أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بالعفو ويعرض عن الجاهلين، فقال سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، «سورة الأعراف: الآية 199»، والعفو هو التغاضي عن الذنب والصفح عن المخطئ، وهو صفة من صفات المحسنين، وخلق من أخلاق الكرام، ولا يقدر عليه إلا ذوو العزم والمروءة.
وخليق بكل مسلم أن يستجيب لهذا الأمر، وخاصة ونحن في الشهر الفضيل، فليعفو بعضنا عن بعض.
يقول الله سبحانه وتعالى: (إِن تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيراً)، «سورة النساء: الآية 149»، ويقول عز وجل: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة آل عمران: الآية 134». وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يا نبي الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: «تقولين: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي»، (سنن الترمذي 3513).
والعفو من الأخلاق الحميدة التي يُرغب فيها الشرع، لأنها توصل إلى التقوى، قال جلّ جلاله: (... وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ...)، «سورة البقرة: الآية 237».
وبيّن القرآن الكريم أن العداوات قد تنال من الناس فيما بينهم، فطلب منهم الصفح والعفو، فقال سبحانه وتعالى: (... وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، «سورة التغابن: الآية 14».
والعفو والصفح في رمضان أكثر من غيره، لأنه شهر الصفح وطلب العفو من الله تعالى، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الصائمين القائمين أن يقولوا في دعائهم ليلة القدر: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي»، وثواب العفو عظيم، قال عز وجل: (... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)، «سورة الشورى: الآية 40».
وعلى المسلم أن يتخلّق بالعفو والصفح، ويحذّر من الهجر والخصومة، لأن الهجر مظنّة لحجب الأعمال أو حبسها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس؟ فقال: «إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم، إلا متهاجرين، يقول: دعهما حتى يصطلحا»، (سنن ابن ماجة 1740). والعفو فضيلة لا ينالها إلا من استقام إيمانه وقويت عزيمته، فالعفو عند المقدرة من الشجاعة الأدبية التي يتحلى بها المسلم، والخصومة من الأسباب التي تحجب الرحمة وتؤخر قبول الأعمال الصالحة.
الإحسان
أمر الله بالإحسان، والإحسان من صفات الله عز وجل، وأمر الله تعالى به عباده أمراً عاماً فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...)، «سورة النحل: الآية 90».. حيث يقول سبحانه وتعالى: (... وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة البقرة: الآية 195»، وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ...)، «سورة النحل: الآية 90».
وأكرم الله المحسنين بمعيته ومحبته، والإحسان سبب لنهوض الفرد والمجتمع، والإحسان في التعامل مع الله تعالى هو أعظم منازل الدين.. وقال جلّ جلاله: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، «سورة الرحمن: الآية 60».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». (صحيح البخاري، 50).
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له ستراً من النار»، (صحيح البخاري 1418).
وأمر جلّ وعلا بالإحسان في الأداء فقال عز وجل: (... وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ...)، «سورة البقرة: الآية 178».
والإحسان في الطلاق فقال تبارك وتعالى: (... أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...)، «سورة البقرة: الآية 229».
وأمرهم بالإحسان للوالدين والقرابة واليتامى والمساكين والجار والصاحب وابن السبيل.
وأكرم الله المحسنين بمعيته ومحبته، فقال عز وجل: (... وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة البقرة: الآية 195».
وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، «سورة النحل: الآية 128»، ووعد المحسنين بالزيادة فقال: (... وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)، «سورة البقرة: الآية 58».
والإحسان سبب لنهوض الفرد والمجتمع، فإذا أحسن الموظف والمدرس والمهندس والطبيب وسائر الناس القيام بمهامهم، وأتقنوا الأعمال المنوطة بهم، صلحت أحوالهم وأحوال أوطانهم، وازدهرت الحياة، وأشرقت النفوس.
والإحسان في التعامل مع الله تعالى هو أعظم منازل الدين، وذلك بأن تعبد الله كأنك تراه، فإذا قام العبد لطاعة ربه وقد استشعر مراقبة ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت وإقبال القلب إلا فعله بتمامه، وعلى أحسن وجوهه. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم سبحانه وتعالى سورة البقرة الله تعالى ال إ ح س ان عز وجل
إقرأ أيضاً:
أحمد عمر هاشم يوضح مكانة سورة الفاتحة عند الله
قال الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، هي خداج ، هي خداج غير تمام " قال : فقلت : يا أبا هريرة ، إني أحيانا أكون وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي ، ثم قال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ; فإني سمعت رسول الله، موضحا أن كلمة خداج تعني أن صلاته ناقصة وغير مكتملة.
وتابع الدكتور أحمد عمر هاشم، خلال تقديم برنامج «كأنك تراه» المذاع على قناة صدى البلد، أن الله سبحانه وتعالى أوضح أن قسم الصلاة بينه وبين عبده لقسمين، ولعبدي ما سأل، موضحا أن المراد بالصلاة هو الفاتحة، وعبر عنها بالصلاة لأنها أهم أركان الصلاة.
وأضاف: قراءة الفاتحة ركن من أركان السلام، تسمى بأم القرآن وتقرأ بكل ركعة، ولها فضلها من أسمائها، أنها رقية، ويشفى بها المريض، وكان سيدنا عمر يقرأها على المريض، كما أنها لها دور في استجابة الدعاء".
كما أوضح: سورة الفاتحة لها مكانة خاصة.. باب من السماء فتح، ونزل ملك لأول مرة وقال السلام يقرأك السلام، ويقول لك ربك فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة".