الجيش في القصر... فهل انتهت الحرب؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
حقق الجيش السوداني انتصاراً كبيراً على الصعيد العسكري - السياسي، وعلى الصعيد المعنوي والرمزي، بدخول قواته القصر الجمهوري وسط العاصمة الخرطوم، مساء أول من أمس الخميس وصباح أمس الجمعة، بعد معركة طويلة وقتال شرس استمرا فترة طويلة، ربما أطول مما كان متوقعاً.
ومهما كانت الأحاديث والنقاشات، هنا وهناك، فلا يمكن التقليل من أهمية هذا الحدث، فللقصر الجمهوري أهميته السياسية والرمزية مقراً للحكم منذ فترة الاستعمار البريطاني، ثم خلال العهود الوطنية المختلفة.
وسبق خلال تاريخ السودان الحديث، خلال عهود الحكم الوطني، أن حدثت مواجهات عسكرية بين الجيش السوداني وبعض الحركات المسلحة المعارضة، مثلما حدث خلال مواجهات 1976 التي قادتها «الجبهة الوطنية المعارضة» أيام حكم الرئيس جعفر نميري، وكانت الجبهة تضم «الإخوان المسلمين»، «حزب الأمة»، وجناحاً من «الحزب الاتحادي الديمقراطي» بقيادة الشريف حسين الهندي، ثم تكرر الأمر مرة أخرى عام 2008، عندما دخلت قوات «حركة العدل والمساواة» إلى أمدرمان وأجزاء من العاصمة، فيما سُمي بعملية «الذراع الطويل». وكانت العملية بقيادة الدكتور خليل إبراهيم شقيق الرئيس الحالي للحركة ووزير المالية جبريل إبراهيم.
كانت هذه عمليات عسكرية ضد نظام الحكم دخلت من الأطراف، واستهدفت قلب العاصمة الخرطوم. وفي العمليتين استطاعت القوات المهاجمة الاستيلاء على مواقع ومبانٍ مهمة، لكن لم ينجح أي طرف في الوصول للقصر الجمهوري، أو حتى محاولة اقتحامه.
الظروف التي استطاعت فيها «قوات الدعم السريع» اقتحام القصر الجمهوري والسيطرة عليه مختلفة جداً عن العمليات السابقة، فهذه القوات لم تأتِ من الخارج أو الحدود البعيدة، بل كانت موجودةً داخل الخرطوم وفي مواقع استراتيجية، بل وبعضها كان داخل القصر الجمهوري وفي مواجهته. لذلك، وفور اشتعال المعارك صبيحة الخامس عشر من أبريل (نيسان) 2023، استطاعت هذه القوات مهاجمة القيادة العامة للجيش، التي لا تبعد كثيراً من القصر، وعزل القيادات العسكرية التي تقيم معظمها داخل أسوار القيادة، ومن ثم السيطرة على منطقة وسط الخرطوم، بما فيها القصر الجمهوري ومجلس الوزراء وبقية مؤسسات الدولة الرئيسية. وهكذا استمر وجود وسيطرة «قوات الدعم السريع» على القصر الجمهوري نحو العامين.
من النقاط المهمة، التي تستحق الذكر، أن «قوات الدعم السريع»، وطوال وجودها في القصر الجمهوري، لم تستطع استثمار السيطرة على القصر سياسياً أو معنوياً باتخاذه مقراً لقيادتها مثلاً، أو مركزاً لتحركات واجتماعات بقدر يعطي الانطباع بأنها أكملت سيطرتها على الدولة، ولم تستطع مثلاً أن تصور قيادتها يجتمعون أو يتحدثون من داخل القصر. والسبب في ذلك أن القصر لم يكن آمناً تماماً، حتى وهو تحت سيطرتها، وكان من الممكن استهداف القيادات، لو كانوا موجودين في القصر عبر الطيران العسكري أو المسيّرات.
ثمن إخراج «قوات الدعم السريع» من القصر الجمهوري كان كبيراً وفادحاً، وسقط مئات الضحايا من العسكريين والمتطوعين، جلهم من الشباب، وبالمقابل دفعت «قوات الدعم السريع» أيضاً ثمناً باهظاً لبقائها في منطقة وسط الخرطوم، ويبدو أن هناك خللاً في حساباتها العسكرية، أو تصورات خارقة لقدراتها العسكرية.
