سألني بعضهم الكتابة عمّا فعلت هذه الحرب ببلادنا ، وجدتني وقد جف دمع عيني من البكاء على من فقدناهم ، وتعوّد قلبي على الاحزان الثقيلة التي تسببت فيها ، وحلقي فيه ذات المرارة التي يتذوقها السودانيين الان ، وقد اصطفوا ضد من قاموا بشن هذه الحرب وفعلوا الفعائل غير المسبوقات في جسد الدولة السودانية وفي الشعب ، وخلال سنتين بائستين.
لقد تحوّل انقلاب فاشل ، قام به شقيقان سعياً لحكم البلاد إلى حرب حقوق ومظالم مختلقة !! ، والشقيقان الشقيان يعلمان ذلك ولكنهما مأموران !! ، ولقد أراد من اشعل الحرب ودفع الدعم السريع لها واشترى ذمم السياسين الخِربة ان يحقق هدفه من الحرب ، حتى لو كان ثمن ذلك استقرار البلاد وتشريد أهلها وسرقتهم وانتهاك حرماتهم ، لقد واصلوا في حرب شعواء حشدوا لها من كل مكان به قبيلة عربية في عامة إفريقيا ، بل عبروها إلى استجلاب مقاتلين من اميركا الجنوبية و دول اوربا الشرقية وأفريقيا ، .
لقد صنعوا لهذه الحرب في كل مرحلة قضية حتى يلتف حولها المقاتلون والسياسيون ” الهباب ” ، حتى انتهوا إلى محاولة زرع الفتنة العرقية في البلاد ..كانت في البداية حرباً على الإسلاميين – الفلول – والكيزان ، وبعض من يرفع صوته المشروخ ليردد هذا القول ، ويطلق رصاصه ليستقر في صدر أبرياء ، او يحرض على الحرب ويجند المقاتلين لأجل هذه القضية ، كان لعقود ضمن الكيزان ومحسوب على الإسلاميين ، واليوم يتحول لخصم لهم وهذا مفهوم فالولاء الفكري او السياسي قابل لإعادة التفكير والمراجعة ، لكن ما لم استوعبه هو المشاركة او القبول بقتل الأبرياء وانتهاك الحرمات وسلب الناس ممتلكاتهم واغتصاب البريئات واعتقال وتعذيب الناس دون سبب !! وجدتني احتار فيمن فعل وفي من قبل بالفعل !! كيف لم نرى حقيقة هذا الجار او ذاك الزميل في العمل او الزميل في التعليم او رفيق حلقة التلاوة او إمام المسجد او هذا الطبيب او صاحب الدكان !! او حتى الخفير في البيت المواجهة والذي أُحسن اليه !! كيف لم نرى هذه القسوة وهذا الظلام !! كنت انظر لهذا او ذاك ، هنا وهناك ، اتلفت دهشةً عل احدهم يفسر لي هذا ، لأفهم فعلاً سر هذا التحوّل ، وانت تفهم اخيراً حين يذكرك البعض بمعنى الفتنة ومعنى مكر الله !! ….و كيف يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، كيف يصحو صالحا ً ويبيت فاسقاً … لذلك امرنا ان نستعيذ في كل وقت من الفتنة ، لكن هاهنا نراها ، كيف التبس على البعض دينهم وأخلاقهم وغاب عقلهم …
مرة أخرى يقولون إنهم مقاتلون لأجل الحرية والديمقراطية …كيف تأتي الديمقراطية عبر فوهة البندقية !! وكيف تأتي الحرية من السجون السرية ومن أختطاف الأبرياء وتعذيبهم حتى الموت ، ومن اغتصاب النساء والمُرد !!
اخيراً استقروا على ان الحرب نشأت ضد دولة 56, !! وبعض قياداتهم المدنية الان هم من قلب دولة 56 !! ومن صفوتها حيث نالوا مكاسب ومصالح وعلاقات ، وعلى راس من سخّر دولة 56 لصالحه فاحكم قبضته عليها وعلى أموالها ومواردها حتى صار أغنى من عرفه السودان طوال تاريخه هو حميدتي ومعه اشقائه!! ورغم ذلك ما زالت أسطوانة 56 مشروخة تؤذي السامعين … ثم اتخذوا من رفع صوت القبلية خطةً لتمزيق المجتمع والقبائل.
