الحكومة ومصادرة المجال الرقمي في الأردن
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
الحكومة ومصادرة المجال الرقمي في الأردن
يشكّل المجال الرقمي وما ينشر في الصحافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي هاجسًا عند الحكومة الأردنية.
يستخدم القانون مصطلحات فضفاضة يمكن إعادة تأويلها وتوظيفها بطريقة غير عادلة، مثل "الحقيقة" و"الوحدة الوطنية" و"الفتنة" وغيرها.
يتضمن القانون موادا إيجابية تتعلق بانتحال الشخصية والابتزاز الجنسي والاتجار بالبشر لكنه يمنح القانون صلاحيات واسعة للنيابة العامة بعيدًا عن القضاء.
أهدر مجلس النواب الأردني فرصة بناء علاقة بالأحزاب والمجتمع المدني ومشاورة الشعب، وإعادة الثقة بالمؤسسات السياسية ومشروع التحديث السياسي.
سارعت الحكومة بتشريع وتمرير القانون دون منحه مساحة واسعة للنقاش العام والحصول على مقترحات تسهم في تعديل بنود القانون وتحسينه لخدمة المصلحة العامّة.
تغيب الشرعية السياسية والثقة المجتمعية عن الحكومات الأردنية، إذ لا يشارك الشعب ولا البرلمان في اختيارها، والحكومة الراهنة فشلت في كسب ثقة الأردنيين منذ تشكيلها أواخر 2020.
* * *
يناقش هذا المقال دوافع الحكومة الأردنية من تمرير قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، والذي صادق عليه الملك الآن، ومخاوف القوى السياسية والحقوقية من تبعات القانون على حريات الرأي والتعبير والمشاركة السياسية والاقتصاد الرقمي.
أثارت الحكومة الأردنية مؤخرا جدلًا واسعًا بعد اقتراحها مشروع قانون جديد تحت اسم الجرائم الإلكترونية تشير مجموعة من بنوده صراحة إلى تقييد حرية الرأي والتعبير السياسي في المجال الرقمي. جاء الاقتراح في ظل مرحلة التحديث السياسي التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام. زادت حدة الجدل بعد إقرار مجلس النواب والأعيان مشروع القانون بعد تعديلات طفيفة لكنها أبقت القانون مُقيّداً لحرية التعبير.
تعتبر قوى سياسية حزبية واجتماعية وحقوقية القانون مكبلا للمشاركة السياسية ولمساءلة الأشخاص في الوظيفة العمومية، ويلغي فكرة التحديث السياسي، كما أنه يعمل على إدخال سلطة جديدة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي ما يمهد الطريق لمرحلة مقلقة في الرقابة على الإنترنت.
فقدان الشرعية السياسية والثقة المجتمعية
بشكل عام، تغيب الشرعية السياسية والثقة المجتمعية عن الحكومات الأردنية، حيث لا يشارك الشعب ولا البرلمان في اختيار الحكومة (رئيس ومجلس الوزراء). ومنذ تشكيلها في أواخر عام 2020؛ فشلت الحكومة الحالية في كسب ثقة الأردنيين، وهو أمر يظهر بوضوح من خلال ردود أفعال المجتمع السياسي تجاهها ومن خلال استطلاعات الرأي العام الدورية التي تُجرى في البلاد.
يعاني مجلس النواب من نفس المشكلة، حيث لم يحظ بثقة الأردنيين منذ تشكيله عام 2020 عندما تكوّن المجلس من خلال انتخابات برلمانية تعد من بين الأقل مشاركة في تاريخ البلاد، حيث لم تصل نسبة الاقتراع العام فيها 30 في المئة، مع ضعف الأداء التشريعي والرقابي وتواضُع التواجد الحزبي.
الحكومة وهاجس المجال الرقمي
يشكّل المجال الرقمي وما ينشر في الصحافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي هاجسًا عند الحكومة الأردنية.
يمكن ملاحظة كيف قررت الحكومة حجب منصة تيك توك في الأردن لعدم قدرتها على السيطرة على سرعة انتشار المحتوى والبث المباشر في احتجاجات الجنوب المتعلقة بارتفاع أسعار الوقود، كما حجبت من قبل تطبيق كلوب هاوس الذي ناقش قضايا الشأن العام واستضاف المعارضة الخارجية.
فضلًا عن حجب خاصية البث المباشر على موقعي فايسبوك وتويتر خلال احتجاجات شعبية سابقة، إضافة إلى حجبها موقع حبر الإلكتروني في أكثر من مرة بعد تقديم هذه المواقع قراءات تحليلية نقدية لعمل الحكومات، ومؤخرًا حجبت السلطات موقع الحدود الساخر سياسيًا.
