السودان .. مجتمع راسخ وجيش قوي
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
لا شك أن المراقبين حول العالم يتابعون بنوع من الانبهار والإعجاب ما يرونه من الجيش السوداني وربما أطلق عليه بعضهم “المعجزة السودانية” أو “الاستثناء السوداني”.
كيف استطاع جيش تعرض لإنقلاب من قوة كانت تمثل جيشا موازيا داخل الدولة، وتتولى حماية حدود البلاد والمؤسسات الحيوية في قلب العاصمة وعلى امتداد الدولة؛ قوة تملك كل الإمكانات التي تؤهلها للسبطرة على دولة بحجم السودان؛ فهي تملك منظومة اتصالات متقدمة، سلاح ومعدات قتالية متطورة، تملك موارد مالية هائلة ربما تفوق موارد الجيش، ولها منظومة إدارية ومؤسسات في مختلف المجالات، لها تحالفات سياسية وتغلغل واسع في المجتمع التقليدي عبر القيادات الأهلية وكذلك في المجتع الحديث عبر أحزاب وناشطين وكتاب وإعلاميين وغيرهم، ولها علاقات خارجية ودعم سخي مالي وإعلامي وعسكري وسياسي.
هذه القوة استطاعت بالفعل السيطرة على القصر الجمهوري وعدد من المطارات وكل مباني الحكومة ومباني الإذاعة والتلفزيون وسيطرت على معظم العاصمة المثلثة والجسور الرابطة بين مدنها الثلاثة وحاصرت منذ اليوم الأول معسكرات الجيش الرئيسية بما في ذلك القيادة العامة التي احتلت أجزاء منها كما احتلت رئاسة جهاز المخابرات الوطني. كل مواقع الجيش كانت تحت كثافة نيرانها بما في ذلك القيادة العامة حيث تم حصار قائد الجيش وقيادة أركان الجيش وعزلهم عن العالم، وحصار كل معسكرات الجيش ووضعها تحت هجوم متواصل وفي ظل عزلة كاملة.
كان هذا هو الوضع في بداية الحرب، ثم بعد ذلك تطورت خطة المليشيا للانتشار الجغرافي خارج العاصمة وبالفعل استطاعت السيطرة قيادات الفرق في ولايات غرب دارفور ثم وسط دارفور وجنوب دارفور وشرق دارفور وحاصرت كل مدن كردفان واحتلت أجزاء واسعة من ولايات كردفان.
وفي الوسط توسعت جنوبا لتسيطر على ولاية الجزيرة وحاضرتها ود مدني ثاني أكبر مدينة في السودان ثم انقلت جنوبا واحتلت أجزء من ولاية سنار قبل أن تتوغل وتسيطر على منطقة جبل مويا الاستراتيجية ثم تسيطر على عاصمة ولاية سنار مدينة سنجة وقيادة الفرقة وتتوسع شرقا إلى السوكي والدندر وجنوبا إلى ولاية النيل الأزرق.
في هذه الوضعية أصبحت قوات الدعم السريع تسيطر على ولايات بأكملها وتهدد معظم الولايات. نهر النيل كانت تحت التهديد حيث تسيطر المليشيا على منطقة الجيلي وشمالا إلى مناطق داخل ولاية نهر النيل حجر العسل كمثال. ولايات القضارف وكسلا والنيل الأزرق والنيل الأبيض كلها تحت التهديد، وأوصال البلد مقطعة؛ أقاليم بأكملها أصبحت مقطوعة عن مركز الدولة الذي انتقل إلى بورتسودان.
في الأثناء كانت معسكرات الجيش تحت الحصار تستبسل في صد موجات العدو، مع محاولات تقدم كانت بطيئة للغاية أمام الانتشار الواسع للمليشيا في أم درمان حيث يحاول الجيش التقدم لربط جيش وادي سيدنا مع جيش منطقة المهندسين الواقع تحت الحصار.
كان هذا هو المشهد، وقد عمل الجيش طوال هذه المدة على استنزاف قوات الدعم السريع وتدميرها بالدفاع وبالعمل العدائي عبر مجموعات العمل الخاص الصغيرة مع استمرار تدفق العتاد والقوات للمليشيا عبر جلب المرتزقة الأجانب والحشد القبلي حيث بدا وكأن الجيش يحرث في البحر أمام كثافة القوات التي كانت في تزايد وانتشار ومع تدفق السلاح والعتاد من الخارج.
