العنف المدرسي.. تعد ظاهرة العنف المدرسي من أخطر الظواهر التي باتت تنتشر بشكل ملحوظ في مدارسنا مؤخراً، حيث تأخذ هذه الظاهرة أشكالًا متعددة تتراوح بين العنف اللفظي مثل التنمر والعنف الجسدي.

وفي هذا السياق، أثار العديد من المتخصصين في مجال الصحة النفسية والتربية قلقهم بشأن آثار هذه الظاهرة التي تهدد صحة الأطفال النفسية والجسدية على حد سواء.

الظاهرة لا تقتصر على أحد أنواع المدارس سواء كانت حكومية أو خاصة أو دولية، بل تتفشى في جميع أنماط التعليم، ونتيجة لهذه الظاهرة، أصبحت حوادث العنف المدرسي جزءًا من حياتنا اليومية، وهو ما يعكس وجود قضايا اجتماعية ومشاكل نفسية تؤدي إلى تفشي هذا السلوك في الأجيال الصاعدة.

في هذا السياق، أكد الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن العنف المدرسي يعد من أخطر الظواهر التي تهدد صحة الأطفال النفسية والجسدية على حد سواء. وأوضح هندي في تصريحاته أن العنف لا يقتصر فقط على الاعتداءات الجسدية، بل يشمل أيضًا التنمر اللفظي والنفسي، مما يؤدي إلى آثار سلبية تدوم لفترة طويلة.

وأضاف هندي، في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع» أن تقارير اليونيسف أظهرت أن تكلفة العنف ضد الأطفال على مستوى العالم تقدر بحوالي سبعة تريليونات دولار سنويًا، مشيرًا إلى أن نصف عدد الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة، أي ما يقارب 150 مليون طالب في جميع أنحاء العالم، يتعرضون لشكل من أشكال العنف المدرسي، بما في ذلك التنمر، موضحًا أن من بين كل ثلاثة طلاب في العالم، يتعرض طالب واحد للتنمر، وهو ما يعكس مدى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير.

العنف اللفظي والجسدي.. أشكال متعددة للتهديد

وأشار هندي إلى أن العنف المدرسي لا يقتصر على الحوادث التي تحدث داخل جدران المدارس فقط، بل يمتد إلى سلوكيات تحدث خارج المدارس مثل الاعتداءات في الشوارع أو عبر الإنترنت، مثل الشائعات الإلكترونية والصفحات المزيفة التي تؤذي الطلاب نفسيًا.

واستعرض هندي العديد من أشكال العنف التي يعاني منها الطلاب، مثل الضرب، والتعنيف الجسدي، وحتى الاعتداءات النفسية من خلال التشهير والتهديد، مضيفًا أن هذه الأفعال تؤدي إلى آثار نفسية وعقلية كبيرة على الطلاب، مثل الشعور بالكآبة، وفقدان الثقة في المجتمع، وتأخر دراسي قد يصل إلى التسرب من التعليم.

وشدد هندي على ضرورة توفير بيئة مدرسية آمنة وداعمة للأطفال، مؤكدًا أن معالجة هذه الظاهرة يتطلب تعاونًا بين المعلمين، والأخصائيين النفسيين، والإداريين داخل المدارس.

تأثير العنف المدرسي على صحة الأطفال

كما أكد استشاري الصحة النفسية، أن العنف المدرسي لا يقتصر على الأفعال الجسدية فقط، بل يشمل أيضًا أشكالًا أخرى أكثر تعقيدًا وتدميرًا، قائلاً: «التشهير بالطلاب وسبهم، والابتزاز سواء كان ماديًا أو إلكترونيًا، يعد من أخطر أشكال العنف في المدارس»، مضيفًا أن الاعتداءات الجنسية في المدارس تشهد تزايدًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس حجم المشكلة الكبيرة التي تحتاج إلى تدخُّل عاجل.

وأشار هندي إلى أن «التسخير القهري» -أي إجبار الطلاب على القيام بأعمال غير لائقة- هو أيضًا أحد ألوان العنف المدرسي التي لا ينبغي السكوت عنها، معتبرًا أنه يعد شكلاً من أشكال الإيذاء النفسي والجسدي، ذاكرا مثالًا على ذلك في الماضي، حين كان يُطلب من الطلاب تنظيف الساحات أو جمع الأوراق المرمية بشكل قسري، وهذا يمثل انتهاكًا لحقوق الطالب.

كما أكد هندي أن «الفضائح والشائعات» التي يتم ترويجها ضد الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو داخل أسوار المدرسة تشكل نوعًا آخر من العنف، حيث يتم تصوير الطلاب أو نشر معلومات خاصة تضر بسمعتهم، مضيفًا أن هذا النوع من العنف يؤدي إلى أضرار نفسية عميقة قد تلاحق الطالب لفترات طويلة، مؤثرًا بذلك على استقرارهم النفسي والاجتماعي.

العنف المدرسي.. مشكلة عالمية تحتاج إلى حلول عاجلة

وبيّن الدكتور وليد هندي، أن ظاهرة العنف المدرسي تعتبر من أخطر وأهم القضايا الاجتماعية التي تهدد النظام التعليمي في مختلف أنحاء العالم، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تتزايد بشكل ملحوظ، وقد أصبحت قضية تؤرق العديد من الدول حول العالم.

وأوضح هندي أن الإحصائيات تؤكد تفشي ظاهرة العنف في المدارس بشكل غير مسبوق. ففي أستراليا، على سبيل المثال، تم فصل 55.000 طالب في عام 2009 بسبب العنف، حيث كان العنف الجسدي سببًا في فصل ثلث هؤلاء الطلاب، مضيفًا أن العنف المدرسي لا يقتصر على الطلاب فقط، بل يمتد ليشمل المعلمين والموظفين داخل المدارس، حيث تم رصد 175 حالة اعتداء على الموظفين في عام 2008.

وأشار هندي إلى أن العنف المدرسي يتنوع ويشمل العديد من الأشكال مثل التعدي على الممتلكات المدرسية، مثل كسر الأبواب أو السرقة. كما أضاف أن العنف يشمل أيضًا الاعتداء على المعلمين، سواء بالضرب أو التشهير بهم.

وتابع هندي بالإشارة إلى دراسة حديثة في بلجيكا التي أظهرت أن العنف ضد المعلمين هو السبب الرئيسي لتركهم لمهنة التدريس، مما يسلط الضوء على مدى تأثير العنف المدرسي على الاستقرار الوظيفي للمعلمين.

كما تحدث عن العنف المدرسي في دول أخرى مثل بلغاريا وفرنسا، حيث تم اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة هذه الظاهرة. في بلغاريا، تم إدخال خطة صارمة لمكافحة العنف بعد تفشيه بين الطلاب، وفي فرنسا تم رصد 300 مدرسة تعاني من العنف بين عام 2000 و2005.

وفي اليابان، أكد هندي أن البلد الذي يُعتبر نموذجًا للسلوك الراقي يواجه أيضًا مشكلة العنف المدرسي، حيث تم رصد 756.052 حالة من العنف، بما في ذلك 7.000 حالة ضد المعلمين داخل المدارس.

وفي مصر، أكد هندي على تزايد حالات العنف المدرسي، موضحًا أن «خط نجد الطفل الدولي» (رقم 161000) قد استقبل زيادة بنسبة 67% في حالات العنف في المدارس الابتدائية بين عامي 2005 و2015.

تأثير العنف على التحصيل الدراسي والسلوك الاجتماعي

واستكمل استشاري الصحة النفسية، أن العنف المدرسي لا يقتصر على الأذى الجسدي فقط، بل له تأثيرات نفسية وعقلية خطيرة قد تلازم الطلاب طوال حياتهم، مبينًا أن العنف المدرسي يتسبب في إصابات جسدية قد تكون دائمة، مثل الكسور، الجروح، والحروق، التي قد تؤدي إلى إعاقات دائمة تؤثر على حياة الطالب.

وأشار هندي إلى أن الآثار النفسية للعنف قد تكون أشد فتكًا، حيث يعاني الطلاب من الاكتئاب وفقدان الثقة في المجتمع الخارجي، مما يؤدي إلى تأخر دراسي، انسحاب اجتماعي، وتسرب من التعليم، مضيفًا أن بعض الطلاب قد يلجأون إلى سلوكيات متطرفة مثل الجنوح، وقد يبدأون في حمل الأسلحة للدفاع عن أنفسهم، ما يعرّضهم للمشاكل القانونية ويؤدي إلى دخوله في دوامة من العنف.

وأوضح هندي أن الطلاب الذين يتعرضون للعنف المدرسي قد يعانون من اضطرابات نفسية متنوعة مثل القلق، اضطرابات النوم، الأحلام المزعجة، وارتفاع مستويات الغضب والتوتر، مشيرًا إلى أن العنف قد يدفع بعضهم إلى التفكير في الانتحار، وهو السبب الثالث الرئيسي للوفاة في الفئة العمرية بين 15 و19 سنة.

تأثير العنف المدرسي على صحة الأطفال

وأكد هندي أن العنف المدرسي لا يقتصر على الطلاب فقط، بل يمتد ليشمل المعلمين أيضًا، حيث يمكن أن يؤدي العنف الموجه ضدهم إلى تركهم لمهنة التدريس، مما يزيد من تفشي هذه الظاهرة في المدارس. كما أشار إلى أن الإحصائيات في بلجيكا كشفت أن العنف ضد المعلمين هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفعهم لمغادرة المهنة.

وقال هندي إن الحلول لهذه الظاهرة تتطلب خطة شاملة على مستوى المدارس والمجتمع، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تشير إلى أن 720 مليون طفل حول العالم لا يتمتعون بحماية قانونية من العنف المدرسي، مما يشير إلى الحاجة إلى لائحة جزاءات واضحة داخل المدارس وتدريب مستمر للكوادر التعليمية لمكافحة العنف.

وشدد على ضرورة العمل على تقديم حلول جذرية، تشمل حماية الطلاب والمعلمين على حد سواء من العنف، وتوفير بيئة مدرسية آمنة وصحية لجميع الأطفال في كافة أنحاء العالم.

وقال استشاري الصحة النفسية، إنه خطة مبتكرة في السعودية تحت مسمى «المعلم المرشد»، تهدف إلى تعزيز دور المعلمين في رصد السلوك العدواني لدى الطلاب ومعالجته بطرق تربوية فعّالة، مؤكدًا أن الخطة لا تقتصر على المعلمين فقط، بل تشمل أيضًا جميع الكوادر التعليمية مثل الإداريين، العمال، والسائقين، نظرًا لأن العنف المدرسي يمتد ليشمل جميع جوانب البيئة المدرسية، بما في ذلك التنقلات اليومية للطلاب.

وأوضح الدكتور هندي أن خطة «المعلم المرشد» تركز على تدريب المعلمين على مهارات تربوية تساعدهم على اكتشاف السلوك العدواني مبكرًا، وتعليمه كيفية معالجته بشكل احترافي وفعّال، مشددًا على أهمية تدريب السائقين والعمال، حيث أن العديد من حوادث العنف قد تحدث في الحافلات المدرسية أو أثناء التنقلات، مثل التنمر اللفظي أو الاعتداءات الجسدية.

وأكد الدكتور وليد هندي على ضرورة تعديل المناهج الدراسية لتعزيز القيم الإنسانية مثل التسامح، الإيثار، واحترام الآخر، مضيفًا أن هذه القيم يجب أن تكون جزءًا من الأنشطة الدراسية اليومية، مثل موضوعات التعبير والرسم، وليس حصرها فقط في المناهج التقليدية، بهدف غرس السلوكيات الإيجابية في الطلاب.

وأشار إلى ضرورة تنفيذ برنامج رعاية سلوكية يتابع ظواهر العنف والتسرب المدرسي، ويعالجها من خلال أنشطة تحفز الوعي الأخلاقي لدى الطلاب، موضحًا أن بداية كل عام دراسي يجب أن يتضمن أنشطة توعية عن العنف، مثل تقديم آيات قرآنية، أحاديث شريفة، وعروض مسرحية موجهة للطلاب، لتعزيز فهمهم للمشاكل المرتبطة بالعنف.

التكنولوجيا في مكافحة العنف المدرسي

وأشار الدكتور هندي إلى أهمية استخدام التكنولوجيا في مكافحة العنف المدرسي، من خلال رصد وتوثيق الحوادث بشكل سريع وفعال، قائلاً إن استخدام منصات إلكترونية أو صناديق رقمية لتلقي شكاوى الطلاب واقتراحاتهم يعد من الطرق المبتكرة لرصد السلوكيات العنيفة، مما يساهم في تحسين بيئة المدرسة.

ودعا هندي إلى تنظيم أنشطة جماعية مثل الرياضة والرحلات المدرسية، حيث أنها تساعد على بناء علاقات إيجابية بين الطلاب، وتعزز من روح التعاون والتضامن. كما أكد على أهمية تفعيل العمل التطوعي داخل المدرسة، حيث يسهم في تطوير الروح الإنسانية والأخلاقية لدى الطلاب.

في ختام حديثه، لـ «الأسبوع»، أشار الدكتور هندي إلى أهمية وضع لائحة واضحة للعقوبات المتعلقة بالعنف داخل المدرسة، وتوضيح العقوبات المترتبة على السلوكيات العنيفة، مشددًا على ضرورة تنظيم ندوات إرشادية لتوعية الطلاب بأضرار العنف، وكيفية تجنب السلوكيات السلبية التي تؤثر على صحتهم النفسية والاجتماعية.

وأكد الدكتور وليد هندي على أن الهدف النهائي لهذه الخطة هو خلق بيئة مدرسية آمنة وصحية تسهم في نمو الطلاب النفسي والاجتماعي، وذلك من خلال تعزيز دور المعلمين والكوادر التعليمية في توجيه الطلاب نحو السلوكيات الإيجابية.

اقرأ أيضاًمفارقة صادمة.. العالم يتكبد خسائر بـ7 تريليونات دولار سنويًّا بسبب العنف المدرسي (فيديو)

" العنف المدرسي وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع" ندوة لواعظات الغربية

بعد واقعة مدرسة كابيتال الدولية.. هل يتحول العنف والبلطجة بين طلاب المدارس إلى ظاهرة؟!

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: حماية الأطفال التنمر الصحة النفسية المعلمين التربية العنف الجسدي السلوك العدواني الإرشاد النفسي التكنولوجيا التعليمية العنف المدرسي التحصيل الدراسي الأخصائي النفسي الإساءة النفسية العنف اللفظي الأزمات الاجتماعية الظواهر السلوكية التسرب الدراسي التأثير النفسي العدوانية استشاری الصحة النفسیة الدکتور ولید هندی مشیر ا إلى أن داخل المدارس صحة الأطفال هذه الظاهرة فی المدارس على ضرورة العدید من مضیف ا أن هندی على یؤدی إلى من العنف من خلال من أخطر هندی أن أشکال ا

إقرأ أيضاً:

«قرار رئاسي» بإغلاق وزارة التعليم الأمريكية.. الأسباب والعراقيل التي تواجه ترامب

في خطوة مثيرة للجدل، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإغلاق وزارة التعليم الفيدرالية، في محاولة جريئة لنقل مسئولية التعليم بالكامل إلى حكومات الولايات والمجالس المحلية.

الخطوة التي اتخذها ترامب تعكس توجهًا محافظًا قديمًا يسعى لتقليص دور الحكومة الفيدرالية في التعليم، لكنها في الوقت نفسه تضع مستقبل النظام التعليمي في الولايات المتحدة على المحك.

الرئيس الأمريكي قالها صراحة: «سنغلقها - يقصد وزارة التعليم - وسنغلقها بأسرع ما يمكن. إنها لا تفيدنا بشيء».

هذا التصريح يعكس استراتيجية ترامب المعتادة في ممارسة الضغوط السياسية، حتى لو لم تُنفذ الخطة بالكامل على المستوى التشريعي.

قرار مثير

الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي، رغم أهميته الرمزية والسياسية، لا يعني أن وزارة التعليم ستُغلق فعليًا، فتفكيك وزارة حكومية يتطلب موافقة الكونجرس.

ويحتاج التصويت لإغلاق وزارة التعليم إلى حوالي 60 صوتًا في مجلس الشيوخ، وهو سقف لا يمتلكه ترامب حتى مع سيطرة الجمهوريين على المجلسين.

بمعنى آخر، ترامب قد لا يحتاج إلى مصادقة الكونجرس، إذ يمكنه عمليًا تحقيق الهدف نفسه عبر إضعاف وزارة التعليم من الداخل.

ومع ذلك، فإن التأثير العملي قد يتحقق عبر تفريغ الوزارة من مضمونها من خلال تسريح الموظفين وتقليص الميزانية، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار دورها الفعلي حتى إن لم تُغلق رسميًا.

وإغلاق وزارة التعليم قد يعيد رسم ملامح النظام التعليمي الأمريكي بطرق كبيرة، فمن دون الدعم الفيدرالي، ستجد المدارس العامة نفسها في مواجهة نقص حاد في التمويل.

وسيعمق تفاوت التمويل الفجوة بين الولايات الغنية، التي تستطيع تعويض هذا النقص بمواردها المحلية، والولايات الفقيرة، التي ستُترك لمصيرها.

المدارس العامة

التعليم ملفٌ سياسيٌ ساخنٌ في الولايات المتحدة، فالمحافظون يرون في سياسات التعليم الفيدرالية تدخلًا حكوميًا غير ضروري، ويؤمنون بأن التعليم يجب أن يُدار محليًا.

على الجانب الآخر، يعوّل أنصار العدالة الاجتماعية على برامج التمويل الفيدرالي لدعم المدارس العامة، خصوصًا في المناطق الفقيرة، وبرامج تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

إضعاف وزارة التعليم يعني أن المدارس العامة ستواجه أزمة حقيقية في التمويل، ما سيؤثر على مستوى الخدمات التعليمية.

الدعم الفيدرالي يُستخدم في تمويل برامج التغذية المدرسية، وخدمات تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير البنية التحتية، وتقليل كثافة الفصول.

وبالتالي، فإن توقف هذه المخصصات سيؤدي إلى تدهور الخدمات في المدارس العامة، خاصة في المناطق الفقيرة.

إغلاق الوزارة قد يعيد إنتاج تفاوت طبقي في النظام التعليمي، إذ ستتمكن الولايات الغنية من تعويض نقص التمويل عبر فرض ضرائب محلية أو زيادة المخصصات التعليمية.

وفي المقابل، ستعاني الولايات الأمريكية الفقيرة من تدهور مستويات التعليم بسبب غياب الدعم الفيدرالي.

القسائم التعليمية

قد تشهد المدارس الخاصة ازدهارًا غير مسبوق، إذ إن إعادة توجيه الأموال الفيدرالية نحو برامج القسائم التعليمية سيعزز قدرتها على استقطاب الطلاب، تاركةً المدارس العامة تتراجع.

برامج القسائم التعليمية تُطبق في عدة ولايات، وتدعمها التيارات المحافظة باعتبارها وسيلة لتحرير التعليم من سيطرة الدولة.

لكن الديمقراطيين والليبراليين يعارضونها بشدة، معتبرين أنها تضعف التعليم العام وتزيد من الفجوة الاجتماعية.

تخصص الحكومة (الفيدرالية أو المحلية) مبلغًا ماليًا لكل طالب في إطار نظام التعليم العام، ويحصل أولياء الأمور على قسيمة (Voucher) تعادل هذا المبلغ (أشبه بالدعم النقدي).

وللأسر حرية الاختيار، حيث يمكن استخدام القسيمة لتغطية رسوم التعليم في أي مدرسة خاصة يختارونها، بدلًا من المدارس العامة المحلية.

هذه السياسة تعني أن المدارس الخاصة ستستفيد من التمويل الحكومي بشكل غير مباشر، بينما ستخسر المدارس العامة حصتها من هذه الأموال.

وبالتالي، فإن الأسر القادرة على تحمل فارق الرسوم ستتمكن من الاستفادة من القسائم، بينما ستظل الأسر الفقيرة عالقة في مدارس عامة تعاني من نقص الموارد.

مخاطر القسائم

الفكرة تبدو وكأنها تمنح الأسر، خاصة ذات الدخل المنخفض، فرصة للهروب من قيود التعليم العام المتردي إلى خيارات تعليمية أخرى.

لكن هذا الحل الذي يبدو سحريًا يدمر المدارس العامة، حيث تذهب العائلات بأطفالها إلى المدارس الخاصة ومعها الأموال العامة التي كانت مخصصة للمدارس العامة.

وستخسر المدارس العامة معظم الطلاب بسبب القسائم التعليمية وسينخفض التمويل، وتتراجع الموارد، وبالتالي، مستوى التعليم العام المقدم للفقراء الذين يلتحقون بها.

كما تتسبب في عدم المساواة، حيث إن القسيمة قد لا تغطي كامل الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، ما يجعل الاستفادة منها مقتصرة على الطبقات القادرة على تعويض الفارق.

ويترتب عليها تسييس التعليم، لأن بعض القسائم تُستخدم في مدارس دينية، ما يثير جدلًا حول خلط الدين بالدولة.

والأخطر، غياب الرقابة، حيث لا تخضع المدارس الخاصة لنفس معايير المحاسبة والجودة المفروضة على المدارس العامة.

تحديات قانونية

المعركة المتعلقة بإغلاق وزارة التعليم الفيدرالية قد تنتقل إلى ساحات القضاء، عبر الطعن على القرار التنفيذي باعتباره تجاوزًا لصلاحيات السلطة التنفيذية.

قانونيًا، ستكون المعركة معقدة، إذ إن تفكيك الوزارة يهدد مصالح قطاعات واسعة، من المعلمين إلى الطلاب وأولياء الأمور.

ويُحذر معارضون من أن تفكيك الوزارة إداريًا عبر تسريح الموظفين وتقليص المخصصات قد يُنتج أثرًا مشابهًا للإغلاق الكامل.

تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية أوسع لترامب لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية عبر تفكيك البيروقراطية، وهي سياسة تلقى ترحيبًا من القاعدة المحافظة.

وإضعاف وزارة التعليم يعني إعادة هيكلة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وهو ما يعيد إنتاج فكرة "الفيدرالية التقليدية" التي تُفضّل سيطرة الولايات على الملفات الداخلية.

هل ينجح؟

سيواجه ترامب مقاومة شرسة من الديمقراطيين، وربما من بعض الجمهوريين المعتدلين، وقد لا يتمكن من إغلاق وزارة التعليم فعليًا.

لكن تنفيذ القرار سيضعف وزارة التعليم عبر تفكيك وظائفها الأساسية، ما سيؤدي عمليًا إلى تقليص نفوذها.

وإذا نجح ترامب في تمرير هذه الاستراتيجية، فقد يشكل ذلك نقلة جذرية في بنية النظام التعليمي الأمريكي، تنقل التعليم من مسئولية الحكومة الفيدرالية إلى الولايات.

وقد يوسع الفجوات التعليمية والاجتماعية في أمريكا لعقود قادمة.

ما يفعله ترامب ليس مجرد قرار تنفيذي، إنه تحدٍ سياسي وهيكلي للنظام التعليمي الأمريكي بأكمله. وحتى لو لم يُغلق الباب قانونيًا، فإن تفريغه من مضمونه قد يحقق الأثر نفسه، تاركًا النظام التعليمي الأمريكي أمام مستقبل مجهول.

مقالات مشابهة

  • «قرار رئاسي» بإغلاق وزارة التعليم الأمريكية.. الأسباب والعراقيل التي تواجه ترامب
  • تدريب المعلمين على منظومة منصة نور بجنوب الشرقية
  • مدارس الإمارات ترسّخ ثقافة العطاء والتطوع
  • «استشاري نفسي»: العطاء بلا حدود قد يتحول إلى استغلال.. فيديو
  • استشاري طب الأطفال يحذر: لا تعطوا الأسبرين للأطفال المصابين بهذا الفيروس المنتشر
  • إدارة ترامب: حماس اختارت الحرب وتتحمل المسؤولية كاملة عن تصاعد العنف
  • رئيس الوزراء يكشف حقيقة ما يثار بشأن بيع بنك القاهرة.. مدبولي: هناك استشاري يقوم بعمل الفحص النافي للجهالة لتحديد قيمة البنك وتحديد النسبة التي سيتم طرحها
  • بعد تسليط الضوء على قضية التحرش في لام شمسية.. استشاري نفسي يقدم نصائح لحماية الأطفال
  • استشاري: التمر الأكثر تأثيرًا على ارتفاع مستوى السكر بالدم عند الإفطار ..فيديو