سودانايل:
2025-04-15@05:28:23 GMT

ما هي مشروعية وصاية الجيش على السياسة؟

تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT

أن الأزمة السياسية التي سبقت الحرب في السودان؛ أكدت أن العقل السياسي السوداني عجز أن يقدم أفكارا يتجاوز بها الأزمة السياسية التي تواجه المجتمع، و هذا العجز ليس وليد الحظة، أنما بدأ يتراجع العقل السياسي منذ ستينات القرن الماضي، عندما عجزت القوى السياسية أن تحافظ على نظامها الديمقراطي للمرة الثانية، هذا العجز جعل الكل يميل إلي إدخال البندقية في الصراع السياسي باعتبارها الأكثر قدرة على الحسم بين المتصارعين فكانت " الجبهة الوطنية" بعد انقلاب الشيوعيين و القوميين العرب 1969م، ثم تكررت في حقبة "التجمع الوطني الديمقراطي" بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 1989م، أن دخول السلاح في حلبة الصراع لابد أن يحدث تغييرا جوهريا في الأفكار، و الشعارات التي تقدمها الأحزاب السياسية الهدف منها لكي تسمح "لعقل البندقية" التي تبنته، أن يتقدم و يطرح تصوراته للعملية السياسية حتى تتوافق مع المشروع الجديد أن تصبح أداة في السياسة.