خلال هذه الفترة عمل الجيش بصمت على إعداد القوات وتجهيزها مع استمراره في عملية استنزاف طويلة وصبورة لقدرات العدو وعمليات زحف بطيئة للغاية تقاس بالشوارع والبنايات؛ عمليات روتينية بنفس طويل بدت وكأنها ستستمر ولن تنتهي أبدا، وكأنها بلا جدوى.
في النهاية استطاع الجيش تحقيق تقدم في مدينة أم درمان وتحرير أجزاء واسعة منها وفك الحصار عن منطقة المهندسين العسكرية وتحرير الإذاعة. ولكن حتى ذلك الوقت لم تكن الموازين قد تغيرت بشكل كبير.
بدأت المعركة تتحول بشكل تدريجي بالعملية الجريئة عملية العبور الكبرى باقتحام جسور الخرطوم وبحري و تحرير منطقة جبل مويا الاستراتيجية بولاية سنار وتدمير حلم المليشيا بالتوسع في شرقا أو غربا أو جنوبا؛ ثم لتبدأ مرحلة جديدة من الزحف المتسارع لتحرير بحري ثم الجيلي وشرق النيل، وبالتوازي مع ذلك تقدم الجيش من ولاية سنار ليطهرها ثم يلتقي بالقوات القادمة من الشرق عبر محور الخياري مع القوات القادمة من المناقل وكانت كانت متحركات شقت طريقها بتحرير الأرض من قوات العدو ثم التقدم.
وظل الجيش يعمل في مسرح عمليات واحد متصل في كل السودان تحت قيادة هيئة الأركان التي كانت ما تزال تحت الحصار طوال هذه المدة، يدافع في مناطق ويتقدم في مناطق أخرى. وأصبحت المتحركات في تتزايد وتتحرك في عدة اتجاهات، وبدأ الجيش يهتم بالولايات الأبعد خارج العاصمة ومنطقة الوسط. فخرج متحرك الصياد عبر كوستي وتقدم حتى وصل إلى الأبيض لينهي الحصار المفروض على المدنية منذ بداية الحرب، واستمر الجيش في إسناد حامياته البعيدة في الفاشر وفي بابنوسة.
وبشكل تدريجي تحول مسار الحرب ليصبح الجيش في وضعية تقدم وهجوم في محاور العاصمة وولايات الوسط وتفشل المليشيا بوضوح في وقف تقدمه.
هجوم بطيئ ولكنه بخطوات محسوبة وراسخة هجوم تقدمي باستمرار لا يعرف التراجع، وشيئا فشئيا أصبحت وتيرة التقدم أسرع فرأينا تحرير مدينة بحري وفك الحصار عن القيادة العامة ثم تحرير منطقة الجيلي مع التقدم في محاور الجزيرة والنيل الأبيض ثم تحرير شرق النيل.
وبالتزامن مع ذلك عملت قوات الجيش على التقدم في الخرطوم وفي أم درمان يالشوارع والأحياء. ولكن التقدم الأهم كان تقدم سلاح المدرعات، حيث ظلت قوات سلاح المدرعات تنفتح وتتقدم بلا ضجيج حتى وصلت إلى قلب الخرطوم وتكاملت مع قوات القيادة والمقرن لتطبق الحصار على قوات المليشيا وسط الخرطوم وصولا إلى تحرير القصر الجمهوري الذي حدث اليوم.
عملية طويلة ممرحلة أدارتها هيئة أركان الجيش وهي في وضعية حصار طوال هذه المدة حتى قبل شهرتقرييا من الآن، بصبر ودأب وحنكة في ظل ظرف صعب للغاية؛ دولة مشلولة ومعطلة بالكامل، إقتصاد مدمر، عاصمة مدمرة ولايات كاملة إما خارج دائرة الإنتاج أو تحولت إلى نازحين؛ دولة مكبلة ومحاصرة وفي ظل تواطؤ دولي وإقليمي وأيضا تخاذل وتآمر وعدوان من جهات، ووصل الأمر مرحلة وصفها رئيس مجلس السيادة بالحصار لمنع السلاح على الدولة لتدافع عن أمنها وعن وجودها، مع تآمر وضغوط مستمرة لإجبار الجيش علة الاستسلام وتوقيع اتفاق من موقف ضعف. تغلب الجيش بمساندة ودعم الشعب السوداني على كل ذلك.
