاح قلبي".
إعلانوتلاحق الذكريات أبو حصيرة، ويقول إن الشعور بأوجاع الفقد يتعاظم لديه في شهر رمضان المبارك، وفي الأعياد والمناسبات الدينية، وفي أيام الجمعة "التي كان يحبها زياد رغم صغر سنه وكان يحب أن يرافقني لأداء صلاة الجمعة في المسجد".
ويقدر جهاز الدفاع المدني أن نحو 10 آلاف مفقود، منهم 8 آلاف في مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع، ونحو ألفين في مناطق جنوب القطاع، لا يزالون عالقين تحت أنقاض المنازل والمباني السكنية المدمرة منذ اندلاع الحرب، ولا تتوفر المعدات والآليات اللازمة لانتشالهم.
"أنا وآلاف من ذوي المفقودين تحت الأنقاض والركام محرومون من قبور تواري أجساد أحبتنا"، ويتساءل أبو حصيرة: هل يدرك العالم حجم الألم الذي نشعر به ونحن نعيش إلى جانب منازلنا المدمرة التي تبتلع أجساد زوجاتنا وأطفالنا وأقاربنا وأحبائنا؟
ومن بين 23 شهيدا من أبناء عمومته وزوجاتهم وأطفالهم، تمكن حمدان الجعل وآخرين من شباب عائلته ومتطوعين من الجيران من انتشال عدد محدود منهم، ويقول للجزيرة نت إن "15 شهيدا بينهم نساء وأطفال لا يزالون عالقين تحت أنقاض المنزل المدمر".
هذا المنزل المكون من 6 طبقات، في شارع الثلاثيني الرئيسي وسط مدينة غزة، كان يؤوي عددا كبيرا من الأسر فرقها النزوح، و"لولا عناية الرحمن لكانت المصيبة أكبر"، بحسب الجعل الذي يضيف أن "نصف سكان المنزل كانوا نازحين في جنوب قطاع غزة عندما وقعت الغارة بعد نحو شهر من اندلاع الحرب".
بالأيدي الخاوية وبأدوات بدائية خاض شبان من العائلة "مهمة شبه مستحيلة" بحسب وصف الجعل، نجحوا خلالها في انتشال 8 من الشهداء، في حين لا يزال الركام الكبير يحول دون الوصول إلى العدد الأكبر من شهداء العائلة.
إعلانوتسببت هذه الجريمة في مسح أسرة بكاملها من السجل المدني، ويقول الجعل إن ابن عمه بكر الجعل (39 عاما) وزوجته وأسرته كلها (11 فردا) لم يعد لهم وجود، ويضيف بمرارة شديدة "قتلوا من دون ذنب.. إنه شعور يدمي القلب أن تقف عاجزا أمام انتشال شهداء، لأن الاحتلال يستكثر عليهم الدفن في قبور بمنعه إدخال المعدات والآليات الثقيلة لرفع الأنقاض".
ويشعر أبو حصيرة والجعل بالأسى والحزن الشديدين مع كل غارة إسرائيلية تدمر منزلا سكنيا فوق رؤوس من فيه من أسر آمنة، وينجو منها من يتجرع الألم ويقيده العجز عن مواراة جثامين أحبته الثرى.
قيود وتحديات
دأبت السلطات المحلية التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على اتهام دولة الاحتلال بخرق البروتوكول الإنساني من اتفاق وقف إطلاق النار، ومنع إدخال المعدات والآليات الثقيلة للتعامل مع آلاف الأطنان من الركام وأنقاض المنازل والمباني المدمرة.
ويقول المدير العام للإمداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني الدكتور محمد المغير للجزيرة نت إن الاحتلال سمح فقط بإدخال 9 جرافات صغيرة خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار التي استمرت 42 يوما منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
وينص الاتفاق على إدخال 500 آلية حديثة وثقيلة من جرافات وحفارات، غير أن المغير يؤكد أن الجرافات التسع التي سمح الاحتلال بدخولها بدائية وصغيرة وتسير على عجلات عادية لا تناسب العمل في بيئة مدمرة كليا ووسط الحالة الكارثية التي تسببت بها الحرب.
