الخبر اليقين حول القصر الجمهوري
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
الخبر اليقين حول القصر الجمهوري
رشا عوض
سيطرت قوات الد.عم السريع التي خرجت من رحم القوات المسلحة على القصر الجمهوري لقرابة العامين، ظل الجيش والقوات المتحالفة معه طيلة هذه المدة يحاولون انتزاعه من سيطرتها.
المبتدأ والخبر عندي هو ان هناك سودانيين يتقاتلون فيما بينهم قتالا شرسا بالاسلحة الثقيلة والطيران للسيطرة على القصر الرئاسي، وفي طريقهم لهذه السيطرة ازهقوا الاف الارواح البريئة من المواطنين السودانيين الابرياء وفقدوا كذلك اعدادا ضخمة من الضباط والجنود المخلصين والاكفاء في صفوف كل القوات المتحاربة بلا استثناء، ودمروا منشآت مدنية وعسكرية واهدروا اموالا بالمليارات وشردوا الملايين الى منافي الخارج والداخل مقهورين بالحاجة والمذلة ، وكل ذلك هو ملخص هذه الحرب الذي ينحصر في ان السودانيين حتى هذه اللحظة وبعد سبعين عاما من استقلالهم فشلوا في تأسيس الشرعية السياسية على قاعدة القبول الشعبي بل ظل الاحتكام للبندقية هو سيد الموقف! وحتى في تكريس شرعية حكم البندقية فشل السودان بسبب ان النظام الاسلاموي الذي كان اكثر شراسة في ترسيخ شرعية البندقية خلق واقع تعدد الجيوش وتبعا لذلك تعددت البنادق المتنافسة على السلطة وكانت النتيجة المباشرة لذلك هي اندلاع هذه الحرب بين الجيش والقوات التي خرجت من رحمه بواسطة النظام الكيزاني في اطار تلاعبه بالبيضة والحجر للسيطرة الابدية على البلاد!
والشعب السوداني ظل يدفع الفاتورة الباهظة لكل ذلك العبث! ولو احتج هذا الشعب وبصورة سلمية على هذه الوضعية عبر مظاهرات قوامها شباب في عمر الزهور يزحفون بمواكبهم صوب هذا القصر الجمهوري ظنا منهم بان ذلك القصر ملكهم وهم سادة عليه ، سرعان ما يتم ايقاظهم من ذلك الحلم بتوجيه الرصاص الى رؤوسهم وصدورهم من ” سادة القصر الحقيقيين” وهم بقايا الخديوية والتركية ووكلائهم المحليين الذين ينطبق عليهم المثل الشعبي ” التركي ولا المتورك” !
وبالتالي من المضحك والمبكي في ذات الوقت ترديد العبارات اللزجة والعبيطة على شاكلة ” استعادة القصر الجمهوري رمز السيادة الوطنية” !! او تحرير رمزية الدولة!
هذا القصر منذ ان شيده غوردون وحتى هذه اللحظة لم يكن رمزا الا لشيء واحد هو قهر وقمع السودانيين تحت وطأة القوة المسلحة ، مرت بهذا القصر نفحات عابرة وغير مكتملة من جنس ” التحرير والسيادة” في العهود الديمقراطية القصيرة ، اضافة الى ” التحرير الاساس” على يد الثورة المهدية في السادس والعشرين من يناير ١٨٨٥ ، الذي تم سحقه على يد الغزو الاستعماري الذي كانت اداته العسكرية ” اورطات مصرية واخرى سودانية من العناصر المعادية للمهدية”! هذه الاورطات التي اتت السودان برفقة الغزو الاستعماري هي البذرة التي نبت منها الجيش السوداني تحت رعاية وسقاية الحاكم العام البريطاني الذي صمم الجيش على اساس حماية ” قصر الحاكم العام” من اي ثورة وطنية! وهذا يظهر من مواقع ثكنات الجيش داخل العاصمة وبتصميم مخصص لحماية ” قصر غوردون” لا غيره ! ولذلك بعد خروج الحاكم العام اعتقد الجيش انه الوريث الشرعي للحاكم العام وظل يتعامل مع الشعب السوداني ولا سيما قواه السياسية على هذا الاساس! تحول خفير الحاكم العام الى وضعية ( المتحوكم العام) !! لذلك اي انقلاب عسكري وان خطط له سياسيون مدنيون ظنا منهم ان هذا الجيش يمكن ان يكون اداة في يدهم ينتهي الانقلاب باعدام او سجن الساسة المدنيين وسحق مناصريهم وايلولة السلطة المطلقة (للمتحوكم العام)!
الحاكم العام البريطاني حاول مشكورا فصل الجيش السوداني عن الاورطات المصرية اذ اعادها الى مصر ، ولكن رغم ذلك نجحت مصر في استلاب الجيش السوداني وتخصيبه بعقليتها في قهر السودانيين فاصبح اداتها في استتباع السودان سياسيا ونهبه اقتصاديا على مر العهود، مصر بحكم استلابها للسودان فكريا وثقافيا وخصوصا للنخبة المتعلمة من مدنيين وعسكريين نجحت في استدامة استتباعها للسودان حتى الان عبر الحكم العسكري وتقول هل من مزيد!
الفاشست الاسلامويون ادركوا حقيقة ان الجيش هو الحاكم الحقيقي للبلاد ولن يترك الحكم لاحد من العالمين ! ووضعوا خطتهم الشيطانية للسيطرة عليه وابتلاعه من خلال زراعة عناصرهم فيه لتنفيذ انقلاب يسيطرون به على السلطة وقدنجحوا في ذلك في ٣٠ يونيو ١٩٨٩، ثم الشروع في ” كوزنة الجيش بالكامل” عبر فصل كل العناصر غير الاسلاموية من الجيش واحلال عناصر التنظيم الاسلاموي محلها ، والتحكم في الدخول للكلية الحربية التي اصبح اهم معيار للقبول فيها هو الانتماء للتنظيم! وكذلك تغيير العقيدة القتالية للجيش وادلجته بايدولوجيا التنظيم، واخطر ما فعلوه هو تعمد اضعاف الجيش واهمال تدريبه وتسليحه وفي المقابل تقوية المليشيات الاسلاموية وكتائب الظل والمليشيات القبلية حتى يكون الجيش في حالة احتياج وارتهان دائم للاسلامويين ومحبوسا في سجنهم! يحتفظون به كغطاء سياسي للتنكر في ثياب قومية كلما لزم الامر! ولكنهم لا يثقون فيه بالمطلق
وعندما دبت الانقسامات العميقة في صفوف التنظيم بعد ان استقوى البشير ومجموعته على تيار الترابي ووقعت المفاصلة، وبعد نجاح البشير في تحجيم الترابي استقوى عسكريا ببندقية الجيش وهمش عتاة الكيزان مثل علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، ولان البشير يعلم اكثر من غيره مدى تغلغل الاسلامويين في مفاصل الجيش وكان متخوفا من انقلاب عسكري يطيح به ، اعتمد على الدعم السريع ليكون درع حماية له من انقلاب الجيش، لم يعارض الاسلامويون انشاء الدعم السريع بل دعموه بقوة لانهم كانوا في حاجة ماسة له لمحاربة الحركات المسلحة في دارفور، وكانوا يظنون انه سيظل حارسا وحاميا لنظامهم وعصا لتأديب خصومهم! ولكن اتت الرياح بما لا تشتهي السفن!
هذه هي الخطوط العريضة للعبة القط والفأر في الصراع العسكري العسكري على السلطة الاستبدادية والصنم الذي يرمز لها هو ” القصر الجمهوري” الذي تم طرد الد.
ولكن ما زال يطوف حول هذا الصنم طوافا مسلحا كل من : كتائب البراء بن مالك والبرق الخاطف والبنيان المرصوص والقوات المشتركة ودرع السودان والاورطة الشرقية وما لا يقل عن ثلاثة مليشيات تتدرب في ارتريا وقوات مالك عقار وقوات طمبور، فضلا عن ” المطوف الاكبر” وهو الجيش!
خلاصة القول: ذلك القصر الجمهوري هو رمز الازمة العميقة للدولة السودانية ، هو الشاهد على استيطان القمع المسلح لارادة الشعب السوداني ، هو صنم المركزية القابضة العمياء عن تنوع السودان ، هو الحارس للمظالم الاقتصادية والتنموية ، حتى هذه اللحظة ظل هذا القصر ميدانا للقتال المسلح بين المتصارعين على حيازة السلطة ، وحتى الان لا يوجد في صفوف المتقاتلين( سواء الجيش او الد.عم السريع او العشرين مليشيا مسلحة الموجودة في الميدان الان) ، لا يوجد من يحمل مشروعا حقيقيا للتغيير في اتجاه المعاني الحقيقية للسيادة الوطنية التي تعني سيادة الشعب على موارده وامتلاكه للحق في تقرير مصيره السياسي ، وفي اتجاه معالجات جذرية لواقع التهميش السياسي والاقتصادي والتنموي والحروب الاهلية المتناسلة التي انتقلت الى داخل اسوار القصر الجمهوري والقيادة العامة للجيش! بل الى داخل كل منزل من منازل الاحياء المحظية في الخرطوم التي ما كان يخطر ببال احد من ساكنيها الابرياء ان النيران التي اشتعلت في الجنوب ودارفور لعشرات السنين يمكن ان تصل اليها!
الحالة الوحيدة التي يجوز فيها النظر الى التقدم العسكري للجيش نظرة ايجابية وبارقة امل في الامن والامان هي ان يكون هذا الجيش- وهو اكبر حزب سياسي مسلح في البلاد – قد ادرك الاسباب الجذرية التي اشعلت هذه الحرب ولا سيما تلك المرتبطة به هو من اختلالات وعيوب بنيوية وعلى رأسها تنكره لطبيعته كجيش يجب ان يكون دوره حماية حدود البلاد وحماية مواطنيها من العدوان الخارجي لا ان يكون لاعبا اساسيا في صراع السلطة يقسم الشعب الى موالين ومعارضين! ومن ثم تكون لديه ارادة حقيقية للقبول بمنطق التاريخ وفتح صفحة سياسية جديدة في تاريخ البلاد تبشر بنهاية الحروب الاهلية، ولكن للاسف كل المؤشرات على الارض حتى الان تقول ان الجيش مدفوعا بالاسلامويين طوعا او كرها، ومدفوعا باجندة بعض جنرالاته الطامعين في السلطة بدعم اقليمي يمضي في اتجاه استعادة القديم ممثلا في ” منظومة الاستبداد والفساد والتمييز العنصري والمناطقي ” في صورة اكثر قتامة وانحطاطا من ذي قبل، ويمضي في ذات الاتجاه الذي اشعل هذه الحرب القذرة اي اتجاه تعدد المليشيات العرقية والقبلية والاسلاموية في طول البلاد وعرضها واستغلال واقع التعدد المليشياوي في خلق حالة من توازن الرعب لصالح الجنرال الحالم بان يكون دكتاتور المستقبل الذي يرقص على رؤوس الافاعي! هذا المسلك هو وصفة لحروب قادمة: مليشيات عرقية ودينية متعددة كلها طامعة في السلطة في ظل خطاب كراهية واستقطاب عرقي وجهوي وتدخلات اقليمية كثيفة وخبيثة وفي ظل جيش زاخر هو الاخر بالانقسامات والصراعات على السلطة والارتباطات الاقليمية. الوسومالخبر اليقين القصر الجمهوري رشا عوض قصر الحاكم العام
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الخبر اليقين القصر الجمهوري رشا عوض
إقرأ أيضاً:
بعد سيطرة الجيش على القصر الجمهوري .. من هما طرفا الحرب في السودان؟
سرايا - فرض الجيش السوداني سيطرته الكاملة على القصر الرئاسي في الخرطوم، اليوم الجمعة، في أحد أهم التطورات في الصراع المستمر منذ عامين مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
فيما يلي بعض الحقائق عن طرفي الحرب التي أدت إلى تدمير البلاد وتشريد الملايين، فضلا عن تأجيج أعمال قتل على أسس عرقية في دارفور.
وبدأت الحرب بين الطرفين في إطار نزاع ضمن عملية انتقال سياسي كانت مزمعة، بعد شراكة هشة في الإطاحة بالرئيس السابق، عمر حسن البشير، في عام 2019 والإطاحة بحكومة بقيادة مدنية في 2021.
الجيش السوداني
* القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان كان لديها الأفضلية من الناحية النظرية في بداية الحرب بسبب العدد الكبير لجنودها وأسلحتها الثقيلة وطائراتها المقاتلة.
* المؤسسة العسكرية ظلت في مركز السلطة في السودان أو بالقرب منه على مدى عقود. ولد البرهان في عام 1960 في قرية تقع شمال الخرطوم ومجاورة لمسقط رأس البشير، وقضى حياته المهنية بأكملها داخل تلك المؤسسة.
* استعانت القوات المسلحة في كثير من الأحيان بقوى خارجها للقتال مثل مجموعات تحالفت معها في عدة مناطق بالسودان، منها الميليشيات التي أصبحت فيما بعد قوات الدعم السريع في دارفور، بالتزامن مع تأسيس الجيش لمصالح اقتصادية واسعة.
* في عهد البشير، خدم البرهان في دارفور حيث خاضت الحكومة قتالا لإخماد تمرد شهد أعمال عنف أدت إلى نزوح ما يقدر بنحو مليوني شخص وسقوط 300 ألف قتيل بحلول عام 2008.
* قال البرهان إنه كان من بين الشخصيات العسكرية التي أبلغت البشير بضرورة التنحي وسرعان ما بزغ نجمه بعد ذلك باعتباره الزعيم الفعلي للسودان.
* في الأيام الأولى من الحرب، تراجع الجيش أمام وحدات قوات الدعم السريع الأكثر خفة وسرعة في التنقل في مختلف أنحاء العاصمة، ثم في وقت لاحق في منطقة دارفور وولاية الجزيرة جنوب الخرطوم.
* في 2024، استعاد الجيش السيطرة على بعض المناطق، وبالتحديد في أم درمان المقابلة للخرطوم على الجانب الآخر من النيل، وقالت مصادر إنه حقق ذلك مدعوما بطائرات مسيرة إيرانية الصنع. وتلقى الجيش أيضا الدعم من قوى خارجية منها مصر وسيطر إلى حد كبير على شمال وشرق السودان بما في ذلك بورتسودان المطلة على البحر الأحمر.
* اتهم سكان الجيش بقتل مدنيين في قصف عشوائي وهجمات جوية في أجزاء من الخرطوم ومناطق أخرى تسيطر عليها قوات الدعم السريع. ونفى الجيش هذه الاتهامات.
* في يناير كانون الثاني 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البرهان متهمة إياه بإعطاء الأولوية للحرب على حساب جهود السلام. وذكرت وزارة الخزانة الأميركية أن قيادته للقصف العشوائي والهجمات على البنية التحتية المدنية وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، كل ذلك ساهم في نزوح جماعي وسقوط عشرات الآلاف من القتلى.
* تعمل قوات الدعم السريع تحت قيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي. وقدر محللون أن عدد أفراد القوات بلغ نحو 100 ألف قبل بدء الحرب، ولها قواعد وانتشار في جميع أنحاء البلاد.
* حميدتي، وهو الآن في أواخر الأربعينات، ترك الدراسة وبدأ العمل في تجارة الإبل في دارفور. ووفقا لمحمد سعد، وهو مساعد سابق، فقد حمل حميدتي السلاح لأول مرة بعد أن هاجم رجال قافلته التجارية وقتلوا نحو 60 من عائلته وسرقوا ماشيته.
* تعززت مهاراته القتالية عندما تحالف الموالون له وغيرهم من القوات غير النظامية مع الحكومة للمساعدة في إخماد التمرد في دارفور في حملة تصاعدت في عام 2003. وعرفت تلك الميليشيات باسم الجنجويد، وهو مصطلح يعني "شياطين على ظهور الخيل" وهو ما يعكس سمعتهم المخيفة.
* اتهم ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية مسؤولين حكوميين وقادة الجنجويد، من دون تسمية حميدتي، بارتكاب إبادة جماعية وفظائع أخرى.
* مع مرور الوقت، نمت قوات الدعم السريع وحصلت بدعم من البشير في عام 2017 على اعتراف رسمي باعتبارها قوة عسكرية. وبالتوازي مع ذلك، توسعت المصالح التجارية لحميدتي في مجالات تعدين الذهب والبنية التحتية والثروة الحيوانية وغيرها من المجالات.
* أثبتت قواته أنها خصم صعب المراس بالنسبة للجيش، إذ استولت على بعض قواعده واحتمت في مناطق سكنية فقدت فيها المدرعات الثقيلة والتكتيكات العسكرية التقليدية أفضليتها.
* اتهم سكان وجماعات معنية بالدفاع عن حقوق إنسان وخبراء بالأمم المتحدة قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة المتحالفة معها بارتكاب هجمات على أسس عرقية في دارفور، وهي اتهامات نفتها قوات الدعم السريع.
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 21-03-2025 01:29 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية