كتب: الدكتور نبيل العبيدي - خبير الدراسات الامنية والاستراتيجية 

في نهاية عام  2024، انهار النظام السوري بقيادة بشار الأسد إثر هجوم كبير شنته قوات المعارضة، اذ قادت هيئة تحرير الشام هذا الهجوم مدعومة بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، في سياق استمرار الحرب الأهلية السورية التي بدأت مع اندلاع الثورة عام 2011 واستيلاء المعارضة على العاصمة دمشق مثّل نهاية نظام عائلة الأسد التي حكمت البلاد بطريقة شمولية ووراثية منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1971.

  الانهيار السريع للنظام السوري أثار موجة من الدهشة محليًا ودوليًا، حتى بين أوساط المعارضة نفسها، حيث وردت تقارير تفيد بأن انهيار الحكومة كان أسرع مما توقّع الجميع.  اذ جاءت هذه التطورات العسكرية والسياسية لتلقي بظلالها على دول الجوار والمنطقة ككل، ما أدى إلى بروز تحديات وفرص تتطلب إعادة رسم السياسات والعلاقات الإقليمية والدولية في ظل تطور الاحداث. وخصصوا ان سوريا تعد الخط المباشر والمحاذي لإسرائيل والتي لا تأمن لها اسرائيل أي مأمن. الا انها كانت من ذوي المساعي الكبيرة في انهيار نظام بشار الاسد وخاصة ان لها اقليات موالية لها بشكل كبير وهم طائفة الدروز. واللذين ابدو استعدادهم المباشر بالتعاون مع اسرائيل وزيارتها لها والحفاوة التي استقبلوا بها من قبل الجانب الاسرائيلي. 

  لكن السؤال الأهم يبقى:  ما هي الأبعاد الجيوسياسية للوضع السوري وكيف تؤثر على الدول الإقليمية والعلاقات الدولية؟ وكيف ستواجه هذه الدول المخاطر المحتملة، خاصة في ظل الاوضاع الإسرائيلية؟ 

 التأثير الأول:  ما هو التأثير الجيوسياسي والأمني للوضع السوري على العراق:- الوضع السوري كان له تأثير مباشر وعميق على العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وحتى اليوم. أصبحت الأراضي السورية منصة لعدم الاستقرار في العراق، واستُخدمت كقاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية التي زعزعت الأمن العراقي وخاصة باستغلال المساحات الصحراوية التي تقع ما بين العرق وسوريا والمفتوحة على مصراعيها دون رقيب او حسيب، وهذا مما كان له الاثر الكبير والامتداد الكبير للعمق الارهابي. وخاصة ان هذا التأثير بلغ ذروته بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة والمناطق الممتدة على الحدود بين البلدين، مما جعلها معقلًا لعناصر التنظيم وغيره من الجماعات الإرهابية.

التأثير الثاني: التأثير الجيوسياسي والأمني للوضع السوري على لبنان :- تاريخيًا كان ضمن دائرة التوجه والعلاقة الإيرانية، خاصة عبر علاقته الوثيقة مع النظام السوري بقيادة الأسد اذ كان شريكًا استراتيجيًا لإيران وعضوًا فاعلًا في محور المقاومة الذي تقوده.ايران وهناك اتفاقيات امنية واستراتيجية بين طهران ودمشق على مستوى كبير جدا ولكن مع خسارة النظام السيطرة وتقدّم المعارضة المدعومة من تركيا، تأثرت خطوط الإمداد الإيرانية إلى حزب الله، ما أضعف قوته وأثر على النفوذ الإيراني في الساحة اللبنانية. 

التأثير الثالث: التأثير الجيوسياسي والأمني للوضع السوري على تركيا:-  لعبت تركيا دورًا محوريًا في مسار الأحداث السورية، اذ دعمت قوى المعارضة المسلحة وسعت لتحقيق تغيير سياسي في دمشق يخدم مصالحها الاستراتيجية. وان سقوط الأسد عزز من نفوذ أنقرة إقليميًا ودوليًا، واعتبرته إنجازًا يعزز قدرتها على بناء تحالفات جديدة والتأثير في التوازنات الإقليمية  هذا الإنجاز رفع من مكانة تركيا سياسيًا، سواء داخليًا أو خارجيًا. ومن المتعارف عليه على المستوى الدولي ان قيام تركيا بتقديم المساعدة ليس الا من باب المصلحة التي تتعلق بالأمن التركي والاقليمي وهذا مما جعل هناك اتفاقات امنية واستخبارية كبيرة قبل تقديم مساعدتها الى الادارة الجديدة السورية خدمة لمصالحها الاقليمية والجيوسياسية . 

    التأثير الرابع: ما يتعلق في العلاقة بين تغيير النظام السوري والأطماع الإسرائيلية:-  في سياق تغير المشهد السوري، شنت إسرائيل عملية عسكرية في محافظة القنيطرة السورية وأرسلت وحداتها المدرعة إلى المنطقة العازلة بين مرتفعات الجولان المحتلة وبقية الأراضي السورية. لأول مرة منذ عام 1974، عبرت القوات الإسرائيلية الخط البنفسجي الذي تم تحديده بعد اتفاقيات وقف إطلاق النار عقب حرب أكتوبر. هذا التحرك يعكس سعي إسرائيل لتعزيز نفوذها في المناطق الحدودية استغلالًا لحالة الفراغ السياسي والأمني في سوريا وكذلك توسيع سيطرتها على المنطقة المحاذية ( لإسرائيل) كما فعلت في جنوب لبنان من اجل تأمين المنطقة كما هو الحال في شرق الاردن من جهة وبينها وبين المتوسط من جهة اخرى. 

وملخص ما تطرقت له اعلاه ان الأبعاد الجيوسياسية الرئيسية

1-    تأثير على دول المنطقة: النزاع السوري أدى إلى اضطرابات كبيرة في الدول المجاورة مثل لبنان والعراق والأردن وتركيا، خاصة بسبب تدفق ملايين اللاجئين والضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنهم.

2-    الدور الإقليمي: تدخلت دول إقليمية مثل إيران وتركيا بشكل مكثف في الأزمة السورية، ما أحدث تأثيرات مباشرة على التوازن الجيوسياسي في المنطقة. وهذا مراعاة لمصالحها في سوريا. 

3-     تدخل القوى الكبرى:  الصراع جذب اهتمام قوى عالمية كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وكثير من الدول العربية ايضا التي ارادة ان تبرز في هذه الازمة.  مما خلق تنافسات جديدة وكبيرة غير متوازنة ولا تعمل على استقرا المنطقة نهائيا وبما يخدم انانيتها بشكل كبير وأثر ذلك على العلاقات الدولية التي تحكمها وتدور عدما ووجودا مع مثل هذه السلوكيات الغير متزنة والغير لائقة في العلاقات الدولية والتي يمكن مع مرور الوقت تصبح بؤرة للتطرف والارهاب والتنازع والفوضى المستمرة كما هو الحال في ليبيا والسودان التي لازالت غير مستقرة على العكس من دول اخرى حصل فيها التغيير كما هو الحال في مصر وتونس التي تنعم بالاستقرار الامني والسياسي. 

4-    الأثر الاقتصادي العالمي: الاضطرابات في سوريا تركت بصمتها على الاقتصاد العالمي، وخاصة على أسواق الطاقة وسلاسل التوريد وخاصة ان مدينة حلب لها شهرتها على المستوى العالمي.

5-    الأمن الدولي:  تصاعد الإرهاب نتيجة الصراع السوري زاد من التحديات الأمنية الدولية، إلى جانب أزمة اللاجئين والهجرة القسرية.

