كيف يكون وصول النرجسي إلى السلطة مدمرا؟
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
الزعيم النرجسي يُشبه الزوج النرجسي: "كان لطيفًا ومحبًا ومهتمًا، ولكن بعد زواجنا، تغير.. لقد أصبح أنانيًا ومتطلبًا، وقاسيًا تمامًا". هكذا تصف أستاذة علم النفس الإكلينيكي الأميركية، ماري آن، وجه الشبه بين القائد النرجسي وسلوكه تجاه شعبه، وبين الزوج النرجسي والسلوك الذي يُحاول من خلاله السيطرة على زوجته.
يُركز أستاذ إدارة الأعمال في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد، تشارلز أ. أوريلي، كامل اهتمامه على دراسة كيفية تأثير شخصيات القادة على ثقافة العمل في المؤسسات والمنظمات، وكيفية تأثيرها أيضًا على سلوك الأشخاص الذين يعملون فيها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسرائيل تُظهر للعالم أقبح وجوه الذكاء الاصطناعيlist 2 of 2الأنفاس المعدودة والحركات المرصودة.. كيف أحصى الأسد على السوريين أعمالهم؟end of listوخلال ورقة بحثية عمل عليها أوريلي بالاشتراك مع جنيفر تشاتمان، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، استعرض الباحثان المؤلفات التي دارت حول "القادة النرجسيين"، والتي شملت أكثر من 150 دراسة، واستخلصا بعض الاستنتاجات التي وجدا أنه يجب الانتباه إليها.
توصل أوريلي إلى أن القادة النرجسيين قد يكون لهم تأثيرات مدمرة على البلدان أو المنظمات التي يقودونها. لكنك رُبما تسأل نفسك الآن، هل من المنطقي أن يُكلف شخص نرجسي بقيادة دولة؟ والإجابة هي: لا ليس أمرًا منطقيًا فحسب، بل هو شديد المنطقية، وذلك لأن السلطة تجتذب النرجسيين كما تجتذب الحلوى الأطفال، ومن ناحية أخرى فإن النرجسيين قادرون على سحر أعين أتباعهم وأسر عقولهم، وهو ما قد يُمكنهم من حصد أغلب الأصوات في أي انتخابات.
إعلانهذا التقرير يناقش ديناميكية السلوك النرجسي في الأدوار القيادية ويشرح العلاقة بينهما، كما يحلل الأسباب التي تدفع الأفراد لإيصال الشخصيات النرجسية إلى السلطة.
يمكن القول إن النرجسية هي الجانب المظلم لتقدير الذات.
صحيح أنه، بشكل عام، يمكن اعتبار تقدير الذات أمرًا جيدًا، لكن النرجسية تقوم بشكل أساسي على تقدير الذات المُبالغ فيه، بالإضافة إلى سيطرة بعض المشاعر -والتي منها الشعور بالاستحقاق وزيادة الاستعداد الشخصي- لاستغلال الآخرين لتحقيق المكاسب أو المصالح الشخصية والشعور بالتفوق مع التقييم السلبي للآخرين، إلى جانب نقص التعاطف معهم. هذا بخلاف العداء والعدوانية عند التعرض للتحدي أو المعارضة.
ارتفعت النرجسية بنسبة كبيرة خلال السنوات الماضية، حيث تشير إحدى الأوراق البحثية المنشورة عام 2018 إلى أن معدل التأييد بين المراهقين لعبارة "أنا شخص مهم" ارتفع من 12% عام 1963 إلى 77-80% في عام 1992، وما زال الأمر موضع جدل بحثي بين العلماء، لتأكيد هذا كحقيقة، والبحث عن أسبابه في الثقافة المعاصرة التي تدفع الإنسان ناحية حب الذات والتمركز حولها.
يوضح أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا، الدكتور دبليو كيث كامبل، والصحفية المستقلة كارولين كريست، خلال كتابهما "العلم الجديد للنرجسية"، أن القيادة هي هدف طبيعي للنرجسيين لأنها تُشبع أهدافهم الأساسية المتمثلة في المكانة والسلطة والحصول على الاهتمام.