وفي مقابل نحو 300 شهيد نجحت طواقم الدفاع المدني بانتشالهم من تحت أنقاض المنازل المدمرة على مستوى القطاع خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، يقول المغير إن أعداد الشهداء العالقين زادت بنحو 200 شهيد خلال 72 ساعة من بعد استئناف قوات الاحتلال حربها على القطاع، ليرتفع العدد الكلي للعالقين تحت الأنقاض منذ اندلاع الحرب إلى نحو 10 آلاف شهيد.
ومنذ فجر الثلاثاء الماضي يتعرض القطاع لغارات جوية مكثفة استهدفت عشرات المنازل السكنية وخيام النازحين، وأسفرت عن استشهاد مئات الفلسطينيين، بينهم أسر بأكملها، ولا تزال أعداد كبيرة منهم تحت أنقاض المنازل والمباني السكنية المدمرة.
إعلانوعن آلية التعامل مع المواقع المستهدفة، يوضح المغير أن طواقم الدفاع المدني تهرع إلى هذه المواقع، وفي حال المنازل المدمرة تنتشل الشهداء ممن يسهل الوصول إليهم باستخدام معدات يدوية بسيطة. ويضيف "نقف عاجزين أمام عدد كبير من الشهداء تختفي جثامينهم تحت أكوام الركام، ويفقد جرحى أرواحهم لعدم القدرة على إخراجهم من تحت الركام إذ لا تتوفر المعدات الحديثة والآليات الثقيلة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تحت أنقاض المنازل الدفاع المدنی تحت الأنقاض أبو حصیرة
إقرأ أيضاً:
رويترز: كيف دفنت غارة أمريكية أحلام مهاجرين أفارقة تحت الركام في اليمن؟
لم يسلم مهاجرون أفارقة تركوا بلدانهم بحثا عن الأمن والعمل، من النزاع في اليمن… اعتقلوا في صعدة في مركز تحول دمارا وأشلاء، بعد غارة جوية نُسبت الى الولايات المتحدة، وفق ما يروي أحدهم لوكالة
أعلنت سلطات الحوثيين الاثنين أن 68 شخصا على الأقل قُتلوا في قصف نُسب إلى الولايات المتحدة وأصاب مركز إيواء للمهاجرين الأفارقة في صعدة، فيما تشن واشنطن حملة قصف شبه يومية تستهدف المتمردين المدعومين من إيران.
ووقعت الضربة فجرا بينما كان المهاجرون نائمين في مبنى يشبه المستودع. وأظهرت حينها لقطات بثتها قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين مشاهد مروّعة لجثث تحت الأنقاض، فيما عملت فرق الإنقاذ على انتشال الضحايا.
وداخل مجمّع السجن الاحتياطي في صعدة الخاضعة للمتمردين اليمنيين، بدت عدة مبان مدمرة كليا، تتناثر فيها بقايا صواريخ بين الركام.
واستقبلت المستشفيات المحيطة أعدادا كبيرة من الجرحى، وسط مشاهد مأسوية للجرحى المصدومين.
أحد هؤلاء الجرحى كان عبد إبراهيم صالح، وهو مهاجر إثيوبي يبلغ 34 عاما، نجا بأعجوبة من الضربة قبل أن يُنقل إلى المستشفى الجمهوري.
– “لا أريد أن أتذكر” –
بصوت منخفض ونظرات شاردة يقول صالح الذي لُفّ رأسه بشاش أبيض كما رجله اليسرى “في البداية ضرب الطيران مرتين قربنا، ثم الثالثة كانت علينا”.
ويضيف لوكالة فرانس برس “أسعفوني هنا إلى المستشفى الجمهوري. كل القتلى أشلاء مقطعة، لا يمكنني الوصف. يد هنا ورجل هناك. لا أريد أن أتذكر المشهد”.
يعيد هذا المشهد إلى الأذهان كارثة مركز احتجاز المهاجرين في صنعاء في العام 2021، حين قضى أكثر من 60 مهاجرا إثر حريق شبّ في أحد العنابر.
ورغم مرور أكثر من أربع سنوات، يبدو أن معاناة المهاجرين لا تزال مستمرة في بلد تمزقه الحرب.
ويخوض عشرات آلاف المهاجرين سنويا غمار الطريق الشرقي من القرن الأفريقي، هربا من الصراعات والكوارث الطبيعية وضعف الآفاق الاقتصادية، بارتياد البحر الأحمر نحو الخليج الغني بالنفط.