تدرك الحكومات المتعاقبة في الأردن تأثير المجال الرقمي على مؤسسات عامّة فاقدة لثقة المواطنين، وعاجزة منذ سنوات عن إيجاد حلول لتحسين حياة المجتمع، وفي مقدمتها أزمة البطالة المتفاقمة في دولة معظم سكانها من فئة الشباب.
ومن جانب آخر لم تعتاد على قبول النقد والمساءلة، وتفهمه على أنه انتقاص من مكانتها وجدارتها. والمفارقة، في هذا السياق، حدثت عندما طلب رئيس الحكومة خلال اجتماعه بمجموعات شبابية بالانخراط في العمل الحزبي دون خوف وتردد، وبعد أيام اعتقلت الحكومة مجموعة من الشباب الحزبيين خلال تنظيمهم وقفة احتجاجية ضد قانون الجرائم الإلكترونية المقترح.
التأثير السياسي والاقتصادي للقانون
يتضمن القانون موادا إيجابية فيما يتعلق بانتحال الشخصية والابتزاز الجنسي والاتجار بالبشر كما هو في المواد (3) في البند «ج» والمادة (10) والمادة (13) في البند «أ/3» إضافة إلى المادة (18).
ولكنه يحوي أيضًا موادا أخرى تجرّم النشر وتداول المعلومات. كما هو في المواد (3) البند «أ+ب» (11)، (12)، (15)، (16)، (19) البند «ب» إضافة إلى المواد (20)، (25) (37)، كما يمنح القانون صلاحيات واسعة للنيابة العامة بعيدًا عن القضاء.
بالإضافة إلى ذلك، يستخدم القانون مصطلحات فضفاضة يمكن إعادة تأويلها وتوظيفها بطريقة غير عادلة، مثل "الحقيقة" و"الوحدة الوطنية" و"الفتنة" وغيرها.
من الناحية السياسية، يسبب القانون المقترح تعكيرًا لصفو المناخ السياسي العام، حيث أصبحت الشكوك كبيرة في مصداقية ووعود مشروع التحديث السياسي، ويضيف مزيداً من الخوف والقلق في نفوس الكثير من الشباب الذي بدأ يدرك أهمية المشاركة السياسية الحزبية.
فالفعل السياسي في الأردن يرتبط بشكل كبير بالنقد السياسي للمسؤولين ومساءلة الحكومات والمؤسسات العامة. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الشباب بشكل كبير على المجال الرقمي للوصول إلى الجماهير خلال الانتخابات النيابية والمحلية المزمع إجراؤها بعد نحو عام من الآن.
تؤثر ضبابية بنود القانون على الاقتصاد الرقمي. حيث أثار هذا قلق أصحاب الشركات الناشئة والمشاريع الريادية التي يقودها الشباب، لأن مواد القانون المقترح تحد من وسائل الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال والخدمات الرقمية.
خصوصًا وأن هناك مشاريع تُدعم من قِبل جهات مانحة لتحقيق اقتصاد رقمي يخدم النساء والشباب في الأردن ويساعدهم على التغلب على التحديات الاقتصادية وتحقيق الاعتماد على الذات.
وهذا ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي تنتقد فيه القانون المقترح وتحذّر من تبعاته على الاقتصاد الرقمي وحرية التعبير السياسي ومستقبل الديمقراطية في الأردن.
يمكن القول إن الحكومة أخطأت مجددًا عندما سارعت في تشريع وتمرير القانون دون منحه مساحة واسعة للنقاش العام، والحصول على مقترحات تسهم في تعديل بنود القانون وتحسينه بما يخدم المصلحة العامّة.
وفي نفس السياق، وقع مجلس النواب الأردني في نفس الخطأ، فقد أهدر فرصة لبناء علاقة مع الأحزاب والمجتمع المدني وإجراء مشاورات مع الشعب، وإعادة الثقة بالمؤسسات السياسية وباستمرار مشروع التحديث السياسي في البلاد.
*عبدالله الجبور باحث في الاجتماع السياسي
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن الحكومة الأردنية مجلس النواب التحديث السياسي المجال الرقمي قانون الجرائم الإلكترونية الشرعية السياسية الحکومة الأردنیة التحدیث السیاسی مجلس النواب فی الأردن
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد: تراجع الدعم الدولي يهدد استجابة الأردن لأزمة اللاجئين
سرايا - - كشف تقرير مراجعة صادر عن صندوق النقد الدولي، أن الدعم الدولي المقدم للأردن لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين شهد "تراجعًا كبيرًا" العام الحالي، إذ لم تتلق المملكة حتى منتصف تشرين الأول الماضي سوى أقل من 40% مما حصلت عليه في عام 2023.
