أزمة النيجر وبلقنة الساحل وغرب افريقيا
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
أزمة النيجر وبلقنة الساحل وغرب افريقيا
يمر عالم متعدد الأقطاب بنزاعات إقليمية قد تتحول إلى حروب مفتوحة في حالة تورطٍ أكبر من طرف الدول الكبرى.
تبدو بلقنة المنطقة الهدف الرئيس لبعض القوى الكبرى، خاصة الغرب المدمن على صنع خرائط الدول في مناطق من العالم.
أبرز الانقلاب أن عالما متعدد الأقطاب سيمر بعدة نزاعات إقليمية قد تتحول إلى حروب مفتوحة في حالة تورطٍ أكبر من طرف الدول الكبرى.
تراهن الدول الكبرى على حل من اثنين: إعادة «الشرعية» والرئيس بازوم لسدة الرئاسة أو منح الجيش الانقلابي فترة انتقالية من أجل استقرار الأوضاع.
التدخل العسكري وتعميم المواجهات سيؤدي لظهور كيانات جديدة وتشهد المنطقة بلقنة سياسية – عسكرية حقيقية تسفر عن خريطة جديدة للمنطقة.
يتمثل الخطر في وقوع مواجهة عسكرية إقليمية تجعل الساحل برميل بارود كما كان جنوب شرق آسيا منذ اندلاع الحرب في كوريا إلى فيتنام ثم كمبوديا ولاوس.
أحداث النيجر وقود جديد لنظام عالمي قيد التشكل، لأن هذا النزاع يعمل على تقسيم المنتظم الدولي، وذلك بسبب الانقسام في رهان الدول الكبرى على حل الأزمة.
انقلاب النيجر يفتح نزاعا آخر غير متوقع سينتهي ببلقنة منطقة الساحل بكل ما تحمله من مخاطر جيوسياسية على مستوى غياب الاستقرار ثم النزاع بين القوى الكبرى.
يرى بعض الغرب أن بعض الدول ما كان لها أن تكون كبيرة مترامية الأطراف، بل أن تكون صغيرة للتحكم فيها. أي أن أزمة النيجر مقدمة لبلقنة الساحل وغرب افريقيا.
ستحتاج منظمة إيكواس لدعم الدول الكبرى في التدخل العسكري مما ستستغله روسيا والصين والغرب لدعم طرف أو آخر لتحقيق أهدافهم الخاصة وليس الديمقراطية.
التدخل العسكري سينقل النزاع لباقي الدول المتورطة بظهور وانتعاش حركات مسلحة ذات مطالب إثنية ودينية، فالمنطقة لم تشهد القضاء على الجماعات المرتبطة بالقاعدة» وداعش.
* * *
رغم شراسة حرب أوكرانيا، يهتم جزء كبير من الرأي العام العالمي، خاصة في أوروبا وافريقيا بتطورات انقلاب النيجر، لأنه سيفتح نزاعا آخر لم يكن مرتقبا، سينتهي حتما ببلقنة منطقة الساحل بكل ما تحمله من مخاطر جيوسياسية على مستوى غياب الاستقرار ثم النزاع بين القوى الكبرى.
ولم يسبق أن اهتم العالم بانقلاب عسكري في بلد افريقي كان يعتبر حتى الأمس القريب هامشيا، بل الكثير لم يكن يفرق بينه وبين نيجيريا لتشابه الاسمين.
وفجأة جاء الانقلاب يوم 27 يوليو/تموز الماضي، لكي يبرز دور هذا البلد في توفير اليورانيوم لعدد من الدول، ومنها المحطات النووية الفرنسية.
كما جاء هذا الانقلاب ليبرز أن عالما متعدد الأقطاب سيمر حتما بمزيد من النزاعات الإقليمية وتورط الدول الكبرى فيها. وعمليا، يمر عالم متعدد الأقطاب بنزاعات إقليمية قد تتحول إلى حروب مفتوحة في حالة تورطٍ أكبر من طرف الدول الكبرى.
وها هي موسكو تهدد أوروبا، بل والحلف الأطلسي برمته بعواقب وخيمة إن استمر في دعم لا مشروط ولا محدود لأوكرانيا، على أمل استنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية لروسيا.
وما يجري في ليبيا والسودان، بل حتى اليمن، هو مظهر من مظاهر هذه النزاعات التي تعتبر وقودا لعالم متعدد الأقطاب، وإن أخذت هذه النزاعات طابعا محليا، أي حروب بين فرقاء في الدولة الواحدة.
وما يجري في النيجر هو وقود جديد للنظام العالمي الآخذ في التشكل، لأن هذا النزاع يعمل على تقسيم المنتظم الدولي، وذلك بسبب الانقسام المتمثل في رهان الدول الكبرى على حل من حلين جذريين:
- الأول وهو إعادة ما يمكن تسميته «بالشرعية» أي عودة الرئيس بازوم إلى سدة الرئاسة،
- الثاني هو منح الجيش الانقلابي فترة انتقالية من أجل استقرار الأوضاع. ولا يتجلى الخطر في الموقف الغربي الداعم للرئيس المعزول والمؤيد لتدخل عسكري.
