أبوظبي: سلام أبوشهاب

شهد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، المحاضرة الثالثة التي استضافها مجلس محمد بن زايد في جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، مساء أمس الأول، ضمن الموسم الرمضاني الحالي، والتي ألقاها الدكتور شايع الوقيان، كاتب وباحث من المملكة العربية السعودية، متخصص في الفلسفة والفكر الإنساني، بعنوان «التسامح والتعايش في الفكر الإسلامي»، وحضرها عدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين.

وأعرب المحاضر عن سعادته بوجوده في المجلس المبارك قائلاً: إنني سعيد للدعوة لإلقاء محاضرة في مجلس محمد بن زايد، وأن أكون بين هذا الجمع الكريم.
وأوضح المحاضر أن التسامح كما يبدو في ظاهر الأمر هو مفهوم حديث، مرتبط بأدبيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والمجتمع الديمقراطي، لكن المصطلح نفسه، أو لنقل دلالات المصطلح هي أبعد من هذا التاريخ القريب، والتسامح كما يظهر هو مشتق من فعل «سمح» وله أكثر من معنى، المعنى الأول هو لان وسهل، فهو مرتبط باللين والسهولة، والمعنى الثاني هو جاد وأعطى، وهذا هو سبب أن العرب قديماً كانوا يقولون هذا رجل سمح، سمح بمعنى أنه كريم، أما المعنى الثالث لغوياً فهو الذي نعرفه في حياتنا اليومية، عندما نقول إذا سمحت لي دعني أتكلم، أو اسمح لي لكي أمر، فهنا معنى اسمح أو سمح هو أن يفسح مجالاً للآخرين. واكد أن التسامح ليس مجرد فضيلة أخلاقية من ضمن قائمة فضائل قيم الشجاعة، والكرم، والنجدة، وإغاثة الملهوف، والتسامح هو الأفق وهو الحاضن لهذه القيم، وهذه القيم الأخلاقية لا تكون أخلاقية أصيلة، إلا إذا كان التسامح ملازماً لها.
مفهوم إنسانيوقال في ما يتعلق بمفهوم التسامح كمفهوم إنساني وأخلاقي في التراث العربي الديني والعلمي والفلسفي تستعمل بدائل للتسامح مثل كلمة العفو والصفح والغفران والتجاوز والتيسير، وكل هذه المعاني تتصل بالتسامح اتصالاً دلالياً، وعكسها دائماً هو التعصب أو التشدد أو التعسير، والشريعة السمحاء مرتبطة بأن الدين الإسلامي هو دين يسر وليس دين عسر، وفلسفياً أو اصطلاحياً هناك أربعة أركان إذا جاز التعبير لمفهوم التسامح، والتي إذا فُقد ركن فإن التسامح هنا لا يصبح مفهوماً أصيلاً، الركن الأول هو إفساح المجال للآخرين، والركن الثاني هو الإيمان بالاختلاف، والتسامح يكون أصيلاً كلما ارتبط بالآخر البعيد، فكلما زاد الاختلاف زادت قيمة التسامح منزلة رفيعة، والركن الثالث هو الإيمان بالتنوع، تنوع في الآراء، في المواقف، وكلمة التسامح لا بد أن تستحضر الإيمان بالاختلاف والتنوع، والركن الرابع هو التعايش المشترك، والتسامح هو برأيي وسيلة وهذه الوسيلة تحقق غاية، والغاية هي أن نعيش بشكل مشترك وسلمي مع بعضنا، وبديل التعايش المشترك هو الصراع والاقتتال، وما يحدث في بعض البلدان من حروب أهلية واقتتالات هو نتيجة لسيادة التعصب أو التشدد وغياب التسامح.
الفكر الفلسفيوأضاف: اخترت الموضوع المرتبط بالتسامح في الفكر الفلسفي الإسلامي للحديث عنه في المحاضرة، وللأسف ليس هناك دراسات حول مفهوم التعايش والتسامح في هذا المجال، مركزاً على 4 مبادئ هي: مبدأ التنوع والاختلاف وهو قانون طبيعي وضعه الله في الكون، فهناك آيات تدل على أن التنوع والاختلاف هو أساس الوجود، «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» و«وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا» و«ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض»، وهناك قائمة هائلة من الآيات والأحاديث التي تجعل الاختلاف ليس شيئاً عرضياً، إنما هو قانون من قوانين الطبيعة، ولذا أنا أعتقد أن المتشدد أو المتعصب الذي يرفض الاختلاف ويؤمن بالمماثلة والمطابقة، هو يعارض قانوناً إلهياً وكونياً حتمياً.