.
أن العجز السياسي قد أملته أربعة أسباب تمحورت في الأتي:-
أولا - سيطرت الطائفية على أكبر حزبين لهما قواعد اجتماعية عريضة في المجتمع " ألاتحادي الديمقراطي و حزب الأمة القومي" الأول كانت تقوده طليعة من الطبقة الوسطى عندها حرية في طرح الأفكار، و تمارس نقد التجربة السياسية من خلال لقاءات متواصلة بين القيادة و القاعدة الشعبية للحزب.. باعتبار أن الحوار عملية تفاعلية ينتج ثقافة ديمقراطية تعزز من تطوير العملية الديمقراطية في آطارها الاجتماعي.. و عندما سيطرت الطائفة على الحزب انقطع الحوار، و أصبح الكل "حيران للشيخ" و رئيس الحزب تحول إلي شيخ لكي يسيطر على الحيران.. هذا التحول كان لابد أن ينعكس بصورة تلقائية على أداء الحزب و أصبح الحزب يفقد مساحاته الديمقراطية.. في حزب الأمة، جاء الصادق المهدي على رئاسة الحزب باعتباره زعيما سياسيا، و لكن صراعه مع أبناء الإمام الهادي جعله يتراجع عن رؤيته في الفصل بين الإمامة و رئاسة الحزب، و فضل أن يجمع بينهما، حتى يغلق على الآخرين المعارضين له أي منافذ لإثارة الجدل و المعارضة، الأمر الذي تحولت فيه العناصر الجديدة التي دخلت الحزب وفقا لرؤية الصادق المهدي الجديدة من عضوية حزبية لها حق النقد و إبداء الرأي إلي حيران للإمام تسبح بأسمه و تبتعد عن النقد.. الأمر الذي قطع التطور السياسي الذي كان منتجا للثقافة الديمقراطية داخل المؤسسة.. هذا التراجع جعل أعدادا كبيرة من الطبقة الوسطى تخرج من دائرة العمل السياسي..
ثانيا – أن الجبهة الإسلامية التي كانت تعتبر أكبر تنظيم جاذب للقوى الحديثة الجديدة، و التي كانت تبشر بتحولات ديمقراطية جديدة في المجتمع، بعد ما تحولت من تنظيم صفوي إلي تنظيم شعبي بعد مصالحة 1977م، و استطاعت أن تبني مؤسساتها التجارية و المالية لدعم التنظيم، ثم استطاعت أن تقدم انجازا كبيرا في انتخابات 1986م، حيث أصبح الحزب الثالث من حيث عدد المقاعد في البرلمان.. و قريب من الحزب الاتحادي الديمقراطي، قامت بإنقلاب عسكري حلت فيه الأحزاب و كل التنظيمات الأخرى، و اعتقدت أن ذلك سوف يحميها.. لكن نسيت أن الانغلاق نفسه سوف يؤدي إلي صراع داخل التنظيم نفسه، و قد حدثت المفاصلة 1999م، الأمر الذي جعلها تعتمد على الأجهزة الأمنية، و القوى القمعية بديلا عن الحركة الجماهيرية التي كانت قد سعت إلي استمالتها، هذا التحول قدم " البندقية و القمع" على الأفكار و العقل، و لذلك بدأت في تكوين الميليشيات العسكرية المتعددة، و كل واحدة تعتبر سلطة، ثم قدت مغريات السلطة في حوارها مع الحركات المسلحة المناهضة لها.. الأمر الذي أدى لتحول خطير جدا في المجتمع.. من يريد أن يصل للوظائف العليا في الدولة عليه أن يحمل البندقية، و يفكر من خلالها.. أدى ذلك إلي تشظي في الحركات المسلحة و أصبح الاستقطاب الجماهيري عبر البندقية و ليس المشاريع السياسية، و تراجع البحث عن القدارات و الخبرات و المعرفة..
ثالثا – اليسار أصبح عالة على العمل السياسي، من قبل كان اليسار يطرح الأفكار و يقدم المشاريع السياسية و يخلق حوارات في منصات متعددة، و لكن الحزب الشيوعي بعد الانقسام في 1971م أصبح يتراجع دوره بصورة كبيرة في العمل السياسي ،و قل إنتاجه الفكري، و المناظرات الفكرية التي كانت تطرح داخل المنظومة نفسها بين الاعضاء في الصحف، و كان الحزب يتجدد و يتفاعل مع المجتمع .. لكن بدأ هذا الدور يتراجع بعد ما صعدت قيادات تنفيذية أصبح همها المحافظة على مواقعها في الحزب.. و هؤلاء مجموعة من المتفرغين للعمل السياسي، و يريدون الحفاظ على مكتسباتهم للإعاشة، لذلك أصبح الحزب يعتمد على الشعارات فقط، لآن أغلبية القيادات التي كانت تشتغل بالفكر قد تراجع دورها، و أصبح الحزب في قبضة قيادات استالينة عاجزة أن تقدم أي مشروع سياسي حواري .. أما اليسار القومي بدأ دوره يتراجع منذ هزيمة 1967م أمام اسرائيل، حيث انقطعت الاجتهادات الفكرية، و أصبحت القيادات في الأقطار العربية منقسمة بين البعث السوري و العراقي و الأغلبية مالت إلي العراقي لأنه يقدم المعونات المالية.. و نظاما البعث اعتمدا على بقائهما في السلطة على الأجهزة القمعية، و الكل فروع الحزب كانت تساند ذلك.. لذلك عجز الحزبان الشيوعي و البعث على إنتاج أفكار جيدة تتماشى مع التحولات التي تطرأ في المجتمع، و أصبحوا جميعا يقدمون الشعار على الفكر، هذا يتوافق مع القدرات الموجودة..
رابعا – الأحزاب الجديدة خاصة المؤتمر السوداني هو تنظيم أصبح قبلة للعناصر التي كانت نشطة في مؤتمر الطلاب المستقلين و المحايدين، و هؤلاء تجربتهم السياسية التي اكتسبوها خبرة ضعيفة، لأنها فقط اعتمدت على الصراع الطلابي، و المجادلة في المنابر الطلابية، و الجمعيات في الجامعات، و كان لهم موقف سالب من الأحزاب السياسية.. فالفترة الانتقالية كشفت ضعف الأداء.. هذا الضعف هو الذي فرض الجيش على الواقع و لا تتغير المعادلة إلا بإصلاح الأحزاب أو تأسيس أحزاب جديدة تقوده أجيال جديدة.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أصبح الحزب الأمر الذی فی المجتمع التی کانت

إقرأ أيضاً:

الرمزية في مفترق طرق السياسة والهوية

في ضبابٍ يكتنفه صدى الزمان وتنداح أصداء معارك الماضي، يقف المواطن في مهب الريح، يتأمل واقفًا وسط مفترق طرق السياسة والهوية. هنا، تتجلى صورة العجز المموَّج بالبذلة العسكرية، تلك الصورة التي تُثير الوجد دون أن تنزل بظلالها القاتمة على تفاصيل المشهد الحقيقي.في قلب دار مساليت، حيث تتمازج دماء الأجداد مع أحلام الفجر الجديد، تبث الرياح العليلة أخبار العصابة الإنقاذية التي لم تعرف الكلل في محاولاتها لإشعال فتيل الفتنة بين مكونات الشعب.
كانت معاركهم أكثر من مجرد صدامات مسلحة، بل كانت حكاية مفروشة بين دفاتر التاريخ، حيث حُفرت أسماء كالسيف والقلم على جدران الذاكرة الجماعية.تذكرنا تلك الأيام بأن السلطة لا تُزهى على قمم المناضلين فحسب، بل تُبنى أيضاً على جسورٍ من الحوار والتلاحم، إذ كان السلطان عبدالرحمن بحر الدين مثالاً على القدرة في جموع الشمل، متحديًا انتقاص الأُطر القهرية التي حاولت تفتيت النسيج الاجتماعي. وكانت تلك التجربة درسًا بليغًا في كيفية مواجهة المحاولات الإسقاطية للاستقطاب الإثني والقبلي، فاستقرت أنفاس الحرية على أكتاف من لا يقبلون الانكسار.ولأجل روح تلك اللحظات الصادمة من الماضي، حُفرت ذكرى السلطان سعد في صفحات العزاء حينما اجتاح الدمار قلوب من عرفوا قيمة الكرامة. وفي ذاك اللقاء الذي جمع الحزن بالتصميم، تجسد البحث عن النجاة بعيدًا عن ظلال القهر، إذ سرعان ما تحوَّل إلى رمز صامد ضد موجات التهميش التي كانت تحيكها أيدٍ خفية في أروقة السلطة المركزية.إننا اليوم، وإزاء تلك الوقائع التي نسجت خيوطها على أسطر الزمان، نرتشف مرارة الإحساس الذي يتجسد في صورة الجراح القديمة، ونسمو بفكرنا إلى تساؤلات حضارية جوهرية: ما معنى المواطنة؟ كيف تتشكل الهوية في وجه استنزاف السلطة؟ وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بحرية وهو غريب في وطنه؟في هذه اللحظة الحاسمة، يدعو الشاعر والمفكر إلى رفع الحجاب عن الحقائق المظللة، وإعادة رسم حدود الهوية وفق رؤى جديدة ترتكز على المبادئ السامية والكرامة الإنسانية. إن جدران الظلام التي بنتها النخب المُستعبدَة لن تظل صامدة أمام وابل أسئلة الحريّة والعدالة، التي تقتحم فضاءات الزمان بلا هوادة.إننا ندرك أن الطريق نحو التحرير يتطلب جرأة الفكر وبراعة التعبير؛ فكل كلمة تُقال اليوم تحمل في طياتها نداءً للإنسانية لتعيد اكتشاف قيمها ومبادئها التي تُضيء عتمة الآثار القديمة للسلطة. ولعلما المستقبل هو أن ننقش على جدران القدر عبارات لا يمحوها الزمن، مؤكدين أن الحرية ليست مجرد حلم عابر بل واقع ينبض بالحياة، يتخطى حدود البذلة العسكرية ويتجلّى في أرواح الشعوب الثائرة على الظلم.وبينما يتراقص فجر جديد على آفاق الحرية والكرامة، يبقى السؤال المُخاطب لكل من ينشد النور: هل سنظل صامتين أمام مرارات الماضي، أم أننا سنرتقي بفكرنا ونبني مستقبلًا يُعلي من قيمة الإنسان قبل أن تُبنى السلطة على أول أكوابها؟همس الظنون والجنون #

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • سفير الاتحاد الأوروبي: ناقشت مع المنفي العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة
  • حزب الجيل: خطة لإعداد كوادر شبابية لخوض معترك العمل السياسي بكفاءة
  • مسار المعركة وتدابير السياسة
  • باجتماع المكتب السياسي.. حزب الاتحاد يطلق مبادرة «شارك في اختيار نواب برلمان 2025»
  • الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان
  • غالبية مواقع الحزب جنوب الليطاني بيد الجيش.. وعون يسعى إلى تسليمٍ سلسٍ للسـلاح
  • أخنوش يدعو إلى تعزيز التواصل الإعلامي: “لا نترك المجال لأصحاب البوز السياسي”
  • كل من هب ودب أصبح يهدد شندي بالغزو والاجتياح !!
  • الرمزية في مفترق طرق السياسة والهوية
  • شلقم: ليبيا من بين البلدان التي عانت غياب الخبرة السياسية