يؤكد الكتاب أنه قد لا يتسم جميع القادة بصفات نرجسية بالطبع، ولكن من الشائع وجود ميول نرجسية في مناصب السلطة نظرًا للفوائد التي تقدمها القيادة للنرجسيين.
والواقع أن العديد من الدراسات أظهرت أن النرجسيين أكثر ميلًا إلى تولي مناصب السلطة، وذلك لأنهم غالبًا ما يبالغون في مهاراتهم ويبدون كأنهم قادرون على التعامل مع أي شيء، وتميل غطرستهم إلى الظهور كثقة، كما أنهم يميلون إلى أن يكونوا ساحرين وكاريزماتيين.
إعلانلذلك، في البداية، يبدون ودودين ومؤهلين جيدًا لتولي المناصب القيادية، وهو ما يُمكنهم بسهولة من جذب أتباع كثيرين.
يُقرر الناس التقدم والحصول على المناصب القيادية أو السلطة لأسباب عديدة، ولكن مع النرجسيين، يكون الدافع واضحًا، هم يفعلون ذلك من أجل الأنا، فالحصول على المكانة والقوة وجذب الأنظار دومًا هي احتياجات أساسية لدى النرجسي، مثل الماء والهواء، وتستطيع السلطة أن تحققها له.
رُبما يكون السؤال الذي يدور بذهنك الآن، هو: "ما الأزمة إذن؟ فليكن القائد نرجسيا شريطة أن يُحقق مصالح شعبه أو جماعته ويتمكن من حمايتهم". لكن، الرد على هذه النقطة هو أن النرجسية قد لا تكون مفيدة دائمًا لتحقيق القيادة الفعّالة، فمجرد صعود النرجسي إلى السلطة فإن ذلك لا يعني أنه سيحقق أداءً جيدًا.
وإذا تمكن بالفعل من تحقيق أداء جيد، فهذا لا يعني أن هذا الأداء سيظل يوصف بكونه "جيدًا" في ظل الظروف والمتغيرات المختلفة.
راجعت دراسة أجريت عام 2014 جميع الأدبيات المتعلقة بهذا السياق للمساعدة في وضع إجابة عن سؤال مدى فعالية قيادة الشخص النرجسي، وتوصل الباحثون إلى أنه لا توجد علاقة مباشرة بين النرجسية ونجاح القائد. كما ناقشت أن الأشخاص لا يُصنفون بكونهم نرجسيين أو غير نرجسيين بشكل مطلق، بل إن هذه السمة تتفاوت بين الشخصيات المختلفة.
وعليه، خلصت الدراسة إلى أن الرؤساء الذين لديهم مستويات منخفضة للغاية من النرجسية كانوا قادة سيئين أيضًا، تمامًا مثل أولئك الذين لديهم مستويات مرتفعة من النرجسية. الرؤساء الذين لديهم القليل جدًا من النرجسية اتسموا بكونهم لا يملكون الثقة في أنفسهم، أما أولئك الذين لديهم الكثير من النرجسية فقد كانوا عدوانيين وطغاة، بينما أظهر أفضل الرؤساء مستويات معتدلة من النرجسية.
فقيادة القادة النرجسيين يمكن وصفها بأنها سيفٌ ذو حدين، وهو ما قد يخلق مقايضة بين فوائد ومخاطر وجود مثل هذا الزعيم.
إعلانإنهم غالبًا ما يكونون واثقين وحازمين وأقوياء، وهو ما قد يسحر أعين الآخرين ويجعلهم يقعون في شباكهم بمنتهى السهولة، لكنهم غالبًا ما يكونون عدائيين وانفعاليين أيضًا، وهو ما قد يؤدي إلى وجود مساحة كبيرة للفساد والتلاعب والاستغلال خلال فترات حكمهم، فهم لا يمانعون وجود الفساد والاستغلال شريطة تحقيق مصالحهم، دون مراعاة مصلحة أي طرف آخر.
استكمالاً لإجابة السؤال السابق حول فعالية قيادة النرجسيين، فإن قيادة النرجسي قد لا تكون غير فعالة فحسب، بل قد تكون مدمرة أيضًا، وهو ما يُشير إليه مقال نُشر عبر "سيكولوجي توداي"، يؤكد أن وصول النرجسيين إلى السلطة قد يكون بمثابة دمارٍ كامل للمؤسسة التي يرأسونها، وذلك يعود إلى أن الرغبة في الشعور بالعظمة هي حاجة النرجسي الأساسية، وهذه الرغبة تُقلل احتمالية أن يكون قائدًا عظيمًا بالفعل.
