الوقوف مع أحد طرفي الحرب: مساهمة في الحل أم إطالة لعمر الصراع؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
حين تتشظى الحقيقة بين ركام الخطابات المتضاربة، يصبح اتخاذ موقف في الحرب أشبه بالمشي على حافة الهاوية، حيث كل خطوة تحمل احتمالية السقوط في هاوية أخلاقية أو سياسية.
في النزاعات، لا يُطلب منك فقط أن تختار بين قاتل وآخر، بل يُفرض عليك أن تصبح جزءًا من ماكينة الحرب نفسها، متورطًا في إعادة إنتاج سرديتها، مساهماً في ترسيخ منطقها.
لكن، ماذا يعني حقًا أن تقف مع أحد طرفي الحرب؟
الوقوف مع طرف في نزاع لا يحكمه أي أساس أخلاقي متين ليس مجرد انحياز سياسي، بل هو إعلان اندماج ضمن منظومة إنتاج العنف، حتى لو كان ذلك باسم العدل أو الدفاع عن الضحايا.
فالحروب، كما علمتنا تجارب التاريخ، لا تُخاض فقط بالبنادق، بل تُخاض أيضًا بالكلمات، بالمواقف، بالتماهي مع أحد أشكال السلطة ضد الآخر.
لكن حين يكون الطرفان وجهين لنفس العملة، يصبح الانحياز ضربًا من إعادة إنتاج المأساة بوجه مختلف.
في المشهد السوداني، حيث الحرب بين مليشيا الدعم السريع ومليشيا الجيش ليست صراعًا بين الخير والشر، بل تنازع بين شبكات المصالح داخل البنية نفسها، فإن السؤال الأهم ليس: “من الذي يجب أن نناصره؟” بل: “لماذا نحن مطالبون أصلاً بأن نناصر أيًا من القتلة؟”
إذا كان الطرفان يستندان إلى ذات الأدوات: العنف، الاستبداد، والاتجار بالموت، فكيف يمكن أن يكون الانحياز لأيٍّ منهما أخلاقيًا؟
يتحدث والتر بنيامين عن “حالة الطوارئ” بوصفها القاعدة لا الاستثناء في الأنظمة القمعية، حيث يُفرض على الناس الاصطفاف بين خيارات لا تملك أي مشروعية حقيقية.
في مثل هذه الحالة، يصبح الصراع نفسه وسيلة لإعادة إنتاج السلطة، حيث كل طرف يسعى إلى إقناعك بأن وجوده هو الضامن الوحيد للاستقرار، بينما يغرقك أكثر في دوامة الفوضى.
في النزاعات، حيث تتلاشى الفروقات بين الضحية والجلاد، وحيث تصبح السلطة هدفًا في ذاتها، يتحول اتخاذ موقف منحاز إلى مساهمة غير واعية في إعادة تدوير الأزمة.
لا يعني ذلك الحياد، بل يعني تجاوز ثنائية المفاضلة بين السيئ والأسوأ، والسؤال عن البديل الممكن خارج إطار اللعبة المفروضة.
لأن الوقوف مع أحد طرفي النزاع في سياق كهذا ليس سوى اختيار للكيفية التي سيستمر بها القمع، وليس رفضًا له من حيث المبدأ.
ما المطلوب إذًا؟
المطلوب هو رفض القبول بالمعادلة التي تجعل من الحرب قدرًا محتومًا، والتي تفرض علينا الاختيار بين أسياد الموت، بينما يتم تغييب صوت الجماهير الحقيقية، تلك التي تعاني ولا تحكم، تموت ولا تقاتل، وتُسحق دون أن يُسمح لها حتى بتحديد مصيرها.
لأن المأساة الكبرى ليست فقط في أن طرفي الحرب بلا مشروع، بل في أن مشروع التحرر نفسه قد تم تغييبه داخل دوامة الاحتراب العبثي.
