غزة- كان الفجر بالكاد قد تنفس حين بدأ حامد مصلح رحلة نزوحه الجديدة نحو المجهول، بعد أن أنذرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالرحيل عن بلدتهم "بيت حانون" شمالي القطاع.

خطوات العائلة الممتدة، التي يبلغ عدد أفرادها قرابة الـ70، كانت ثقيلة على الطرقات غير المعبدة، تروي حكاية النزوح المتكرر، وكأن الأرض قد ضاقت بأحلامهم حتى لفظتهم.

وبعد ساعات طويلة من المشي المرهق، حاملين متاعهم القليلة وخيامهم التي كانوا يقيمون فيها، حطت رحالهم داخل مبنى مدمر جزئيا يتبع للجامعة الإسلامية غربي مدينة غزة.

وداخل الغرفة التي تفتقر لكل مقومات الحياة، فلا ماء ولا كهرباء، ولا طعام، ولا خدمات، بدأ مصلح بترميمها بواسطة شوادر النايلون السميك، علّها تكون بديلا للجدران المهدمة.

ويروى مصلح للجزيرة نت قصة التشرد الجديدة، إذ قال إن طائرات الاحتلال ألقت منشورات على بيت حانون، تطالبهم فيها بالرحيل فورا، وإلا سيعرضون حياتهم للخطر.

حامد مصلح نزح برفقة 70 من أفراد عائلته وأقاربه واضطر للسكن في مبني مهدوم جزئيا (الجزيرة) نحو المجهول

تحمل ذاكرة مصلح كثيرا من ذكريات النزوح المؤلمة، إذ كان قد نزح لأكثر من عام جنوبي القطاع قبل أن يعود عقب التوصل لوقف إطلاق النار نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، ثم عاد ليجد نفسه نازحا مجددا إلى "المجهول".

إعلان

ويضيف للجزيرة نت "نسكن في مؤسسات مقصوفة ومدمرة، ووضعنا صعب جدا، أغلب الطريق كان مشيا، لأننا لا نملك المال لاستئجار شاحنة، جئت مع أولادي وأقاربي وكل شخص حمل فرشة وبعض الأغراض".

ويمتلئ المكان الذي كان سابقا قاعات للمحاضرات في الجامعة الإسلامية بالركام والأنقاض بعد أن دمره جيش الاحتلال جزئيا، ويوضح مصلح أنه اختار هذا المكان لانعدام البديل، مشيرا في الوقت ذاته إلى انعدام مصادر المياه بشكل كامل، بالإضافة إلى عدم توفر الطعام وأي نوع آخر من الخدمات الأساسية.

ففجر الثلاثاء، استأنفت إسرائيل بشكل مفاجئ حرب الإبادة على قطاع غزة، من خلال تصعيد عسكري كبير شمل معظم مناطق القطاع واستهدف المدنيين وقت السحور، ويعد هذا الهجوم أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبرم بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي.

ومنذ ذلك الحين، أفادت وزارة الصحة بغزة باستشهاد أكثر من 500 فلسطيني وإصابة المئات، بينهم حالات خطرة جدا، في حين لا يزال العمل جاريا على انتشال ضحايا من تحت الركام.

إبراهيم عباس نقل خيمته من بيت حانون ونصبها في شارع جمال عبد الناصر غرب مدينة غزة (الجزيرة) على الرصيف

وعلى رصيف شارع جمال عبد الناصر، غرب غزة، نصب إبراهيم عباس خيمته التي أحضرها معه من بيت حانون، وكان يقيم فيها مع أسرته هناك.

وقال للجزيرة نت "رموا علينا مناشير تطلب منا الإخلاء فورا، والطريق كان صعبا جدا، مشينا نحو كيلومتر حاملين الأغراض، إلى أن عثرنا على سيارة قبلت أن توصلنا إلى هنا بمبلغ 600 شيكل (166 دولارا تقريبا)".

وداخل الخيمة الصغيرة، ستنام 3 عائلات يبلغ مجموع أفرادها قرابة الـ15 شخصا، بحسب عباس، مضيفا "نحن مضطرون، ماذا نفعل، لم نجد مكانا، ولم يساعدنا أحد".

ورغم عدم معرفته بكيفية تدبر الماء والطعام، فإن عباس بدا مطمئنا إلى "معية الله"، وأنه سوف يسهّل أمورهم، خاتما حديثه "نحن متوكلون على الله".

الشقيقان خالد (يمين) وأحمد (يسار) أبو عمشة يستبدلان الجدران المهدمة بالنايلون لحماية أسرتيهما (الجزيرة) "موت بطيء"

ويبدو خالد أبو عمشة -وهو أب لـ5 أفراد- مهموما بحال ابنته التي تحتاج إلى زراعة رئتين، ولا تستطيع العيش من دون أنبوبة الأكسجين، كما قال.