لقد التقى صبر وصمود الشعب السوداني مع صلابة واقتدار مؤسسة الجيش وإدارتها للمعركة بحنكة ومهنية وثبات وبسالة لتكون المحصلة هذا الانتصار. كان لدينا جيش قوي متماسك ومجتمع قوي وراسخ وواعي ساند الجيش ووقف خلفه بالتأييد ودعمه بالرجال والمال والإعلام ولم يخذل الجيش ثقة وآمال شعبه، فقد بذل الدماء والأوراح بكل سخاء، ولم يبخل قادته بأرواحهم في سبيل الانتصار، قدم الآلاف من الشهداء وانتصر لشعبه وليضيف لتاريخ العالم صفحات جديدة من البطولات لتروي قصة شعب انتصر على أكبر مؤامرة للسيطرة على بلاده ومقدراته بواسطة قوات كانت مؤتمنة على الدولة ومؤسساتها وأمنها وحدودها، ولكنها تحولت إلى أداة في يد أعداء أرادوا استخدامها للسيطرة على الدولة وإخضاع شعبها واستبعاده وربما استبداله لو تطلب الأمر، واستخدموا في سبيل ذلك المال والمرتزقة ودول في الأقليم وعلاقات دولية ولكنهم هزموا. إنها قصة تستحق أن تخلد في التاريخ لتتعلم منها الأمم والشعوب.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ولایة سنار تقدم فی
إقرأ أيضاً:
ماذا بعد فك الحصار عن سلاح المدرعات السوداني؟
على نحو متوقع تمكن سلاح المدرعات السوداني جنوب الخرطوم من فك الحصار المضروب عليه من قوات الدعم السريع، والتقدم إلى وسط العاصمة الخرطوم والالتقاء بالقيادة العامة للجيش السوداني، مما يسمح له بالتواصل مع وحدات الجيش الأخرى في بحري وأم درمان.
وتمكن سلاح المدرعات من إزالة جميع دفاعات الدعم السريع في جنوب وسط الخرطوم، لا سيما في أحياء السجانة واللاماب والقوز والمنطقة الصناعية وصولا إلى محيط السوق العربي وقيادة الجيش العامة.
حصار طويل
فرضت قوات الدعم السريع حصارا طويلا على سلاح المدرعات الذي يقع وسط عدة أحياء منها جبرة والشجرة واللاماب، حيث تمكنت قوات الدعم السريع في يوليو/تموز من العام 2023 من السيطرة على مواقع عسكرية تتبع الجيش.
هذه المواقع هي معسكر الاحتياطي المركزي التابع للشرطة السودانية ومعسكر اليرموك الخاص بتصنيع الأسلحة، فضلا عن انتشار الدعم السريع في معسكر طيبة القريب من المدرعات، وامتدت سيطرته إلى حامية الجيش في جبل أولياء، وسيطرته على مقر الكتيبة الإستراتيجية غرب وسط الخرطوم، مما وضع قوات سلاح المدرعات في عزلة.
ولم يكتف الدعم السريع بحصار سلاح المدرعات، بل هاجمه في أغسطس/آب من 2023 بعدة هجمات متتالية، تمكنت قوات الدعم السريع بها من التوغل إلى عمق أسوار سلاح المدرعات الذي كاد أن يخرج على سيطرة الجيش قبل أن يحدث الجيش التفافا عسكريا، مكنه من استعادة المدرعات ومن ثم قيادة هجوم مضاد على مواقع الدعم السريع المحيطة.
معارك التقدم
سلاح المدرعات رغم حصاره الطويل من الدعم السريع وقطع خطوط إمداده باستثناء منفذ بحري الذي يُجلى منه الجرحى ليلا إلى سلاح المهندسين بأم درمان وإيصال بعض المواد الغذائية، وإدخال بعض المقاتلين في المراكب النيلية، رغم ذلك لم يستسلم بل إنه التقط أنفاسه لا سيما بعد صده هجمات الدعم السريع في أغسطس/آب 2023، وحصوله على عتاد حربي غنائم من تلك المعارك.
ويقول الضابط بسلاح المدرعات، محمد دوشان للجزيرة نت، إن سلاح المدرعات تعرض لعزلة تامة وانقطع عنا الإمداد وتوقف إجلاء الجرحى، ثم تعرضنا لهجمات عنيفة تمكنا من امتصاصها، مضيفا، أنه بعد امتصاص هجمات العدو تمكنا من التقدم وفك الحصار وسيطرنا على مطابع سك العملة شمال شرقي المدرعات.