لكن السؤال الأهم هنا: كيف نكسر هذه الحلقة المغلقة من الصراع؟ كيف نؤسس لمسار مغاير لا يقوم على استبدال مستبد بآخر، بل على تغيير البنية التي تجعل الاستبداد ممكنًا؟
الحديث عن البديل ليس مجرد تمرين نظري، بل ضرورة سياسية وأخلاقية.
البديل ليس مجرد “عدم الوقوف مع أحد”، بل هو فعل إيجابي في حد ذاته، فعل يقتضي إعادة تشكيل الوعي الجمعي نحو مشروع لا يتأسس على العنف، بل على تفكيك أدواته.
البديل يكمن في خلق مساحات مقاومة خارج معادلة السلطة المليشياوية، في دعم التنظيمات القاعدية، في تمكين قوى المجتمع المدني التي تتجاوز الانقسامات المصطنعة.
لأن أي تغيير حقيقي لن يأتي من داخل هذه المليشيات، بل من خارجها، من الشوارع التي لم تتلوث بدم الأبرياء، من الأصوات التي لم تنحرف لمجاراة منطق الحرب، من الأجساد التي لم تضعف أمام إغراءات السلاح.
في النهاية، الوقوف مع أي طرف في حرب كهذه ليس إلا مساهمة في إطالة أمد الكارثة.
والانحياز الوحيد الذي يملك قيمة حقيقية هو ذلك الذي يرفض الحرب نفسها، لا أن يحاول تزيين أحد أوجهها القبيحة.
لكن هذا الرفض لا يكفي وحده، بل يجب أن يكون مشفوعًا بمشروع واضح المعالم، مشروع لا يكتفي برفض الاستبداد، بل يسعى إلى خلق نقيضه الحقيقي:
مجتمع قادر على إعادة بناء ذاته دون الحاجة إلى البنادق كضامن وحيد لوجوده.
zoolsaay@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الوقوف مع فی الحرب مع أحد
إقرأ أيضاً:
صندوق الطوارئ.. الحل الأمثل لمواجهة نفقات الأعياد| فيديو
قدمت الدكتورة إيمان شاهين، أستاذة إدارة المنزل ومؤسسات الأسرة والطفولة بجامعة المنوفية، مجموعة من الإرشادات للأمهات حول كيفية شراء ملابس عيد الفطر لعام 2025 بأسلوب اقتصادي دون التأثير على الميزانية.
وأوضحت شاهين، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلاميين أحمد دياب ونهاد سمير في برنامج "صباح البلد" على قناة صدى البلد، أن التخطيط المسبق يعد عاملاً رئيسيًا في تقليل الضغوط المالية والنفسية خلال المواسم المختلفة.
وأشارت إلى أن تخصيص ميزانية مسبقة للمناسبات يساعد في تخفيف العبء المالي، كما أن توزيع الدخل الشهري بشكل متوازن يتيح للأمهات التحكم في المصاريف دون الحاجة إلى إنفاق مبالغ كبيرة دفعة واحدة.
وأكدت على ضرورة غرس ثقافة التوفير والادخار لدى الأطفال، عبر تخصيص جزء من مصروفهم الشخصي في حصالة يمكنهم استخدامها لاحقًا لشراء ما يرغبون فيه خلال العيد. كما أوضحت أن التخطيط المالي يشمل الاستفادة من فترات العروض والتخفيضات التي تتوفر في نهاية المواسم، مما يمكن الأسر من شراء الملابس بأسعار مناسبة دون التأثير على الميزانية.
وأضافت شاهين، أن تتابع المواسم، مثل رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، إلى جانب المناسبات العائلية الأخرى، قد يشكل ضغطًا ماليًا كبيرًا، لذا فإن إعداد قائمة بالاحتياجات المتوقعة لكل مناسبة وشرائها تدريجيًا يسهم في تجنب الأعباء المالية المفاجئة.
وأوصت بإنشاء صندوق للطوارئ يساعد في مواجهة المصاريف غير المتوقعة، مشيرة إلى إمكانية تحقيق ذلك من خلال تقليل الإنفاق غير الضروري وتوجيه الفائض إلى هذا الصندوق.