وأشار التقرير، إلى أن هذا الانخفاض الحاد يهدد قدرة الأردن على تقديم الخدمات الأساسية للاجئين، خاصة في مجالات الصحة والتعليم وسوق العمل، وسط تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
ووفقًا للتقرير، فإن نقص التمويل الدولي تسبب في فجوة كبيرة أثرت على الوضع المعيشي للاجئين السوريين، إذ وصلت نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر إلى 67% بحلول نهاية 2023، مقارنة بـ57% في عام 2021، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي أشارت إلى أن 85% من الأسر السورية اضطرت إلى الاقتراض لتلبية احتياجاتها الأساسية.
- خفض وتمويل غير كافٍ -
في نيسان 2024، خفضت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المساعدات النقدية بنسبة 20%؛ بسبب نقص التمويل، ورغم وصول جزء من الدعم في تموز، استمر التراجع.
كما اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى تعليق المساعدات لنحو 100 ألف لاجئ، وخفض الدعم المقدم لـ310 آلاف آخرين بنسبة 30%، مما أدى إلى تقديم 21 دولارًا فقط شهريًا لكل لاجئ.
وأشار التقرير إلى أن هذا التراجع في التمويل سيؤدي إلى تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي بين اللاجئين، مما يضع أعباء إضافية على الموارد الوطنية للأردن.
ودعا صندوق النقد الدولي الجهات المانحة إلى تعزيز دعمها للأردن بشكل مستدام، محذرًا من أن غياب التمويل الكافي قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة.
ويستضيف الأردن قرابة 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينهم قرابة 620 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية.
- تراجع "خطير للغاية" -
في 11 تشرين الأول الماضي، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال اجتماع في مدينة بافوس القبرصية على هامش قمة دول جنوب أوروبا "ميد 9"، ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم، لافتا النظر إلى التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن في ظل الانخفاض الحاد في تمويل خطة الاستجابة للأزمة، الأمر الذي زاد الضغط على البنى التحتية والخدمات العامة، خاصة في قطاعي المياه والطاقة.
وحددت الحكومة حجم احتياجات الأردن لتمويل خطة الاستجابة للأزمة السورية للعام الحالي بقرابة ملياري دولار، وهو "الحجم الأقل" التي تحدده لتمويل الخطة منذ إطلاقها في العام 2015، في ظل "تراجع" الدعم الدولي لتمويل الخطة.
وبحسب البيانات فإن وزارة التخطيط والتعاون الدولي أعلنت أن حجم المنح الموجهة لدعم الخطة للعام الحالي بلغ 132,8 مليون دولار؛ تمثل 6,8% من حجم الاحتياجات لنهاية تموز؛ ليبلغ بذلك حجم احتياجات الخطة عند احتساب النسبة وحجم التمويل قرابة 1,953 مليار دولار.
وتراوح حجم تمويل خطط الاستجابة الأردنية للأزمة السورية منذ العام 2015 إلى العام الماضي؛ بين 2,276 مليار دولار و2,98 مليار دولار، بحسب إحصائيات لموقع الوزارة.
نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي، عبّر خلال مشاركته في مؤتمر بروكسل الثامن لمستقبل سوريا والمنطقة" في بلجيكا بنهاية أيار، عن استيائه من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين والدول المضيفة لهم ومن تخلي المجتمع الدولي عنهم، واصفا أن هذا التراجع "خطير للغاية".
وأضاف أن المجتمع الدولي تخلى عن اللاجئين السوريين مع تضاؤل التمويل اللازم لدعمهم في الدول المضيفة، قائلا: "لن نتمكن من القيام بتقديم الخدمات الأساسية للاجئين بمفردنا، وسنستمر في بذل كل ما في وسعنا، وما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته، ستقل الخدمات وستزيد معاناة اللاجئين".
والتزم مانحون والمجتمع الدولي بتمويل 45.9% من خطط استجابة الأردن للأزمة السورية منذ إطلاقها في العام 2015، ولنهاية العام الماضي 2023، حيث بلغ حجم تمويل الخطط قرابة 10.3 مليار دولار.
ووفق بيانات منصة الخطة التي تديرها وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن حجم متطلبات الخطط التسعة التي تحمل جانبين؛ إنساني وتنموي، قرابة 22.1 مليار دولار، فيما بلغ عجز تمويل الخطط السنوية 11.8 مليار دولار، وبنسبة وصلت 54.1%.
وحصلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن على 41% من متطلباتها المالية لنهاية تشرين الثاني للسنة المالية 2024، إذ حصلت على 155 مليون دولار، من إجمالي قيمة المتطلبات البالغة 374.8 مليون دولار أميركي، فيما تمثلت نسبة العجز بـ 59% من المتطلبات المالية للمفوضية الأممية، وفق تقرير للمفوضية.
وخصصت المفوضية للأردن 374.786849 مليون دولار في 2024، مقابل 390.110643 مليون دولار في العام الماضي، مما يشير إلى انخفاض قدره 15.323794 مليون دولار ونسبته 3.93%.
المملكة
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1227
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 20-12-2024 10:33 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...