21 مارس.. ذكرى ميلاد زعيم يمني إرثه في ميزان التاريخ
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
تحل اليوم الذكرى السنوية لميلاد الرئيس اليمني الأسبق الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح (21 مارس 1947)، والتي يراها كثير من المؤرخين ليست مجرد ذكرى شخصية، بل "ميلاد وطن" ارتبط اسمه بمرحلة تاريخية حافلة بالتحولات الجذرية في اليمن.
خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود (1978–2011)، مثّل الزعيم صالح رمزاً لمرحلة جمعت بين تعزيز العلاقات الدولية والطموح التنموي المحلي في مختلف المجالات بينها التعددية السياسية وحرية الصحافة، في وقت تواجه البلاد اليوم تحديات معقدة تثير تساؤلات حول غياب الرؤية الموحدة للقوى الحاكمة.
السياسة الخارجية
برز اليمن في عهد الزعيم صالح كلاعب إقليمي ودولي مؤثر، حيث بنى جسور التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة، فوطّد علاقاته مع السعودية وعُمان، وعزز الشراكة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مجالات مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني، وأسهم ذلك في تحقيق استقرار نسبي مكّن اليمنيين من التركيز على البناء والتنمية، رغم محاولات قوى دولية وإقليمية لإثارة الاضطرابات خدمة لأجندتها الخاصة.
وحرص صالح على لعب دور الوسيط في عدة ملفات إقليمية، ما منح اليمن حضوراً دبلوماسياً ملموساً، انعكس إيجاباً على مكانته عربياً ودولياً، خاصة بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، التي مثلت نقطة تحول رئيسة في الخريطة السياسية للمنطقة.
نهضة تنموية
شهد اليمن خلال حكم صالح نهضة تنموية واسعة، تجلت في تطوير البنية التحتية عبر تشييد شبكة طرق حديثة تربط مختلف المدن، فضلاً عن توسعة قطاع التعليم بإنشاء جامعات حكومية وخاصة، أبرزها جامعة صنعاء وجامعة تعز.
وشهد القطاع الصحي تحسناً ملحوظاً مع إنشاء عشرات المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية الحكومية، بالإضافة إلى التنقيب والتعدين عن النفط والمعادن، إلى جانب مشاريع الكهرباء والمياه التي استهدفت تحسين الخدمات الأساسية.
ولم تقتصر التنمية على ذلك، بل امتدت إلى تعزيز قطاعات الزراعة والصناعة، مما أسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها البلاد.
تجربة سياسية رائدة
على الصعيد السياسي، أسس صالح نظام التعددية الحزبية، وفتح المجال أمام حرية الصحافة، ما أتاح ظهور أصوات معارضة وصحف مستقلة وقنوات إعلامية متنوعة.
وشهدت البلاد أيضاً، في عهده تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، مثلت تجربة ديمقراطية تعددية غير مسبوقة في تاريخ اليمن، وأتاحت منافسة سياسية حقيقية، وهو ما توافق عليه كثير من القيادات الحزبية بأنها كانت خطوة كبيرة نحو تحديث الدولة وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار.
انتكاسات وتشرذم
لم تترك القوى الدولية والإقليمية اليمن وشأنه، بل سعت لزعزعة استقراره عبر تحالفات خفية، كان أبرزها أحداث 2011، التي دفعت البلاد إلى أتون الصراعات الداخلية.
ومع ذلك، نجح صالح في تجنيب اليمن انهياراً شاملاً عبر نقل السلطة سلمياً في انتخابات رئاسية جاءت امتداداً لتجربة سياسية أسس لها سابقاً.
لكن التدخلات الخارجية استمرت، مستغلة قوى داخلية لتحقيق أجندتها، إلى أن وقعت نكبة 21 سبتمبر 2014، عندما سقطت الدولة بيد المليشيا الحوثية المسلحة المدعومة من إيران، والأخيرة كانت إحدى القوى الدولية التي عملت منذ عقود على نخر النظام الجمهوري وهدمه، ما أدى إلى دخول اليمن في دوامة صراع دامٍ، تسببت في تدمير البنية التحتية، وانهيار مؤسسات الدولة، وفشل القوى الحاكمة الحالية في تحقيق الاستقرار أو الحفاظ على سيادة القرار الوطني.
اليوم، وفي ظل تعثر المسارات السياسية، تبدو إعادة بناء الرؤية الوطنية الملهمة، كتلك التي أسس لها صالح، تحدياً مصيرياً لمستقبل اليمن، بينما تبقى منجزاته شاهداً على عصر ذهبي في تاريخ البلاد، رغم التباينات السياسية التي تحيط بإرثه.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
علي عبد الله صالح.. القائد الذي صنع تاريخ اليمن الحديث
في 21 مارس 1947م، وُلد علي عبد الله صالح في بلاد سنحان ضواحي صنعاء لعائلة يمنية بسيطة، وسط بيئة متواضعة لكنها مشبعة بالقيم الوطنية، نشأ في مجتمع محافظ، حيث تعلّم مبادئ الولاء للأرض والارتباط بالتقاليد القبلية.
