The Grievous Political Economy
of Port Sudan and Nairobi Governments

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
????رغم مرور عامين على تصاعد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإن كلا التحالفين (تحالف بورتسودان المدعوم من الجيش، وتحالف نيروبي المدعوم من الدعم السريع) لم يتمكنا من إعلان حكومة موثوقة تدير البلاد.

ويعود هذا التأخير إلى مجموعة من العوامل المتعلقة بالاقتصاد السياسي الذي تجسده العلاقة التفاعلية بين الاقتصاد والسياسة، بتأثير القوى السياسية على الأداء الاقتصادي وتأثير الواقع الاقتصادي على الوضع السياسي. ففي حالة حكومتي بورتسودان ونيروبي المعلن عنهما، فإن الأزمة تشمل تعقيدات مركبة تؤثر على الاقتصاد السياسي وتشمل غياب الشرعية، والتناقضات الداخلية في حواضن الحكومتين، والتحالفات غير المستقرة، وعدم الاعتراف والمقاطعة الدولية، وفشل طرفي الحرب في تحقيق سيطرة كاملة على السودان، مما خلق تحديات معقدة فرضت تباطؤ التحالفين في تشكيل الحكومتين.
1. تحديات الاقتصاد السياسي لحكومة بورتسودان
????حكومة بورتسودان لا تحظى بشرعية محلية أو دولية، مما يجعلها غير قادرة على توقيع اتفاقيات دولية أو جذب الاستثمارات المحلية والدولية، خاصة وأن الاقتصاد السوداني يعتمد بشكل كبير على التعاون الدولي والإقليمي (المساعدات، التجارة، الاستثمار)، وبدون اعتراف عالمي، تبقى الحكومة معزولة اقتصادياً.
???? تحالف قيادة الجيش مع الإسلامويين أفرز شراكة غير مستقرة إذ لكل منهما مصالح اقتصادية متضاربة. فالإسلامويون يسيطرون على شبكات اقتصادية موازية (شركات الأمن، الذهب، العقارات)، مما يقلل من سيطرة الدولة التي يقودها الجيش على الموارد. كما يوجد صراع داخلي بين ضباط الجيش غير الإسلامويين والتيار الإسلاموي، مما خلق بيئة غير مستقرة للاستثمارات والقرارات الاقتصادية.
???? حكومة بورتسودان تعتمد على الريع المتمثل في عائدات الموانئ والجمارك، لكنها لا تملك سيطرة على القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، حيث تراجع الإنتاج الزراعي بسبب الحرب وانعدام الأمن، مما زاد من الاعتماد على الاستيراد ورفع معدلات التضخم.
???? نظراً لتوجس الحلفاء الإقليميين من النفوذ الإسلاموي على حكومة بورتسودان فقد ظلوا مترددين في ضخ استثمارات مؤثرة بسبب دور الإسلامويين في تأجيج الحرب وإشاعة عدم الاستقرار. وعليه فإن حكومة بورتسودان ربما تواجهها ضغوط اقتصادية من الحلفاء الإقليميين لدفعها نحو تسوية سياسية قد لا تتناسب مع مصالح الإسلامويين.
????يستهلك تمويل الحرب والإنفاق العسكري جزءاً كبيراً من الميزانية في تمويل الحرب ضد الدعم السريع، ما يستنزف الموارد المخصصة للخدمات والتنمية، الأمر الذي يصعد عُزْلَة حكومة بورتسودان عن الشعب. وذلك فضلاً عن أن استمرار الحرب يجعل حكومة بورتسودان غير قادرة على التخطيط لاقتصاد مستدام في ظل إعطائها الأولوية للإنفاق العسكري.
2. تحديات الاقتصاد السياسي لحكومة نيروبي
???? تعاني حكومة نيروبي من فقدان السيطرة المؤسسية على الاقتصاد، حيث تفتقر إلى مؤسسات اقتصادية منظمة مما أدى لاعتماد الدعم السريع على الاقتصاد الموازي (تهريب الذهب، الجبايات غير القانونية، الابتزاز المالي). كما يعيق حكومة نيروبي غياب مؤسسات مالية رسمية تجعل من المستحيل إدارة اقتصاد متكامل، مما يؤدي إلى انهيار أي محاولات للاستقرار المالي.
???? تكابد حكومة نيروبي من تكوينها من تحالف غير متجانس اقتصادياً، إذ يضم الدعم السريع، والحركات المسلحة، والأحزاب السياسية، والإدارات الأهلية ذات المصالح الاقتصادية المتضاربة. فالدعم السريع يعتمد على نهب الموارد وتهريب الذهب، ولا يهتم ببناء اقتصاد مستدام. والحركات المسلحة تحتاج إلى مصادر تمويل مستمرة، مما يدفعها نحو فرض الضرائب العشوائية في مناطق سيطرتها. أما الأحزاب السياسية مثل جناح حزب الأمة القومي وجناح الاتحادي الديمقراطي الأصل فتعاني من عدم القدرة على فرض رؤيتها ولعب أي دور في الاقتصاد الرسمي بسبب ضعفها أمام مكونات التحالف الأخرى.
????المؤثرات الخارجية على حكومة نيروبي تحد من استقلالها الاقتصادي، حيث يعتمد الدعم السريع على دعم خارجي من بعض الدول الإقليمية ويفتقر إلى مصادر تمويل مشروعة ومستدامة داخل السودان. ذلك أن توقف الدعم الإقليمي بسبب الضغوط الدولية المحتملة سيدفع حكومة نيروبي نحو أزمة مالية خانقة.
???? تعاني حكومة نيروبي من فقدان التأثير على القطاعات الاستراتيجية مثل عدم السيطرة على البنوك، والتجارة الخارجية، والمؤسسات الاقتصادية الوطنية، مما يحد من قدرتها على تنفيذ أي سياسات اقتصادية فعالة. كما أن الاقتصاد في المناطق التي سيطر عليها تحالف نيروبي مدمر تماماً بسبب الحرب، مما يعني عدم وجود قاعدة اقتصادية يمكن البناء عليها.
3. تحديات الاقتصاد السياسي المشتركة بين الحكومتين
????تكابد حكومتا بورتسودان ونيروبي من التفاعل الطردي السالب بين الاضطراب السياسي وتردي الاقتصاد حيث لا يمكن لأي من الحكومتين تنفيذ سياسات اقتصادية طويلة المدى في ظل حالة عدم الاستقرار العسكري والسياسي. كما أن استمرار الحرب يؤدي لاستمرار هروب رؤوس الأموال، وتوقف الاستثمارات، وانخفاض الإنتاج.
????تعاني الحكومتان من انهيار الإيرادات العامة بسبب فقدان سيطرة أي منهما على القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الذهب، والصادرات الزراعية، والنفط، مما أدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية. كما ستواجهان تراجع الإيرادات الضريبية والجمركية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي وعدم قدرتهما على فرض الجباية في المناطق غير الخاضعة للسيطرة. وسيدفع ذلك الحكومتين للاعتماد على الضرائب غير المباشرة ورفع أسعار الخدمات العامة الأمر الذي يزيد من معاناة المواطنين ويؤدي لتَوَرُّم الاقتصاد الموازي.
????تواجه حكومتا بورتسودان ونيروبي تحديات جسيمة في تفعيل السياسة النقدية بسبب فقدان كليهما السيطرة على النظام المصرفي. فبرغم سيطرة حكومة بورتسودان على بنك السودان المركزي، إلا أن النظام المصرفي منقسم وغير قادر على تنفيذ سياسات نقدية فعالة. ويؤدي ذلك إلى تواصل ضعف الثقة في البنوك المحلية مما يقود لنزوح الودائع إلى الخارج أو الاكتناز خارج النظام المصرفي. وفي المقابل فإن عدم سيطرة حكومة نيروبي على البنك المركزي قد يدفعها لتأسيس بنك مركزي موازي مما يضاعف من الفوضى المصرفية والتوسع غير المسبوق في طباعة النقود وانفلات التضحم وانهيار قيمة الجنيه السوداني، حيث بدأت بعض المناطق في "دَوْلَرَة" و "دِرْهَمًة" اقتصاداتها بالتعامل بالدولار أو الدرهم الإماراتي بدلًا من الجنيه السوداني. وهذا يجعل من المستحيل على الحكومتين إدارة السياسة النقدية أو فرض سيطرتهما على الاقتصاد.
????تخضع حكومتا بورتسودان ونيروبي لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بسبب تزايد جرائم الحرب من الجانبين، مما يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية من المجتمع الدولي قد تقود لتلاشي فرصة صمود أي من الحكومتين أمام تبعاتها الوخيمة.
????أدت الحرب لمعاناة السودان من أسوأ أزمة إنسانية في العالم أثرت سلباً على الاقتصاد السياسي إذ نزح نحو 9 ملايين شخص داخل السودان، ونزح أكثر من 3 ملايين إلى الدول المجاورة كلاجئين. ويواجه نحو 26 مليون شخص (أكثر من نصف السكان) جوعاً حاداً، ويعاني 18 مليون شخص من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. كما أثرت الحرب على الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، حيث إن 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع إما متوقفة عن العمل أو مُدمَّرة. وتنتشر الأمراض الفتاكة، بما في ذلك الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، حيث يفتقر الملايين إلى مياه شرب آمنة. ويقابل هذه الكارثة الإنسانية عجز كامل من تحالفي بورتسودان ونيروبي عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، مما يزيد من فقدان شرعيتهما الشعبية.
????تعاني الحكومتان من ضعف النظام المصرفي وانهيار النظام المالي، حيث أُصِيْبَ النظام المصرفي بالشلل في السودان من تبعات الحرب، مما يجعل التحويلات المالية والتجارة الخارجية شبه مستحيلة. وأدى ذلك لانتشار السوق السوداء والاقتصاد غير الرسمي مما يجعل التحكم في التضخم وسعر الصرف أكثر صعوبة.
????الحكومتان مهددتان بتوسع الاقتصاد الموازي وهروب رؤوس الأموال، حيث أصبح الاقتصاد غير الرسمي أكبر من ضِعْف الاقتصاد الرسمي، مما أدى إلى صعوبة فرض الضرائب على الأنشطة الاقتصادية والتحكم في السياسة النقدية. وتسبب التهريب وانتشار شبكات السوق السوداء في فقدان الدولة للسيطرة على مواردها المالية. وصاحب ذلك نزوح رجال الأعمال ورؤوس الأموال إلى الخارج بسبب المخاطر الأمنية والسياسية.
????تسببت الحرب في عزلة السودان عن النظام الاقتصادي الدولي وأصبح السودان مقطوعاً عن النظام المالي العالمي لعدم وجود حكومة معترف بها دولياً. وبالتالي لا يمكن لأي من الحكومتين الحصول على قروض أو دعم اقتصادي دولي دون حل سياسي شامل.
????تقلل الحكومتان المعطوبتان من فرص استئناف استفادة السودان من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك). فالدول والمؤسسات الدولية الدائنة التي ساعدت السودان في الوصول إلى "نقطة القرار" في يونيو 2021 لن تتعامل مع حكومة بورتسودان أو حكومة نيروبي غير المعترف بهما رسمياً من المجتمع الدولي، مما يجعل التفاوض معهما حول تخفيض أو إلغاء ديون السودان مستحيلاً. وذلك فضلاً عن أن سعي الحكومتين لتأجيج الحرب يؤدي لاستمرار إحجام المؤسسات المالية الدولية عن تقديم مساعدات لدولة في حالة حرب، حيث لا يمكن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التعامل مع حكومة عاجزة عن السيطرة على البلاد أو مواجهة اقتصاد موازٍ في السودان يهيمن عليه الجيش والمليشيات في ظل غياب أي رؤية إصلاحية اقتصادية.
4. الاقتصاد السياسي للسيناريوهات المستقبلية
???? سيناريو استمرار الحرب الذي يدعمه الإسلامويون في تحالف بورتسودان يقود لمزيد من الهشاشة الناتجة عن الضغوط الاقتصادية والسياسية، مما يعني أن الحكومتين ستواجهان مزيداً من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تفاقم الانهيار الاقتصادي مُهَدِّدَةً بانفجار اجتماعي واسع، قد يطيح بكلتا الحكومتين.
???? سيناريو الحل السياسي الجزئي الذي تسعى له أي من الحكومتين ربما يؤدي لتحسن محدود في الأوضاع الاقتصادية ولكن ليس بالدرجة التي تكفي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها الموثوقة.
???? سيناريو حكومة انتقالية مدنية مستقلة ذات مصداقية يقودها التكنوقراط ويحتضنها تحالف شعبي واسع من قوى ثورة ديسمبر الشعبية بمكونيها المدني والعسكري، بحيث تحظى بقبول داخلي ودولي يُعيد السودان إلى المسار الصحيح اقتصادياً وسياسياً، ويفتح المجال أمام دعم المجتمع الدولي والإقليمي للسودان، مما يساعد في تحقيق إصلاحات اقتصادية عميقة ومدروسة، تشمل إعادة بناء المؤسسات المالية، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي، واستعادة الثقة الدولية بعد توفر بيئة سياسية مستقرة. ودون ذلك، فإن التمادي في تشكيل حكومتي بورتسودان ونيروبي رغم عورهما البائن سيجعل السودان عالقاً في دوامة الفوضى والانهيار الاقتصادي، مما يُنْذِر السلام الإقليمي والدولي بعواقب وخيمة.

melshibly@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاقتصاد السیاسی حکومة بورتسودان النظام المصرفی على الاقتصاد حکومة نیروبی الدعم السریع نیروبی من سیطرة على مما یجعل

إقرأ أيضاً:

بيان من الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات

بيان صحفي/ بحمد الله وتوفيقه وبعد اجتماعات عديدة من كل الحادبين /ت والمهتمين/ت/ بحالة حقوق الإنسان في داخل السودان ، ولا سيما بعد هذه الحرب العبثية التي بدات في ١٥ ابريل ٢٠٢٣ وتزايد حالات إنتهاكات حقوق الإنسان من قبل كل اطراف الحرب ضد المدنيين،
تنادت هذه المجموعة من السودانين /ت لاداره نقاشات عميقه قادت مباشره لتكوين الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات لتقوم بدورها في تقديم المساندة والمدافعة عن كل السودانين /ت /في كل مناطق السودان في ظل هذه الظروف المعقدة والتي إنعدمت فيها كل مبادئ العدالة و سيادة حكم القانون و توفر شروط المحاكمة العادلة وكثرت فيها البلاغات الكيدية ضد السياسيين والناشطين في مجالات العمل المدني والحقوقي والإنساني وأستغلت الاجهزة العدلية لقمع الخصوم من سياسيين وغيرهم ومطاردتهم بالانتربول لتحقيق مآرب سياسية.
مما يشي للاسف بانهيار المنظومه العدليه بالسودان…
لكل هذا وذاك وللوقوف مع شعبنا قررنا تكوين هذه الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات لتكون سندا لكل من أنتهكت حقوقه.وكحائط سد يقي النظام العدلي ببلادنا من تمام الانهيار
ولقد تم انتخاب المكتب التنفيذي للهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات من تسعه محامين/ت برئاسة الاستاذ العالم عمر الفاروق شمينا ….
معز حضره
الناطق الرسمي باسم الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات
20/مارس/2025  

مقالات مشابهة

  • الهروب إلى الحرب.. هل تنقذ الجرائم حكومة نتنياهو؟
  • بيان من الهيئة القومية للدفاع عن الحقوق والحريات
  • السودان: الجيش يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم
  • معاريف: 89% من أنصار حكومة نتنياهو يؤيدون استمرار الحرب للضغط على حماس
  • أبو بكر الديب يكتب: بعد 3 سنوات من الحرب.. الغرب يفشل في إضعاف روسيا
  • “إغاثي الملك سلمان” يوزّع 430 سلة غذائية في محلية بورتسودان
  • صحف عالمية: حكومة نتنياهو على الحافة وبقاؤها مرهون بمواصلة الحرب
  • مستغربين ليه..!!
  • إعلام إسرائيلي: متظاهرون يحتجون على حكومة نتنياهو بسبب استئناف حرب غزة