في تطور حقوقي لافت، قررت السلطات القضائية المصرية حفظ التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني، مع 75 من الجمعيات الأهلية العاملة في مصر إلى جانب 43 حقوقيا شملتهم تحقيقات دامت 12 عاما.

القرار لاقى قبولا كبيرا بين مراقبين ونشطاء، ومتحدثين لـ"عربي21"، خاصة أنه مع صدور أوامر حفظ التحقيقات يتم إلغاء كافة قرارات المنع من السفر السابقة أو الوضع على قوائم ترقب الوصول أو التحفظ على الأموال الصادرة في هذه التحقيقات، ما اعتبره البعض خطوة من رأس النظام تسبق رئاسيات 2024.



إلا أن البعض عاب عليه تأخره لسنوات طويلة، بجانب عدم تحديد أسماء الجمعيات الصادر بحقها تلك القرارات وتلك التي لم ينته التحقيق بحقها بعد، بجانب عدم إزالة ما تم تشويهه من سمعة بعض الجمعيات والعاملين بها، في وسائل الإعلام المصرية التي حملت اتهامات بالعمالة والخيانة.

ومع ذلك فإن الإعلان أثار آمال المتفائلين حول ما قد يتبع قرارات رفع المنع من السفر والتحفظ على الأموال، من قرارات أخرى، بتيسير عمل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في مصر.

"تسلسل القضية"

وقضية التمويل الأجنبي، إحدى أطول القضايا التي بقيت منظورة أمام القضاء المصري، وكانت الملف الأشهر الذي تفجر في عهد المجلس العسكري الحاكم في مصر (2011- 2012) عقب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، والإطاحة بالرئيس حسني مبارك.

وفي 26 شباط/ فبراير 2012، نظرت محكمة "جنايات القاهرة" أولى جلسات القضية وتولت التحقيق في اتهام 85 جمعية أهلية عاملة في مصر بالحصول على تمويل خارجي بلغ 60 مليون دولار.

حينها وجهت الاتهامات إلى 14 ناشطا مصريا في مجال العمل الأهلي، بجانب 19 أمريكيا و5 صربيين وألمانيين و3 عرب من لبنان وفلسطين، كانوا يعملون في 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية بالبلاد بدون ترخيص، بحسب الاتهام، الصادر من جهات التحقيق بوزارة العدل في تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

ومع ضغوط أمريكية سمحت السلطات التنفيذية في القاهرة بسفر أغلب المتهمين الأمريكيين بالقضية إلى واشنطن، بعد قرار قضائي برفع حظر مغادرتهم مصر في 29 شباط/ فبراير 2013.

وأسدلت "جنايات القاهرة"، لاحقا الستار عن القضية في شقها الأجنبي ببراءة جميع المتهمين مع مواصلة التحقيق في الشق الخاص بالمنظمات المحلية.

وفي حزيران/ يونيو 2014، قضت المحكمة، بمعاقبة 27 متهما غيابيا، بالسجن 5 سنوات من بينهم 18 أمريكيا، والباقون من جنسيات مختلفة جميعهم مسؤولون بفروع منظمات أجنبية في مصر.

وقضت بمعاقبة خمسة آخرين حضوريا بالحبس سنتين منهم أمريكي وألمانية وثلاثة مصريين، وبمعاقبة 11 متهما مصريا آخرين حضوريا بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، وتغريم كل متهم ألف جنيه.

وبعد 5 سنوات من الحكم، قبلت محكمة النقض في شباط/ فبراير 2019، الطعن المقدم من المحكوم عليهم في القضية، وقضت بإعادة المحاكمة.

وقررت محكمة "استئناف القاهرة"، بإنهاء الشق الأجنبي من القضية بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأجانب في القضية بعد دفع كفالة مليوني جنيه لكل منهم، وغادر 9 أمريكيين و8 من جنسيات أخرى مصر على متن طائرة أمريكية خاصة.


"الشق المحلي"

وتبقى الشق المصري من القضية قائما، حيث إنه تم فتح التحقيق في القضية مجددا في آذار/ مارس 2016، فيما صدر قرار قضائي بمنع النشطاء حسام بهجت وجمال عيد وأسرتيهما و5 آخرين من التصرف في أموالهم.