لكن بعد ان تنتهي هذه الحرب ، ويستقر الوضع وتُحصى الخسائر ، سيتلفت زعماء تلك القبائل ليكتشفوا كم هي فادحة خسائرهم على الصعيد الشخصي والعام !!
لكن هل هذا هو الوجه الأوحد للحرب !! لا هناك وجه آخر مهم ، كله يصُب لصالح الدولة السودانية ، لصالح الجمهورية الثانية ، لقد صنعت هذه الحرب لأول مرة شعوراً وطنياً موحداً ، وحساسا ً للغاية .
لقد ظلت هذه البلاد تفتقر للرموز الوطنية الحقيقة لسنوات تطاولت
، وهكذا صنعت هذه الحرب رموزاً حقيقية تمثل الروح النبيلة لهذا الشعب وقريبة منه وسيلتف حولها ويقدمها ، فيهم طلاب واساتذه ، أطباء وممرضون ومغنون وموسيقيون ورياضيون ، فيهم ضباط وجنود ، بينهم رجال أعمال وموظفون ، واغنياء وفقراء .
لقد برزت اجيال جديدة شابة في كافة المجالات صنعت لنفسها مكانة في الساحة السودانية، وسيكون لها دور ،
من اهم ما يلاحظ خلال هذه الحرب ، ان الأحزاب القديمة تراجعت حظوظها في الاستمرار والتماسك ، وهي جلها كيانات رخوة صنعها المستعمر لتكون جزءاً مؤثراً في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوداني . والفراغ الذي سيصنعه غياب هذه الأحزاب ، سيؤدي إلى احد امرين تفككها ، او تعمل جهة ما على استخدام هذه الأحزاب للصعود عبرها .
ترى الكاتبة انه بقليل من الجرأة يمكن ان تظهر احزاب قوية ترث الأحزاب التقليدية بسهولة نتيجة لتحالفات قوى حيّة ، تتجاوز فيها المسميات والشعارات القديمة ، فهذا الوقت المناسب للتغيير ولبروز قيادات شابة ووجوه جديدة رغم أنف المدارس القديمة المنغلقة !!
لأول مرة في تاريخ الدولة السودانية نخبوياً وشعبوياً يكون لمصطلح الخيانة الوطنية مساحة حقيقيه واعية ومنتبهة ، وسيترتب على تفعيل هذا القانون ، بدايةً حقيقية لإيقاف علاقات الارتزاق والعمالة للسفارات ومندوبي اجهزة المخابرات الأجنبية التي دمغت الحياة السودانية منذ ما قبل الاستقلال .
هذه الحرب ان احسنت قيادة الدولة إدارتها بعيداً عن اي منظومات حزبية ، وبالاعتماد على شخصيات كفؤة ، هي فرصة ذهبية لصالح تأسيس الدولة السودانية على أسس دستورية وقانونية واضحة ومحترمة ، ولذلك من الأهمية بمكان في البداية استعجال نفخ الروح في عدد من القوانين واللوائح اللازمة لتنظيم مسارات الحياة العامة في البلاد وإعادة تخطيط المدن وإعادة تنظيم العلاقات الخارجية .
ان بناء الدول يتطلب وقتاً وخصوصية ، وفيه صعوبة خاصة في هذا العصر المفتوح والمترابط تكنلوجياً واقتصادياً ، لكن من المهم محاولة الانكفاء على الداخل لسنوات ومراجعة التعليم والإعلام بهدف تحقيق تنشئه وطنية وتنمية اجتماعية تنهض بالمجتمع والدولة ، و هذا الانكفاء المرحلي مطلوب لأجل نهضة اقتصادية تقوم على ادخال اكبر عدد ممكن من المواطنين في دائرة الانتاج والاقتصاد ، وبناء الدول يقتضي قضاء عادل ونيابة نزيهة وشرطة مهنية ، وهذه في جزء من أدوارها هي اجهزة فاعلة في محاربة الفساد الذي يطيح بالدول والأنظمة والمؤسسات ، لذلك لابد من التدقيق في بشفافية في كل بيانات وحسابات موظفي جهاز الدولة عامة …، بداية من القيادات ومن حولهم حتى ادنى مستوى وفق قوانين تحفيز و محاسبة صارمة .
هناك حاجة ماسة لفتح اجهزة الدولة ومؤسساتها بما يسمح بوجود غير السودانيين فيها ، فرغم الدعوة للانكفاء بهدف التطور المجتمعي والترقي في اداء الدولة ، إلا ان هذا لا يتعارض مع سياسة جذب مؤهلين للعمل في دولاب الدولة ، فكل الدول التي نهضت بداية من أوربا وأمريكا واسيا والخليج تطورت بإنفتاح جهاز الدولة والمؤسسات الخاصة على سوق العمل الخارجي ، وهذا يصب لصالح هدف التطور و الترقي
الحروب دوماً رغم كراهتها ومآسيها ، إلا أنها فرصة نادرة لبدايات جديدة بروح جديدة ، ان لم تفهم قيادة الدولة ذلك فستفلت الفرصة من يدها ويد الوطن ، وستستمر حالة العنف ببساطة لان السلاح انتشر والخوف منه انتفى ، والقبائل كلها حتى في المناطق المسالمة أصبحت متحفزة ومسلحة ..
سناء حمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدولة السودانیة هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة وتفكيك الدولة تحت غطاء الحرب (2-3)
محمد عبدالله إبراهيم
Mohammedabdalluh2000@gmail.com
في خضم نيران هذه الحرب الضارية، تتكشف ملامح المشروع الإسلامي المناهض للثورة بأوضح صورة، حيث لا ترتكب جريمة ولا يقمع صوت، إلا وتحت إشراف عقل مدبر يعمل في الخفاء حيناً وفي العلن حيناً آخر، لاسترداد ما خسرته النخبة الإسلامية بعد ثورة ديسمبر المجيدة، فهذه الحرب ليست مجرد صراع مسلح، بل تمثل ذروة مشروع إسلامي شمولي يسعى لاغتيال حلم الشعب السوداني، وإعادة هندسة الوعي الجمعي تحت فوهات البنادق ومنابر التحريض.
لقد أُطلقت يد الفوضى، وانتشرت كتائب الإسلاميين المؤدلجة في مختلف مناطق سيطرة الجيش، وهي تشكيلات كتائب عسكرية عديدة ومتعددة المهام أنشأها النظام البائد، وتلقت عناصرها تدريبات عسكرية متقدمة منها في إيران وباكستان والشيشان وروسيا وتركيا، وشاركت في عمليات حربية وإرهابية داخل وخارج السودان، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، شاركت تلك الكتائب في حروب الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، مدفوعة بأيديولوجيا دينية لا تقيم وزناً لحياة الإنسان، وهي لا تمد الى الدين باي صلة، وانما تتغذى على خطاب الكراهية وثقافة القتل والتعذيب، وذلك بحكم تربيتهم الفكرية والسياسية والعقائدية.
ولم تتوقف ممارسة الحركة الإسلامية في الداخل، بل امتدت استثمارات الحركة الإسلامية الحربية إلى دول الجوار، باعتراف قادتها أنفسهم، من محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1996، إلى التورط في الحرب الليبية، حيث أقر البشير بأن قواته كانت بين أول من أسقط طرابلس في يد الجماعات الليبية المتطرفة، بل ذهبت وزارة الخارجية السودانية آنذاك إلى حد التحريض على المواطنين السودانيين في ليبيا، بزعم انتمائهم للحركات المسلحة الدارفورية المتمردة، وللمفارقات هي ذات الحركات التي تتحالف معها اليوم في هذه الحرب، وامتدت مخططات ومؤامرات الاسلاميين إلى الحرب في تشاد وأفريقيا الوسطى وإريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان، وصولا الى حرب اليمن، التي شهدت لأول مرة مشاركة الجيش السوداني في حرب أهلية خارجية مدفوع الثمن وبعيداً عن أي مصلحة وطنية.
منذ نشأتها، بنت الجبهة الإسلامية مشروعها السياسي على صناعة العنف والتعبئة، مستغلة العاطفة الدينية لدى ملايين السودانيين، لا سيما في عهد الحرب في جنوب السودان، التي وفرت لها بيئة لتوسع نفوذها وسط فئات الطلاب والشباب، عبر ماكينة إعلامية ضخمة سخرت لها كافة مقدرات الدولة، وكرست الخطاب الديني التحريضي وسط المجتمعات السودانية لتأجيج النعرات القبلية، مما أسهم في إشعال الانقسامات والحروب بين القبائل، وفي مناطق التماس الإثني على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان، استغلت القبائل وقامت بتحريضهم وتعبئتهم تعبئة عنصرية ودينية وزجت بهم في حرب الجنوب، التي أفضت لاحقاً إلى انفصال الجنوب عام 2011، في مشهد لم يهز مشاعر الإسلاميين ولم يعني لهم شيئاً.
بعد انفصال الجنوب، ورغبة من الإسلاميين في استثمار الحروب الاهلية ضد مواطنيهم، قاموا بإشعال الحرب في جبال النوبة في 6 يونيو 2011، والنيل الأزرق في 5 سبتمبر 2011، تحت ذريعة "محاربة المتمردين من الحركة الشعبية والجيش الشعبي"، بدأت مرحلة جديدة من فصول الحرب، وللمفارقات كان من بين المستهدفين فيها نائب القائد العام الحالي للجيش مالك عقار، الذي يقاتل اليوم في خندق واحد مع الإسلاميين أنفسهم، وللمفارقات أيضا كانت ذرائع تلك الحرب هي ذات الذرائع التي تستخدم اليوم لتبرير الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، "محاربة تمرد الدعم السريع"، في تكرار مأساوي لمشهد الحرب الأهلية الذي لم يعرف للسودان استراحة منذ عقود.
لقد نجحت الحركة الإسلامية، خلال ثلاثين عاماً من الحكم، في تحقيق أخطر أهدافها في السودان؛ وهو السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وثروات البلاد، وكان الاستثمار الأول لها هو الحرب، التي وسعت من دوائرها لتشمل كل أطراف السودان، "حروب أهلية وتطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم حرب ..الخ"، جرائم موثقة وأسماء مطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية، "البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وضباط آخرون من القوات المسلحة والمليشيات المتحالفة مع الإسلاميين، خاصة في دارفور"، وفي المدن، لم تتوقف حرب الإسلاميين ضد بنات وأبناء الشعب السوداني، حيث استمرت عبر آلة القمع في استهداف النشطاء والنقابيين والطلاب والمتظاهرين السلميين في جميع انحاء السودان منذ ذلك الحين والى الان.
لم يكتف الإسلاميون بإشعال هذه الحرب، بل هم أحد أركانها الأساسية، يخططون ويمولون ويجندون ويروجون لها عبر آلة إعلامية وخطب دينية تنضح بالحقد والكراهية، ويوظفون النصوص الدينية لتبرير القتل وكافة الجرائم، وألبسوا مشروعهم الدموي ثوب الجهاد، من جديد، في محاولة جديدة لاستقطاب الشباب وتسويق الحرب تحت شعارات مضللة تستخدم فيها العقيدة كطريق إلى الجنة.
ان الخطر الحقيقي للإسلاميين لا يكمن فقط في حجم الحرب والدمار، بل فيما يزرعونه في أعماق المجتمعات السودانية من بذور نزاعات لا تنتهي، ويسعون الى تقسيم السودان لا على أساس تنوعه المشروع، بل وفق خطوط الكراهية والانقسام، وتحويله من وطن يسعى للمدنية والحرية والسلام والعدالة، إلى أرض محروقة تعبث بها جماعات الموت والإرهاب والمصالح الضيقة.
يتبع ...
والمجد للساتك"