يوضح المقال أن حكم النرجسي القائم على القوة والسيطرة الكاملة تعيق تماسك وديناميكيات المجموعة الإيجابية، فيبني القادة النرجسيون ثقافات سلبية ويسيئون معاملة أعضاء الفريق.
بالعودة إلى دراسة أوريلي، المشار إليها سابقا، يشير إلى أن النرجسيين أنانيون ويفتقرون إلى النزاهة. يقول أوريلي: "إنهم يعتقدون أنهم متفوقون وبالتالي ليس عليهم الخضوع لنفس القواعد والأعراف التي تُطبق على الآخرين. وتُظهر الدراسات أنهم أكثر عرضة للتصرف بشكل غير نزيه لتحقيق غاياتهم. إنهم يعرفون أنهم يكذبون، وهذا لا يزعجهم، فهم لا يشعرون بالخجل".
ويُضيف أن النرجسيين أيضًا غالبًا ما يكونون متهورين في السعي وراء المجد، أحيانًا يُحققون هذا بنجاح، لكن في الأغلب يحققونه بعواقب وخيمة. الأسوأ، وفقًا لأوريلي، أنهم يغيرون المؤسسات التي يقودونها تمامًا، ويمكن أن تستمر آثار هذه التغييرات حتى بعد انتهاء ولايتهم.
إعلانفمن خلال التغييرات التي يجرونها، يكونون مدفوعين بشكل أساسي بالرغبة في تحقيق مصالحهم الذاتية، ويفتقرون إلى التعاطف، ويكونون أقل تقيدًا بالمعايير الأخلاقية، لذا، يمكنهم التسبب في ضرر هائل بمجرد وصولهم إلى السلطة.
وفقًا لأوريلي، أظهرت الدراسات الميدانية أن الرؤساء التنفيذيين النرجسيين أكثر عرضة للتورط في بعض عمليات الاحتيال وأنواع أخرى من الجرائم المالية، والتلاعب بالأرباح، والسعي إلى التهرب الضريبي.
ووجدت دراسة أجريت عام 2013 على رؤساء الولايات المتحدة أن أولئك الذين حصلوا على درجات أعلى على مقياس النرجسية كانوا أكثر عرضة لإساءة استخدام سلطتهم. أيضًا، نشر أوريلي، نتائج ثلاث تجارب أظهرت أن الأشخاص النرجسيين بشكل عام لديهم مستويات أقل من النزاهة، مما يعني أن أقوالهم لا تتوافق مع أفعالهم، وأنهم أكثر عرضة للكذب والغش والسرقة من أجل إثبات مكانتهم أو تدعيم سلطتهم.
الشاهد هنا أنه يمكن للنرجسيين أن يكونوا قادة جيدين لفترة من الزمن، ولكن نادرًا ما يكونون كذلك على المدى الطويل. عندما لا تتطابق أهدافهم ومصالحهم الشخصية مع الأهداف والأولويات العامة للمكان أو المجموعة التي يقودونها، فإن التحديات هنا ستنشأ حتمًا.
قد يبدأ الرئيس النرجسي في إظهار عيوبه بمجرد حدوث أي صراع معه مهما كان بسيطًا، ويزداد النرجسي شراسة إذا تعرض للتهديد أو الانتقاد، هنا تقود عيوب النرجسي الصراع، ويكون الهدف الأساسي فقط هو الحفاظ على السيطرة النرجسية.
بخلاف كونهم يطرحون أنفسهم دومًا كخيار فعال لتولي السلطة، فإن الكثيرين منّا ولأسباب مختلفة يميلون إلى اتباع النرجسيين. يوضح أوريلي أننا قد نميل بشكل خاص إلى اختيار القادة النرجسيين خلال أوقات الاضطرابات، حيث يقول: "خلال العقود القليلة الماضية، تعرضت الشركات الكبرى مثل شركات صناعة السيارات والبنوك للتهديد بسبب الاضطرابات التكنولوجية.