وفي 17 أيلول/ سبتمبر 2016، جرى ضم النشطاء بهي الدين حسن، ومصطفى الحسن، وعبدالحفيظ طايل، لقرارات المنع السابقة، ليجري ضم أسماء الناشطتين عزة سليمان، ومزن حسن، مع قرار بمنعهما من السفر عام 2017.

وطالت القرارات أيضا المحامي محمد زارع، والنشطاء؛ إسراء عبدالفتاح، وعلاء الدين عبدالتواب، وأحمد غنيم، وأحمد راغب، ومالك عدلي، وناصر أمين، وهدى عبدالتواب، وحسام الدين أحمد.

وفي وقت لاحق أصدر قاضي التحقيقات في القضية قرارا بأنه لا سند لإقامة الدعوى الجنائية بحق 20 منظمة مجتمع مدني، لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة، بجانب تبرئة 18 منظمة أخرى في 2021.

وأمس الثلاثاء، وبعد نحو 12 عاما صرح قاضي التحقيق المنتدب حديثا من محكمة استئناف القاهرة بالقضية، بأنه تم الانتهاء من التحقيق لـ75 منظمة، وصدرت لها أوامر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية (أوامر حفظ)، موضحا أنه جاري الانتهاء من التحقيق بحق 10 منظمات أخرى.

لكن إعلان القاضي الجديد حفظ التحقيقات في أغلب القضايا ورفع قرارات منع السفر والتحفظ على الأموال، يثير التساؤل حول دلالات قرار نظام السيسي ودوافعه وتوقيته، خاصة أنه يأتي قبيل انتخابات الرئاسة المقررة مطلع 2024.

ويثير التساؤل حول مدى اعتباره مناورة من نظام السيسي، لإرضاء الغرب الغاضب من هذا الملف، من جانب، ولتهدئة حالة الغضب بين النشطاء في ملفات أخرى سياسية واقتصادية وأمنية، من جانب آخر.



"خطوات تجميلية"

وفي رؤيته، قال الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، لـ"عربي21"، إنها "خطوات تجميلية محسوبة بدقة لا تغضب القوى الإقليمية الداعمة لنظام السيسي، والتي تدعم قهره للمصريين عامة والإسلاميين خاصة".

وأضاف: "وتذر الرماد في العيون بعض الشيء، وترفع الحرج عن القوى العالمية التي يتوجه اللوم لها على دعم نظام مستبد استئصالي".

ويرى أنها "بالطبع لها علاقة بقرب مسرحية الانتخابات الرئاسية، والتي أزعم أن الانتهاكات فيها ستفوق ما يحدث في مصر من انتهاكات على كافة المستويات"، مشيرا إلى أنه "حتى الآن لم نر موقفا عالميا جادا أو رغبة في أن تحدث انتخابات حقيقية في مصر".

وفي نهاية حديثه قال: "ربما تحدث خطوات أخرى في هذا الصدد، ولكن دون التعامل مع عشرات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين"، مؤكدا أنه "لن يتم التعامل معهم مطلقا أو إحداث انفراجة معهم، لأن هذا مسوغ لاستمرار السيسي في منصبه".

"تجريف وتكبيل"

وعلى مدار حكم السيسي، -منذ 2014- جرى تجريف العمل الاجتماعي ووقف الكثير من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وغلق مقراتها وحبس العديد من النشطاء.

وجرى إصدار "قانون الجمعيات الأهلية" المثير للجدل والمكبل للعمل العام، والذي يقر حبس العاملين بالجمعيات عام 2017، والذي جرت عليه تعديلات في تموز/ يوليو 2019، بينها إلغاء عقوبة الحبس.

إلا أن القانون الجديد وضع إطارا يحد من عمل منظمات المجتمع المدني، حيث يرفع بعض القيود ويضع غيرها، ويجعلها متهمة طوال الوقت تحت مسميات من قبيل "الإخلال بالنظام العام" أو "الآداب العامة" أو "الوحدة الوطنية" أو "الأمن القومي"، وفق تقرير سابق لـ"عربي21".


"تبعية القضاء"

وفي تقديره، قال الباحث المصري في الشؤون القانونية عباس قباري، إن "هذا الخبر من وجهة نظري، يتضمن زاويتين على درجة كبيرة من الأهمية، تتمثل الأولى في ترسيخ صورة نمطية عن القضاء المصري باعتباره تابع لتوجهات السلطة ويقدم دعمه الدائم لها في شراكة مستمرة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، تساءل: "ما معنى الالتفات المفاجئ لقضية استمرت 12 عاما في مرحلة التحقيقات، ومن ثم تعيين قاض للتحقيق ليقوم فجأة بحفظ التحقيقات ويصدر قراره بألا وجه لإقامة الدعوة".

وأضاف: "وهو ما أكدته وزارة العدل فورا وشرعت في تنفيذ القرار، وأصدرت بيان رسمي تعقيبا على ذلك، وهو ما يعطي انطباعا سلبيا عن المنظومة القضائية، إذ ما الداعي لخطوات قضائية طوال هذه السنوات عطلت فيها حسابات ومنعت شخصيات من السفر، ثم انتهت إلى لا شيء".

الزاوية الثانية، من وجهة نظر الباحث المصري "تكمن في سعي النظام لتوفير أجواء تساعده على تجاوز الظرف الذي يمر به، واستعداده لإعادة إنتاج نفسه ليناسب ظروف الانتخابات التي يسعى لإقامتها، واحتياجه لتبريد بعض الملفات".

وبين أن ذلك "عبر إصدار قرارات عفو عن سجناء، أو إغلاق بعض القضايا ضد جهات بعينها، وهو ما يمثل استجابة لمطالب شركاء يحتاجهم وقت مروره بمنعطف سياسي، ثم سرعان ما ينقلب عليهم بعد أن تمر العاصفة، وهو ما تكرر منه في فترات مماثلة".

"لا يقدم جديدا"

وفي قراءته لبيان المحكمة وما يتبعه من قرارات، قال الحقوقي المصري، محمد زارع، إن "القرار الصادر الثلاثاء، والتطور الهام في القضية المفتوحة منذ 2011، ولم تغلق إلى اليوم من وجهة نظري لا يقدم جديدا، فمازال التحقيق قائما بحق 10 منظمات".

رئيس "المنظمة العربية للإصلاح الجنائي"، وأحد الأشخاص الموجودين ضمن العشرة منظمات التي لم يتم انتهاء التحقيق بحقها، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يعرف ما هو التطور الذي يتحدث عنه قاضي التحقيق، بقوله إن القضايا في مرحلتها الأخيرة، ورغم أنني أتمنى ذلك، ولكن هذا كلام نسمعه منذ سنوات".

نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان سابقا، أضاف: "أرى باعتباري في إحدى القضايا، أن 12 عاما تكفي، ولابد من إنهاء التحقيقات"، مشيرا إلى أنه "إن كانت هناك عدالة في القضية لكنها عدالة بطيئة".


"12 عاما تعطل"

وانتقد غياب المعلومات حول المنظمات التي حفظ التحقيق بحقها وتلك التي لم ينته التحقيق في ملفاتها، معتبرا أن "البيان غير واضح"، متسائلا عن "الإجراءات التي يقوم بها القضاء الآن في قضية عطلت العمل المدني بالبلاد 12 عاما".

وأكد أن "الـ85 منظمة لم ترتكب مخالة، وعملت بعلم الدولة والأجهزة المصرية"، موضحا أن "الموضوع له علاقة بأحداث مصر منذ ثورة يناير 2011، واعتقاد الجهات الأمنية أن للجمعيات الأهلية دور بالثورة، رغم أنها تعمل بعيدا عن السياسة".

وانتقد ذراع "تعرض المجتمع المدني للتنكيل منذ العام 2011، ومنع الجمعيات والمنظمات من العمل والسفر والتحفظ على أموال الجمعيات والعاملين بها، وتشويه سمعتهم بالفضائيات باتهامات العمالة والخيانة".

وفي رؤيته لدوافع قرار نظام السيسي بغلق الملف مع 75 جمعية قال إن "البيان حصيلة ما تم بالسنوات الماضية، وليس قرارا تم اتخاذه الثلاثاء بحق ذلك العدد، ولكنه يمثل بيانا إحصائيا للتحقيقات بالسنوات الماضية".