ويأمل كثيرون في الحصول على عمل في السعودية ودول الخليج، رغم أنهم يواجهون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر اليمن.
من أمام أنقاض المركز، يقول إبراهيم عبد القادر محمد المعلم، رئيس الجالية الصومالية في اليمن، بنبرة غاضبة “نحن اليوم موجودون في مكان الجريمة البشعة، السجن الاحتياطي الخاص بالمهاجرين الأفارقة. الجريمة التي ارتكبها العدوان الأميركي على الأبرياء”.
ويضيف لفرانس برس “هذا العدوان الوحشي الذي قتل أبناء فلسطين وقتل أبناء الشعب اليمني، ها هو اليوم يستهدف المهاجرين المساكين الضيوف. هذه جريمة مكتملة الأركان، لا مبرر لها”.
ودعا الدول الأفريقية ورؤساءها إلى اتخاذ “موقف بحجم الجريمة”، كما توجه إلى المنظمات الدولية قائلا “اخرجوا عن صمتكم. هذه جريمة بحق البشرية”.
– غارات شبه يومية –
منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة إثر هجوم الحركة الفلسطينية على جنوب الدولة العبرية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنّ الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية ضدّ إسرائيل وضدّ سفن في البحر الأحمر يقولون إنها على ارتباط بها.
وشلّت هجمات الحوثيين حركة الملاحة عبر قناة السويس، وهو شريان مائي حيوي يمرّ عبره عادة نحو 12 بالمئة من حركة الملاحة العالمية، ما أجبر العديد من الشركات على اللجوء إلى طرق بديلة مكلِفة حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.
وعليه، تتعرّض مناطق الحوثيين في اليمن لغارات شبه يومية منذ أعلنت واشنطن في 15 آذار/مارس إطلاق عملية عسكرية ضدهم لوقف هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن.
ومساء الاثنين، أعلن البنتاغون أن الولايات المتحدة ضربت أكثر من ألف هدف في اليمن منذ منتصف آذار/مارس، ما أسفر عن مقتل مئات المقاتلين المتمردين الحوثيين، بينهم أعضاء في قيادة جماعتهم.
– “معدلات مثيرة للقلق” –
لكن الولايات المتحدة لم تؤكد أو تنفِ مسؤوليتها عن الضربة في صعدة.
وردّا على سؤال وكالة فرانس برس، قالت القيادة العسكرية المركزية الأميركية إنها “على علم بمزاعم تفيد بوقوع خسائر بشرية في صفوف مدنيين على صلة بالضربات الأميركية في اليمن، وتأخذ هذه المزاعم على محمل الجدّ”.
وتابعت “يجري حاليا تقييم الأضرار وفُتح تحقيق”.
وأصدرت “هيومن رايتس ووتش” الثلاثاء بيانا يفيد أن القوات الأميركية “قصفت (…) مركزا لاحتجاز المهاجرين في صعدة في اليمن”.
وأضافت أن الغارات الأميركية “أسفرت على ما يبدو عن أذى بالغ بالمدنيين، ومن المرجح أن تكون قتلت وجرحت المئات منهم”.
واعتبرت المنظمة أن “التقاعس عن اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للتخفيف من الأضرار بالمدنيين يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي. الهجمات المتعمدة على المدنيين والبنية التحتية المدنية هي جرائم حرب”.
ونقلت المنظمة عن باحثة اليمن والبحرين في “هيومن رايتس ووتش” نيكو جعفرنيا قولها “يبدو أن الغارات الجوية الأميركية تسببت في قتل وجرح المدنيين في اليمن بمعدلات مثيرة للقلق على مدار الشهر الماضي في ظل إدارة ترامب”.
ولفتت المنظمة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها الأطراف المتحاربة في اليمن مركزا لاحتجاز المهاجرين وتقتل أعدادا كبيرة منهم.
ففي العام 2022، قصف التحالف بقيادة السعودية مركز احتجاز في المجمّع نفسه في صعدة، ما أسفر عن مقتل 91 شخصا على الأقل وإصابة 236 آخرين، و”هي جريمة حرب محتملة قد تكون الولايات المتحدة متواطئة فيها”، وفق المنظمة.