اعتادت الكاتبة والمترجمة الأردنية نداء غانم أن يمرَّ رمضان طفولتها هادئًا ودافئًا وسط أسرتها الصغيرة، ما عدا مرة كانت بطلة لحكاية مضحكة.

تحكي: «من عاداتي الرمضانية وأنا صغيرة أن أستأثر بمهمة تقطيع السلطة قبل الإفطار، في التوقيت ذاته كل يوم. لم يكن الأمر مجرد مهمة، بل معركة صغيرة أرفض التنازل عنها، شريطة أن أبقى في مكاني، جالسةً أمام التلفاز لمشاهدة مسلسل الجوارح، ثم جزأيه التاليين الكواسر والبواسل، وكأنه طقس لا يُمسُّ.

لا أفوّت لحظةً من المسلسل، وأنا أقطِّع الخضار إلى قطع متناهية الصغر، بغرض إطالة وقت التقطيع ليعادل زمن عرض المسلسل. ذات مساء، بعد أن غادر الضيوف، دخلتُ غرفة الضيوف أو الصالون لجمع الأطباق وأكواب العصير كنت في السادسة من عمري، لكنني بدلًا من ذلك وجدت نفسي أسكب العصير في جوفي، مستغلةً اللحظة بعيدًا عن الأعين. فجأة، وجدت والدي وصديقه واقفين عند باب الغرفة، يشاهدانني بصمت قبل أن ينفجرا ضاحكين. تمنيتُ لو أختفي، أو لو أن الأمر كان مجرد حلم، لكنني لم أجد مهربًا سوى الفرار إلى المطبخ، تاركةً خلفي ضحكاتهما تتردد في الأرجاء».

مشاعرها مختلطة تجاه رمضان الماضي، فقد عاشته كما ينبغي ومضى، لكنها تفتقد رمضان الذي كان فيه أبوها وأمها بينهم، ذلك الدفء الذي كان يحلُّ مع دخول الأب إلى البيت، محمَّلًا بأكياس ممتلئة بكل ما لذَّ وطاب، والأم التي تهرع لمساعدته وتطلق صيحة على كل مَن في البيت كي يمدوا أياديهم لمساعدته وبدورها تفرغ ما في الأكياس، وتوزّعِ محتوياتها بين الثلاجة ووحدات التخزين. كان البيت يعبق بروائح الطعام الشهية، وشراب قمر الدين الذي برعت الأم في إعداده، وزيَّن مائدة الإفطار. أما في السحور، فكان البطيخ مع الجبنة النابلسية طبقًا لا غنى عنه، يتوسط السفرة إلى جانب أطباق أخرى.

تعلق: «أفتقد لَمَّتنا بعد الإفطار، حين نجتمع لمشاهدة فوازير رمضان ومسلسل ليالي الحلمية، وأفتقد تلك اللحظات التي نصطفُّ فيها لأداء صلاة التراويح، وأبي يتقدَّمنا إمامًا، بصوته الذي يضفي على الركعات سكينة لا تزال عالقة في الذاكرة. رمضان الماضي لا يعود، لكنه يطلُّ بين الحين والآخر، يبعث في القلب ذكريات جميلة عشناها مع مَن نحب».

يبقى لرمضان على الصعيد الشخصي، كما تقول نداء غانم، شوق ولذَّة للقائه، ولكنه بات مرادفًا للمسؤولية بكل ما تحمله الكلمة من معنى أيضًا. لم يعد مجرد أيام للروحانية والهدوء، بل أصبح موسمًا حافلًا بالمهام، حيث تتداخل الأعباء اليومية مع متطلبات الشهر الفضيل من واجبات دينية ودعوات الطعام الواجب تلبيتها وأخرى يتحتم إقامتها. ورغم أن المظاهر الاحتفالية من زينة وأضواء باتت سمة أساسية، إلا أنها تجاوزت حدَّ البهجة إلى شكل من أشكال التباهي والمنافسة، وهو ما يتنافى مع جوهر رمضان الحقيقي. ومع ذلك، يظل هذا الشهر فرصة ثمينة لكسر روتين الحياة اليومية، ولمِّ شمل العائلة حول مائدة الإفطار وترتيل القرآن وتدبُّر معانيه واستحضار روحانيات نحن في حاجة لها في هذا العصر المادي.

وتؤكد نداء أن الحديث عن «طقوس» رمضان يبدو نوعًا من الرفاهية لا تملكه الأم. الأيام تمضي وفق روتين ثابت، يدور في فلك تحضير الطعام وإعداد الحلويات، في حين تظل الكتابة والترجمة حاضرتين فيما تبقى من وقت. بينما الليل مخصص للكتابة، حين ينام الجميع ويخلو المكان للهدوء، يمر النهار بين تفاصيل الحياة الأسرية وروائح الطهي.

عادةً، تتابع نداء مسلسلين فقط لا أكثر. تقول: «أحرص على اختيار عمل كوميدي خفيف كمسلسل «أشغال شقّة جدًا»، وآخر درامي يمنحني مساحة للتأمل. أما قراءة الروايات فتتراجع وتيرتها إلى حد ما، حيث أفضِّل قراءة الكتب غير الروائية كالسير الذاتية والكتب عن الكتابة، مثلًا أقرأ الآن كتاب «سباحة في بركة تحت المطر» لجورج سوندرز وترجمة محمد جمال. أما الكتب الدينية فأفضل الاستماع لها عبر تطبيق ستوريتل للكتب الصوتية، مثلًا أستمع الآن لكتاب «الرحيق المختوم» للمباركفوري، إلى جانب التزامي بالروايات المجدولة ضمن ناديَّين للقراءة».