وأشار إلى أن ابن سينا عندما تكلم عن التنوع والاختلاف الموجود في العالم الطبيعي والعالم الاجتماعي كان سعيداً ومغتبطاً، ويقول في عبارة جميلة «لقد منّ الله عليهم، أي على البشر بفضل رحمته بأن جعلهم في عقولهم وآرائهم متفاضلين، كما جعلهم في أملاكهم ومنازلهم ورتبهم متفاوتين، والعبارة ببساطة تقول إنه لو كان البشر متشابهين فهذا سيؤدي إلى فناء البشر، ولنتصور أن في مدينة أو في بلد جميع الناس متشابهون في كل شيء، في الثروة، في الوظيفة، كلهم دكاترة مثلاً وكلهم أغنياء، هنا مستحيل أن تقوم الحياة، لابد من التنوع والاختلاف، مشيراً إلى أن هناك آيات تؤكد على مبدأ الفطرة وأن البشر متساوون في الأصل ثم يأتي الاختلاف لاحقاً، وفي أي بلد في العالم يأتي عقل الطفل صفحة بيضاء.
وقال الدكتور شايع إن مبدأ التعارف هو بالضبط مبدأ التواصل الحضاري الذي هو من أهم مبادئ التسامح.
الإحسانوتطرق إلى المبدأ الثالث مبدأ الإحسان، قائلاً على الإنسان دائماً أن يقدم الظن الحسن على الظن السيئ لكي تنقلب العداوة والخصومة إلى صداقة ومودة، وهو نوع من تطبيق مبدأ التسامح الذي هو تقديم الظن الحسن على الظن السيئ،
وأشار إلى أن المبدأ الرابع وهو مبدأ العفو، وأن نعفو عن الناس فيما يخطئون فيه إذا كان خطأهم صادقاً، ومن نية صافية.
سوء الفهموأشار الدكتور شايع رداً على سؤال حول سوء الفهم الذي يحيط بمفهوم التسامح، إلى أنه من أبرز سوء الفهم المتصل بموضوع التسامح هو أن التسامح كما قد يظنه البعض مرتبط بالانقياد والخذلان للآخر، وأن التساهل يعني ألا تعتد بنفسك وتخضع للآخر، ويصل تفكير البعض إلى أن كثيراً ما يتهم بعض الناس عندما يطرق مفهوم التسامح أنه يرتمي في أحضان الغرب، والحقيقة هي أن التسامح يفترض مفهوم التعايش، والتعايش المشترك يعطي معنى المساواة، ليس في الأشياء الشخصية لكن المساواة في حقوقنا وواجباتنا وحرياتنا وفي التعبير عن آرائنا ومشاعرنا، والتسامح في الإسلام هو قيمة قلبية تتطلب جهداً.
وأضاف: الإنسان له نوعان من الصفات وهي: صفات جوهرية وهي التي يشترك فيها جميع البشر وهي الإنسانية، وصفات عرضية وهي لون البشرة ولون الشعر واللغة، وهذا التنوع هو محفز للحياة، والمبدأ الأصلي للوجود هو مبدأ السلم، والكائنات كلها يُفترض تعيش في هذه الحالة، وأن حالة الحرب وحالة الصراع حالة طارئة على الوجود البشري، ويجب أن نعود إلى حفظ حالة السلم، وأن نفهم أن هذا التعايش يحتاج إلى دعم بالقانون.
قيم التسامحوفي بداية المحاضرة وجه سؤال للحضور على الشاشة حول ما أفضل السبل لترسيخ قيمة التسامح في حياتنا؟ مع طرح 3 خيارات وهي: التربية منذ الصغر، تشريع القوانين وتطبيقها بشكل صارم، الإرشاد الديني والتنوير العقلي، وطلب منهم اختيار الإجابة.


وفي نهاية المحاضرة تم استعراض النتائج، حيث اختار 60% من الحضور التربية، و4% الإرشاد الديني، و36% الإرشاد الديني والتنوير العقلي.
وعقب الدكتور شايع على النتائج قائلاً: أنا شخصياً تعجبت من النتيجة، كنت توقعت أن تختاروا تشريع القوانين في المرتبة الأولى، وأرى من خلال ملاحظة ورصد للتحولات الاجتماعية، أن تشريع القوانين وتطبيقها بشكل صارم وعادل هو الأفضل، وعلى كل حال، طبعاً أنا سعيد جداً بهذه النتيجة التي أعطتني منظوراً مختلفاً عن منظوري، وسأتسامح مع هذا الموقف.
المحاضر في سطور

الدكتور شايع الوقيان، كاتب وباحث من المملكة العربية السعودية متخصص في الفلسفة والفكر الإنساني، حاصل على الدكتوراه في فلسفة التربية من جامعة الملك سعود، وهو نائب رئيس جمعية الفلسفة السعودية، ومشارك في حلقة الرياض الفلسفية، ورئيس تحرير مجلة مقابسات الفلسفية، ألف وترجم عدة كتب منها كتاب «مفاهيم ونظريات: قاموس فلسفي» في عام 2023.

الشباب وثقافة التسامح
خلال الجلسة النقاشية، قالت الدكتورة فاطمة الدهماني، عن دور الشباب في تعزيز ثقافة التسامح في المجتمعات، إن لهم دوراً كبيراً جداً وبالغ الأهمية لدورهم في بث الحيوية في المجتمع وتحقيق الوحدة، وإن الشباب يتجاوزون المناقشات النظرية إلى المشاركات الفعلية وبالتالي لهم قدرة عالية في تحقيق التوازن بين الفكر والعمل وتحقيق تسامح عالمي ليس في حدود معينة، والتسامح للشباب يعني أن له دوراً حاسماً كبيراً في صناعة المستقبل وصناعة المستقبل الاجتماعي، وكذلك الاقتصادي، ويؤثر في المجتمع وفي العالم، وبالتالي للشباب دور كبير جداً ومسؤولية في أنهم ينشرون هذا التسامح، وأن يكونوا سفراء حقيقيين للتسامح.
وأوضحت الدكتورة فاطمة الدهماني، عن دور المؤسسات الأكاديمية في تعزيز ثقافة التسامح، أن المؤسسات الأكاديمية هي بيئة خصبة لتبادل الأفكار وبناء جسور التفاهم، ودورها جوهري وحقيقي في غرس وتعزيز قيم التسامح والتعايش، وعلى الأكاديميين دور ومسؤولية في هذا الجانب، وإذا تكاملت هذه الأدوار، سيكون لها أثر كبير في التصدي لكل خطابات الكراهية.

جلسة نقاشية
في نهاية المحاضرة، التي قدمها أحمد اليماحي مقدم برامج في شبكة أبوظبي للإعلام، عقدت جلسة نقاشية شارك فيها كل من الدكتور مشهد العلاف، أستاذ مشارك في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، والدكتورة فاطمة الدهماني رئيسة قسم التسامح والتعايش في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.
وقال الدكتور مشهد العلاف، عن الفرق بين التسامح كقيمة دينية وقيمة فلسفية: يسارع الناس كثيراً في تصور أنه مفهوم واضح، ولكن التحليل المنطقي يبدأ بأن هذا المفهوم مفهوم غامض، وأقصد بالغموض أن له تفسيرات متعددة، ووفقاً لتعريف منظمة اليونسكو، فإن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، والإسلام لم ينظر للتسامح على أنه قيمة مضافة فوق القيم الأخرى، بل نظر إليه على أنه قيمة تلزم بالضرورة جوهر الإنسانية ذاتها، وعبّر عن ذلك بكلمة تكاد تكون متفردة في تاريخ البشرية هي كلمة الكرامة الإنسانية، وكل إنسان وكل فرد هو عالم كامل ومتفرد لا يمكن تعويضه، والتسامح الذي ذكره الإسلام غير مبني على عقلانية وإنما مبني على الإنسانية ذاتها، وعليه لا يجوز لأي إنسان سلب كرامة أي إنسان آخر حتى وإن فقد الآخر أهليته العقلية، وعليه لا يجوز للإنسان نفسه أن يسلب كرامة نفسه بنفسه.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ خالد بن محمد بن زايد جامع الشيخ زايد التنوع والاختلاف التسامح والتعایش محمد بن زاید أن التسامح التسامح فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشيخ خالد الجندي: لا يوجد في الإسلام مبدأ «وأنا مالي».. وكلنا مسؤولون