وأوضح أنه وباحترافية عالية تمكنت قواتنا من شن هجمات مباغتة على مواقع الدعم السريع في السجانة ونادي الأسرة بالخرطوم وأبراج النيلين وسط الخرطوم وصولا إلى قيادة الجيش العامة، وكبدنا خلال هذه المعارك الدعم السريع خسائر في الأرواح والمعدات.
حصار الدعم السريع
قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب انتشرت في وسط العاصمة الخرطوم وسيطرت على المقرات الحكومية ومؤسسات الدولة وعزلت حاميات الجيش العسكرية عن بعضها بعضا، بيد أن هذه الخاصية لم تدم طويلا حيث باتت قوات الدعم السريع في وسط الخرطوم تحت الحصار بواسطة الجيش.
ويشير الضابط محمد دوشان إلى أنه تم تضييق الخناق على الدعم السريع وسط الخرطوم بعد التحام سلاح المدرعات بالقيادة وسنتمكن من فتح خطوط إمداد وشريان رئيسي تمهيدا للمرحلة الأخيرة للانقضاض على الدعم السريع في الخرطوم.
وفي المقابل، يقول مصدر بقوات الدعم السريع فضل حجب اسمه، للجزيرة نت، إن قواتهم لا تزال موجودة وسط الخرطوم وتسيطر على جميع مؤسسات الحكومة بما فيها قصر الرئاسة ومجمع الوزارات ومقر بنك السودان المركزي.
وأضاف، أن قواته تسيطر أيضا، على مقر الكتيبة الإستراتيجية ومطار الخرطوم الدولي، بينما لا تزال معركة الخرطوم مستمرة، مشيرا إلى أن قواتهم قادرة على القتال في الخرطوم، ولن تتأثر بتقدم سلاح المدرعات.
ما وراء تقدم سلاح المدرعات
ويرى المراقبون، أن التحام سلاح المدرعات بقيادة الجيش سيمكن الجيش من تنظيف وسط الخرطوم الذي يعد مقرا للمؤسسات الحكومية والمدنية، لا سيما وأن المدرعات لم تتمكن من الحصول على إمداد طوال عامين، حيث كان آخر إمداد لها في الشهر الثاني من الحرب.
ومن جانبه، قال قائد عمليات وسط الخرطوم العميد محمد عبد الرحمن البيلاوي في تصريحات صحفية، إن فك حصار المدرعات له ما بعده وسيؤدي إلى تحرير وتأمين وسط الخرطوم ومن ثم الانتقال إلى جنوب وشرق العاصمة الخرطوم وفق عمليات خطط لها بعناية.
وأضاف، أن التحام المدرعات بالقيادة العامة إيذان بتحرير وسط الخرطوم الذي يضم القصر الجمهوري والوزارات السيادية وسيتم ذلك قريبا برفع العلم فيها.
معارك في الانتظار
لا تزال قوات الدعم السريع تحيط بسلاح المدرعات لا سيما غربه وجنوبه حيث تنتشر قوات الدعم السريع في معسكر طيبة، أبرز معسكرات الدعم السريع، كما تسيطر على معسكر الاحتياطي المركزي ومعسكر اليرموك القريبين من المدرعات، فضلا عن وجوده في أحياء الصحافة وجزء من ضاحيتي جبرة والديوم.
ويقول مصدر بسلاح المدرعات للجزيرة نت، إن المرحلة القادمة تتطلب انفتاح المدرعات جنوبا وغربا لإزالة انتشار الدعم السريع، لافتا إلى أن الأمر لن يكون بذات التعقيدات السابقة إذ كنا نعاني الحصار، وهذه المرة سنحصل على إمداد بالسلاح والذخيرة والإمداد البشري عبر طريق بري يمر من بحري إلى وسط الخرطوم وصولا إلى المدرعات.
يقول الصحفي والمحلل السياسي المقرب من الدعم السريع الغالي شقيفات للجزيرة نت، إن الجيش لم يتمكن من الانتصار في وسط الخرطوم، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع ستقاتل بشراسة في الخرطوم، حيث إن المعركة طويلة ولن تنتهي بخسارة الدعم السريع.
وأضاف شقيفات، أن ما حدث هو أن عناصر من الجيش بسلاح المدرعات تمكنت من التسلل إلى القيادة العامة، لافتا إلى أن الجيش فقَدَ عددا من ضباطه في هذه المعركة ومن عناصر الكتائب التي تقاتل معه، وشدد على أن قوات الدعم السريع ستتمسك بالعاصمة الخرطوم لأنها تمثل رمز السودان ولن تهزم.
المصدر : الجزيرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب