اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قبل أن نستكمل الحديث عن غزوة بدرٍ الكبرى، وعن بعضٍ من الدروس والعبر المهمة، التي نستفيدها منها، في مرحلةٍ نحن أحوج ما نكون إلى الاستفادة من سيرة رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، فيما تواجهه أُمَّتنا من تحديات ومخاطر، قبل أن نستكمل الحديث عن ذلك، نتحدث في هذه المحاضرة:

بمناسبة بدء الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
وعن ليلة القدر وأهميتها.
وكذلك عن المناسبة المتعلقة بليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ".
فيمــا يتعلــق بشهـــر رمضـــــان المبــــارك:
هو بكله (من أوله، إلى آخره) شهرٌ عظيمٌ، ومباركٌ، وعظيم الفضل، والأجر فيه مضاعفٌ من أوله إلى آخره، الأجر على الأعمال الصالحة.
الأجواء كذلك فيه مهيأةٌ (من بدايته، إلى نهايته) للتزود بالتقوى، وتزكية النفس، وتطهيرها، وكذلك لِلتَّزَوُّدِ من هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ونور القرآن الكريم، وللارتقاء الإيماني، والتقرُّب إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
وهو بكله- أيضاً- موسمٌ عظيمٌ للخير والبركات، ولاستجابة الدعاء.
وهو كما في الحديث النبوي الشريف: ((أَوْلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ إِجَابَةٌ وَعِتْقٌ مِنَ النَّارِ)).
وللعشر الليالي والأيام الأواخر منه خصوصيتها:

في زيادة الفضل.
وأيضاً في الأهمية والفرصة.
هي- بنفسها- ليالي مباركة، وأياماً مباركة، لها ميزة في فضلها، وزيادة الأجر فيها، وميزة بالتماس ليلة القدر في الليالي العشر الأواخر منها (من ليالي شهر رمضان المبارك).

وأيضاً ورد عن رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" أنه كان يوليها المزيد من الاهتمام، بالنسبة للعشر الأواخر من شهر رمضان، كان يوليها المزيد من الاهتمام، ويَحُثُّ المسلمين في أولها على أن يولوها مزيداً من اهتمامهم.
والإنسان عادةً إذا كان مهتماً من بداية شهر رمضان، يكون قد تَأهَّل وتَهَيَّأ نفسياً وذهنياً في المجال الإيماني، وكذلك في القرب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والشعور بالقرب من الله "جَلَّ شَأنُهُ"، يكون قد تهيأ أكثر للاستفادة منها، فهي- بنفسها- مهمة، ويتاح للإنسان فيها- إذا كان اغتنم فرصة الشهر الكريم من بدايته- أن يستفيد منها أكثر، وأن تكون بالنسبة له فرصةً عظيمةً يَتَّجِه فيها من واقعٍ نفسيٍ مُهيأ.

ولكن من المهم أن يحذر الإنسان من حالة الفتور؛ لأن البعض من الناس يكون قد مَلّ، وبدأ يعاني من الفتور بعد مضي ثلثي شهر رمضان، من لا يدرك قيمة هذا الشهر المبارك، ولا يلتفت إلى هذه المسألة، ولا يلتفت إلى أهمية العشر الأواخر؛ يمكن أن يؤثِّر عليه فتوره وملله، فيكون أقل اهتماماً في العشر الأواخر منه، بما كان عليه فيما قد مضى من شهر رمضان المبارك.

العشر الأواخر هي مهمةٌ جدًّا، وكما قلنا: كان رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" يوليها المزيد من الاهتمام، في إحيائها بالذكر لله، بالعبادة لله، بالدعاء... بغير ذلك من القُرَبِ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فهي فرصة عظيمة للإنسان، فرصةٌ مهمةٌ جدًّا، وينبغي للإنسان أن يستثمرها، وأن يتَّجه وهو مجددٌ للعزم للاهتمام بها أكثر، وتكثيف نشاطه أكثر في الاستفادة منها، فرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" كان يتَّضح الفارق في اهتمامه، مع أنه عظيم الاهتمام بكل أمور الدين، وبكل ما يُقَرِّب إلى الله، بشهر رمضان بكله، لكن كان يظهر الفارق في مزيد اهتمامه بالعشر الأواخر، وهو في مقام الهداية، وفي عظيم المنزلة عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

مع الاهتمام بالعشر الأواخر بكلها، تُلْتَمس فيها أيضاً (ليلة القدر)، وليلة القدر هي ليلةٌ عظيمة الشأن والأهمية والبركة، هي ليلة نزول القرآن الكريم، الليلة التي لها أهمية كبيرة تتعلق بحياتنا، وشؤوننا، وتدبير الله في أمورنا وفي واقعنا.

ليلــة القــدر، في القرآن الكريم سورةٌ باسمها وتتحدث عنها، تُبَيِّن عظمتها وأهميتها؛ لأنَّها ليلة نزول القرآن الكريم، يقول الله فيها: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر:1-2]، وهذا تعظيمٌ كبيرٌ لشأنها، وأهميتها، وبركاتها: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر:2].

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:3]، فلها هذه الأهمية الكبيرة: أنها تفوق ألف شهر، يعني: ما يقارب عمراً بأكمله، أكثر من ثمانين عاماً، تفوق ذلك في بركتها، في مضاعفة الأجر فيها... وغير ذلك مما نتحدث عنه بالتفصيل.

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:4-5]، فيها أيضاً نزول الملائكة إلى الأرض، في إطار التدبير الإلهي الواسع، لشؤون الناس في هذه الأرض، والشؤون الأخرى المتعلقة بها، وهي ليلة لها أيضاً هذه الميزة العظيمة، {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:5]، ليس فيها عقوبات من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" تنزل على أهل الأرض.

هذه المميزات المهمة، التي نتحدث عنها بشيءٍ من التفصيل:

في مقدمتها: أنها ليلة نزول القرآن الكريم:
كتاب الهداية، والفلاح، والفوز، والنجاة، والذي يمثِّل الاهتداء به واتِّباعه كل خيرٍ للإنسان وكل سعادة، نزوله رحمةٌ عظيمةٌ من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفضلٌ كبير على عباده؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وفي إطار تدبير الله لشؤون عباده؛ ولـذلك فهي ليلةٌ عظيمة الشأن، ليلةٌ لنزول البركات، لنزول الرحمة والخير.

في بركتها الواسعة، التي تفوق مستوى تصورنا، قال عنها الله في آيةٍ أخرى، وهو يتحدث أيضاً عن نزول القرآن فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}[الدخان:3]، ولـذلك فلأنَّها ليلةٌ مباركة؛ يلتمس الإنسان فيها البركة من الله، البركة في كل أموره: البركة في نفسه، في حاله، في مستقبله، في كل أحواله وشؤونه، فيما يلتمس فيه الإنسان الخير من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

هي أيضاً ليلةٌ لتقدير الأمور، فيما يتعلق بالتدبير التفصيلي في شؤون حياتنا، وفي أمور حياتنا:
وهذا يأتي في إطار تدبير الله العام؛ يعني: هناك تدبير عام لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في شؤون خلقه وعباده، ويأتي في إطاره التدبير التفصيلي بشكلٍ سنوي، في ليلة القدر لعامٍ كامل بعدها، في أحوال الناس وشؤونهم التفصيلية، قال الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4]، يعني: في هذا الإطار التفصيلي، من التدبير العام لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في شؤون عباده.

هذا مهم على المستوى الشخصي للإنسان، يعني: يتعلق بك أنت، فيما يدبِّره الله من أحوالك وشؤونك في عامك القادم، وفيما يتعلق بالمستوى الجماعي للناس، للمجتمعات، في مختلف أحوالهم، فالموضوع له علاقة بك أنت، في حياتك، في شؤونك، في أوضاعك... وغير ذلك.

وهناك مسألة مهمة جدًّا، وهي: أن الإنسان فيما هو عليه من توجُّه، من أعمال... وغير ذلك، لهذا علاقةٌ فيما يكتبه الله له، أو يكتبه عليه، لهذا علاقةٌ بتدبير الله في أحوالك، في شؤونك، ما أنت عليه من التَّوجُّه، والعمل، والالتزام، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

فمن المهم للإنسان أن يكون في هذا الشهر الكريم، وفي تلك الليلة بنفسها، في حالة إقبال إلى الله، توجُّه إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، دعاء، نيَّة صادقة، توجُّه صحيح، هذا مهمٌ للإنسان فيما يكتبه الله؛ لأن الإنسان بحاجة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وإلى رحمته.

هي ليلةٌ تفوق في بركتها ومضاعفة الأجر فيها ألف شهرٍ من الزمان:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:3]، يعني: عمراً بأكمله، عمراً بأكمله، والإنسان بحاجة إلى استثمار مثل هذه الفرص العظيمة، التي أتاحها الله من رحمته بنا، وهيأها لنا، ومَنَّ علينا بها، من رحمته بنا، أن يُهَيِّئُ لنا فرصاً عظيمة لمضاعفة الأجر والثواب، ومضاعفة رصيدنا من الخير، هذا مهمٌ لنا في الدنيا، ومهمٌ لنا جدًّا في مستقبلنا الأبدي والدائم في الآخرة، الفوز برضوان الله، ورحمته، وجنته، وما أعدَّه الله فيها من الكرامة، والنعيم العظيم الدائم الخالص الراقي، الإنسان بحاجة إلى ذلك.

هذه الفرص التي يضاعف فيها الأجر كثـــــيراً، هي عظيمةٌ لتحقيق نقلات كبيرة وقفزات كبيرة في مضاعفة الأجر، والإنسان بحاجة إلى ذلك؛ لأن أعمارنا قصيرة، وجزءٌ كبيرٌ من أعمارنا يضيع في أمور أخرى.

مثلاً: الإنسان قد يستغرق نصف عمره في النوم، والأكل، والشرب، وتوابعهما، قد يستغرق نصف العمر، إذا تعمَّر الإنسان مثلاً: خمسين عاماً، احسب خمسة وعشرين سنة (نوماً، وأكلاً، وشرباً، والتوابع لذلك)؛ إذا تعمَّر أقل من ذلك، نفس القصة؛ إذا تعمَّر أكثر من ذلك، نفس القصة؛ وما بالك بأوقات أخرى يهدرها الناس ويُضِيْعُونها؛ لقلـة استيعابهم لأهمية وثمن الوقت والعمر في حياة الإنسان، مع أنه حتى مما يُسأل الإنسان عنه يوم القيامة: ((عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاه)).

فالإنسان يضيع الكثير الكثير من وقته، ولربما الأوقات التي يستثمرها الإنسان- فعلاً- في العمل الصالح، الذي يكتسب به رضا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والخير العظيم في الدنيا والآخرة، وفي الآخرة الفوز العظيم، لربما هي أوقات محدودة، لو حُسِبَت من أوقات الإنسان، تطلع أوقات محدودة.

ولـذلك يُهيِّئُ الله هذه الفرص العظيمة جدًّا، التي تعطي الإنسان فرصة لمضاعفة الأجر بأضعاف كثيرة جدًّا، الله من رحمته جعل الأجر مضاعفاً من البداية، الحسنة بعشرة أمثالها، ولكن تُضاعف في مواسم، في مناسبات، في ظروف، تُضاعف الأجور بشكل كبير؛ أمَّا في ليلة القدر فبعشرات الآلاف، تضاعف بعشرات الآلاف، فيكون إحياء الليلة بكلها كما لو كان الإنسان في عبادة، وتقرُّب إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأعمال صالحة، يؤديها على مدى أكثر من ثمانين عاماً، فكيف يُضِيْعُ الإنسان هذه الفرصة؟!

ما يُقَدِمّه، مثلاً: عندما ينفق في سبيل الله، الإنفاق في سبيل الله أجره في الحد الأدنى منه بسبعمائة ضعف، لكن كم ستطلع في ليلة القدر المضاعفة، والمضاعفة فيها بهذا المستوى: بعشرات آلاف الأضعاف.

كذلك الأعمال الأخرى: في صلاتك (في النافلة، والفريضة)، فيما يتعلق بتلاوة القرآن الكريم، فيما يتعلق بالأذكار، فيما يتعلق بالبر والإحسان... وغير ذلك من الأعمال الصالحة؛ فهي فرصة عظيمة.

من الغبن الكبير والخسارة الفادحة أن يُضِيْعها الإنسان وهي متاحةٌ له؛ لأن استفادتنا من هذه الفرص يتوقف على إقبالنا نحن، الله هيأها لنا، ماذا يعمل لنا أكثر من ذلك؟! تأتي حتى هذه الفرص التي هي فرص زمنية، تأتي ليلة بنفسها، وَتَمُرُّ هذه الليلة في عمرك، ما الذي تريده أكثر من ذلك؟! هي فرصة عظيمة؛ فالإنسان إذا لم يُقْبِل هو، لم يحرص هو على الاستفادة من هذه الفرص، تضيع عليه، ويكون هو الخاسر، هو الخاسر؛ لأن الإنسان في يوم القيامة يدرك أهمية مثقال الذَّرَّة من الخير، رصيدك للفوز بما عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وللسعادة الأبدية، وللنجاة من عذاب الله، هو: العمل الصالح، أنت بحاجةٍ إلى هذا العمل الصالح؛ حتى تكون في يوم القيامة ممن تثقل موازينه، فتكون في العيشة الراضية، والسعادة الهنيئة الأبدية الدائمة الخالصة؛ وإلَّا كان البديل هو الخسارة، والضياع، ونار جهنم والعياذ بالله، قضية خطيرة على الإنسان.

كذلك في مجال العلاقة مع الله، في الارتقاء الإيماني، هناك فرصة عظيمة في ليلة القدر، حينما يكون هذا من أهم ما تحرص عليه أنت، تحرص على أنه كيف يزداد إيمانك، كيف ترقى في منزلتك عند الله، في مكانتك عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في رضاه عنك... في غير ذلك، فيما يتعلق بالعلاقة مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هناك فرص في الارتقاء في علاقتك بالله "جَلَّ شَأنُهُ"، فهي فرصة للإنسان، فرصة كبيرة جدًّا.

ليلة القدر من مميزاتها: أنها ليلة نزول الملائكة "عَلَيْهِمُ السَّلَامُ" بشكلٍ كبيرٍ إلى الأرض:
وهذا في إطار التدبير الإلهي: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ }[القدر:4] كما في (سورة القدر)، نزولهم في إطار التدبير الإلهي، وتدبير متعلق بشؤون الناس، وبشؤون الأرض، وينزلون على هذا الأساس.

ونزولهم أيضاً هو خير وبركة، نزولهم بأعداد كبيرة (الملائكة) بما هم عليه من إيمان، وقرب عظيم من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومنزلة عالية رفيعة عند الله، فنزولهم فيه خيرٌ وبركة.

وهم يطوفون في نزولهم أيضاً على الذين يقومون، يقومون في هذه الليالي المباركة، فيما هم فيه من ذكر، من دعاء، من عبادةٍ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يطوفون عليهم، قد ينال الإنسان وهو في حالة إقبال إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من بركة نزولهم، وقربهم منه، ومرورهم عليه، بركة، وأثر إيجابي وعظيم في نفسه وروحه، وقد ينال الإنسان من دعائهم أيضاً، من دعائهم له، وهم يُسَلِّمون ويدعون لمن يطوفون عليهم؛ ولـذلك نزولهم أيضاً هو من مميزات ليلة القدر، نزولهم الكبير إلى الأرض في أطار هذا التدبير الإلهي.

من مميزاتها: أنَّها ليلة سلامٍ من نزول عذاب الله، فلا ينزل فيها عذابٌ من الله في الأرض على مدى الليلة بكلها:
{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:5]، وهذا يُبَيِّن أنها ليلة رحمة، رحمة عظيمة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ولـذلك من المهم للإنسان أن يغتنم فرصةً كهذه، فيها الرحمة متاحةٌ، وأبواب الخير مُفَتَّحةٌ بشكلٍ غير مسبوق، الملائكة ينادونك، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ناداك وهيأ لك هذه الفرصة، فلماذا لا تُقْبِل أنت؟! لماذا لا تُدرك عظمة هذه الليلة وتلتمسها في العشر الأواخر؟ هذا المهم، والأفضل للإنسان، يلتمسها في العشر الأواخر، وأن يهتم في كل العشر الأواخر، وإن كانت هناك بعض الليالي قد تحظى باهتمام أكثر في العشر نفسها، لكنَّ الذي يفيد الإنسان، ويُمَثِّل ضمانة، هو الاهتمام بالعشر بكلها.

هي ليلةٌ مهمةٌ للدعاء، يعني: من أهم ما يحرص عليه الإنسان في العشر الأواخر، والتماسه لليلة القدر فيها، هو: الاهتمام بالدعاء، ولكن من دون إهمال لبقية الأعمال، التي هي قُرَبٌ عظيمة إلى الله:

مثل: صلاة النافلة.
مثل: الأذكار الأخرى.
تلاوة القرآن، تلاوة القرآن الكريم شيءٌ عظيم ومهم.
أعمال البر، الإحسان... غير ذلك.
الدعاء مهم جدًّا، الإنسان بحاجة إلى الدعاء، وفرصة عظيمة. من رحمة الله أن يفتح للبشر هذا المجال، يعني: كان من المهم أن يكون تدبير الله لأحوالنا تدبيراً محتوماً مقضياً، ومكتملاً، ولا يكون هناك أي مجال للدعاء، ثم لا يكون لك إلَّا ذلك المكتوب، لكن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعل جزءاً من تدبيره لأحوالنا مرتبطاً بدعائنا، فدعاؤنا أصبح من ضمن الأسباب، ولكن ومعه العمل، ومعه الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ ولـذلك فالكثير من الأمور قد تتاح للإنسان، وتُكْتَب للإنسان، ويحصل على الكثير من فضل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، عندما يأخذ بهذا السبب: في الدعاء إلى الله.

الدعاء- بنفسه- عبادة تُعبِّر عن التجاء الإنسان إلى الله، عن إيمانه به، عن رجائه لله، عن خوفه من عذاب الله، عن رغبته فيما عند الله، عن ثقته بالله، عن أمله بالله، عن إقباله إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتعبير عن افتقاره إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ"؛ ولكن هو سببٌ أيضاً، الدعاء سبب للحصول على الخير، على البركات، على الفضل العظيم؛ ولـذلك أمرنا الله في القرآن بالدعاء: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60]، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}[البقرة:186]، فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أتاح الفرصة للإنسان أن يتوجَّه إلى الله بالدعاء.

ولـذلك ليلة القدر لها أيضاً أهمية كبيرة فيما يتعلق بالدعاء، مع أن شهر رمضان بكله موسم، موسم للدعاء، وكل الوقت متاح، لكن هناك أوقات لها فضيلة أكثر، ميزة أكثر، استجابة الدعاء فيها أكثر، يُتيح الله فضله لعباده فيها أكثر بشكلٍ مضاعف، وهكذا المسألة في أهميتها وفرصتها للإنسان.

في الاهتمام بالدعاء، مهم أن يكون لدى الإنسان تركيز على الأولويات المهمة:

يعني: نحن أولاً نتوجَّه إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من واقعنا الذي نحن فيه، وظروف حياتنا؛ في ظروف حياتنا، وفي إطار مسئولياتنا، هناك أمور مهمة جدًّا لنا، علينا أن تكون محطَّ تركيز واهتمام في دعائنا:

بحسب اهتمام الإنسان، ووعيه، وإيمانه، يدرك أن في مقدِّمة ما يطلبه من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو: المغفرة:
الإنسان بحاجة إلى المغفرة؛ لأنه لا شيء أكثر ضرراً على الإنسان من الذنوب، يعني: أكبر خطر علينا في حياتنا، أكبر مصدر للشر في حياتنا، أكبر شيءٍ يهدد حياتنا ومستقبلنا الدائم، هو: الذنوب والمعاصي، ووزر الذنوب وزر خطير على الإنسان، كلما استمر الإنسان حاملاً له؛ فله تأثيره السيء على نفسية الإنسان، يعني مثلاً: إذا كان على الإنسان ذنوب معيَّنة، ولم يتخلَّص منها بالإقبال إلى الله بالتوبة النصوح، والدعاء، وطلب المغفرة، والإقلاع عن المعاصي والذنوب، تلك الذنوب هي تمثِّل تأثيراً سلبياً عليه، حِملاً كبيراً عليه:

لها تأثيرها السلبي المستمر في نفسه، تأثير سيء على نفسيته.
تأثير سيء على علاقته بالله.
لها تأثير فيما يترتب عليها من العقوبات الإلهية.
هناك ذنوب ومعاصٍ تجلب النقم بأنواع مختلفة: تجلب العقوبات الإلهية بأنواع مختلفة، تسبب للإنسان أن يخسر الكثير من رعاية الله وفضله، تؤثِّر على علاقتك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تُحبط أعمالك الصالحة... وهكذا، تأثيرات متنوعة للذنوب.

فالإنسان عليه أن يعي خطورة الذنوب عليه، وأن يُقْبِل إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بطلب المغفرة، والعفو، والرحمة، والعتق من النار، النار هي جزاء على الذنوب والمعاصي.

وأن يطلب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" رضوانه وجنته.
يدعو بحسن الختام.
يدعو بالتوفيق.
يدعو بالسلامة من الزيغ، وأن يُثَبِّته الله على الحقّ.
يدعو بالنصر، بالنصر لأُمَّتنا، للمؤمنين، لعباد الله المستضعفين، النصر على الأعداء، أعداء هذه الأُمَّة، الطغاة، المجرمين، الظالمين، المستكبرين.
يدعو بالفرج لعباد الله المستضعفين.
يدعو بخير الدنيا والآخرة.
يدعو أيضاً فيما يتعلق بمطالبه الشخصية:
أحياناً الإنسان في اهتماماته الإيمانية والدينية، يرى صعوبات في أمور معينة، أو يرى تأثيراً سلبياً على نفسه في جوانب معيَّنة، يحتاج إلى مساعدة الله لتجاوز ذلك، يطلب من الله، يمكنه في مناجاته الشخصية أن يطلب من الله بشكل صريح يعني فيما بينه وبين الله: أن يعينه على أمرٍ مُعَيَّن، أن يُخَلِّصه من تأثير شيءٍ مُعَيَّن... وهكذا، يتَّجه فيما بينه وبين الله في دعائه، للاستعانة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وطلب هدايته وتوفيقه.

كذلك في أحوال الإنسان:
البعض يحتاج للدعاء بالشفاء، يدعو الإنسان أيضاً بالشفاء والعافية، للمرضى من المؤمنين والمؤمنات، من أقاربه، من أرحامه، من أصدقائه، الإنسان يدعو لنفسه كذلك بالعافية، بالشفاء، البعض- مثلاً- من الشباب بحاجة إلى الزواج، ولديهم معوّقات، يدعون الله، البعض من الشابات كذلك... وهكذا بالنسبة للأمور المهمة للإنسان، أن يكون مما يحرص الإنسان على أن تكون من ضمن دعائه.

هنــاك أيضــاً فيمــا يتعلـق بالدعــــاء الأدعيـــة القرآنيـــــة:

هي من الأدعية التي ينساها الكثير من الناس، يبحثون عن دعاء هنا، وهنا، وهنا، وأدعية هنا وهناك، وينسون الأدعية القرآنية.