إعلانقد يمكنك هنا تفهم أنه خلال الأوقات العصيبة يبحث الناس عن بطل، شخص واثق يقول: لدي حل. قد يكون النرجسيون هم الأشخاص الوحيدين الذين يتمتعون بالثقة في مثل هذه الأوقات".
خلال أوقات الاضطرابات، تقيّم الجماهير القائد صاحب الصوت العالي -الذي وفقًا للمقاييس النفسية قد يكون نرجسيًا وبسبب نرجسيته يتمكن من جذب الأنظار ولفت انتباه الجميع إليه- على أنه قوي وفعّال أكثر من غيره.
هذه القوة والفعالية من المؤكد أنها ستُمكنه من تحقيق مصالحهم وحمايتهم من أعدائهم أو من أي هجوم محتمل عليهم. وهذا ما قد ترغب فيه الجماهير من زعيمها أو قائدها؛ أن يُحقق لهم مصالحهم ويتمكن من حمايتهم ويكون وجهة مشرفة لهم أمام الدول الأخرى، وهي جميعها أشياء يستطيع النرجسي أن يعد بتحقيقها.
قد ينجذب العديد من الناس إلى القادة النرجسيين، فقط لأنهم يقدّرون القادة الأقوياء الواثقين. في كثير من الأحيان، يخلط الناس بين النرجسية والقوة. القادة المستبدون بطبيعتهم نرجسيون، ويفتقرون إلى التعاطف، وواثقون من أنفسهم إلى حد الغطرسة.
الغريب هنا هو ما كشفته دراسة نُشرت عام 2020، والتي توصلت إلى أن بعض الأفراد ينجذبون إلى سمات القيادة السلبية، مثل التسلط والبغضاء والتلاعب، وهو ما يفسر انجذاب الناس إلى قادة نرجسيين أو مستبدين أو سيئين، لأنهم ببساطة لا يرونهم كذلك، بل يرونهم أقوياء وواثقين.
وعندما يحقق النرجسيون بعض النجاح، فإن هذا يعزز ثقتهم بأنفسهم ويدعم اعتقادهم بأنهم يعرفون أفضل من الآخرين، فيشعرون أنه بإمكانهم تجاهل نصيحة الخبراء والاعتماد على غرائزهم الخاصة، كما يزيد من عدائهم للأشخاص المعارضين لهم، وقد تتخذ هذه الرؤية شكل العداء والعدوان أو إساءة معاملة المرؤوسين، ففي نظر النرجسيين، لا بد أن يكون البشر الآخرون إما أتباعًا أو أعداء.
من العوامل التي قد تُمكن النرجسي من كسب العديد من الأتباع أيضًا، قدرته على إثارة إعجاب من هم في محيطه. في حالة النرجسيين الذين يرغبون أن يصبحوا سياسيين، فإنهم يتعلمون كيفية إقناع الحشود بشخصيتهم، وكيف يمكن أن تكون شخصياتهم هذه فعالة للغاية في التعامل مع المشكلات وتحقيق المصالح. ربما يتحقق هذا بالفعل مؤقتًا، ولكن عادة، وكما سبق التوضيح، تكون هذه الشخصيات ضارة جدًا على المدى البعيد.
إعلانقد يكون النرجسي شخصية بالغة الجاذبية لأنه يبالغ دومًا عند سرد إنجازاته، ويستطيع بسهولة أن يسحر الناس بأفكاره العظيمة ووعوده البراقة، التي ربما لا يكون لديه أي خطة عملية موضوعية لتنفيذها، لكنه رغم ذلك يتمكن من إقناع الأتباع بأن قدرتهم على تحقيق هذه الوعود حقيقية تمامًا.
ونظرًا لأن النرجسيين يفتقرون إلى التعاطف، فإنهم لا يمانعون أبدًا في قول أي شيء، حتى وإن كانوا هم أنفسهم معترفين بأنه كذب أو خداع، فقط في سبيل تحقيق أهدافهم أو مصالحهم. كما أنهم يتحدثون باستمرار، بنبرة حميمية ساحرة ومغرية، حيث يتظاهرون بمشاركة الاهتمامات والآراء السياسية، وهو ما يخلق رابطة قوية على نحو خاص مع أتباعهم.