6-    العلاقات الدولية: النزاع السوري ساهم في إعادة تشكيل التحالفات بين الدول الكبرى والإقليمية على وفق مصالحهم الشخصية وبخطط واستراتيجيات على مستوى طويل الامد وخصوصاً ان موقعها الجغرافي والاقليمي لها اهمية اكثر من باقي الدول لتي حصل فيها الربيع العربي او التغيير العربي والذي يحمل في طياته عبقرية المؤامرة الكبرى وصنيعة دول ومساعدتها على تلك الانقلابات، وهذا موضوع يعرفه الكبير والصغير انه لا يمكن لثورة تنجح ان لم يكن هناك دعم خارجي وترتيب كبير على مستوى دعم دولي  وهذا ما لمسناه من خلال تعاقب الثورات والانقلابات وخصوصا في بلدان العالم العربي التي تسيطر على اقتصاديتها دول العالم المتقدمة .

7-    حقوق الإنسان: الانتهاكات المستمرة ضد المدنيين وتشريد ملايين من افرد المجتمع السوري منذ عام 2011 قد رسمت للفرد السوري خارطة التهجير والنزوح والتشريد الذي طال المجتمع السوري ووصل افراده الى دول العالم اجمعها،


وفي ختام مقالي هذا نتطلع الى دولة سورية ديمقراطية تعيش في امن وسلام وأمان بعيدة عن التشرذم والتقطيع والقومية والمذهبية واحترام اهلها ومجتمعها ونسيجها السوري الكبير.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: العلاقات الدولیة

إقرأ أيضاً:

خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي

في حين يترقب العالم قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على قطاع غزة، يقول خبراء إن إسرائيل لم تعد تبالي بالقانون الدولي ولا بالقرارات الصادرة عن هذه المؤسسات، في حين يقول آخرون إن هذه القرارات ستؤثر على السردية الإسرائيلية، مؤكدين أنها ستكون أكثر تأثيرا لو تحرك العالم لتطبيقها.

واستجابة لطلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر العام الماضي، بدأت محكمة العدل في لاهاي اليوم الاثنين جلسات علنية للنظر في التزامات تل أبيب القانونية تجاه الفلسطينيين بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى غزة.

ومن المقرر أن تستعرض المحكمة على مدى أسبوع مرافعات خطية وشفوية، تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية.

تطبيق القرارات

ورغم أهمية القرار المرتقب من أهم محكمة في العالم، فإن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي يرى أن تطبيق الدول لقرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره.

وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، لفت البرغوثي إلى أن محكمة العدل أدلت برأي استشاري سابق قالت فيه إن الاحتلال القائم لفلسطين لا بد أن ينتهي، ودعت لإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، غير أن الدول لم تطبق هذا الرأي.

إعلان

كما أن الموقف الدولي الحالي لا يعكس استعدادا من الدول الغربية تحديدا لتطبيق أي قرارات جديدة تصدر عن المؤسسات الدولية، برأي البرغوثي، الذي أكد أن كل القرارات "لن تحدث أثرا دون تطبيق الدول لها".

واتفق المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، مع رأي البرغوثي، بقوله إن قرار المحكمة سيكون مهما من الناحية الأخلاقية لكن الدول هي المخولة بتنفيذه وليست المحكمة.

محكمة العدل الدولية ستنظر في مرافعات خطية وشفوية تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية (الجزيرة) اختبار للمنظومة الدولية

ويعتقد نايس أن القانون الدولي "يخضع لاختبار حقيقي لأنه مطالب بإصدار قرار يدين إسرائيل بقوة لإجبار الدول على تطبيقه، وإلا فلن يكون هناك قانون وستفعل الدول ما تريده بطريقة إجرامية".

لذلك، يقول نايس إن العدالة البطيئة محبطة وإن العالم ينتظر قرارات ستنقسم الدول بشأنها لأن الولايات المتحدة والمجر مثلا تريدان عالما بلا قانون.

ومع ذلك، فإن سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، "كان منفرا بشكل كبير بحيث أدرك العالم أن عليه التحرك بعيدا عنه"، كما يقول نايس.

ومن هذا المنطلق، فإن الأمل حاليا -برأي نايس- يكمن في قدرة الدول على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة أنها مخطئة في موقفها من قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لكن السؤال المهم حاليا، كما يقول المتحدث، هو: "هل بلد مثل بريطانيا التي عرفت تاريخيا بتبعيتها السياسية لأميركا تمتلك شجاعة القيام بهذا الأمر؟".

وخلص المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن هناك بارقة أمل في أن القوة المنحدرة لأميركا "ستدفع الدول الأخرى لاتخاذ مواقف أفضل لعزل الموقف الأميركي المجري".

وربما يعطي إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين -برأي نايس- مبررا لبعض الدول كي تحاسب إسرائيل على أي فعل تقوم به بعد استعادة أسراها، وقد يصل الأمر لطردها من الأمم المتحدة.

إعلان

قلق وغطرسة إسرائيلية

في المقابل، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تقلق من تداعيات ما يجري في المؤسسات القانونية الدولية لأنه ينال من سمعتها وقد ينهي سردية الضحية التي استفادت منها على مدار عقود، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة غير مسبوقة من الغطرسة واحتقار القوانين الدولية.

والدليل على ذلك برأي مصطفى أنها حضرت أمام الجنائية الدولية قبل عام ولم تحضر اليوم أمام محكمة العدل، مما يعني أنها لا تتعامل مع أي قرار سيصدر عنها بجدية.

والأخطر من هذا برأي المتحدث، أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعتبر حامية لليبرالية أصدت قرارا في مارس/آذار الماضي، يقر عدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يعني أننا إزاء دولة تعاند القانون الدولي بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والقضائية.

وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل بشكل عام تقف صفا واحدا عندما تكون في مواجهة مؤسسة دولية وهو ما حدث عندما أصدرت الجنائية الدولية قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كما يقول مصطفى.

وليس أدل على هذا من أن التحريض على إبادة سكان القطاع أصبح أكبر مما كان عليه قبل عام من الآن عندما طالبت الجنائية الدولية حكومة إسرائيل بمنع كل هذه الدعوات، حسب مصطفى.

فقد أكد المتحدث أن عضو الكنيست عن حزب الليكود موشي سعدة قال مؤخرا إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي، كما طالب كوبي بيرتس -وهو أحد أشهر المغنين في إسرائيل- بقتل كل سكان غزة من الطفل إلى العجوز، وتم وضع هذا التصريح في واجهة يديعوت أحرونوت كخبر عادي، كما يقول مصطفى.

ومع ذلك، يعتقد البرغوثي أن صدور قرار من العدل الدولية باعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية سيؤثر بشكل ما على هذه الغطرسة الإسرائيلية، خصوصا وأن آخر الاستطلاعات "تظهر تأييد غالبية الأميركيين للفلسطينيين لأول مرة في التاريخ".

إعلان

وخلص المتحدث إلى أن الأمم المتحدة هي التي طلبت رأي "العدل الدولية"، مما يعني أنه سيكون رأيا له قوة القانون، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وإلا فسيتم تدمير المنظومة الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كامل.

وتأتي جلسات محكمة العدل الدولية في وقت يشرف فيه نظام المساعدات الإنسانية في غزة على الانهيار، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية منذ مطلع مارس/آذار الماضي.

مقالات مشابهة

  • محمد الشلالدة لـعربي21: العدل الدولية ستوجّه صفعة لإسرائيل قريبا (فيديو)
  • الوزير الشيباني: إن أي دعوة للتدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام، وتجارب المنطقة والعالم شاهدة على الكلفة الباهظة التي دفعتها الشعوب جراء التدخلات الخارجية، والتي غالباً ما تُبنى على حساب المصالح الوطنية، وتخدم أ
  • اشتباكات صحنايا تكشف هشاشة السلام بين الدروز والحكومة السورية
  • وزير الطوارئ والكوارث يناقش مع المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر التحديات التي تواجه الشعب السوري
  • أبو الغيط: الصراع لا السلم هو الأصل في العلاقات الدولية
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
  • بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير منطقة تبوك يطلع على المشاريع التي تُنفّذها أمانة المنطقة
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • نائب:استضافة (الشطري)في البرلمان لمعرفة تفاصيل لقائه مع الرئيس السوري (أحمد الشرع)
  • خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي