في تطور حقوقي لافت، قررت السلطات القضائية المصرية حفظ التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني، مع 75 من الجمعيات الأهلية العاملة في مصر إلى جانب 43 حقوقيا شملتهم تحقيقات دامت 12 عاما.

القرار لاقى قبولا كبيرا بين مراقبين ونشطاء، ومتحدثين لـ"عربي21"، خاصة أنه مع صدور أوامر حفظ التحقيقات يتم إلغاء كافة قرارات المنع من السفر السابقة أو الوضع على قوائم ترقب الوصول أو التحفظ على الأموال الصادرة في هذه التحقيقات، ما اعتبره البعض خطوة من رأس النظام تسبق رئاسيات 2024.



إلا أن البعض عاب عليه تأخره لسنوات طويلة، بجانب عدم تحديد أسماء الجمعيات الصادر بحقها تلك القرارات وتلك التي لم ينته التحقيق بحقها بعد، بجانب عدم إزالة ما تم تشويهه من سمعة بعض الجمعيات والعاملين بها، في وسائل الإعلام المصرية التي حملت اتهامات بالعمالة والخيانة.

ومع ذلك فإن الإعلان أثار آمال المتفائلين حول ما قد يتبع قرارات رفع المنع من السفر والتحفظ على الأموال، من قرارات أخرى، بتيسير عمل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في مصر.

"تسلسل القضية"

وقضية التمويل الأجنبي، إحدى أطول القضايا التي بقيت منظورة أمام القضاء المصري، وكانت الملف الأشهر الذي تفجر في عهد المجلس العسكري الحاكم في مصر (2011- 2012) عقب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، والإطاحة بالرئيس حسني مبارك.

وفي 26 شباط/ فبراير 2012، نظرت محكمة "جنايات القاهرة" أولى جلسات القضية وتولت التحقيق في اتهام 85 جمعية أهلية عاملة في مصر بالحصول على تمويل خارجي بلغ 60 مليون دولار.

حينها وجهت الاتهامات إلى 14 ناشطا مصريا في مجال العمل الأهلي، بجانب 19 أمريكيا و5 صربيين وألمانيين و3 عرب من لبنان وفلسطين، كانوا يعملون في 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية بالبلاد بدون ترخيص، بحسب الاتهام، الصادر من جهات التحقيق بوزارة العدل في تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

ومع ضغوط أمريكية سمحت السلطات التنفيذية في القاهرة بسفر أغلب المتهمين الأمريكيين بالقضية إلى واشنطن، بعد قرار قضائي برفع حظر مغادرتهم مصر في 29 شباط/ فبراير 2013.

وأسدلت "جنايات القاهرة"، لاحقا الستار عن القضية في شقها الأجنبي ببراءة جميع المتهمين مع مواصلة التحقيق في الشق الخاص بالمنظمات المحلية.

وفي حزيران/ يونيو 2014، قضت المحكمة، بمعاقبة 27 متهما غيابيا، بالسجن 5 سنوات من بينهم 18 أمريكيا، والباقون من جنسيات مختلفة جميعهم مسؤولون بفروع منظمات أجنبية في مصر.

وقضت بمعاقبة خمسة آخرين حضوريا بالحبس سنتين منهم أمريكي وألمانية وثلاثة مصريين، وبمعاقبة 11 متهما مصريا آخرين حضوريا بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، وتغريم كل متهم ألف جنيه.

وبعد 5 سنوات من الحكم، قبلت محكمة النقض في شباط/ فبراير 2019، الطعن المقدم من المحكوم عليهم في القضية، وقضت بإعادة المحاكمة.

وقررت محكمة "استئناف القاهرة"، بإنهاء الشق الأجنبي من القضية بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأجانب في القضية بعد دفع كفالة مليوني جنيه لكل منهم، وغادر 9 أمريكيين و8 من جنسيات أخرى مصر على متن طائرة أمريكية خاصة.


"الشق المحلي"

وتبقى الشق المصري من القضية قائما، حيث إنه تم فتح التحقيق في القضية مجددا في آذار/ مارس 2016، فيما صدر قرار قضائي بمنع النشطاء حسام بهجت وجمال عيد وأسرتيهما و5 آخرين من التصرف في أموالهم.

وفي 17 أيلول/ سبتمبر 2016، جرى ضم النشطاء بهي الدين حسن، ومصطفى الحسن، وعبدالحفيظ طايل، لقرارات المنع السابقة، ليجري ضم أسماء الناشطتين عزة سليمان، ومزن حسن، مع قرار بمنعهما من السفر عام 2017.

وطالت القرارات أيضا المحامي محمد زارع، والنشطاء؛ إسراء عبدالفتاح، وعلاء الدين عبدالتواب، وأحمد غنيم، وأحمد راغب، ومالك عدلي، وناصر أمين، وهدى عبدالتواب، وحسام الدين أحمد.

وفي وقت لاحق أصدر قاضي التحقيقات في القضية قرارا بأنه لا سند لإقامة الدعوى الجنائية بحق 20 منظمة مجتمع مدني، لانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة، بجانب تبرئة 18 منظمة أخرى في 2021.

وأمس الثلاثاء، وبعد نحو 12 عاما صرح قاضي التحقيق المنتدب حديثا من محكمة استئناف القاهرة بالقضية، بأنه تم الانتهاء من التحقيق لـ75 منظمة، وصدرت لها أوامر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية (أوامر حفظ)، موضحا أنه جاري الانتهاء من التحقيق بحق 10 منظمات أخرى.

لكن إعلان القاضي الجديد حفظ التحقيقات في أغلب القضايا ورفع قرارات منع السفر والتحفظ على الأموال، يثير التساؤل حول دلالات قرار نظام السيسي ودوافعه وتوقيته، خاصة أنه يأتي قبيل انتخابات الرئاسة المقررة مطلع 2024.

ويثير التساؤل حول مدى اعتباره مناورة من نظام السيسي، لإرضاء الغرب الغاضب من هذا الملف، من جانب، ولتهدئة حالة الغضب بين النشطاء في ملفات أخرى سياسية واقتصادية وأمنية، من جانب آخر.



"خطوات تجميلية"

وفي رؤيته، قال الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، لـ"عربي21"، إنها "خطوات تجميلية محسوبة بدقة لا تغضب القوى الإقليمية الداعمة لنظام السيسي، والتي تدعم قهره للمصريين عامة والإسلاميين خاصة".

وأضاف: "وتذر الرماد في العيون بعض الشيء، وترفع الحرج عن القوى العالمية التي يتوجه اللوم لها على دعم نظام مستبد استئصالي".

ويرى أنها "بالطبع لها علاقة بقرب مسرحية الانتخابات الرئاسية، والتي أزعم أن الانتهاكات فيها ستفوق ما يحدث في مصر من انتهاكات على كافة المستويات"، مشيرا إلى أنه "حتى الآن لم نر موقفا عالميا جادا أو رغبة في أن تحدث انتخابات حقيقية في مصر".

وفي نهاية حديثه قال: "ربما تحدث خطوات أخرى في هذا الصدد، ولكن دون التعامل مع عشرات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين"، مؤكدا أنه "لن يتم التعامل معهم مطلقا أو إحداث انفراجة معهم، لأن هذا مسوغ لاستمرار السيسي في منصبه".

"تجريف وتكبيل"

وعلى مدار حكم السيسي، -منذ 2014- جرى تجريف العمل الاجتماعي ووقف الكثير من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وغلق مقراتها وحبس العديد من النشطاء.

وجرى إصدار "قانون الجمعيات الأهلية" المثير للجدل والمكبل للعمل العام، والذي يقر حبس العاملين بالجمعيات عام 2017، والذي جرت عليه تعديلات في تموز/ يوليو 2019، بينها إلغاء عقوبة الحبس.

إلا أن القانون الجديد وضع إطارا يحد من عمل منظمات المجتمع المدني، حيث يرفع بعض القيود ويضع غيرها، ويجعلها متهمة طوال الوقت تحت مسميات من قبيل "الإخلال بالنظام العام" أو "الآداب العامة" أو "الوحدة الوطنية" أو "الأمن القومي"، وفق تقرير سابق لـ"عربي21".


"تبعية القضاء"

وفي تقديره، قال الباحث المصري في الشؤون القانونية عباس قباري، إن "هذا الخبر من وجهة نظري، يتضمن زاويتين على درجة كبيرة من الأهمية، تتمثل الأولى في ترسيخ صورة نمطية عن القضاء المصري باعتباره تابع لتوجهات السلطة ويقدم دعمه الدائم لها في شراكة مستمرة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، تساءل: "ما معنى الالتفات المفاجئ لقضية استمرت 12 عاما في مرحلة التحقيقات، ومن ثم تعيين قاض للتحقيق ليقوم فجأة بحفظ التحقيقات ويصدر قراره بألا وجه لإقامة الدعوة".

وأضاف: "وهو ما أكدته وزارة العدل فورا وشرعت في تنفيذ القرار، وأصدرت بيان رسمي تعقيبا على ذلك، وهو ما يعطي انطباعا سلبيا عن المنظومة القضائية، إذ ما الداعي لخطوات قضائية طوال هذه السنوات عطلت فيها حسابات ومنعت شخصيات من السفر، ثم انتهت إلى لا شيء".

الزاوية الثانية، من وجهة نظر الباحث المصري "تكمن في سعي النظام لتوفير أجواء تساعده على تجاوز الظرف الذي يمر به، واستعداده لإعادة إنتاج نفسه ليناسب ظروف الانتخابات التي يسعى لإقامتها، واحتياجه لتبريد بعض الملفات".

وبين أن ذلك "عبر إصدار قرارات عفو عن سجناء، أو إغلاق بعض القضايا ضد جهات بعينها، وهو ما يمثل استجابة لمطالب شركاء يحتاجهم وقت مروره بمنعطف سياسي، ثم سرعان ما ينقلب عليهم بعد أن تمر العاصفة، وهو ما تكرر منه في فترات مماثلة".

"لا يقدم جديدا"

وفي قراءته لبيان المحكمة وما يتبعه من قرارات، قال الحقوقي المصري، محمد زارع، إن "القرار الصادر الثلاثاء، والتطور الهام في القضية المفتوحة منذ 2011، ولم تغلق إلى اليوم من وجهة نظري لا يقدم جديدا، فمازال التحقيق قائما بحق 10 منظمات".

رئيس "المنظمة العربية للإصلاح الجنائي"، وأحد الأشخاص الموجودين ضمن العشرة منظمات التي لم يتم انتهاء التحقيق بحقها، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يعرف ما هو التطور الذي يتحدث عنه قاضي التحقيق، بقوله إن القضايا في مرحلتها الأخيرة، ورغم أنني أتمنى ذلك، ولكن هذا كلام نسمعه منذ سنوات".

نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان سابقا، أضاف: "أرى باعتباري في إحدى القضايا، أن 12 عاما تكفي، ولابد من إنهاء التحقيقات"، مشيرا إلى أنه "إن كانت هناك عدالة في القضية لكنها عدالة بطيئة".


"12 عاما تعطل"

وانتقد غياب المعلومات حول المنظمات التي حفظ التحقيق بحقها وتلك التي لم ينته التحقيق في ملفاتها، معتبرا أن "البيان غير واضح"، متسائلا عن "الإجراءات التي يقوم بها القضاء الآن في قضية عطلت العمل المدني بالبلاد 12 عاما".

وأكد أن "الـ85 منظمة لم ترتكب مخالة، وعملت بعلم الدولة والأجهزة المصرية"، موضحا أن "الموضوع له علاقة بأحداث مصر منذ ثورة يناير 2011، واعتقاد الجهات الأمنية أن للجمعيات الأهلية دور بالثورة، رغم أنها تعمل بعيدا عن السياسة".

وانتقد ذراع "تعرض المجتمع المدني للتنكيل منذ العام 2011، ومنع الجمعيات والمنظمات من العمل والسفر والتحفظ على أموال الجمعيات والعاملين بها، وتشويه سمعتهم بالفضائيات باتهامات العمالة والخيانة".

وفي رؤيته لدوافع قرار نظام السيسي بغلق الملف مع 75 جمعية قال إن "البيان حصيلة ما تم بالسنوات الماضية، وليس قرارا تم اتخاذه الثلاثاء بحق ذلك العدد، ولكنه يمثل بيانا إحصائيا للتحقيقات بالسنوات الماضية".

"نوايا النظام"

وحول مدى اعتباره الأمر، مناورة من النظام لإرضاء جهة أو أشخاص أم أنه تصرف ذاتي، أكد أن "ما يهمنا هو غلق هذا الملف، ولكن ربما يكون السيسي، يستعد لولاية جديدة وربما أراد بدء صفحة جديدة، وفي كل الأحوال النوايا صعب الوصول إليها".

وأشار إلى أن "القرار تأخر كثيرا والمجتمع المدني عانى كثيرا بالفترة الماضية من هذه الإجراءات، ولو تم غلق الملف بالنسبة لـ85 منظمة وليس 75 فقط، فأظن أن هذا تصحيح لوضع سيئ الكل عانى منه".

وحول ما قد يتبع القرار من قرارات أخرى بتيسير عمل المنظمات، قال زارع: "ليس لدى تصور كيف يفكر النظام، ومع ذلك فلم نر منه شيئا يحدث للنهاية، حتى الإفراج عن مساجين سياسيين يتم بالقطعة لا يتم بقرار يمكن أن نسميه منهج أو أسلوب يتم تعميميه".

وأكد أنه "ليس هناك شيء منهجي واضح يغلق هذه الملفات ويوقف قرارات الحبس الاحتياطي وييسر عمل المنظمات الأهلية ويطلق الحياة الحزبية، وهناك تردد شديد في اتخاذ قرارات ذات أهمية واضحة".

ولفت إلى أنه "من وقت لآخر يقدم بعض التيسيرات التي تشير لعمل تحسينات جزئية بطيئة لكنها موجودة، وفي النهاية لا نعرف طريقة تفكيره هل هو امتصاص غضب أم تحسينات بسيطة أم منهج، وهو ما لا أظنه، ولكن نتمناه في المستقبل".

"أهمية تلك المنظمات"

وفي رؤيته لأهمية عمل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية للمصريين والذي كانت ستقدمه لهم في ظل أزماتهم الحالية وحرمهم نظام السيسي منها، أوضح أنه "في كل العالم مجتمع مدني يقدم خدمة ودور مهم وله تخصصات مختلفة كتقديم خدمات أو توعية أو تدريب وبحوث ودراسات".

وأكد أنه "كلما كانت الدولة متقدمة قدم المجتمع المدني شيئا راقيا، عكس الدول التي لديها مشاكل بملف الديمقراطية فلا تسمح لأحد بالتدخل بينها وبين الشعب، خاصة أن المجتمع المدني وسيط يقدم خدماته يحاول يكمل النواقص ويقوم بالتوعية والدفاع ورفض الانتهاكات".

ويرى أن "هذه الأدوار في العالم الثالث غير محبوبة، لذلك فإن المنظمات تتعرض للتنكيل بسبب ما تقدمه من خدمات قانونية لمساعدة المواطنين وما تقوم به من أدوار قد لا تريدها الدولة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات المصرية الجمعيات القاهرة السيسي مصر السيسي القاهرة جمعيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمات المجتمع المدنی الجمعیات الأهلیة حفظ التحقیقات حفظ التحقیق التحقیق فی فی القضیة من السفر إلى أن وهو ما فی مصر

إقرأ أيضاً:

صحف إسرائيلية تحذر من حرب أهلية وتحول إسرائيل لدكتاتورية

استحوذ قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار على اهتمامات العديد من الكتاب والمحللين السياسيين والعسكريين في الصحف الإسرائيلية.

واعتبرت المقالات بمجموعها أن هذا القرار الذي سيعرض على الحكومة، إذا لم تنجح الالتماسات القضائية في وقفه، قد يتسبب في انقسامات داخلية وصفها البعض منهم بالحرب الأهلية، وسيعزز قبضة نتنياهو على الحكومة وأجهزتها، وقد أطلقوا تحذيرات من تحوّل إسرائيل إلى دكتاتورية.

حرب أهلية

المحلل العسكري المعروف ناحوم برنياع خلص في مقاله في صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن المواجهة بين نتنياهو وبار تقربنا من نوع من الحرب الأهلية.

ويقول برنياع في مطلع مقاله "المجتمع الإسرائيلي، من جنود الاحتياط على حدود غزة إلى قضاة المحكمة العليا والمعلقين الإعلاميين، منقسم في ظل النظام الحالي إلى مجموعتين: أولئك المقتنعون بأننا نعيش في عالم الحياة الطبيعية، كل شيء حدث بالفعل، وكل جنون له سابقة، وأولئك المقتنعون بأن نتنياهو وعصابته المحيطة به قد كسروا كل الأدوات. من الواضح أن رونين بار ينتمي إلى الفريق الثاني".

ويضيف "رونين بار رجل مثير للإعجاب، يتمتع بقدرات غير عادية. ربما كانت إسرائيل ستستفيد لو كان رئيسا للوزراء ولكن سعي نتنياهو لإقالته أطلق صراعا خطيرا يقربنا من نوع من الحرب الأهلية، في الوقت الحالي من دون سلاح، ولكننا وصلنا إلى مرحلة فقدان الثقة والعصيان في الأجهزة الأمنية".

إعلان

وشكك برنياع في نجاح التمييز الذي اتخذه رئيس الشاباك بين ما أسماه المملكة (إسرائيل) والملك (رئيس الوزراء)، وقال إنه "في حالة الشاباك فإن هذا التمييز إشكالي لأن دور المنظمة هو حماية المملكة والملك والملكة والأمير".

وبينما تحدث عن اتساع الفجوة مؤخرا بين نتنياهو الذي يؤمن بوجود الدولة العميقة التي تتآمر عليه، وبار الذي بذل جهودا للترويج لصفقة تبادل الأسرى حتى تم استبعاده من فريق التفاوض، يرجح أن ينتهي النزاع بينهما بتعيين رئيس جديد للشاباك، معتبرا أن نتنياهو يريد أن يكرر تجربة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تكريس الولاء لشخصه في إسرائيل.

وختم المحلل العسكري مقاله بأن الإقالات اللاحقة لرئيس الشاباك ستكون بحق المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا ثم قاضي المحكمة العليا إسحاق عميت.

وقال "رئيس الوزراء فقد مكابحه وسيحكمنا كما يشاء، وستتبعه حكومة فاشلة".

نتنياهو يبني دكتاتورية

وبينما يشير بن كسبيت الكاتب السياسي البارز في مقاله بصحيفة معاريف إلى الدور الذي لعبه الوزير إيتمار بن غفير الذي رحب بقرار إقالة رونين بار، يؤكد أن القرار جاء بعد توترات طويلة الأمد مع نتنياهو على خلفية معارضة الشاباك لسياسة الحكومة، بما في ذلك التعامل مع العنف الذي يرتكبه المستوطنون في الضفة، والمخاوف من تداعيات ذلك على الأمن القومي لإسرائيل.