"نوايا النظام"

وحول مدى اعتباره الأمر، مناورة من النظام لإرضاء جهة أو أشخاص أم أنه تصرف ذاتي، أكد أن "ما يهمنا هو غلق هذا الملف، ولكن ربما يكون السيسي، يستعد لولاية جديدة وربما أراد بدء صفحة جديدة، وفي كل الأحوال النوايا صعب الوصول إليها".

وأشار إلى أن "القرار تأخر كثيرا والمجتمع المدني عانى كثيرا بالفترة الماضية من هذه الإجراءات، ولو تم غلق الملف بالنسبة لـ85 منظمة وليس 75 فقط، فأظن أن هذا تصحيح لوضع سيئ الكل عانى منه".

وحول ما قد يتبع القرار من قرارات أخرى بتيسير عمل المنظمات، قال زارع: "ليس لدى تصور كيف يفكر النظام، ومع ذلك فلم نر منه شيئا يحدث للنهاية، حتى الإفراج عن مساجين سياسيين يتم بالقطعة لا يتم بقرار يمكن أن نسميه منهج أو أسلوب يتم تعميميه".

وأكد أنه "ليس هناك شيء منهجي واضح يغلق هذه الملفات ويوقف قرارات الحبس الاحتياطي وييسر عمل المنظمات الأهلية ويطلق الحياة الحزبية، وهناك تردد شديد في اتخاذ قرارات ذات أهمية واضحة".

ولفت إلى أنه "من وقت لآخر يقدم بعض التيسيرات التي تشير لعمل تحسينات جزئية بطيئة لكنها موجودة، وفي النهاية لا نعرف طريقة تفكيره هل هو امتصاص غضب أم تحسينات بسيطة أم منهج، وهو ما لا أظنه، ولكن نتمناه في المستقبل".

"أهمية تلك المنظمات"

وفي رؤيته لأهمية عمل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية للمصريين والذي كانت ستقدمه لهم في ظل أزماتهم الحالية وحرمهم نظام السيسي منها، أوضح أنه "في كل العالم مجتمع مدني يقدم خدمة ودور مهم وله تخصصات مختلفة كتقديم خدمات أو توعية أو تدريب وبحوث ودراسات".

وأكد أنه "كلما كانت الدولة متقدمة قدم المجتمع المدني شيئا راقيا، عكس الدول التي لديها مشاكل بملف الديمقراطية فلا تسمح لأحد بالتدخل بينها وبين الشعب، خاصة أن المجتمع المدني وسيط يقدم خدماته يحاول يكمل النواقص ويقوم بالتوعية والدفاع ورفض الانتهاكات".

ويرى أن "هذه الأدوار في العالم الثالث غير محبوبة، لذلك فإن المنظمات تتعرض للتنكيل بسبب ما تقدمه من خدمات قانونية لمساعدة المواطنين وما تقوم به من أدوار قد لا تريدها الدولة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات المصرية الجمعيات القاهرة السيسي مصر السيسي القاهرة جمعيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمات المجتمع المدنی الجمعیات الأهلیة حفظ التحقیقات حفظ التحقیق التحقیق فی فی القضیة من السفر إلى أن وهو ما فی مصر

إقرأ أيضاً:

14 عاما على اندلاع ثورة فبراير اليمنية التي أسقطت علي صالح.. ماذا تبقى منها؟

حلت الذكرى السنوية الرابعة عشرة لاندلاع ثورة 11 شباط/فبراير عام 2011 ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وسط تساؤلات عدة عن ماذا تبقى من هذه الثورة بعدما تنكرت لها قوى سياسية كانت حاضرة في أحداثها بقوة.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تراجع زخم المظاهر الاحتفالية بذكرى ثورة فبراير في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها، بعدما كانت مظاهر الاحتفال تسجل حضورا رسمي واجتماعي كبيرين.

"ثورة مضادة"
وفي السياق، يرى رئيس مركز الجزيرة للدراسات والبحوث، أنو الخضري إنه في ظل العداء المحلي والإقليمي لثورة ١١ فبراير ونتيجة للثورة المضادة التي قادتها دولتا التحالف (السعودية والإمارات) ضد ١١ فبراير٬ حد تسليم صنعاء لجماعة الحوثي في ٢١ أيلول/سبتمبر ٢٠١٤، وخلق مليشيات انفصالية ومتمردة على الدولة "سعت القوى الثورية والمناصرة للثورة للتخفف من حمولة الثورة في سبيل تسكين ثائرة دول الإقليم، واستعادة ما تعتبره الصف الجمهوري ضد جماعة الحوثي وما تمثله من انبعاث لنظام الإمامة الكهنوتي".

وقال الخضري في حديث خاص لـ"عربي21": إن تلك الأحزاب والقوى استطاعت من إيقاف الاحتفالات والاحتفاء بهذه المناسبة وإخضاع منسوبيها لهذا التوجه، بالرغم أن هذا الأمر لن يغير من موقف الأطراف المحلية أو الإقليمية.


وأضاف "تدرك تلك القوى منها المحلية والإقليمية المعادية لثورة فبراير أن تراجع قوى الثورة عن الاحتفال بذكراها "لا يتجاوز أن يكون تكتيكا سياسيا، لهذا تحافظ على سقف خطابها الهجومي على الثورة ورموزها وتستمر في صنع المؤامرات لتعطيل أي مسار لاستعادة الدولة في صيغة جمهورية ديمقراطية".

وأشار الباحث اليمني "ثورة ١١ فبراير كانت جهدا بشريا شارك فيه الشعب اليمني تعبيرا عن احتجاجه لما آلت إليه أوضاع البلاد، خصوصا في الوضع الاقتصادي والتنموي والحقوق والحريات، متابعا القول: "وقد قدمت نموذجا للتعبير السلمي ضد استبداد الحاكم وفساده وظلمه".

وحسب رئيس مركز الجزيرة للدراسات فإنه لا شك أن هناك أخطاء وقعت من الثوار، ومن الذين تصدروا منصة الثورة، ومن القوى والأحزاب التي ناصرتها، كأي جهد بشري.

غير أن مواجهة النظام البائد لها وتآمر القوى الإمامية واليسارية عليها وتصدي دول الإقليم لها، وفقا للمتحدث ذاته، "أعاق تقدمها وأفشل استمرارها، خصوصا أن الثورة قبلت بأنصاف الحلول وألقت بطود النجاة لرأس النظام البائد وأركان حكمه٬ ما أتاح لهم التآمر على مسار المرحلة الانتقالية وقوى الثورة بتحالفهم مع قوى الإمامة".

وأوضح الخضري أنه ومع شراسة الثورة المضادة التي هدمت مشروع الدولة وعرضت اليمن للتمزق وصراع طويل الأمد وتهديد القوى الثورية والوطنية حتى تشتت أفرادها في مشارق الأرض ومغاربها خفت وهج الثورة وانصرف الناس لمواجهة التحديات المستجدة والمآسي اللاحقة.


لكنه دعا في ختام حديثه إلى "المحافظة على وهج الثورة واستعادة زخمها مهما كلف الأمر لأنها نضال مشروع".

"عطل المشروع السياسي للثورة"
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أنه منذ ألفين وأربعة عشر دخلت الثورة المضادة المدعومة بسخاء من دول الإقليم، على خط الربيع العربي في اليمن، وهيأت أدوات عديدة لإجهاض ثورة 11 فبراير".

وأضاف التميمي في حديثه لـ"عربي21" أن تلك الثورة المضادة نجحت بالفعل في "تعطيل المشروع السياسي للثورة والتغيير والذي كان يتسلح بأول خارطة طريق وطنية مجمع عليها بشأن الإصلاح والتغيير، يتم إقرارها بواسطة مؤتمر وطني للحوار الشامل".

وأشار "من المؤكد أن عدم استكمال استحقاق التغيير بواسطة الثورة وحدها، والسماح بشراكة مع القوى الأخرى المعادية للمساهمة في قيادة عملية الانتقال السياسي، قد أديا إلى أن تتغول القوى المضادة كثيرا وتصادر القرار السياسي والسيادي، من خلال موقع الرئاسة والمناصب الرئيسية في الحكومة التي شغلها أناس في حالة تضاد مع الثورة أو غير مكترثين باستحقاقاتها".

إضافة إلى ذلك يقول التميمي، إن اندلاع الحرب عزز من "هيمنة القوى الإقليمية وثيقة الصلة بالثورة المضادة على القرار السيادي الوطني مما أفسح المجال لاستهداف ممنهج ومباشر لثورة 11 فبراير ومكتسباتها واستحقاقاتها، وأطلقت العنان للقوى المحلية المضادة للثورة لكي تتصرف بشكل عدائي ضد قوى الثورة والعمل المتواصل لتحييدها".