في مقدِّمة الأدعية التي من المهم لنا أن نستفيد منها هي: الأدعية التي علَّمنا الله في القرآن الكريم، أدعية عظيمة، ومهمة، ولها تركيز على الأشياء المهمة، وفي نفس الوقت مختصرة، يمكن للإنسان أن يحفظها، يمكن للإنسان أيضاً أن يبقى مركِّزاً ذهنياً ونفسياً أثناء الدعاء بها، قد يكون الدعاء- مثلاً- إذا كان طويـــــــلاً جدًّا، قد تنصرف ذهنية الإنسان، أو يتشتت تركيزه؛ لكن مع هذه الأدعية يمكن أن يبقى الإنسان في حالة تركيز ذهني، وإقبال نفسي، وخضوع وتضرع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

من أهم الأدعية في القرآن الكريم، التي هي أدعية عظيمة ومهمة، وكل أدعية القرآن مهمة وعظيمة: الدعاء الجامع لخير الدنيا والآخرة:
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:201]، هذا دعاء جامع لخير الدنيا والآخرة، وللنجاة من النار، ويَسْهُل على الناس جميعاً أن يحفظوه، حتى عامة الناس يتمكنون من حفظ هذا الدعاء؛ ولـذلك هو من الأدعية العظيمة، المهمة، المباركة، الجامعة، يمكن للإنسان أينما كان أن يركِّز على الدعاء به.

من الأدعية العظيمة والمهمة: دعاء الربانيين:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:147]، وهذا دعاء عظيم ومهم جدًّا، ودعاء بالنصر، وطلب المغفرة.

ومن الأدعية المهمة: دعاء الراسخين في العلم:
هذا دعاء للثبات والسلامة من الزيغ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران:8]، هذا دعاء مهم جدًّا؛ لأن كثير من الناس يزيغون عن نهج الحق وطريق الهدى بعد أن كانوا فيها، وهذا أخطر أنواع الضلال، وأخطر أسباب الخذلان، والعياذ بالله، فهي قضية خطيرة.

من الأدعية المهمة، والعظيمة، والمباركة: دعاء أصحاب الكهف، وله مدلول مهم وعظيم:
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:10]، هذا دعاء مبارك، ودعاء عظيم، ودعاء مختصر أيضاً.

هناك أدعية مأثورة، يُستفاد منها.

هناك أيضاً أدعية، مثل: أدعية الصحيفة السَّجَّادِيَّة... ونحوها.

هناك أيضاً الدعاء المختار، الذي تم توزيعه للبرنامج الرمضاني، وهو دعاء جامع، ومفيد، وجيد.

وهناك أيضاً في مسألة الدعاء، كذلك- كما قلنا- في أمور الإنسان، في دعائه لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" حتى بلهجتك وبدون تَكَلُّف في التعبير، يمكنك أن تطلب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتدعوه بما تريد، الله يُدْعى بكل اللغات وبكل اللهجات، ((وَدُعِيْتَ بِالْأَلْسُن))، بمختلف اللغات واللهجات.

مع الدعاء، ينبغي أن يكون هناك إقبال إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بالتركيز الذهني، والخشوع، والتضرع، والخضوع، هذا مهمٌ جدًّا (روحيَّة الدعاء)، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف:55]، وفي آية: {وَخِيفَةً}[الأعراف:205]، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الأعراف:56]، الله يقول عن أنبيائه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:90]. هذه أمور مهمة جدًّا فيما يتعلق بالدعاء.

هناك أيضاً- وباختصار- في ليلة الحادي والعشرين: ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، والتحاقه بالرفيق الأعلى، في سنة 40 للهجرة النبوية:
هناك ملزمة هي من مقررات البرنامج الرمضاني: (ملزمة ذكرى استشهاد الإمام علي "عَلَيْهِ السَّلَامُ")، لشهيد القرآن "رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ"، فيها دروسٌ مهمة عن هذه الذكرى، وكذلك عن أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وعادةً نعتمد على أن الناس سيهتمون بها، ويستفيدون منها، فيكون حديثنا مجرَّد تعليق واستكمال.

أمير المؤمنين "عَلَيْهِ السَّلَامُ" استشهد- كما قلنا- في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، في سنة 40 للهجرة النبوية، نفَّذ اغتياله من سمَّاه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" بأشقى الأشقياء، وشبَّهه بعاقر ناقة ثمود الذي جلب الشقاء على قومه، وهذا التشبيه؛ لما جلبه أشقى الأشقياء- (ابن مُلجم) لعنه الله- على المسلمين بجريمته الرهيبة.

لم يكن استهداف أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" مجرَّد حدثٍ مضى وانقضى في غابر الزمن، وانتهى، بل كان جُرماً وجنايةً كبيرةً عظيمةً على الإسلام والمسلمين، وامتدت تأثيرات ذلك الجرم الخطير على الأُمَّة في وضعها، على امتداد تاريخها، لمصلحة حركة النفاق في الأُمَّة، بدءاً بالطغيان الأموي، وطغاة بني أُمية، الاستهداف لأمير المؤمنين لم يكن مجرَّد استهداف لشخص عادي، أو استهداف لزعيمٍ حاكمٍ على العالم الإسلامي، ثم أتى غيره وانتهى الأمر، لا، المسألة خطيرة جدًّا.

أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" أولاً: له مقامه العظيم، ومنزلته العالية بين أولياء الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فجريمة قتل المؤمن، المؤمن العادي، الذي هو في إطار هذا العنوان: مؤمن ملتزم بخط الإيمان وطريق الإيمان، جريمة قتله عمداً تعتبر من أعظم الجرائم والذنوب الكبيرة عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والله يقول في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93]، هذا على مستوى المؤمن، فما بالك عندما يكون هذا المؤمن من عظماء أولياء الله، من أكمل المؤمنين إيماناً، من أعلى المؤمنين منزلةً عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" عدَّ في جرائم بني إسرائيل، من أكبر جرائمهم: أنهم كانوا: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}[آل عمران:21].

أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" في مقامه الإيماني العظيم، الذي هو أعظم الناس إيماناً، وأعلاهم منزلةً بعد رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، والذي سمَّاه الله في القرآن الكريم بصالح المؤمنين: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4]، هو من قال عنه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، حينما برز (يوم الخندق) في مواجهة عمرو بن عبد ود العامري: ((بَرَزَ الْإِيْمَانُ كُلُه))، أمير المؤمنين في مستواه الإيماني، وفي كماله الإيماني، هو الشاهد الذي يشهد لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ويشهد للقرآن، ويشهد للإسلام بالحق، وبأنَّ ذلك يمثِّل المنهج الإلهي العظيم، الذي هو أرقى منهج تستقيم عليه حياة البشرية، ويسمو بالإنسان:

في أثره الروحي والتربوي.
وفي الرشد والحكمة، والمعرفة والعلم.
وفي غير ذلك من الكمال الإنساني.
وهو أيضاً من يجسِّد الشخصية المؤمنة، الأصيلة، الراقية، الشخصية المسلمة كيف هي، كيف هو الإنسان المؤمن، كيف هو أثر الإيمان فيه، يُجسِّد هذا العنوان أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ":

على مستوى الصفاء، والنقاء، والخلوص من الشوائب.
وعلى مستوى أيضاً الكمال العظيم والراقي.
أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" أيضاً بموقعه العظيم والمهم في الإسلام، دوره بالنسبة للإسلام، وبالنسبة للأُمَّة، هو في الموقع الذي عبَّر عنه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، في حديث المنزلة المعروف، والمتواتر بين الأُمَّة بكل أطيافها: ((أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي))، هذا موقعه من رسول الله، هذه مكانته، هذه منزلته: ((بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى))، إِلَّا أَنَّهُ بدون النبوة، بدون عنوان النبوة، ويمتد في مسيرة الهداية، والكمال الإيماني، ونهج الإسلام الحق، من دون عنوان النبوة.

من هو من أُمَّة موسى "عَلَيْهِ السَّلَامُ" كان في منزلة هارون؟ لا أحد، هذا هو موقع أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ".