وسلط الضوء على تصريحات بن غفير عقب القرار، التي قال فيها "إن اليمين يجب أن يتعلم من الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب للقضاء على الدولة العميقة، والتصرف كديمقراطية، واستعادة ثقة الجمهور في الهيئات الأمنية والقضائية في دولة إسرائيل، وإن المدعي العام غالي بهاراف ميارا في خضم عملية عزل".

ولكن الكاتب، شن هجوما عنيفا على نتنياهو في مقال آخر بالصحيفة، محذرا من أن تصرفات نتنياهو ستحوّل إسرائيل إلى دكتاتورية.

إعلان

وقال "الرجل في حالة شراهة. البصيرة التي عاد بها من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة هي أنه مهما كان ما يفعله دونالد ترامب، يمكنه أن يفعل ما هو أفضل منه، فقد انفجر في اجتماع للمجلس الوزاري السياسي والأمني. وبدلا من الحديث عن الرهائن المحتجزين في أنفاق حماس، وعن الصفقة التي تعثرت ولا يتم تنفيذها، ألقى لهم "خطاب ولاء" مهامه بسيطة: أي شخص ليس مواليا شخصيا لنتنياهو لن يكون في الحكومة".

ويعلق على ذلك بالقول "هذه هي المرحلة الأخيرة في تحويل إسرائيل، التي كانت ذات يوم ديمقراطية برلمانية غربية، إلى دكتاتورية شرق أوسطية مظلمة، الولاء فيها للملك وليس للمملكة، ومن لا يقسم باسم الزوجة والابن والروح القدس يطير إلى الريح. الأمر بهذه البساطة".

ويضيف إن "نتنياهو قوّض كل الهيئات والمؤسسات والرموز الأخرى للمملكة الإسرائيلية المنهارة، ورغم أن مسؤوليته عن 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) واضحة ومطلقة كرئيس للوزراء، فإنه لا يعتذر ولا يحني رأسه وغير مستعد للذهاب إلى الناخبين، كما يفعل أي زعيم آخر في العالم بعد مثل هذا الحدث، وهو غير مستعد لتشكيل لجنة تحقيق حكومية بأي تكوين من شأنه أن يتضمن كلمة قضاة".

ويمضي الكاتب في هجومه على نتنياهو، ويصفه بأنه "وحيد القرن في متجر خزف"، ويقول "نتنياهو لم يكن عاجزا لفترة طويلة فحسب، بل هو أم كل العاجزين. في جوهره، نتنياهو يشن هجوما مناعيا ذاتيا على البلد الذي يدعي أنه يرأسه، وذلك كجهاز مناعي يهاجم نفسه وسيتسبب قريبا جدا في انهيار الجسم".

ويختم بن كسبيت مقاله بدعوة الشارع الإسرائيلي للخروج للاحتجاج ضد حكومة نتنياهو، ويعتبر أن هذه الحكومة ليس لها شرعية أخلاقية، ويقول "لن تكون لدينا فرصة أخرى لإنقاذ هذا البلد. نحن في أيام مصيرية لا مثيل لها".

سيحرق البلاد

ويسير يوسي فيرتر الكاتب الشهير ومحلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس على خطى الكاتب بن كسبيت ليشنّ هجوما عنيفا على نتنياهو، ويحذر من أن نتنياهو يقود إسرائيل نحو الدكتاتورية التي ستحرق البلاد.

إعلان

يقول فيرتر "لقد تمت كتابة إقالة رونين بار على الحائط بأحرف كبيرة، وذلك على وجه التحديد لأن ولاءه هو للدولة وقوانينها، وليس لرعيته. كل من يقف في طريق رئيس الوزراء نحو السلطة المطلقة، ويتجرأ على إظهار الاستقلال والحنكة السياسية والشجاعة، يتم إبعاده عن الطريق".

ويضيف "الديمقراطية وأمن الدولة وقوتها الوطنية ومستقبل الصهيونية في خطر لأن الحكومة اليوم يرأسها شخص فاسد ومفسد، مستهتر ومتهور، خطير، لم يتعلم الدروس من هجوم 7 أكتوبر، بل على العكس من ذلك شنّ هجومه على حراس البوابة، الذين يمنعونه من تحويل إسرائيل إلى دولة استبدادية ملكية قومية".

وعن تبرير نتنياهو إقالة رئيس الشاباك بانعدام الثقة فيه، يقول فيرتر "المشكلة ليست في الثقة، بل في الولاء. بار حارس البوابة، وبالتالي فإن ولاءه للدولة وقوانينها. وفي هذه الأيام، حيث يخيم الظلام الدامس على إسرائيل، تتعارض مصالح "الدولة" مع مصالح نتنياهو الشخصية، وكل من يقف في طريقه نحو السلطة المطلقة، وكل من يجرؤ على إظهار الاستقلالية وإقامة الدولة والشجاعة يُستبعد من الطريق: يوآف غالانت، وهرتسي هاليفي، والآن بار أيضًا. والمستشارة القانونية لرئيس الوزراء غالي بهاراف ميارا هي التالية، حيث ستناقش الحكومة يوم الأحد تصويتًا على سحب الثقة منها، كما يتجاهل الوزراء بازدراء رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت، لأن نتنياهو يريد أن يحدد من سيشارك في تعيين لجنة التحقيق الحكومية".

ولا ينسى الكاتب دعوة الجماهير والمؤسسات الأمنية للتحرك، ويقول "يجب على رؤساء المؤسسة الدفاعية خلال العقدين الماضيين أن يقولوا أيضا ما لم يقولوه حتى الآن، ويجب على الجمهور أن ينزل إلى الشوارع بأعداد كبيرة"، ويضيف "عندما يسقط الحصن في النهاية سوف ينظر الناس إلى الوراء ويندمون على عدم التصرف. هذا إنذار حقيقي. فشلت حماس وحزب الله في إخضاع دولة إسرائيل بفضل الجيش والشين بيت والموساد. نتنياهو يريد إكمال عملهم من الداخل. خطره أكبر من خطر الأعداء من الخارج".

إعلان محاولة السيطرة على الشاباك

من ناحيته يرى المحلل العسكري لصحيفة هآرتس أن نتنياهو يحاول من خلال قرار إقالة بار السيطرة على الشاباك من خلال تعيين شخص آخر مكانه موال له، ويعتبر أن مستقبل الديمقراطية في إسرائيل يعتمد على مكتب النائب العام والمحكمة العليا اللذين بيدهما وقف القرار، ويعتمد على صحوة الرأي العام.

ويقول هرئيل "بعد مرور ما يقرب من عام ونصف العام على هجوم 7 أكتوبر، لا يزال بنيامين نتنياهو على قيد الحياة. ولم يكتف بالنجاة فحسب، بل إنه أقال وزير الدفاع يوآف غالانت، في حين استقال رئيس الأركان هرتسي هاليفي بسببه، ويعتزم الآن أن يضم أيضا رئيس جهاز الشاباك رونين بار إلى القائمة".

ويرى المحلل العسكري أن نتنياهو يتصرف كما لو أنه لم يعد لديه ما يخسره من خلال تصعيد الصراع إلى حد الفوضى بما يخدم مصالحه، حيث سيتغلب قريبا على عقبة كبيرة في طريق إقرار الموازنة العامة للدولة قبل نهاية الشهر، معتبرا أن التصعيد ضد المؤسسة الأمنية وجهاز القضاء يصب في صالح شركائه في الصهيونية الدينية والحريديم.

وحسب هرئيل، فإن نتنياهو لن يكتفي بإبعاد بار عن طريقه، فإذا أدرك أن فرص نجاحه جيدة، فمن المرجح أن يحاول تنصيب شخص موال له في مكانه سوف ينفذ حرفيا جميع تعليمات رئيس الوزراء بغض النظر عن صحتها القانونية.

ويقول "إذا نجح نتنياهو في إقالة بار الآن فسوف يكون أقرب إلى الاستيلاء الكامل والخطير على جهاز الأمن العام (الشاباك)".

ولا يعول التقرير على نجاح دعوات قادة المعارضة والحركات الاحتجاجية للخروج والتظاهر ضد إقالة بار، لأنها -حسب قوله- لم تجتذب الحشود إلى الشوارع الليلة الماضية، ولكنه يعول في المقابل على الالتماسات من محامين وعسكريين سابقين إلى المحكمة العليا، مطالبين بمنع الإقالات.

ورغم أن جميع استطلاعات الرأي تشير إلى دعم شعبي واسع النطاق لاستقالة نتنياهو وإجراء الانتخابات المبكرة وتشكيل لجنة تحقيق حكومية، فإن هرئيل يرى أن رئيس الوزراء مصمم وغير مقيد بما يكفي لمحاولة إحباط كل التحركات ضده، فقد أبقاه صبره وحنكته في السلطة حتى يومنا هذا، على النقيض تماما من معظم التوقعات بعد 7 أكتوبر.

إعلان

ويختم مقاله بالقول "ويظل المجتمع الإسرائيلي يغلي كالضفدع في القدر، مستوى بعد الآخر. وبحلول الوقت الذي تستيقظ فيه، قد يكون نتنياهو قد استكمل تحركاته للسيطرة على السلطة، وحينها سيكون من الممكن الحديث عن الديمقراطية هنا في زمن الماضي".

مملكة نتنياهو

ونختم بمقال المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي الذي قال إن قرار إقالة بار هو "خطوة على طريق تغيير طابع دولة إسرائيل وبناء الدكتاتورية الإسرائيلية".

وفيما يدعو جميع رؤساء المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى تقديم استقالاتهم لفشلهم في 7 أكتوبر، إلا أنه يقول "لا يمكن أن يكون رئيس الوزراء فوق كل شيء، وإنه لن يكون ملزما بتقديم تفسيرات، وإنه سيمنع تحقيقا حقيقيا من قبل لجنة تحقيق تحقّق بعمق في أكبر كارثة في تاريخ البلاد".

ويضيف "في بلد متحضر، كان على رئيس الوزراء أن يحل الحكومة، ويعيد تقديم نفسه للانتخابات أمام الجمهور، وإنشاء لجنة تحقيق حكومية، دون حيل ودوران. القرارات الأخيرة تقود إسرائيل إلى انقلاب بطبيعته الحكومية والمؤسسية، ويعرض حرية المواطنين الإسرائيليين للخطر، ويعرض حرية التعبير للخطر، ويجعل إسرائيل مكانا أقل جودة".

مقالات مشابهة

  • تزن 100 ألف طن.. ماذا تعرف عن حاملة الطائرات الأمريكية التي استهدفتها الحوثي؟
  • ماذا وراء  الهجوم الأمريكي على الحوثيين؟
  • قرارات نارية من رابطة الأندية.. وتحذّر: ممنوع الحديث عن شكوى الأهلي قبل التحقيق
  • مسؤول أممي: جنوب السودان على شفا حرب أهلية
  • ماذا وراء مسرحية إقتحام حامية جرانيت بجنوب السودان ؟..
  • صحف إسرائيلية تحذر من حرب أهلية وتحول إسرائيل لدكتاتورية
  • 10 فرق أهلية في منافسات "فوانيس ثقافية" بنادي نخل
  • 3 خلال شهر واحد.. ماذا وراء تشكيل جماعات مسلحة جديدة في العراق؟
  • القضاء يؤيد قرارات حماية المنافسة والتعليم بشأن مواصفات الزي المدرسي
  • بالفيديو.. باحث بـ"المصري للدراسات": مصر أنقذت القضية الفلسطينية ومقترح ترامب انتهى