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن مبدأ "وأنا مالي" لا وجود له في الإسلام، مشددًا على أن كل فرد في المجتمع مسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  

وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الخميس، أن البعض قد يظن أن ترك ما لا يعنيه من حسن الإسلام، لكن الحقيقة أن الإسلام يدعو إلى الإيجابية وعدم السلبية، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، مشيرًا إلى أن المجتمعات تعاني عندما يتخلى أفرادها عن أدوارهم في الإصلاح.  

وأضاف أن قصة سيدنا موسى مع ابنتي الرجل الصالح في القرآن الكريم تؤكد هذا المبدأ، حيث لم يكتفِ بالسؤال عن مشكلتهما، بل سقى لهما، ليكون الحل العملي هو التصرف الإيجابي الذي ينتظره الله من عباده.  

وأكد أن رؤية المنكر أو الخطأ هو بمثابة سؤال من الله للإنسان: "كيف ستتصرف؟"، وعلى الجميع أن يؤدي دوره في الإصلاح، دون النظر إلى استجابة الآخرين، لأن المسؤولية تكمن في البلاغ والتصرف الإيجابي فقط.

خالد الجندي: كل إنسان عنده بيتان في الآخرةخالد الجندي: صفات المؤمنين ليست محصورة في6 فقط

قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن القرآن يحمل دلالات نسبية تختلف باختلاف حال الإنسان، مُستشهدًا بقوله تعالى: «يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا» (الفرقان: 22)، موضحًا أن الملائكة، التي تأتي بالبشرى للمؤمنين، تكون في بعض المواقف رمزًا للهلاك للمجرمين.  

وأضاف الجندي، خلال حلقة برنامج “لعلهم يفقهون”، أن مفهوم الحِجر في القرآن، يعني المنع، مثلما هو الحال في مصطلحات الحجر الصحي، الحجر الزراعي، الحجر البيطري، والحجر على السفيه، مشيرًا إلى أن الملائكة تمنع المجرمين من دخول الجنة يوم القيامة، فيقولون لهم "حجرًا محجورًا" أي ممنوع عليكم دخولها.  

وأشار الجندي إلى أن العقل نفسه نوع من الحِجر، مستدلًا بقوله تعالى: "هل في ذلك قسم لذي حجر" (الفجر: 5)، موضحًا أن العقل يمنع الإنسان من التصرفات الطائشة، والمعاصي، والخوض في الجهل، تمامًا كما يمنع الحجر الصحي انتشار الأمراض.  

كما لفت إلى أن حجر الأم، الذي يحتضن الطفل ليمنعه من السقوط، يشبه وظيفة العقل في حماية الإنسان من الانحراف، وكذلك الحال في حِجر إسماعيل، وهو المكان الذي يمنع الطواف بداخله.  

وأكي على أن القرآن رحمة للمؤمنين وهلاك للظالمين، مستشهدًا بقوله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا" (الإسراء: 82).


 

مقالات مشابهة

  • انعقاد ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد الاستاد بكفر الشيخ | صور
  • ولي عهد أبوظبي يشهد الجلسة الرمضانية الثالثة لمجلس محمد بن زايد بعنوان” التسامح والتعايش في الفكر الإسلامي”
  • ولي عهد أبوظبي يشهد الجلسة الرمضانية الثالثة لمجلس محمد بن زايد
  • قصر ثقافة بئر العبد ينظم محاضرة ثقافية بعنوان "رمضان والقرآن"
  • الشيخ خالد الجندي: لا يوجد في الإسلام مبدأ «وأنا مالي».. وكلنا مسؤولون
  • أبرشية دمشق البطريركية تنظم محاضرة بعنوان “مواظبون على الصلاة”
  • الدكتور بن حبتور يعزي في استشهاد عدد من قادة حماس والجهاد الإسلامي
  • محمد بن راشد: طيّب الله ثرى زايد الذي ما زال خير بلاده نهراً جارياً يرتوي منه الملايين حول العالم
  • محمد بن راشد: طيب الله ثرى زايد الذي ما زال خير بلاده نهراً جارياً