وتؤيد فرنسا هذا الطرح بشكل كبير ليس حبا في الديمقراطية، بل في استمرار سيطرتها على بلد يزودها باليورانيوم لتشغيل المحطات النووية المنتجة للكهرباء، في وقت ترغب فيه أوروبا التخلي عن الغاز الروسي.
كما لا يتجلى الخطر في الموقف الروسي والصيني الداعم بطريقة أو أخرى للانقلاب العسكري، لأنه يخدم أجندة بكين وموسكو في طرد الغرب من منطقة بدأت تكتسب مكانة جيوسياسية بسبب مناجمها.
يتمثل الخطر في احتمال وقوع مواجهة عسكرية إقليمية، ستجعل من منطقة الساحل كوكتيلا متفجرا، أشبه بما كانت عليه منطقة جنوب شرق آسيا ما بين الخمسينيات وحتى السبعينيات، أي منذ اندلاع الحرب في كوريا الى فيتنام، التي جرّت معها دول المنطقة برمتها وخلّفت ملايين الضحايا.
وهكذا، في سابقة من نوعها، تهدد مجموعة من الدول وهي المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا «إيكواس» ومن دون سند قاري من الاتحاد الافريقي، أو أممي من منظمة الأمم المتحدة، إعلان التدخل العسكري لإعادة الديمقراطية في النيجر.
وتتزعم هذه الدول نيجيريا، ذات الوزن الاقتصادي والعسكري والبشري، وفي المقابل، أعلنت دول مالي وبوركينا فاسو الوقوف بجانب النيجر في المواجهة العسكرية.
وهذا أسوأ سيناريو يمكن أن تشهده منطقة غرب افريقيا والساحل، وقد يلقي بانعكاسات خطيرة على دول شمال افريقيا «المغرب العربي» مثل المغرب وأساسا الجزائر وليبيا بحكم الحدود المشتركة مع بعض الدول في الحرب المفترضة.
وتراقب هذه الدول الوضع بحذر شديد، لاسيما الجزائر، التي تعتقد أن هذا النزاع قد يهدد وحدتها جنوبا، كما كان سيحدث مع النزاع الليبي منذ سنوات. ومن ضمن الانعكاسات الخطيرة في حالة انفلات الأوضاع من الحل السياسي للعسكري: نجد:
٭ في المقام الأول، دول غرب إفريقيا لا تمتلك القوة العسكرية الكافية لتنفيذ "التدخل العسكري" في النيجر، خاصة في منطقة صحراوية تفتقد الطرق والمطارات والحد الأدنى من البنى التحتية، التي يفترض أنها ستوفر الحد الأدنى من الشروط اللوجستية.
دول مثل ساحل العاج وليبيريا وغامبيا وغينيا بيساو محدودة عسكريا على مستوى التسليح والتدريب، وستحتاج منظمة إيكواس إلى دعم من الدول الكبرى، وهذا ما ستستغله روسيا والصين والغرب لدعم هذا الطرف أو ذاك لتحقيق الأهداف الخاصة وليس أهداف المنطقة.
٭ في المقام الثاني، التدخل العسكري سيؤدي حتما إلى انتقال النزاع إلى باقي الدول المتورطة من خلال ظهور، أو بالأحرى انتعاش حركات مسلحة بين مطالب إثنية ومطالب دينية، علما أن المنطقة لم تشهد القضاء على الجماعات المرتبطة بفكر «القاعدة» و«داعش».
ويكفي تأمل الخريطة لمعرفة أن النيجر تشترك في الحدود مع نيجيريا التي أنهكتها حركة بوكوحرام، ومع مالي التي تعشش فيها الحركات المتطرفة، ومع تشاد التي لا تعرف الاستقرار، ومع ليبيا المنقسمة إلى قسمين، ثم مع الجزائر التي تخاف من انتقال عدوى الفوضى لها.
٭ في المقام الثالث، في ارتباط بالنقطة السابقة، تعميم المواجهات سيقود إلى ظهور كيانات جديدة، وستشهد المنطقة بلقنة سياسية – عسكرية حقيقية ستسفر عن خريطة جديدة للمنطقة.
وعموما، يبدو أن بلقنة المنطقة هو الهدف الرئيسي لبعض القوى الكبرى، خاصة الغرب المدمن على صنع خرائط الدول في مناطق من العالم، وكانت آخر محاولة لكل من باريس ولندن، صاحبتي الباع الكبير والتاريخي في هذا الشأن، في ليبيا من خلال استغلال الربيع العربي لتقسيم البلد إلى قسمين بهدف السيطرة على النفط.
ويرى عدد من عواصم الغرب أن بعض الدول ما كان لها أن تكون كبيرة مترامية الأطراف، بل أن تكون صغيرة للتحكم فيها. إن أزمة النيجر هي مقدمة لبلقنة الساحل وغرب افريقيا.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: النيجر إيكواس الساحل غرب أفريقيا خريطة جديدة انقلاب النيجر التدخل العسكري نظام عالمي الدول الكبرى التدخل العسکری متعدد الأقطاب القوى الکبرى الدول الکبرى أزمة النیجر الخطر فی فی حالة أن تکون ما کان
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي: تسارع طفيف في نمو الدول العربية في 2025
توقّع البنك الدولي في أحدث تقرير عن المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن يتسارع نمو اقتصادات المنطقة ليبلغ 2.6 بالمئة خلال العام الجاري و3.7% في عام 2026، لكنه حذر من أن هذه التوقعات يكتنفها حالة من عدم اليقين بالنظر إلى سرعة تغير البيئة العالمية.
وقال التقرير إن التقديرات تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد نمت بنسبة متواضعة في عام 2024 تبلغ 1.9 بالمئة، وهي نفس نسبة النمو في 2023.
التقرير الذي صدر تحت عنوان "كيف يمكن للقطاع الخاص تعزيز النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟"، رصد استمرار عدد من التحديات الهيكلية التي تُقيّد النمو، وعلى رأسها التقلبات في أسعار النفط، وتداعيات التغير المناخي، والتوترات الجيوسياسية، فضلاً عن البطء في تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة.
ويستكشف تقرير البنك الدولي الدور الحيوي للقطاع الخاص في دفع عجلة النمو، ويؤكد على قدرة الشركات على خلق فرص العمل وتحفيز الابتكار. وفي المقابل أدى غياب قطاع خاص مزدهر إلى إعاقة النمو في المنطقة، بحسب التقرير.
يشير التقرير إلى أن القطاع الخاص في المنطقة لا يزال "ضعيف الأداء"، ويعاني من نقص واضح في الإنتاجية والابتكار، ومحدودية مساهمة النساء في سوق العمل، إضافة إلى هيمنة القطاع غير الرسمي.
ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن تحسين الإنتاجية لتصل إلى مستويات الدول النامية ذات الأداء المرتفع يمكن أن يؤدي إلى زيادة نصيب الفرد من الدخل بنسبة تصل إلى 50 بالمئة.
استبعاد النساء يُضعف إمكانات النموقال أوسمان ديون، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن: "المنطقة تعاني من فجوات كبيرة في رأس المال البشري، واستبعاد النساء من سوق العمل يمثل عائقًا كبيرًا أمام النمو طويل الأمد."
من جانبها، أكدت روبرتا غاتي، رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، أن وجود قطاع خاص ديناميكي يعد أمرا ضروريا لإطلاق العنان للنمو المستدام والازدهار في المنطقة. ولتحقيق هذه الإمكانات، يجب على الحكومات في المنطقة أن تتبنى دورها كمشرف على الأسواق التنافسية.
ولفت التقرير إلى أن مشاركة النساء في القوى العاملة لا تتجاوز 18 بالمئة، مقارنةً بـ49 بالمئة عالميًا.
أداء متفاوت بين دول المنطقةتوقع البنك الدولي ان تسجل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نموا بنسبة 3.2 بالمئة في 2025 و4.5 بالمئة في 2026، مدفوعًا بقطاعات غير نفطية في السعودية والإمارات.
وتُظهر التقديرات أن اقتصاد الأراضي الفلسطينية انكمش بنسبة 26.6 بالمئة في 2024، مع انخفاض الناتج في غزة بنسبة 83 بالمئة وفي الضفة الغربية بـ17 بالمئة. وتُقدّر احتياجات إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار.
وفي لبنان، وبعد خمس سنوات من الأزمات الطاحنة، بلغت الخسائر الاقتصادية نحو 7.2 مليار دولار، والأضرار المادية نحو 6.8 مليار دولار، بينما تحتاج البلاد لـ11 مليار دولار لجهود التعافي، بحسب البنك الدولي.
توقعات 2025 و2026:• دول الخليج: من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.2 بالمئة. في 2024 و4.5 بالمئة في 2025
• الإمارات: 3.9 بالمئة في 2024 إلى 4.6 بالمئة. في 2025
• السعودية: 1.3 بالمئة في 2024 إلى 2.8 بالمئة. في 2025
• مصر: 2.4 بالمئة في 2024 إلى 3.8 بالمئة. في 2025
• المغرب: 3.2 بالمئة في 2024 إلى 3.4 بالمئة. في 2025
• تونس: 1.4 بالمئة في 2024 إلى 1.9 بالمئة. في 2025