رمضان لا يقلل من وتيرة الترجمة، بالنسبة لها، بل على العكس، تزداد خصوصًا في الساعات الأخيرة من الليل والصباح الباكر. خلال هذا الشهر، ترجمتْ جزءًا من رواية «الرئيس اختفى»، كما أنجزت نسبة كبيرة من رواية «آرثر وجورج».

نداء ليس لها دعاء مفضل بعينه، بل مجموعة من الأدعية التي تكررها كلما شعرت بالحاجة إليها. تقول أخيرًا: «رمضان يتغير مع السنوات، لكنه يظل موسمًا يحمل في طياته لحظات من الصفاء، ومساحات من التأمل، وفرصة للعودة إلى الذات».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نداء عاجل لإيقاف أعمال الصيانة بالقصر الجمهوري والمنشآت العامة

نداء عاجل لإيقاف أعمال الصيانة بالقصر الجمهوري والمنشآت العامة حتي اكمال المطلوبات وإلا حلت كارثة أخري …
مر علينا في الاخبار توجيه صادر بصيانة القصر الجمهوري من السيد الأمين العام لمجلس السيادة فله الاحترام والتقدير وهو يسعي لاستعادة دولاب عمل المجلس في رمز سيادتنا لكن هذا العمل لابد أن تسبقه مطلوبات عاجلة لم نري لها أثرا من أجهزة الدولة المختصة (وزارة العدل – وزارة الداخلية بواسطة الشرطة الجنائية – وزارة الثقافة والإعلام بواسطة هيئة الآثار – وزارة البني التحتية – وغيرهم من الهيئات الوطنية المتخصصة) وعليه يكون السؤال المستعجل الواجب الإجابة عليه :-

هل استوفي السيد الأمين العام لمجلس السيادة المطلوبات الوطنية الملحه قبل البدء في مشروع صيانة القصر الرئاسي حتي لا تضيع علي بلادنا فرصة المستقبل كما ضاع ماضينا وحاضرنا بهذه الحرب الكالحة؟؟
ما المطلوب:-
١. إعداد تقرير المسح الجنائي الوطني لمنشأة القصر الجمهوري وكل المنشآت العامة بواسطة الفريق القانوني من وزارة العدل وإدارة الأدلة الجنائية وهيئة الآثار بغرض تثبيت الجرم الواقع وحصر المفقودات وإرسال هذه التقارير بصورة منتظمة ودورية لكل الجهات الدولية ذات الصلة (مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي كمرفقات إثبات في شكوي السودان ضد الدول والجهات الضالعة في العدوان علي السودان ولمنظمة اليونيسكو في كل ما يتعلق بالأثار أو الأضرار علي المباني المصنفة كتراث انساني لتسهيل ملاحقة الآثار المنهوبة واستردادها ولتوفير الدعم الفني والمادي في مشروعات إعادة الإعمار وفقا لمتطلبات ومعايير صيانة المباني والمنشآت التاريخية بما لا يفقدها قيمتها الحضارية نتيجة الصيانة غير مختصة)، إن أعمال الصيانة المستعجلة التي تتم تحت دواعي استعادة عمل المؤسسات الحكومية بالعاصمة القومية بدون استكمال الصحيفة الجنائية بشكل قانوني ومهني يمكن أن تساهم في الإفلات من العقاب امام المحاكم الوطنية والدولية ويسهم في طمس أدلة جنائية مهمة ستحبط مساعي السودان لمقاضاة الأطراف المتورطة في الجريمة داخليا وخارجيا و ستؤدي كذلك لأخطاء وطنية تشبه كارثة إغراق الآثار السودانية في بحيرة النوبة.

٢. التوثيق الإعلامي والتاريخي المهم لصالح الأجيال القادمة بكل حجم الدمار والتدمير الممنهج الذي وقع علي بلادنا بواسطة فرق فنية داخلية وخارجية متخصصة وبإحترافية عالية تحت سلطة وإشراف وزارة الإعلام .

٣. تحديد المباني ذات القيمة التاريخية واستبعادها من أعمال الصيانة العامة وتحريزها لحين تكوين فرق صيانة فنية مختصة تحت إشراف وزارة الثقافة وهيئة الآثار ووضعها تحت حراسة الشرطة المشددة لحين الفراغ من استعادة دولاب العمل الحكومي العام وتفرغ فرق وطنية لهذا الشأن وتلقي المساعدات من الفرق الفنية الأجنبية ذات الاختصاص من الدول الصديقة والهيئات المختصة الدولية والإقليمية.

الابعاد القانونية والفنية لهذه القضية يجب أن لا تضيع تحت أي زريعة إدارية مستعجلة .
رجاء لا تمحو للمجرم اثار جريمته بحماس مستعجل غير مستبصر ولا مدرك لحقائق وحجم الجرم الواقع علي أمة السودان تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

Aamir Hassan

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • 4 عادات صباحية تغيّر حياتك.. خسارة وزن وتحسّن في الصحة العامة
  • نداء عاجل لإيقاف أعمال الصيانة بالقصر الجمهوري والمنشآت العامة
  • أكاديميون وجنود ودبلوماسيون يطالبون بوقف حرب غزة
  • قانون الرؤية.. هاجر الشرنوبي توجه نداءً للمسؤولين
  • أمن وهران يُوجّه نداء هاما للمواطنين
  • شمس البارودي توجه نداءً بشأن أعمال زوجها الدينية
  • الصين توجه نداء إلى أميركا بشأن الرسوم الجمركية
  • مغنية تركية تسخر من الفول المدمس… بقيت جائعة ليومين!
  • نداء من نقيب الصيادلة إلى القوى الأمنية: لحماية الصيدليات
  • مخدر في العصير.. سرقة حمولة سيارة في بولاق والأمن يبحث عن الجناة