دوره العظيم في ذلك، فيما عبَّر عنه رسول الله بهذا الحديث، في هذا النص المهم، دوره في نُصرة رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" ومؤازرته- كان مؤازراً لرسول الله، مناصراً لرسول الله، معيناً لرسول الله، جندياً عظيماً مع رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وفي خدمة الإسلام، وفي السعي لإحقاق الحق، وفي الجهاد في سبيل الله تعالى- في مستوى الجهد الذي قدَّمه، والدور الذي قام به، في هذه المنزلة، وهذا المستوى: ((بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى)).

منزلته في الإسلام، في تجسيده لقيم الإسلام، في كماله الإيمان، كان بهذا المستوى الرفيع، والعالي، والمتميز: ((بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى))، دوره المهم في الحفاظ على الامتداد الأصيل والنقي للإسلام، والتَّصدِّي لحركة النفاق، كان من هذا الموقع؛ لأنه موكولٌ إليه هذا الدور، وهو في هذا المستوى من المسؤولية، ومن الأهلية والجدارة للقيام بهذا الدور.

وهذا الدور أيضاً ورد الحديث عنه بشكلٍ صريحٍ ومؤكِّدٍ أيضاً في الحديث النبوي الآخر، عندما قال رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ": ((عَلِيٌّ مَعَ القُرْآنُ، وَالقُرْآنُ مَعَ عَلِيّ))، وحينما قال: ((عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ، وَالحَقُّ مَعَ عَلِيّ))، امتداد لنهج الإسلام الأصيل، في مواجهة الزيف من حركة النفاق، التي تسعى للانحراف بالأُمَّة من داخلها؛ ولـذلك فأمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو النسخة الأصلية للإسلام بصفائها من كل الشوائب، وبكمالها عن كل نقصٍ، على مستوى الكمال الإيماني.

والأُمَّة بحاجة إلى هذا النموذج الأصيل؛ لأنَّها تتعرض لهجمة رهيبة، من داخلها ومن خارجها:

من داخلها: حركة النفاق على امتداد التاريخ، والتي حمل رايتها (الطغيان الأموي)، فتحرَّك للانقلاب على موروث الإسلام العظيم بالنفاق، والتزييف لصورة الإسلام بصورة بديلة، مستنسخة، مزيَّفة، مشوَّهة، محرَّفة، تتأقلم مع أهواء طغاة بني أُمية.
ومن خارج الأُمَّة: هناك الكافرون، حركة الكافرين، وعلى رأسهم اليهود، التي تستهدف الأُمَّة في: الإضلال، والإفساد، والتحريف لمنهج الله الحق.
فأولئك وأولئك، من داخل الأُمَّة ومن خارجها، هم يسعون للانحراف بالأُمَّة، وفي نفس الوقت يريدون سبيل الله أن يكون سبيلاً مِعْوَجّاً، ويريدون للإسلام أن يكون بنسخةٍ أخرى، غير النسخة الأصيلة، السليمة من الشوائب، نسخة مُحَرَّفة، مُشَوَّهة، تتأقلم مع أهواء الطغاة والمجرمين، وتساعد على التَّقَبُّل بهم، تلك الصورة المشوَّهة يريدون أن يستبدلوا أيضاً رموز الهداية والهداة للأُمَّة، برموز مضلين، ومجرمين، وطغاة، وطغاة؛ حتى تكون الأُمَّة متقبِّلة، متقبِّلةً للطغاة والمجرمين، ومواليةً للظالمين، بدون أي حرج، يصبح ذلك- في تصورها الخاطئ، وفهمها المغلوط؛ نتيجةً للتحريف- جزءاً من التزامها الإيماني والديني.

الدور الخطير لحركة النفاق في الأُمَّة كشفه القرآن الكريم:

في حديثه عن المنافقين، حتى بأكثر مما تحدَّث عن الكافرين.
وفي موقفه الحاسم من المنافقين والنفاق.
وفي كشفه لحقيقتهم، ولكل فئاتهم؛ لأن المنافقين فئات متنوعة:
منهم فئات تتصف بالفجور.
منهم فئات تتصف بالتمظهر بالتدين.
منهم فئات تتحرك تحت العنوان الديني.
وأخرى تتحرك تحت عناوين أخرى: عناوين المصلحة... وغير ذلك.
فالقرآن كشفهم بكل فئاتهم وأصنافهم، وكشف عن مستوى خطورتهم على الأُمَّة، وعن سوئهم، ولو لم يكن ليكشف لنا سوء دورهم إلَّا قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ}[النساء:145]، أو {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[النساء:145]، قراءتين: {فِي الدَّرَكِ} و {فِي الدَّرْكِ}، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء:145].

المنافقين لماذا يكون عقابهم أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار؟ لسوء دورهم، وعظيم جرمهم، وكبير جنايتهم على الناس، وضد الإسلام والحق، فقول الله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون:4].

حركة المنافقين في داخل الأُمَّة هي:

حركة تزييف.
وحركة إضلال وتحريف.
وحركة إفساد وتخريب.
وحركة خلخلة لواقع الأُمَّة من الداخل.
ولــذلك يقول الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[البقرة:11]؛ لأنهم يحملون عناوين مخادعة في أوساط الأُمَّة.

ولـذلك فأمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" له دورٌ أساسيٌ في فضح حركة النفاق؛ لأنه الامتداد الأصيل الذي يصون للأُمَّة دينها، ويقدِّم النموذج الحقيقي والراقي للإسلام، حركة النفاق على العكس من ذلك: تحريف، تزييف، إضلال، تغيير، تبديل، مما يناسب أهواءهم، والإمام عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" هو يقدِّم النموذج الحقيقي، وهو الامتداد الأصيل، وحلقة الوصل مع رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ".

حركة النفاق لا يمكنها أن تجاهر بكل وضوح وبدون مواربة بالكفر برسول الله، أو بالتَّنكُّر لرسول الله، {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون:1]، فهم يشهدون شهادة مؤكَّدة؛ ولـذلك فهناك علامة فارقة أخرى تبيِّن الحال ما بين الإيمان والنفاق، ما بين الإيمان والنفاق في داخل الأُمَّة، هذه العلامة التي تحدث عنها رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" بقوله لأمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ": ((لَا يُحِبُكَ إِلَّا مُؤْمِن، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِق))؛ فكان أمير المؤمنين علامة فارقة بين الإيمان والنفاق؛ والأصالة والزيف، في داخل الأُمَّة، كما في هذا الحديث النبوي الواضح والصريح.

الطغيان الأموي لهذا السبب حارب أمير المؤمنين علي "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وعاداه، وأبغضه؛ لأنه كان يراه عائقاً يَحُوْل بينه وبين تحقيق أهدافه، فقد كان أمير المؤمنين "عَلَيْهِ السَّلَامُ" حصناً حصيناً، وسدّاً منيعاً، يتصدى لهم، وواجههم، واجه الفئة الباغية التي تدعو إلى النار، كما وصفها رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" في حديثه، وفي قوله عن عمار: ((تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَة، يَدْعُوهُم إِلَى الجَنَّة، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّار))، وحركة النفاق هي حركة تدعو الناس إلى النار، الأعمال التي تنحرف بهم عن نهج الإسلام فتصل بهم إلى نار جهنم.

وباستشهاد أمير المؤمنين "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، تمكَّن الطغيان الأموي الذي حمل راية النفاق في الأُمَّة من السيطرة عليها، وكان مسار طغاة بني أُمية في الأُمَّة عندما تمكَّنوا من السيطرة عليها، وهم يحملون راية النفاق، ومشروعهم في الأُمَّة هو مشروع النفاق، تمكَّنوا من التَّوجُّه في نفس المسار الذي حذَّر منه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"، حينما حذَّر منهم: ((اِتَّخَذُوا دِيْنَ اللهِ دَغَلاً، وَعِبَادَهُ خَوَلاً، وَمَالَهُ دُوَلاً))؛ فأضاعوا الأُمَّة، أضاعوا الأُمَّة وانحدروا بها نحو الأسفل، نحو الحضيض، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

ولـذلك فالأُمَّة لا ينقذها مما هي فيه؛ لأنَّها تعاني من حركة النفاق التي استمرت ما بعد الطغيان الأموي، وهي امتدادٌ لها إلى هذا الزمن، تنحرف بالأُمَّة، تغيِّر مفاهيم الإسلام، تغيِّر ولاء الأُمَّة للكافرين، وللطغاة الظالمين، وللمجرمين، وللسيئين، وللمضلين، لا خلاص للأُمَّة إلَّا بالعودة الصادقة إلى الله، وإلى النهج الأصيل للإسلام، وإلى الولاء لرموز الهداية المؤمنين، الذين يتَّجهون بالأُمَّة الاتِّجاه الحقّ، على أصالة الإسلام ومنهجه الصحيح، ويخلِّصون الأُمَّة من التبعية للمنافقين، ومن الظالمين، وأيضاً والولاء للكافرين، والتبعية للكافرين؛ لأن نهج الإسلام الأصيل يمتاز بهذه الميزة: أنَّه يفصل الأُمَّة تماماً عن التبعية والولاء للكافرين، والمنافقين، والمضلين، والمفسدين، والمجرمين؛ ويتَّجه بالأُمَّة في الاتِّجاه الصحيح، على خطى أنبياء الله في الصراط المستقيم، ويتَّجه بالأُمَّة في منهجية الإسلام، التي هي عزٌّ، وفوزٌ، وفلاحٌ، ونجاةٌ في الدنيا والآخرة، يفوز من سار عليها، وحينما يلقى الله، يلقاه فائزاً، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" عندما استهدف وأتت الشهادة: ((فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَة)).

أَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الإنسان بحاجة إلى أمیر المؤمنین علی شهر رمضان المبارک فی العشر الأواخر فی القرآن الکریم أمیر المؤمنین ع الدنیا والآخرة فی لیلة القدر من شهر رمضان هذا المستوى على الإنسان نزول القرآن للإنسان أن تدبیر الله فیما یتعلق لرسول الله الإنسان فی الأواخر من فرصة عظیمة ع ل ى آل ه من الأدعیة ل إلى الله داخل الأ م ه إلى الله الکثیر من هناک أیضا لیلة نزول هذه الفرص النفاق فی على مستوى رسول الله ر الإنسان سبیل الله س ب ح ان ه ت ع ال ى من المهم عند الله ة القرآن ة الدعاء وغیر ذلک هذا دعاء فی الأ م فی أمور على الأ هذا مهم هذه الأ م ن اف ق الله فی مهمة جد إذا کان ال ق د ر کذلک فی من الله فی إطار غیر ذلک أکثر من التی هی هی لیلة هی فرصة من داخل أن یکون ف ی الد ن الله فی نفس ذلک من فی هذا ما بین ا لیلة من الت ه فیها بالأ م ذلک فی فی هذه من ذلک ه الله ى الله على أن ا الله

إقرأ أيضاً:

مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (17) للسيد القائد 1446

(المحاضرة الرمضانية السابعة عشر )

استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.

"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "

ماذا سيقدم السيد عبدالملك في محاضرة اليوم لدي توقعين . . هكذا تساءل حازم بكل حماسة واستعجال .
ليقاطعه عمه الدكتور احمد وهو يبتسم : لا تستعجل يا حازم ستنطلق المحاضرة الان .
وبالفعل انطلقت المحاضرة للتو واتجه الخمسة بكل حواسهم للاستماع لها :-

نستكمل ما كنا قد ابتدأنا الحديث عنه، فيما يتعلق بغزوة بدرٍ الكبرى، وعن أهميتها في التاريخ الإسلامي، وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعن امتداد تأثيرها عبر الأجيال، فآثارها ممتدةٌ إلى عصرنا، وإلى ما بعد عصرنا، وهي آثار ونتائج، في غاية الأهمية.
في الحديث عن ذكرى غزوة بدرٍ، وعن أهميتها، وعن مجرياتها، وعن بعض الدروس والعبر منها، نبتدأ أولاً بالحديث عن العنوان المهم، الذي سمّاه الله به في القرآن الكريم، وسمّى غزوة بدرٍ الكبرى، سمَّى يومها (يوم الفرقان)، وهذه تسمية لها دلالتها المهمة، التي ينبغي أن نستوعبها جيداً؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال:41]، في الآية التي تحدثت عن مسألة الخمس، فسمّاه يوم الفرقان، لماذا؟ لأنه يومٌ مهمٌ فارقٌ، فارقٌ في جوانب متعددة، فارقٌ في التاريخ، ليس بعده كما قبله، هناك فارق، وهذا الفارق المهم هو في إحقاق الحق، وفي إبطال الباطل وإزهاق الباطل،

- هاهي المحاضرة يا حازم استكمال للحديث عن غزوة بدر الكبرى واهميتها في التاريخ الاسلامي ... هكذا تحدث الدكتور احمد

وهذا درسٌ مهمٌ جداً لنا نحن؛ لأن الله سبحانه وتعالى يصنع المتغيرات الكبيرة، في إطار هدايته لعباده المؤمنين، وما يحققه على أيديهم، حينما يستجيبون له في النهوض بمسؤولياتهم المقدَّسة والعظيمة والمهمة.
البعض من الناس، حينما يرى واقعاً معيناً تستحكم فيه قوى الطاغوت، والاستكبار، والظلم، والكفر، بإمكاناتها الهائلة والضخمة، ونفوذها الكبير، واستحكام سيطرتها على الناس، وتحكمها في الواقع، وحضورها الكبير في الساحة، يتصور أن ذلك الحال سيستمر، ولا يمكن تغييره، وبالذات عندما تكون المسألة أن يتحرك المستضعفون في إطار الحقِّ، والخير، والعدل، والتعليمات الإلهية

لكن المسألة أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتولَّى صنع المتغيرات؛ إنما تكون المسألة فيما يتعلق بالمسلمين والمؤمنين، عندما يستجيبون لله، ويتحرَّكون وفق تعليماته وهديه، أنهم يأخذون بالأسباب؛ أمَّا الذي يصنع المتغيرات فهو الله سبحانه وتعالى، وهو القائل في القرآن الكريم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:26]، فالله سبحانه وتعالى مثلما هو يصنع المتغيرات الكونية في تدبير حركة الكون، في الليل والنهار، فيولج الليل في النهار، ويتغير الحال تماماً، ويولج النهار في الليل، فيتغير الحال بعد ذلك بشكلٍ تام، من ظلمة الليل إلى ضوء النهار، وإلى دفء النهار أيضاً، فأيضاً يخرج الحي من الميِّت، من البذرة الميِّتة، ومن النواهي الميِّتة يخرج النبتة التي قد جعل فيها الحياة وتنبت، وهكذا يخرج الميِّت من الحي، فالله سبحانه وتعالى قادرٌ على خلق المتغيرات وصُنع المتغيرات، فيبدل من كانوا في عِزَّة، وقوة، وتمكُّن، وسيطرة، ونفوذ، يبدل حالهم ذلك إلى ذِلَّة؛ لبغيهم، لطغيانهم لإجرامهم؛ أو لمخالفتهم لهديه وتعليماته، وانحرافهم عن نهجه، وإخلالهم بالتزاماتهم الإيمانية والدينية، مثل ما هو في واقع المسلمين