أيضًا، يتمتع النرجسي بمهارة خاصة في الشكوى باستمرار من تعرضه لمعاملة غير عادلة، أو من أنه يواجه الكثير من الأشرار الذي يعملون ضده، وبهذه الطريقة يتمكن النرجسي من تجهيز أتباعه للدفاع عنه بقوة وحتى القتال من أجله عندما يطلب منهم ذلك.
عادة ما يدعم قدرة النرجسي على الإغراء، الاحتياج الشديد الفطري لدى الحشود إلى صورة "البطل". بطل يتمكن بفعالية من التخلص من الأشرار، ويحل الأزمات بحلول سهلة، وهو الأمر الذي يحاول النرجسي أن يستعين به في نسج شبكة إغرائه، حيث يسعى دومًا إلى خلق أزمة، حتى وإن كانت مفتعلة تمامًا، والإعلان عن هذه الأزمة من أجل تعزيز احتياج الحشد إلى وجود "البطل"، الذي سيكون هو بالطبع بسبب ثقته وحديثه الدائم عن "الآخرين" أو "الأشرار" وقدراته على التغلب عليهم. يعتمد النرجسي في كل هذا على المشاعر والخطابات التي لا تنتهي، والتي تشتت الانتباه عن الحقائق.
هرم ماسلو والحاجة لصورة القائدأحد الأسباب التي تُشير إليها "جين ليبمان بلومين" في كتابها "سحر القادة السامّين"، أننا مدفوعون بالاحتياجات النفسية الأساسية إلى البحث عن الشخصيات "السلطوية" التي يمكن أن تقدم لنا الشعور بالراحة والاطمئنان، وتعِد بإشباع بعض أعمق رغباتنا. هذه الاحتياجات قد تكون مرتبطة بتسلسل هرمي للاحتياجات الإنسانية، وضعَ أساسَه عالم النفس الأميركي أبراهام ماسلو.
إعلانحدد ماسلو في هذا التسلسل الهرمي خمسة مستويات، تتراوح من الاحتياجات الفسيولوجية، مثل الغذاء والمأوى، إلى احتياجات الأمان، مرورًا بالاحتياجات الاجتماعية والحاجة إلى التقدير، والتي يسعى من خلالها الشخص للحصول على الحب والثناء والاعتراف من الآخرين وقبولهم، ثم يأتي الاحتياج إلى تحقيق الذات في رأس الهرم. لكن، في عام 1971، راجع ماسلو مفهومه لاحتياجات النمو بطريقتين مهمتين.
فبعد تحقيق الذات، عيّن الاحتياجات المعرفية والجمالية كاحتياج إنساني أيضًا. كما حدد مستوى آخر يتجاوز تحقيق الذات، وهو ذو صلة خاصة برغبتنا في اتباع القادة السامّين، وهو "التسامي" الذي يمكن تفسيره بأنه الرغبة في التطور والارتقاء، والذي قد يتطلب إشباعه اتباع الشخصيات القيادية السامة والنرجسية.
تقول بلومين في كتابها عن هذا الأمر: "قد يتطلب التسامي اتباع شخصيات سلطوية، لتحل محل آبائنا وغيرهم من القائمين على رعايتنا خلال وقت مبكر من حياتنا؛ أيضًا، قد يُمكننا هذا الاتباع من تصور أنفسنا ككائنات مهمة منخرطة يوميًا في مساعٍ نبيلة في عالم ذي معنى؛ والأمل في أن نكون مركزيين ومحوريين خلال فترة حياتنا".
إذا كان أبوك سلطويا فقد تبحث في القائد عن هذا "الأب"!هل تتصور أن الأسلوب الذي اتبعه والدك في تربيتك، قد يتحكم في صوتك الانتخابي، كشخص بالغ، يختار رئيس دولته؟ إذا كنت قد خضعت خلال طفولتك لأسلوب التربية السلطوي، وهو أسلوب يكون الآباء خلاله صارمين للغاية، ويطالبون أبناءهم بالطاعة العمياء دون تحدث أو نقاش، ويسعون للسيطرة بشكل كامل على أطفالهم، وتشمل أساليب تعاملهم مع أبنائهم التهديد، والتعنيف اللفظي، ورُبما العنف الجسدي أيضًا، مع عدم تقديم أي قدر من المحبة.