كل ذلك أنتج وفقا للتميمي "هذا الموقف السلبي والعدائي تجاه ثورة 11 فبراير"، وبالتالي بدت كما لو أن تأثيرها قد اضمحل واستحقاقاتها طُويت، ومظاهرها خبت.

لكنه استدرك قائلا: "إن ثورة 11 فبراير لا تزال موجودة وقواها حية وحاضرة وتقاتل في الميدان"، ومظاهر الاحتفاء بها لم تتوقف، في حين "تثبت قوى الثورة أنها رقم صعب وعامل حاسم في تقرير مصير اليمن".

وتأتي الذكرى الرابعة عشرة في ظل من يحملها ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، وآخرين يعتبرونها ثورة لم يكتمل مساره بفعل الثورة المضادة التي برزت بانقلاب جماعة "أنصارالله" الحوثيين وصولا للحرب المدمرة التي جعلت البلد رهينة للهيمنة الخارجية.

"لم يبق سوى الذكرى"
من جانبه، قال الصحفي والناشط الحقوقي اليمني، محمد الأحمدي إن الذكرى السنوية لثورة 11 فبراير في نسختها الرابعة عشرة تحل "ولم يبق منها سوى الذكرى، في ظل نجاح الثورة المضادة التي قادها نظام صالح والحوثيون قبل أن يتخلص الحوثيون من صالح وينتهي المطاف باليمن شمالا في قبضة الإمامة بنسختها الحوثية التابعة لإيران، بينما يرزح جنوب البلاد تحت وطأة الفوضى والانقسامات والتدخلات الخارجية التي زادت الوضع تعقيدًا".

وتابع الأحمدي حديثه لـ"عربي21"أن الأحداث والتطورات التي شهدها اليمن خلال أربع عشرة سنة من الثورة الشبابية السلمية تجاوزت الثورة وفرضت واقعًا يتطلب البحث عن مراجعات حقيقية جادة وتقييم لهذه الثورة التي كانت الأجمل في تاريخ البلاد قبل أن تتخطفها أيادي العابثين والانتهازيين وينتهي بها المطاف إلى الوضع الراهن".



وأشار الناشط الحقوقي اليمني إلى أنه منذ سنوات، تم إلغاء الاحتفالات بذكرى ثورة فبراير في عدد من المحافظات ومن بعض القوى السياسية الثورية التي كانت تقيم مظاهر احتفائية كبيرة بذكرى الثورة، وذلك "بعد أن ارتهنت الكثير من هذا القوى للخارج وسلمت خطامها لقوى إقليمية ترى في ثورات الربيع تهديدًا لها".

فضلا عن ذلك وفقا للأحمدي "برز الحديث عن وحدة الصف الجمهوري في اليمن في مواجهة الإمامة (جماعة الحوثيين) وهو "ما يستدعي تجاوز خطاب الثورة والاتجاه نحو خطاب سياسي يساهم في لملمة شتات اليمنيين لمواجهة الخطر الداهم والأكبر المتمثل بمليشيا الحوثي".

مقالات مشابهة

  • بعد التحقيق معه اليوم.. ماذا قرّر القاضي حلاوي بشأن رياض سلامة؟
  • عون: نرفض المساس بحقوق الفلسطينيين التي كرستها قرارات الأمم المتحدة
  • مجلس التعاون الخليجي: لا يجب تجزئة القضية الفلسطينية ونؤكد ضرورة احترام قرارات الشرعية الدولية
  • 14 عاما على اندلاع ثورة فبراير اليمنية التي أسقطت علي صالح.. ماذا تبقى منها؟
  • باحث سعودي: القضية الفلسطينية ما زالت هي الأولى التي تحدث عنها قيادة المملكة
  • عمرو موسى: هذه الطريقة تضمن القضاء على محاولة تصفية القضية الفلسطينية
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟.. عاجل
  • روسيا: القضاء على معظم القوات الأوكرانية التي دخلت كورسك في أغسطس
  • وزير الأوقاف: القضاء المصري صاحب تاريخ عظيم ومدرسة قديرة