- انها جزئية مهمة للغاية التي تحدث عنها السيد عبدالملك بأن الله عز وجل هو صانع المتغيرات الكونية وهذا ما يجب ان يدركه الانسان . . هكذا تحدث الدكتور نضال
النقلات التي تحققت في واقع المسلمين في بداية عصر الإسلام، كانت من هذا القبيل: الواقع القائم، كانت تسيطر فيه قوى الطاغوت والكفر والضلال والباطل، في الجزيرة العربية معروفٌ كيف كان هو الحال، وفي- أيضاً- في خارج الجزيرة العربية، حيث كانت امبراطورية الرومان الامبراطورية الكبرى آنذاك، وكانت امبراطورية الفرس منافسة لها ومناوئة لها، وكانت هناك قوى إقليمية ودوَّليَّة أخرى، فالحال الغالب والحال السائد في الساحة هو: سيطرة قوى الشرك، قوى الكفر، قوى الباطل، قوى الضلال، قوى الطغيان، واستحكام نفوذها، وتلك الحالة في نظرة الكثير من الناس آنذاك، في مسألة أن يتغير واقع المسلمين المستضعفين، الذين بدأوا من ظروف صعبة، وهم قلةٌ قليلة، بإمكانيات محدودة جداً، معظمهم من الفقراء المعدمين، كانت مسألة أن تتحقق نقلات في الواقع، وأن يتحوَّلوا هم يومٌ من الأيام إلى القوة الكبرى في هذه الساحة، والقوة المسيطرة والمتمكنة، كانت نقلة كهذه في حساب وتقديرات الكثير من الناس في قائمة المستحيلات، يعني: ينظروا إلى واقع الآخرين، إلى واقع المسلمين، إلى الظروف المحيطة بهم، فيعتبرون مسألة أن يتحوَّل أولئك المستضعفون، القلة القلة القليلة، الذين لديهم ظروف بالغة الصعوبة، هم القوة الكبرى المؤثِّرة في الساحة، وأن تتغير في الواقع تلك المفاهيم، العقائد، الثقافة السائدة، الكثير من العادات والتقاليد الباطلة، التغيير الكبير جداً؛ لأن مسار الإسلام هو إحداث تغيير كبير وشامل، تغيير جذري بما تعنيه الكلمة، فلذلك كانت المسألة أن تتحقق نقلات؛ فلـذلك كانت التقديرات لدى الكثير أن هذا في قائمة المستحملات.

- قدم السيد عبدالملك ايجاز لوضعية المسلمين في ذلك العصر وموازبن القوى آنذاك . . هكذا عقب الدكتور احمد .

في بداية أمر الإسلام في مكة، ما قبل هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمين معه إلى المدينة، كانت وضعية المسلمين في مكة صعبة للغاية، استضعاف كبير، كانوا قلةً قليلة، بين مجتمع قريش الذي أبى أكثره أن يؤمن، ووصل إلى درجةٍ قال الله عنه: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[يس:7]، وكانوا يشعرون بالغربة في ذلك المجتمع، كما في الحديث النبوي: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء))، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((الذين يصلحون عند فساد الناس))، أو كما في الحديث.
الحالة تلك في مكة كان البعض فيها من المسلمين في حالة اضطهاد، وتعذيب، حالة صعبة؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الأنفال:26]، هذه الآية المباركة تحكي لنا تلك الأحوال كيف كانت في بداية الأمر، ثم ما صنعه الله من تغييرٍ لذلك الحال، وهي درسٌ لهم ولكل المؤمنين، على مدى التاريخ إلى قيام الساعة، كيف يمكن أن تكون هذه الآية حالةً قائمة في واقع المؤمنين، الذين يتحركون في واقع استضعاف، وقلة قليل، ثم تتغير أحوالهم بتوفيقٍ من الله، ونصرٍ من الله، ورعايةٍ من الله، إلى عز، إلى نصر، إلى تمكين، إلى نفوذ، إلى سعة... إلى غير ذلك.

- شرح لنا السيد عبدالملك حال المسلمين بداية الاسلام في مكة مسنوداً للآية الكريمة التي شرحت الوضع . . هكذا تحدث الدكتور نضال
بعد هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة تحسَّنت أحوال المسلمين بدايةً، فكانت نقلةً في وضعهم، وكانت فرجاً من الحالة التي كانوا فيها من الاضطهاد، والتعذيب، والظلم، فيما توفر لهم في المدينة من حالةٍ جيدة، بيئة حاضنة، واستقبال، واستقرار، وتحسنٌ في أحوالهم، بعدما كانوا يعانونه في مجتمعهم في قريش من: التكذيب، والاضطهاد، والإذلال، أصبحوا عند إخوةٍ لهم هم الأنصار، احتضنوهم، فهيَّأ الله لهم المأوى، {فَآوَاكُمْ}[الأنفال:26]، هذا كان هو من أول المتطلبات لتغيير أحوالهم، ومن أول المتطلبات لبناء أمة مسلمة، تحتاج أولاً إلى حاضنة اجتماعية، ونطاق جغرافي تنهض منه هذه الأمة، ويقوم فيه أمر الإسلام، {فَآوَاكُمْ}[الأنفال:26].
مع ذلك كان لا يزال محيطهم في المدينة نفسها، في محيط المدينة، وفي الجزيرة العربية محيطاً متغيراً عنهم يشكِّل تهديداً لهم، يعني: هناك في الجزيرة العربية أعداء أشداء ألداء لهم، وهناك اليهود- كذلك- يعادون الرسالة الإسلامية والمسلمين، ويعادون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وهناك على المستوى الدولي قوى دولية ضخمة: امبراطورية الرومان... وغيرها؛ فلذلك كانوا في ظل ذلك الوضع لا يزالون يواجهون التحديات الكبيرة، بدأ الفرج، بدأ تحسن الحال بالإيواء لهم في المدينة، بالبيئة الحاضنة هناك،
لكن التهديد واسع من حولهم، فهم بحاجة انتصارات، وبحاجة إلى ما يعزز ثقتهم هم بالله سبحانه وتعالى، بانتصار أمر الإسلام، وكذلك نظرة الكثير من المتربصين، فالبعض منهم عندما يشاهد مثلاً أنه تحقق للمسلمين انتصارات، وثبت أمر الإسلام، قد يُقبِل إلى الإسلام، ممن هم في ما يسمى في المنطقة الرمادية كما يقال في التعبيرات، يعني: فئة مترددين، متربصين، منتظرين إلى ما ستؤول إليه الأمور

- يقدم االسيد عبدالملك ايجاز بحالة تغير وضع المسلمين بوصولهم للمدينة في ظل الاخبار المحدقة وحالة المتربصين والمتتظرين لما ستؤول اليه الامور هكذا تحدث الدكتور احمد .

فكان المسلمون بحاجة إلى نقلة تعزز من ثقتهم بثبات أمر الإسلام، وتخفف من حالة المخاوف لدى البعض من فئة المتربصين، إذا لمسوا هناك دلائل مطمئنة، قد يقبِلون على الإسلام، البعض من المتربصين، وفي نفس الوقت نقلة تكسر من شره الأعداء وأطماعهم، تخفف من أطماعهم؛ لأن الأعداء حينما ينظرون إلى ظروف المسلمين، قلَّتهم، ضعف إمكاناتهم المادية، فهم يطمعون، ويتصورون أنَّه من الممكن القضاء على المسلمين

ولديهم أمل كبير في أنَّه من الممكن استئصال المسلمين، والقضاء على أمر الإسلام، والقضاء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وإنهاء هذه المسألة بالكامل؛ لأنهم يرونها مشكلةً عليهم.
لماذا يرونها مشكلةً عليهم؟! قوى الكفر والطاغوت والشر والإجرام ترى نفسها متناقضة مع الإسلام، الإسلام هو دين الحق، دين العدل، دين الرحمة، دين الخير، الدين الذي يرتقي بالمستضعفين، ويعيد للناس اعتبارهم وكرامتهم الإنسانية، وينقذهم من الاستعباد والاستغلال من قِبَلِ الطغاة والمجرمين والظالمين، فهم يعتبرونه يهدد مصالحهم ونفوذهم القائم على الجور،

- لقد اوجز السيد عبدالملك هذه الحالة انه فيما المسلمين بحاجة الى نقلة تعزز من ثقتهم بثبات امر الاسلام بموازاة ذلك كانت قوى المقر والطغيان ترى اهمية القضاء عليهم . . هكذا عقب الدكتور نضال .

بين قوى الكفر في الساحة، القوة الأبرز في الجزيرة العربية وهي قريش، قريش هم قوم النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم، وهم من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام، ولهم نفوذهم وأهميتهم الكبيرة في الجزيرة العربية، وتأثيرهم الكبير؛ لأنهم المسيطرون على مكة آنذاك، وهم القائمون على أمور بيت الله الحرام، وإدارة شؤون الحج، وكان العرب لا يزالون يحجون، ومتمسكين بالحج، ولا يزال عندهم من المقدَّسات، وكذلك الكعبة لها قدسيتها وعظمتها في نفوسهم، يعظِّمونها، ويحجون إليها، فلقريش المكانة الكبيرة في أوساط الناس، وأوساط بقية القبائل في الجزيرة العربية، فهم كانوا القوة الأبرز آنذاك في العداء للإسلام، بدلاً من أن يشكروا الله على نعمته عليهم، وما منحهم ببركة بيته الحرام، من سعةٍ في معيشتهم، وحياتهم، ووضعهم الاقتصادي،

لكن لم يشكروا نعمة الله عليهم، وتصدروا هم قبل غيرهم العداء للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وللإسلام والمسلمين، واتَّجهوا هم لمحاربة الإسلام قبل غيرهم.

- يقدم لنا السيد عبدالملك وضعية القوة الابرز في الساحة آنذاك وهي قريش وكيف كانت وضعيتهم . هكذا تحدث الدكتور احمد.

فالنبي صلوات الله عليه وعلى آله هاجر عن مكة إلى المدينة، إلى الأنصار، إلى الأوس والخزرج، الذين هم من أصول يمنية، وتوفَّقوا هم بتوفيق الله لهم، فكانوا هم البديل، وكانوا هم البيئة الحاضنة للرسالة الإسلامية، والمؤوين لرسول الله والمسلمين، الذين آووا ونصروا، وسمَّاهم الله بـ (الأنصار)، فكانوا هم ركيزة عظيمة لقيام أمر الإسلام، ودورهم عظيم ومهم.
حينما هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، كتبت قريشٌ رسالة إلى الأنصار، إلى الأوسي والخزرج، فيها إعلان للحرب، وتهديدٌ صريح، عن أنَّ قريشاً ستهاجمهم إلى المدينة، وستعمل على القضاء على الإسلام والمسلمين هناك، وهذا كان يوضِّح التوجه لقريش، وماذا ستسعى له وما تريده

- يواصل السيد عبدالملك السفر بما في رحلة سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله ووصوله لمكه ووقوف الانصار معه وموقف قريش من ذلك ... هكذا تحدث الدكتور نضال.

ثم عملت قريش على إنشاء تحالفات في الساحة العربية لدى الكثير من القبائل، وبالذات القبائل ما بين مكة والمدينة، وفي مناطق أخرى من الجزيرة العربية، هذه التحالفات على أساس المضايقة الاقتصادية للمسلمين، فتلك القبائل التي تحالفت، والتي نسَّقت، يعني: البعض في مستوى تحالف، البعض في مستوى تنسيق وتعاون بينهم وبين قريش، اتَّفقوا على منع المسلمين من أسواقهم، من الحركة في مناطقهم، من المرور والعبور في مناطقهم، يريدون أن يفرضوا حصاراً وتضييقاً على المسلمين في المدينة؛ حتى لا يتمكَّنوا من الحركة، لا على المستوى الاقتصادي في البيع والشراء، والذهاب إلى الأسواق الأخرى، وكذلك في حركتهم في الجزيرة العربية،
ثم بدأت قريش بالتحضير فعلياً لما هددت به في رسالتها إلى الأوس والخزرج (الأنصار)، من غزو المدينة، بدأت التحضير لعملية عسكرية كبيرة، ولكن المسألة تحتاج إلى تمويل كبير؛ لأنهم يريدون عملية كبيرة، وغزواً عسكرياً فعلياً وحقيقياً للمدينة، فلذلك أرسلت قريشٌ قافلةً تجاريةً ضخمة إلى الشام، وكانت من أضخم القوافل التي قد بعثتها إلى الشام؛ بهدف أن يكون منها عائدات مالية ضخمة، وساهم فيها الكل في مكة، يعني: جعلوا كل القرشيين، كل الناس هناك، جعلوهم أن يساهموا، وفرضوا عليهم أن يساهموا مالياً في تلك القافلة؛ ليكون الكل مساهم فيها، بحيث تكون قافلة ضخمة، وتكون عائداتها المالية كما اتَّفقوا على ذلك قرروا، عائداتها المالية مخصصةً، لماذا؟ للعملية العسكرية ضد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمين معه في المدينة.
وذهبت تلك القافلة إلى الشام، ولأهمية تلك القافلة، كان على رأسها، والقائم بأمرها: أبو سفيان، القائد الأبرز بين قادة المشركين في قريش، فخرجت تلك القافلة إلى الشام، وأتى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- يقدم السيد عبدالملك شرحاً لمخطط قريش للوقوف في وجه الاسلام وسيدنا محمد صدى الله عليه وعلى آله وسلم .. هكذا تحدث الدكتور نضال .

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما بعد الهجرة إلى المدينة، هو يدرك طبيعة الظروف القائمة، وردَّة فعل قريش، والمعادين للإسلام، ومتطلبات تلك المرحلة، في ضرورة الاستعداد العسكري، والتحرك الجهادي، وأتاه من الله سبحانه وتعالى الإذن والأمر بذلك: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39]، فبدأ يتحرك في الاستعداد؛ ليكون واقع المسلمين بمستوى مواجهة كل التحديات، أنشأ معسكراً للتدريب القتالي في المدينة، بدأ يحثُّ الناس على الاستعداد، بما في ذلك في التدريب وفي الإعداد العسكري، توفير السلاح، والسعي لتوفيره، بحسب إمكاناتهم وظروفهم، وبدأ يحرِّك المسلمين في سرايا، يعني: تشكيلات عسكرية صغيرة، لم تكن كبيرة الحجم، سرايا أحياناً يكون عدد السراية عشرين، أحياناً أربعين، أحياناً ثلاثين، أحياناً خمسين، أحياناً سبعين، أحياناً عشرة، أحياناً... وهكذا وفق المهام التي يرسلهم إليها، وفي إطار أيضاً ما يواجهونه من تهديدات في مهامهم.
يبث السرايا الاستطلاعية تلك، وهذه كانت عملية مهمة جداً:

منها: تساعد في تنشيط المسلمين، في تهيئتهم نفسياً وذهنياً للمواجهة والجهاد.

ومنها: كذلك الرصد وجمع المعلومات.

ومنها: كذلك الفرض لحالة تحرك المسلمين، وكسر ما تسعى له قريشٌ في عدائها للإسلام والمسلمين من العزلة، تريد أن تفرض عزلةً محكمةً على المسلمين في داخل المدينة، فرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتلك السرايا كان يكسر تلك العزلة، يحرك المسلمين في تلك السرايا، فتذهب إلى مناطق متعددة، وفي مهام أيضاً محدودة، كانت تلك المهام بحسب ما تقتضيه تلك المرحلة.

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرصد تحركات الأعداء، ولم يكن غافلاً عنهم، وكان يسعى إلى إعداد المسلمين للتصدي لهم، حرَّك تلك السرايا، كسر حالة العزلة، لم يسمح بأن يكون واقع المسلمين في حالة انكماش في المدينة؛ حتى لا تتحول الساحة من حولهم إلى ساحة مغلقة في وجوههم.
فعلم بموضوع القافلة، وبأمرٍ من الله سبحانه وتعالى وجَّهه الله لاستهداف تلك القافلة، التي مخصصة في عائداتها المالية لعملٍ عدواني يستهدف المسلمين، وقرر الاستهداف لها أثناء عودتها من الشام.
نكتفي بهذا المقدار، ونستكمل البقية فيما يتعلق بهذه الغزوة المباركة في المحاضرات القادمة إن شاء الله.

- انتهت المحاضرة بعد الاستماع الجزئية موقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتحركه في مقابل تحرك قريش .

مقالات مشابهة

  • شاهد| المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 19 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 21 رمضان 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (19) للسيد القائد 1446
  • المحاضرة الرمضانية الثامنة عشرة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية السابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • شاهد| المحاضرة الرمضانية السابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد القائد 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (17) للسيد القائد 1446