منذ سيطرة الجيش والمجموعات المقاتلة معه على منطقة الخرطوم بحري ودخوله عبر كوبري النيل الأزرق إلى الخرطوم ومنطقة القيادة العامة، ثم تحرك قوات المدرعات من الجنوب للشمال لمناطق اللاماب والقوز والمنطقة الصناعية، بدا واضحاً أن الحصار سيحدث خلال أيام أو أسابيع. أضف إلى ذلك سيطرة الجيش على منطقة شرق النيل والجسور التي تربطها بوسط الخرطوم. كان الأمر بمثابة شرك يتم نصبه بشكل واضح، ويتم الحديث عنه في أجهزة الإعلام.
ماذا تبقى في الخرطوم لـ«قوات الدعم السريع»؟ الباقي الآن جيوب صغيرة في منطقة شرق الخرطوم، بري والمنشية ثم جزيرة توتي، ومنطقة مبانٍ استراتيجية في شارع الغابة، ثم منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم. وأياً كانت المدة الزمنية لبقاء هذه المجموعات، فإنها لن تطول ولن تبقى كثيراً، ستنفد ذخيرتها وإمداداتها، وسيغلق أمامها طريق الخروج.
هذا تقريباً الوضع العسكري في العاصمة الخرطوم الآن، ويبقى بعد ذلك السؤال المهم... هل انتهت الحرب بسيطرة الجيش على كل العاصمة السودانية بمدنها الثلاث...؟
بالتأكيد لم تنتهِ الحرب، فقط سيتحقق السيناريو الذي كتبنا عنه قبل أشهر، مناطق الوسط والشمال والشرق تحت سيطرة الجيش، ومناطق دارفور، وبعض الجيوب في كردفان تحت سيطرة «قوات الدعم السريع». وهناك أكثر من سيناريو سياسي وعسكري متوقع، نكتب عنه في المرات المقبلة.
(الشرق الأوسط اللندنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السوداني القصر الجمهوري الدعم السريع السودان القصر الجمهوري الدعم السريع صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع القصر الجمهوری سیطرة الجیش
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم
أكدت مصادر عسكرية لوكالة رويترز، أن القصر الرئاسي في الخرطوم أصبح تحت سيطرة الجيش السوداني، بعد أن دخلته قواته من الناحية الشرقية، اليوم الجمعة.
ومؤخراً، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في محاولة من الجيش لاستعادة القصر.
وكان الجيش اقترب بشدة من القصر الرئاسي، الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع قبل عامين، وسط احتدام المعارك للسيطرة على العاصمة.
BREAKING: Sudan's Army retakes control of the Presidential Palace in central Khartoum from RSF militias after two years. pic.twitter.com/MWGaeLtHB5
— Clash Report (@clashreport) March 21, 2025وسمعت أصوات انفجارات وتبادل إطلاق نار في أنحاء الخرطوم، أمس الخميس، بينما اندلعت معارك عنيفة بين الجيش والدعم السريع في الأيام القليلة الماضية. وقال مصدر عسكري طلب عدم ذكر اسمه لـ"فرانس برس"، أن "الجيش دمر رتلاً من 30 عربة لقوات الدعم السريع، كانت تحاول الانسحاب جنوباً".
وكان الجيش السوداني حرك كتائب من المنطقة الجنوبية، الإثنين الماضي، لتنضم للقوات المتواجدة في وسط الخرطوم، من أجل إحراز المزيد من التقدم ضد قوات الدعم السريع.
وتستمر الحرب في السودان منذ قرابة العامين، مخلفة عشرات آلاف القتلى، كما تسببت في نزوح أكثر من 12 مليون شخص، بينما يواجه أكثر من 100 ألف شخص خطر المجاعة، بحسب الأمم المتحدة.
ويتقاسم طرفا النزاع السيطرة على مناطق مختلفة، إذ يمسك الجيش بالشمال والشرق، في حين تسيطر قوات الدعم على معظم إقليم دارفور وأجزاء من الجنوب.