فقد يذهب صوتك الانتخابي، كشخص بالغ، يقف أمام صناديق الاقتراع، إلى الشخص الذي يُمثل لك نفس صورة الأب السلطوي، والذي غالبًا ما لن يكون هنا كوالدك الذي يُراعي مصلحتك، بل سيكون في الأغلب شخصا نرجسيا متسلطا، لكنه يتبع نفس الأساليب التي ربما تكون اعتدت عليها خلال تنشئتك.
إعلانتشير الأبحاث إلى أن بعض الناس يعتقدون أن الأفراد المتسلطين هم "أفضل" أنواع القادة، ويوضح موقع "سيكولوجي توداي" أن سبب هذا الاعتقاد ربما يعود إلى أن هؤلاء الأفراد قد نشؤوا في أسر تقوم على ممارسة "التكتيكات الصارمة" عند التعامل مع أفرادها أو أثناء حل النزاعات. هنا، تُشير بلومين إلى أن الكثير من الأتباع يُفضلون الأنظمة السلطوية ويرغبون في ترجيح كفتها على غيرها، ولا يمانعون أبدًا في اتباعها.
وفقًا لبلومين، فالعديد من الأتباع يمكّنون القادة السيئين ويدعمونهم، حيث يساعدونهم على الوصول إلى مناصب السلطة، ويدعمون أفعالهم السيئة، البعض يفعل هذا لأنه يُقدّر النظام "السلطوي" في ذاته، والبعض الآخر يفعل هذا لأنه يتمنى المشاركة في السلطة، أو يحلمون بتحقيق بعض المكاسب أو المصالح الشخصية، حتى وإن كانوا في سبيل تحقيق هذه المصالح الشخصية يضحون بمصلحة بلد بأكمله، أو يضرون بجماعة كاملة.
تأثير النتائج العكسية!ماذا بعد اكتشاف نرجسية القائد؟ ماذا بعد إدراك الآثار شديدة السلبية لقيادته؟ هل تظن أن الأتباع سيتوقفون عن اتباع قائدهم النرجسي بمجرد أن يكشف لهم شخص ما تأثيراته بالغة السلبية؟ هل تعتقد أن تأثير القائد النرجسي على أتباعه مؤقت، وبمُجرد أن تُكتشف حقيقته سيتوقف الجميع عن اتباعه، قبل أن يصل النرجسي إلى مرحلة تدمير الجميع؟
عمليًا، إجابات جميع الأسئلة السابقة هي: لا، لن يتوقف الأتباع عن اتباع النرجسي بمجرد الكشف عن حقيقته، بل المؤسف هنا أنهم غالبًا سيذهبون لاتباعه وتصديقه بشكل أكبر.
ما يحدث هنا هو بالضبط ما يحدث عندما يكون لديك كافة الأدلة الدامغة والحقائق الواضحة التي تؤيد معلومة معينة، ثم تحاول إقناع شخص يعتقد بصحة نقيض هذه المعلومة؛ بمعلومتك، فتجد أن هذا الشخص، على الأرجح، يذهب إلى تأييد فكرته أكثر ويقتنع بها رُبما بشكل أعمق.
إعلانيُعرف هذا باسم "تأثير الارتداد العكسي" أو "تأثير النتائج العكسية" (Backfire Effect)، وهو يحدث عندما يُبلَغ الناس عن تصديقهم بشكل أكبر للمعلومات المضللة التي كانوا يعرفونها حتى بعد تصحيح هذه المعلومات لهم وتوعيتهم بالمعلومات الصحيحة القائمة على الأدلة الدامغة والحقائق الواضحة.
التحيزات المعرفيةقد يؤدي التحيز المعرفي أيضًا إلى اختيار اتباع القادة النرجسيين. يمكن تعريف التحيز المعرفي بأنه خطأ منهجي في التفكير، يحدث عندما يقوم الأفراد بمعالجة وتفسير المعلومات في محيطهم بشكل معين، يؤثر، لاحقًا، على قراراتهم وأحكامهم.
في حالة اختيار اتباع القائد النرجسي قد يكون انتباه أتباع هذا القائد انتقائيا للغاية، فقد يختارون أن يروا أشياء معينة ويغضون الطرف عن غيرها، وقد يختارون أن يروا حقائق معينة واضحة تمامًا ولها تفسير مباشر بطريقة مختلفة عن معناها الأصلي.
هنا يمكننا العودة إلى صفة العجرفة في النرجسي التي قد يراها البعض ثقة مفرطة في النفس، أو صفة التسلط التي قد يراها البعض حزما وقوة، أو صفة التنكيل بالخصوم التي قد يُفسرها بعض الأتباع بأنها محاربة الشر ودوائره وحماية مصالح الأغلبية العليا ضد الأقلية الفاسدة، وغيرها الكثير من الأمور التي قد يجعلنا التحيز المعرفي نراها بطريقة مختلفة تمامًا عن حقيقتها.
الخوف وعدم القدرة على المواجهةإذا لم تختر قائدًا سيئًا في حياتك بناء على أي مما سبق، فقد تكون قد اخترت واحدًا فقط بناء على "مخاوفك"، حيث يشعر العديد من الأشخاص بالعجز عن مواجهة أو تحدي القادة السيئين.
قد يكون هذا الخوف منبتُه عدم القدرة على مخالفة رأي المجموعة التي يؤيد أغلبها القائد النرجسي، هنا قد يشعر الشخص بالخوف من الرفض أو النبذ الاجتماعي، فلا يتمكن من المواجهة أو الإعلان حتى عن رأيه في القائد النرجسي لمن حوله.
بالطبع يزداد الخوف عندما يتمكن الشخص النرجسي من السلطة أكثر، فيمتلك القدرة على التنكيل بمعارضيه أو عقاب من يتحدونه سواء بسحب الامتيازات أو حتى بالعقوبات المباشرة مثل السجن أو تجميد الممتلكات.
من ناحية أخرى، فإن الانتماء والوجود وسط مجموعة قد يخلق شعورًا لدى الفرد بالأمان، حتى في ظل إدراكه لبعض التهديدات والمخاطر المحتملة. أوضحت دراسة نُشرت عام 2021 أننا عندما نواجه خطرًا ما، وندرك بشكل واعٍ وجود هذا الخطر أو التهديد، فإنه يمكن أن يوفر لنا وجودُ الآخرين حولنا إشارة قوية بالأمان والدعم.
أشارت الدراسة إلى إجراء خمس تجارب للتحقيق فيما إذا كان وجود الآخرين يقلل من الخوف استجابة للتهديد في ظل مجموعة متنوعة من الظروف. خلال التجارب الثلاث الأولى تلاعب الباحثون بحجم المجموعة وخلقوا مجموعة من المواقف الافتراضية والواقعية التي تضمنت عددًا من التهديدات.
إعلانما توصل إليه الباحثون هنا هو أن استجابات الخوف (وهي أعراض جسدية متعلقة بالشعور بالخوف، مثل التنفس السريع، والتعرق، والشعور بالغثيان)، قد انخفضت مع زيادة حجم المجموعة.
أما خلال التجربتين الرابعة والخامسة فقد استعان الباحثون بمزيج من القرارات الافتراضية والواقعية لاختبار ما إذا كان القلق المتزايد استجابة لتهديد محتمل من شأنه أن يدفع المشاركين إلى اختيار الانضمام والانتماء إلى مجموعات أكبر.
كما توصل الباحثون إلى أن المشاركين يختارون باستمرار الانضمام إلى مجموعات أكبر، خاصة مع ارتفاع التهديد والقلق.
النتيجة التي توصلت إليها الدراسة بناء على التجارب الخمس هي أنه بشكل عام، كلما زاد عدد أفراد المجموعة شعر المشاركون أكثر بالطمأنينة والأمان وزادت في أذهانهم احتمالية السلامة والحماية.
ما يمكن أن نتوصل إليه هنا، أنه حتى في ظل إدراك فرد أو مجموعة صغيرة من الأفراد لنرجسية الزعيم، أو مساوئ وكلفة هذه النرجسية واحتمالية الدمار الشامل الذي قد يصل إليه الوضع تحت زعامة أو قيادة النرجسي، فإنهم قد يواجهون القلق الناتج عن الشعور بالخطر بالانضمام والانتماء إلى المجموعة التي تؤيد القائد النرجسي، لأنها المجموعة الأكبر، ولأن الانضمام إلى مجموعة أكبر من البشر يُقلل هنا الشعور بالقلق والخوف، ويخلق شعورًا ولو زائفًا بالأمان وتقليل احتمالية الخطر، قد يحدث هذا بشكل خاص عندما لا يكون بيد الشخص المدرك لخطر القائد النرجسي شيئًا ليفعله، في ظل سيطرة النرجسي وقدرته على التنكيل بخصومه أو معارضيه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان أبعاد مناصب السلطة الذین لدیهم إلى التعاطف من النرجسیة إلى السلطة العدید من أکثر عرضة الکثیر من النرجسی ا التی قد ی ا ما یکون غالب ا ما یتمکن من وهو ما ی عندما ی یمکن أن أن یکون قد یکون قد تکون التی ت إلى أن الذی ی تمام ا یکون ا
إقرأ أيضاً:
العثور على مقبرة لأحد القادة العسكريين من عصر الملك رمسيس الثالث بالإسماعيلية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشفت البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، عن مقبرة لقائد عسكري من عصر الملك رمسيس الثالث، ثاني ملوك الأسرة 20، ومجموعة من المقابر الجماعية والفردية من العصور اليونانية الرومانية والعصر المتأخر، وذلك أثناء أعمال البعثة بتل روض إسكندر بمنطقة المسخوطة بمحافظة الإسماعيلية.
وأكد الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على أهمية هذا الكشف حيث أنه يوضح الأهمية العسكرية لتل روض الأثري في حماية الحدود الشرقية للبلاد وتزويدها بالقلاع والحصون لحمايتها والدفاع عنها خلال عصر الدولة الحديثة، حيث أوضحت بعض القطع التي تم العثور عليها داخل مقبرة القائد العسكري، ومنها عدد من الأدوات البرونزية من رؤوس سهام وبقايا صولجان الحكا أهمية صاحبها وأنه كان يتقلد إحدى المناصب العسكرية الرفيعة والهامة.
وأوضح محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، أن المقبرة مشيدة بالطوب اللبن وتتكون من حجرة دفن رئيسية وثلاث حجرات يغطي جدرانها من الداخل طبقة من الملاط الأبيض. وقد عثرت البعثة خلال أعمال الحفائر والتنظيف الأثري داخل المقبرة على هيكل عظمي آدمي مغطي بطبقة من الكارتوناج يرجع تاريخه إلى عصر لاحق لتاريخ المقبرة مما يدل على احتمالية إعادة استخدامها في عصر آخر، بالإضافة إلى العثور على مجموعة من أواني الألباستر جميعها في حالة جيدة من الحفظ ومزينة بنقوش وبقايا ألوان من بينها خرطوشين للملك حور محب أحد أهم القادة والملوك المحاربين خلال عصر الأسرة 18.
كما تم العثور على خاتم ذهبي عليه خرطوش الملك رمسيس الثالث، ومجموعة من الخرز والأحجار مختلفة الأشكال والألوان، وصندوق صغير من العاج.
وأشار قطب فوزي قطب رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحري وسيناء، إلى أن البعثة عثرت داخل المقابر الجماعية والتي يرجع تاريخها إلى العصور اليونانية والرومانية، على بقايا هياكل عظمية آدمية، في حين أنها عثرت داخل المقابر الفردية التي ترجع إلى العصر المتأخر، علي تمائم للإله تاورت والإله بس عين أوجات.
DSC_0275 copy IMG_2671 copy DSC_0254 DSC_0235 copy DSC_0180 copy DSC_0002 DSC_0226 copy Untitled-3 copy DSC_0804 copy DSC_0264 DSC_0262 DSC_0224 copy DSC_0211 DSC_0214 copy DSC_0192 copy DSC_0183 copy (1) DSC_0067 copy (1) DSC_0056 copy (1)