كانت طفولته شاهدة على التحولات الكبرى في اليمن، وخاصة ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أطاحت بالحكم الإمامي وأعلنت الجمهورية، ورغم شبابه آنذاك، انخرط صالح في الدفاع عن النظام الجمهوري، وهو ما شكّل أولى خطواته في مسيرة نضاله الوطني.
في عام 1978م، وفي واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ اليمن، تولى علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية العربية اليمنية بعد سلسلة من الاغتيالات والانقلابات السياسية التي كادت تعصف بالبلاد
ورغم هشاشة الدولة في ذلك الوقت، استطاع صالح بحنكة سياسية ودهاء إداري أن يرسّخ الاستقرار، متجنبًا مصير أسلافه الذين لم تطل فترات حكمهم، لم يكن الطريق سهلاً، إذ واجه تحديات داخلية وخارجية، لكنه تمكن من تحقيق توازن فريد بين القبيلة والدولة، وبين السلطة المركزية والتعددية السياسية الناشئة.
كان هاجس الوحدة أحد أهم القضايا التي حملها صالح منذ توليه الحكم، بعد سنوات من المفاوضات والتحديات، تحقق الحلم في 22 مايو 1990م بإعلان الوحدة بين الشمال والجنوب، وهو الحدث الذي عُدّ نقطة تحول في تاريخ اليمن الحديث. ورغم أن الوحدة واجهت تحديات، أبرزها حرب صيف 1994، إلا أن صالح استطاع الحفاظ عليها، وترسيخها كأساس للدولة اليمنية الموحدة.
تميّز عهد علي عبد الله صالح بترسيخ نظام ديمقراطي فريد في المنطقة، حيث أُجريت انتخابات نيابية ورئاسية حرة، وتأسست الأحزاب السياسية، وازدهرت الصحافة وحرية التعبير. كما اهتم ببناء مؤسسات الدولة، وتعزيز النظام الجمهوري، وإنشاء بنية تحتية قانونية تدعم مبدأ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، رغم التحديات التي واجهها من قوى تقليدية كانت تعارض هذا التوجه.
على الصعيد الاقتصادي، شهدت البلاد خلال فترة حكمه نهضة شاملة في مختلف القطاعات، تم استخراج النفط والغاز، وتوسعت شبكة الطرق لتربط المدن والقرى، كما أُنشئت المئات من السدود لدعم القطاع الزراعي، إلى جانب ذلك، شهد قطاع التعليم تطورًا ملحوظًا، حيث توسعت الجامعات والمدارس، وتم إرسال الآلاف من الطلاب في بعثات دراسية خارجية، كما شهد قطاع الاتصالات قفزة نوعية، ما جعل اليمن أكثر انفتاحًا على العالم.
واجه علي عبد الله صالح محاولات عديدة لإضعاف دولته، سواء عبر الصراعات القبلية، أو التمردات المسلحة، أو التدخلات الخارجية، كان أبرز هذه التحديات تمرد مليشيا الحوثي المدعومة من النظام الإيراني، التي بدأت تمارس الإرهاب منذ عام 2004م، وحاولت الانقلاب على النظام الجمهوري، رغم محاولاته المتكررة لإيجاد حلول سياسية، إلا أن الجماعة تمادت في تنفيذ مخططاتها التدميرية وفق أجندة عابرة للحدود، مستغلة الأوضاع الداخلية والإقليمية.
مع انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014، وجد صالح نفسه أمام معركة جديدة للدفاع عن الجمهورية، تحالف مع الحوثيين في البداية لدرء المخاطر الخارجية، لكنه سرعان ما أدرك خطورة مشروعهم الطائفي، فأعلن انتفاضته ضدهم في ديسمبر 2017م، ورغم التفوق العسكري للحوثيين، قاد صالح المواجهة بكل شجاعة، حتى استُشهد في 4 ديسمبر 2017م، في منزله بصنعاء، وهو يدافع عن الجمهورية والوحدة حتى اللحظة الأخيرة.
ظل علي عبد الله صالح رمزًا وطنيًا في ذاكرة اليمنيين، فقد كان قائداً صاحب رؤية، صنع وحدة اليمن، ووضع أسس الدولة الحديثة، وواجه الإرهاب دون خوف. رغم كل التحديات التي مرت بها البلاد، يظل إرثه حاضرًا في شواهد التنمية، وفي وعي الأجيال التي عاشت عصره الذهبي، واليوم، بعد سنوات من استشهاده، لا يزال اسمه محفورًا في قلوب اليمنيين الذين أطلقوا على يوم ميلاده "ميلاد وطن"، تقديرًا لما قدمه لوطنه وشعبه.
للمزيد..
الزعيم علي عبد الله صالح.. قائد الإنجازات وصانع التحولات التاريخية في اليمن
21 مارس.. ذكرى ميلاد زعيم يمني إرثه في ميزان التاريخ