إعلان

وداخل غرفة تقع في الطابق الأرضي بمبني "التعليم المستمر" بالجامعة الإسلامية، كان يحاول استبدال جدرانها المهدمة بالنايلون، قال أبو عمشة "تخيل شخص مثلي معه طفلة مريضة، ومضطر للنزوح بها من مكان لآخر، مع أنبوبة الأكسجين، ماذا أفعل؟".

وذكر أنه سارع للنزوح خوفا على أسرته، التي كانت تقيم داخل خيمة ببيت حانون، وتعرضت لشظايا قذائف إسرائيلية، كادت أن تلحق الأذى بأولاده، مضيفا أنه نزح منذ بداية الحرب 16 مرة، توزعت بين شمال ووسط وجنوب القطاع.

وبالنسبة لأبو عمشة، فإن الألم النفسي، يفوق أضعافا مضاعفة أي متاعب جسدية أو مالية للنزوح، ويضيف "النزوح موت بطيء، شعور لا يوصف، ألم وهلع وتوتر وخوف، وانعدام الرغبة في الحياة.. لكن الحمد لله على كل حال".

حمدي زويدي (يسار) يبني خيمة جديدة لأسرته على الرصيف بعد نزوحه من بيت حانون (الجزيرة)

 

الهرب من الموت

لم يجد الشاب حمدي زويدي مكانا لنصب خيمته إلا على قارعة الطريق، بالقرب من بوابة الجامعة الإسلامية، حيث كان يسكن في مدرسة تستخدم مركز إيواء ببيت حانون بعد هدم منزله، ورفض النزوح حينما صدرت أوامر جيش الاحتلال أول مرة، لأنه لم يجد مكانا يذهب إليه، كما قال.

لكنه يضيف للجزيرة نت "اتصلت مخابرات الاحتلال بأحد المقيمين بالمدرسة، وقالت إذا لم تخلوا خلال 5 دقائق سنقصف المدرسة، فهربنا بسرعة"، وتابع بينما كان يحمل شاكوشا ويثبت بالمسامير القطع الخشبية التي ستحمل الخيمة "بهدلونا، لا نعرف أين نذهب، نعاني بشدة، ونسكن في الشارع لأنه لا بديل".

بسام البسيوني يجلس أمام متاعه ويأمل بالعثور على غرفة تصلح للسكن (الجزيرة)

 

أما بسام البسيوني فقد جمع أغراضه على الأرض داخل حرم الجامعة الإسلامية، وجلس بقربها، دون أن يدري ما الخطوة التالية التي يجب أن يتبعها، وقال للجزيرة نت: "سنبحث عن غرفة داخل هذه المباني المدمرة، وإذا لم نجد سنبني خيمة".

إعلان

ويبلغ عدد أفراد أسرة البسيوني 7 أفراد، كانوا يقيمون في خيمة بجوار منزلهم المدمر في بيت حانون قبل إجبارهم على الرحيل مجددا.

نبيلة الزعانين مسنة فلسطينية نزحت برفقة أسرتها إلى غرب مدينة غزة (الجزيرة) غرفة مهدمة

تُبدي نبيلة الزعانين (69 عاما) حزنها على أفراد بلدتها الذين تشتتوا، وأصابهم الضرّ مرة أخرى على يد جيش الاحتلال، وتقول للجزيرة نت بينما كانت تجلس على كرسي بجوار متاع أسرتها الممتد على الأرض "ركبتي بها خشونة ولا أستطيع المشي، وعندي ضغط وسكر وغضروف، وعملت قسطرة في القلب، ورغم ذلك يشردوني مجددا".

ويبلغ عدد أفراد عائلة الزعانين قرابة الـ50 فردا، حسب نبيلة، التي تقول إنهم لم يجدوا مأوى سوى أرض الجامعة الإسلامية المهجورة منذ بداية الحرب، وتأمل المسنة أن يجد أولادها غرفة صالحة للسكان داخل أحد المباني المهدمة، لأنها "أفضل بكثير من الخيمة التي لا تقي من برد الشتاء ولا حر الصيف".

وهدمت إسرائيل 10 منازل تعود لعائلة الزعانين في بداية الحرب، وأجبرتهم على النزوح إلى جنوب القطاع، قبل أن يعودوا بعد التوصل لوقف إطلاق النار، لكنّ إقامتهم في ديارهم لم تكن طويلة، حيث أجبروا مجددا على مغادرتها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعة الإسلامیة جیش الاحتلال للجزیرة نت بیت حانون

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يحذر سكان بني سهيلا في غزة: الإنذار الأخير قبل الغارة

سرايا - أصدر الجيش الإسرائيلي إنذارا مسبقا وأخيرا لسكان منطقة بني سهيلا في قطاع غزة، محذرا من غارة جوية وشيكة، وطالبهم بالإخلاي الفوري.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في بيان: إلى جميع سكان قطاع غزة المتواجدين في المنطقة المحددة في بني سهيلا، هذا إنذار مسبق وأخير قبل الغارة!".

‏وختم البيان "من أجل سلامتكم عليكم الانتقال بشكل فوري غربا إلى مراكز الإيواء المعروفة".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1830  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 20-03-2025 06:18 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
المغرب .. العثور على رضيع أمام مسجدٍ! في مكب للنفايات .. شركة توصيل أميركية تلقي بأحافير عمرها 380 مليون سنة اتهام رجل بالقتل بعدما صدم طفله امرأة مسنّة بدراجته! رحلة تجديف مرعبة .. العثور على فتاتين تاهتا في البحر أكثر من 16 ساعة! بالفيديو .. الباشا حسين الحواتمة في لقاء حصري مع... الداعية السعودي عائض القرني يعتذر عن تعزيته للحويني بالفيديو .. مواطن أردني لأمين عام جبهة العمل... من المكتب مع هاشم الخالدي .. احتيال خطير في الأردن... بعد نشر "سرايا" بدعم من اهل الخير :... أول تعليق لإيتمار بن غفير بعد عودته لحكومة نتنياهونشر وثائق سريّة .. هل من جديد في ملف اغتيال الرئيس...تعطل حركة الطيران في مطار "بن غوريون"ألمانيا تحثّ سوريا على "ضبط المجموعات...أبو عبيدة: صواريخ اليمن وغزة تتقاطع في سماء تل أبيبالسفارة الإسرائيلية تثير غضب المصريين بمنشور كاذب...صحيفة إسرائيليّة: التنسيق من أحمد الشرع ضروريّ لهذه...ستارمر: يجب أن نستعد للتحرك سريعا حال توصل أوكرانيا...الاحتجاجات في تركيا تتصاعد بعد اعتقال أوغلو المتهم... بعد الانفصال والعودة .. أحمد سعد يهدي زوجته سيارة... بينها ريا وسكينة والواد سيد الشغال .. أشهر خروج عن... المخرج محمد ساميّ يُعلن اعتزال الدراما... سلاف فواخرجي: "بعض مشاهد صيدنايا مفبركة" رحمة رياض نادمة على تصرفها القاسي مع شقيقتها الراحلة عُمان تفرض التعادل على كوريا الجنوبية تعديل مواعيد مباريات الأسبوع السابع عشر من الدوري الأردني للمحترفين CFI اليابان أول المتأهلين رسميا إلى كأس العالم 2026 بعد أقل من شهر .. راموس يواجه الإيقاف 15 مباراة نجم يفجرها: زملاء صلاح "أسقطوه" وحرموه من الكرة الذهبية عصابة نسائية في مصر تستهدف الراغبين في السفر وفاة طفلين خلال درس خصوصي في مصر .. وضبط المعلمة تحذير للآباء .. رموز غامضة وكلمات خطيرة في محادثات المراهقين عبر الإنترنت الشرطة التركية تحبط محاولة بيع مومياء أثرية "مرعبة" بمليون دولار شركة توصيل أميركية تلقي بأحافير عمرها 380 مليون سنة قصة "الفيل" الذي كان يعرف اللغتين البرتغالية والهندية! "عصابة حوامل" .. 3 نساء يتورطن بجريمة سرقة غريبة! إحباط محاولة بيع مومياء أثرية "مرعبة" بمليون دولار! اكتشاف أقدم ديناصور بالعالم في المغرب بجراحة معقدة .. إنقاذ مصري ابتلع مواد معدنية غريبة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يحذر سكان بني سهيلا في غزة: الإنذار الأخير قبل الغارة
  • الجيش الإسرائيلي يطلب من سكان بلدة بني سهيلا المغادرة قبل تفجيرها
  • جيش الاحتلال يحظر انتقال سكان غزة على محور صلاح الدين
  • 460 شهيدا فلسطينيا منذ استئناف الاحتلال لعدوانه على سكان غزة
  • خبير عسكري: جيش الاحتلال سيقع مجددا في معضلة اليوم التالي للحرب
  • جولة قتل جديدة لمن يبحثون عن الحياة في غزة
  • الاحتلال يهاجم غزة مجدداً ويطالب سكان شرقي خانيونس بالإخلاء الفوري
  • مجدداً .. بن غفير وزيراً للأمن القومي
  • مدفعية الاحتلال تستهدف مناطق شرق بلدة بيت حانون شمالي غزة