أميركا تطارد كنزا يفوق المعادن في أوكرانيا.. ما القصة؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في دعم كييف، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الضغوط الدبلوماسية على موسكو.
لكن بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدا أن النهج الأميركي قد اتخذ مسارا جديدا، حيث تسعى واشنطن الآن وراء مكاسب اقتصادية ضخمة، تتجاوز بكثير المعادن النادرة، لتطال قطاع الطاقة، وهو ما قد يعيد تشكيل مستقبل الصراع.
اتفاق المعادن.. مجرد بداية لمخطط أكبر
أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخرا أن اتفاق المعادن مع أوكرانيا بات قريبا من التوقيع، وهو ما يراه كثيرون خطوة أولى في إطار مخطط أوسع يمتد إلى قطاع الطاقة النووية في أوكرانيا.
فخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ناقش ترامب إمكانية استحواذ الولايات المتحدة على حصص في منشآت الطاقة الأوكرانية، بما في ذلك محطات نووية استراتيجية مثل زابوريجيا، التي تعد الأكبر في أوروبا.
تحركات بوتين ووقف إطلاق النار المؤقت
التطورات الأخيرة جاءت بعد مكالمة أخرى بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، توصلا خلالها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، يشمل منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن الكرملين أن بوتين أمر الجيش الروسي بوقف الهجمات على منشآت الطاقة بعد الاتصال بترامب، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذا الاتفاق وما إذا كان يهدف فقط لإعادة ترتيب الأوراق على الساحة الدولية.
استثمارات أميركا في أوكرانيا ورقة ضغط أم ضمان أمني؟
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الوطنية، أوليكسي هاران، خلال حديثه لبرنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية إن “أي اتفاق محتمل بشأن المعادن النادرة لا يتضمن ضمانات أمنية حقيقية، ويمكن أن تُذكر فقط كجزء من الخطاب السياسي، لكنها ليست مضمونة التنفيذ”.
ويضيف أن ترامب يتبع مقاربة مختلفة، حيث يعتقد أن “الاستثمارات الأميركية في أوكرانيا يمكن أن تكون بمثابة ضمانة أمنية غير مباشرة، لأنه من الصعب على أي دولة أن تهاجم منشآت يوجد فيها أميركيون أو مصالح أميركية ضخمة”.
لكن هاران يحذر من أن “الاعتماد على هذا المنطق قد يكون خطيرا، لأن روسيا لا تزال تمتلك زمام المبادرة في عدة جبهات”.
ويشدد على أن “السلام المستدام لن يتحقق دون تقديم ضمانات أمنية صلبة لأوكرانيا، وإلا فإن بوتين قد ينتهك أي اتفاق في اليوم التالي”.
زابوريجيا.. ورقة مساومة أم نقطة اشتعال؟
تعد محطة زابوريجيا النووية واحدة من أهم الأصول الاستراتيجية في أوكرانيا، إذ كانت توفر قبل الحرب نحو 20% من إمدادات الكهرباء للبلاد. لكنها الآن تحت سيطرة القوات الروسية، التي أعلنت نيتها إعادة تشغيلها بعد انتهاء الحرب.
ووفقًا لهاران، فإن “استعادة زابوريجيا تمثل أولوية قصوى، لأن بوتين يستخدمها كورقة ضغط على العالم”.
ويرى أن أي حديث عن استثمارات أميركية في هذا القطاع يجب أن يكون مشروطا بعودة السيطرة الأوكرانية الكاملة على المنشآت النووية، مؤكدًا أنه “لا يوجد نقاش حقيقي حول التخلي عن الأراضي التي تقع عليها هذه المحطة، ولا يجب أن يكون هناك أي تنازل في هذا الصدد”.
رهان ترامب.. هل يبالغ في تقدير تأثيره؟
من الواضح أن ترامب يسعى إلى لعب دور الوسيط القوي بين كييف وموسكو، لكنه يواجه عقبات كبرى. فبحسب هاران، “ترامب يعتقد أنه إذا أقنع أوكرانيا، فإن بوتين سيتبع خطاه، لكن الواقع أكثر تعقيدًا”.
ويشير إلى أن “بوتين لا يسعى حاليا إلى وقف إطلاق النار بشكل كامل، لأنه يرى أن ترامب قد يمنحه مكاسب إضافية على حساب أوكرانيا”.
ما القادم؟
في ظل هذه التطورات، يبدو أن واشنطن لن تكتفي بمجرد اتفاق المعادن، بل ستمضي قدمًا نحو محاولة تأمين مصالحها في قطاع الطاقة الأوكراني. لكن السؤال الأهم هو: هل ستتمكن من تحقيق ذلك دون إثارة ردود فعل عنيفة من موسكو؟.
يبقى مستقبل أوكرانيا مرهونًا بمدى قدرة واشنطن على الموازنة بين المصالح الاقتصادية والحاجة إلى تحقيق استقرار طويل الأمد، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا بضغوط دولية مستمرة على روسيا وضمان دعم عسكري وسياسي متواصل لكييف.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
الصين بين طموحات الطاقة النظيفة وإشكالية الفحم والمعادن النادرة
بكين- في خضم أزمة المناخ العالمية، تبرز الصين كعملاق يقود ثورة الطاقة النظيفة بوتيرة لم يسبق لها مثيل. ومن مزارع الرياح الشاسعة في صحراء غوبي شمال غرب البلاد، إلى أسطح المنازل المليئة بالألواح الشمسية في غوانغدونغ جنوبا، تبدو الصين وكأنها تخطو بثبات نحو مستقبل أخضر.
لكن هذه الصورة المشرقة تخفي قصة معقدة تعتمد على سلاسل إمداد ملوثة ومليئة بالتناقضات، حيث تُعد المعادن النادرة العصب الخفي لهذا التحول، فكيف تُوازن الصين بين طموحاتها الخضراء وواقع الاعتماد على موارد تهدد استدامة مشروعها المناخي؟
الريادة الخضراء.. أرقام مذهلةتُعتبر الصين أكبر سوق للطاقة المتجددة عالمياً، حيث تمثل مشاريعها نحو 40% من النمو العالمي في هذا القطاع خلال 2023، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آي آر إي إن إيه" (IRENA) إذ أنفقت البلاد ما يزيد على 500 مليار دولار خلال العام نفسه على مشاريع الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، وفقاً للمصدر نفسه.
وتبلغ القدرة المركبة للطاقة المتجددة في الصين 1450 غيغاواط، تتوزع بين طاقة شمسية بقدرة 430 غيغاواط، وطاقة رياح (400 غيغاواط) وكهرومائية (420 غيغاواط) حسب بيانات الهيئة الوطنية للطاقة الصينية.
إعلانأما في قطاع النقل، فقد احتلت الصين الصدارة عالميا بمبيعات سيارات كهربائية بلغت 6.8 ملايين وحدة عام 2022، تمثل 60% من السوق العالمية، بحسب رابطة صناعة السيارات الصينية.
لكن هذه الإنجازات العملاقة لا تأتي من فراغ، فالمعادن النادرة هي كلمة السر مثل النيوديميوم واللانثانوم التي تُعد مكونات حيوية لصناعة التقنيات الخضراء. فمغناطيس توربين الرياح الواحد بقدرة 3 ميغاواط يحتاج إلى 200 كيلوغرام من هذه المعادن، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية "يو إس جي إس" (USGS) بينما تعتمد السيارات الكهربائية عليها في بطارياتها ومحركاتها.
فالصين، التي تتصدر العالم في الطاقة النظيفة، تتحكم أيضاً في 60% من إنتاج المعادن النادرة عالمياً، و85% من عمليات معالجتها، وفقا للهيئة الأميركية.
المعادن النادرة سلاح ذو حدين
رغم أن الهيمنة الصينية على سوق المعادن النادرة تمنحها قوة جيوسياسية غير مسبوقة، إلا أنها لا تخلو من ثمن باهظ. ففي مناطق مثل منغوليا الداخلية، حيث تتركز مناجم هذه المعادن، تتحول الأراضي الزراعية الخصبة إلى مساحات قاحلة بسبب النفايات السامة الناتجة عن التعدين.
وحسب منظمة أصدقاء الأرض، في تقرير "التكلفة الخفية للطاقة الخضراء" قالت إن عمليات تعدين المعادن النادرة في الصين تترك آثاراً مدمرة على البيئة، بما في ذلك تلوث المياه والتربة بالإشعاعات والنفايات السامة.
وذكرت منظمة "غلوبال ويتنس" في تقريرها لعام 2023 أن "منغوليا الداخلية" (منطقة أقصى شمال الصين تتمتع بحكم ذاتي) فقدت 40% من أراضيها الزراعية خلال العقد الماضي، بينما يعاني السكان من أمراض تنفسية وجلدية بسبب التلوث.
ولا تقتصر التحديات على الجانب البيئي فحسب، فالصين -التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني (بلوغ صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قيمة صفرية) بحلول 2060- لا تزال تعتمد على الفحم لتلبية 56% من احتياجاتها الطاقية، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
إعلانوترى المديرة التنفيذية لشركة "سينوفول" للاستشارات شين سونغ أن التحول من أنظمة الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة ستكون له آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وأوضحت شين -في تصريح للجزيرة نت- أن هذا التحول يتطلب في الأجل القصير استثمارات ضخمة وإعادة هيكلة جذرية لقطاع الطاقة، مما قد يؤثر على بعض القطاعات التقليدية والمناطق المعتمدة عليها.
وأضافت أن نحو 1.5 مليون شخص مهددون بفقدان وظائفهم في قطاع الفحم بحلول 2030، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي في مناطق كمقاطعة شانشي جنوب الصين، وهو أمر أيدته منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في تقرير "الوظائف الخضراء بالصين 2023" حيث طالبت بسياسات انتقالية عادلة لدعم العمال.
هيمنة جيوسياسية.. مكاسب وانتقاداتاستخدمت الصين المعادن النادرة أداة ضغط في صراعاتها التجارية. ففي عام 2010، عندما خفضت صادرات هذه المعادن إلى اليابان خلال نزاع على جزر سينكاكو، أدرك العالم مدى قوة هذه الورقة التفاوضية.
وباتت الصين اليوم تعزز وجودها عبر "مبادرة الحزام والطريق" حيث تمول مشاريع تعدين في دول مثل ميانمار وكازاخستان. لكن هذه الاستثمارات تواجه انتقادات كبيرة، كما توضح الكاتبة البريطانية إيزابيل هيلتون من مركز "تشاينا ديالوغ" في مقال لها بأن تمويل الصين لمحطات الفحم في أفريقيا وآسيا لا يتوافق مع خطابها المناخي، ويعكس تناقضا صارخا في سياستها الخارجية.
مستقبل التحول.. ابتكارات وصراعاتفي مواجهة هذه التحديات، تعول الصين على الابتكار لتجاوز أزماتها. ففي مختبرات شينغن جنوب البلاد يعكف العلماء على تطوير محركات كهربائية خالية من المعادن النادرة، بالتعاون مع شركات مثل تسلا الأميركية، بينما تنفذ تجارب في بحر جنوب الصين لاستخراج المعادن من أعماق المحيط، إذ تهدف البلاد إلى رفع نسبة إعادة تدوير المعادن من النفايات الإلكترونية إلى 30% بحلول 2030، وفقاً للأكاديمية الصينية للعلوم.
لكن الطريق لا يزال محفوفا بالمخاطر. فبحسب تقرير عام 2023 لشركة ماكنزي الأميركية للاستشارات قد تواجه الصين أحد هذين السيناريوهين بحلول عام 2030: فإما أن تصل الطاقة المتجددة إلى 40% من مزيج الكهرباء لديها (إجمالي الإنتاج) أو يظل الفحم مسيطرا بنسبة 50% بسبب النمو الاقتصادي المتسارع.
إعلان طريق شائك.. ضغوط المناخ ومتطلبات النموتبدو الصين عالقة بين الضغوط المناخية ومتطلبات التنمية الاقتصادية، ففي حين تُظهر إحصاءاتها قفزات غير مسبوقة في مجال الطاقة النظيفة، تظل آثار الكربون عميقة بسبب اعتمادها على الفحم والمعادن النادرة.
ويرى الخبراء أن قيادة الصين للتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة مرهونة بقدرتها على إثبات أن نموذجها قادر على التوفيق بين النمو والاستدامة.
وبحسب أستاذ الهندسة الميكانيكية جامعة شانغهاي جياو تونغ "رن تاو" فإن الفترة المتبقية أمام الصين للانتقال من ذروة الانبعاثات إلى الحياد الكربوني ستكون أقصر بكثير من تلك المتاحة للدول المتقدمة.
وأوضح رن تاو -في ورقة بحثية نشرت في أحد المواقع البحثية- أن بلوغ الصين ذروة الكربون عام 2030 -كما تعهدت- يعني أنه سيكون أمامها نحو 30 عاما فقط لتحقيق الحياد الكربوني. ولتحقيق هذا الهدف تحتاج بكين إلى إجراء تعديلات فورية على مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع تحمل تكاليف باهظة.