كيف يشرب الغزيون وسط الحصار والدمار؟
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
غزة - «عُمان» - بهاء طباسي: في خيمة متواضعة بمدينة دير البلح، تعيش جندية خليل وعائلتها كابوسًا جديدًا في سبيل الحصول على المياه الصالحة للشرب. بعدما قطعت إسرائيل الكهرباء عن محطة تحلية المياه الرئيسية في دير البلح، أصبحت الحياة بالنسبة لهم أصعب من أي وقت مضى.
«والله نُقاتل أمام سيارات البلدية أو أبواب محطة تحلية المياه من أجل تعبئة جالون مياه.
نضال من أجل شربة ماء
خديجة تروي لـ«عُمان» قصة مأساوية تكاد تتكرر كل يوم. بقدميها الحافيتين، تمشي لمسافات طويلة في سبيل تعبئة جالون من المياه. «لا توجد عندنا كهرباء، أو أي مصدر للإضاءة، حياتنا هنا على نقطة الصفر».. كلماتها تلخص بؤسًا لا ينتهي، وتعكس واقعًا قاسيًا يعيشه الغزيون يوميًا.
العيش بلا كهرباء يعني حياة بلا ماء. ومع انقطاع الكهرباء عن محطة التحلية، لم يعد أمام خديجة سوى الوقوف في طوابير طويلة أو التقاتل مع الآخرين للحصول على ماء ربما لا يكفي لسد حاجة أسرتها لليوم الواحد. حتى مياه الشرب البسيطة أصبحت مطلبًا مستحيلًا، يزداد الوصول إليه صعوبة يومًا بعد يوم.
ومع تصاعد الأزمة، تحاول خديجة استغلال أي فرصة للحصول على المياه، فهي تعرف جيدًا أن بقاء أطفالها على قيد الحياة مرهون بقدرتها على توفير القليل من الماء. هذه المعاناة المتكررة تعكس مأساة أكبر يعاني منها مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة.
بينما تمضي الأيام، يتلاشى الأمل شيئًا فشيئًا، ولا يبقى أمام عائلة خديجة سوى شرب مياه الآبار والصنابير الملوثة، كنوع من الموت البطيء. «نحن هنا نرتوي بالموت والعلة.. نعيش فقط لا نحيا».. تقولها خديجة بمرارة.
أزمة المياه تتفاقم
تفاقمت أزمة المياه في قطاع غزة بشكل غير مسبوق بعد قرار الاحتلال قطع الكهرباء عن محطة التحلية الرئيسية في دير البلح. هذا القرار أدى إلى تدهور شديد في مستوى الحياة لأكثر من نصف مليون فلسطيني يعتمدون على هذه المحطة للحصول على المياه النظيفة. وفي ظل استمرار الحرب والحصار، باتت إمكانية الحصول على الماء الصالح للشرب حلمًا بعيد المنال للكثيرين.
في حديثه عن هذه الأزمة، يقول أحمد الرباعي، مدير محطة تحلية المياه في دير البلح: «هذه المحطة قدرتها الإنتاجية في ظل وجود الكهرباء تصل إلى 18 ألف متر مكعب في اليوم. ولكن، مع انقطاع التيار الكهربائي والعمل على المولدات، تنخفض هذه القدرة الإنتاجية إلى 2000 متر مكعب في اليوم في أفضل الأحوال».
ويوضح: «نعاني من نقصان المياه الصالحة للشرب بنسبة تقرب بين 80-75، وفي ظل الظروف الحالية، قل عدد المواطنين الذين تصلهم مياهًا نقية إلى أقل من 100 ألف مواطن فقط، وهذا وضع كارثي».
لا تقتصر الأزمة على دير البلح فقط، بل تشمل مناطق واسعة من قطاع غزة. وفي الوقت الذي يرفض فيه الاحتلال إدخال المعدات والمولدات اللازمة لإعادة تشغيل الآبار وتحسين إنتاجية المياه، يضطر الفلسطينيون إلى اللجوء لمصادر مياه غير صالحة للشرب، مما يهدد حياتهم وصحتهم.
السير لأميال من أجل الماء
لا تختلف معاناة أم يزن كثيرًا عن معاناة خديجة. ولكن في حالتها، تضطر إلى السير مسافة 6 كيلومترات يوميًا مع أطفالها الستة للحصول على القليل من المياه. تبكي أم يزن قائلة: «آتي من مسافة بعيدة لتعبئة المياه. شيء صعب جدًا جدًا، نعيش دون مياه معاناة صعبة».
واليوم ومع انخفاض إنتاجية المياه النقية في محطة تحلية دير البلح، ستواجه أم يزن معضلة كبيرة في توفير مياه الشرب لعائلتها.
توضح لـ«عُمان»: «كيف أقدر على الذهاب لتعبئة المياه؟ لا أستطيع شراء المياه المعبأة. عبوة المياه المعبأة الواحدة تكلف 4 شواكل، فكم شيكل أحتاج من أجل تعبئة المياه للشرب والغسيل وعجن الخبز؟».
ومثل أم يزن، هناك آلاف العائلات التي تواجه صعوبة بالغة في توفير المياه لأغراض الشرب أو الطهي أو حتى العناية بالنظافة الأساسية. باتت الحياة في غزة معركة مستمرة ضد العطش، والقدرة على توفير الماء أصبحت ترفًا بعيد المنال.
الأطفال ضحايا أزمة المياه
في شمال قطاع غزة، وتحديدًا منطقة بيت لاهيا، يعد الطفل سعد علي، البالغ من العمر 12 عامًا، نموذجًا قاسيًا لمأساة المياه اليومية، التي يعيشها االغزيون.
يقول سعد: «جرفوا المناطق ودمّروا الديار ودمّروا الدنيا والخطوط (أنابيب المياه) وخلعوها من الأرض،.. صرنا نروح نمشي ثلاثة كيلو وأربعة كيلو (متر) لنعبي مياه».
سعد يجوب يوميًا مسافات طويلة بعربة بسيطة لملء بعض الأوعية بمياه تصلح للشرب من سيارات البلدية، التي تأتي إلى شمال القطاع على فترات متباعدة (كل 3 أيام في أحسن تقدير)، لكنه يعرف جيدًا أن ما يحصل عليه لا يكفي لعائلته. والمأساة الأكبر أن المياه النقية أصبحت نادرة للغاية، ليبقى الأطفال مثل سعد أسرى المعاناة والعطش.
المياه الملوثة.. خيار الفقراء
بسبب الارتفاع الهائل في أسعار المياه المعبأة، يضطر الغزيون غير القادرين على تحمل هذه التكلفة إلى شرب المياه الملوثة من الآبار. هذه الآبار التي تمتد على طول القطاع أصبحت مصدرًا للأمراض والأوبئة التي تضرب الصغار والكبار على حد سواء. وتفيد التقارير الطبية بانتشار أمراض مثل الإسهال المزمن، وأمراض الكلى، والتهاب المعدة، نتيجة تناول المياه الملوثة.
وقد أفادت سلطة المياه الفلسطينية أن نحو 208 آبار من أصل 306 خرجت عن الخدمة خلال الحرب، كما أن 39 بئرًا أخرى تضررت بشكل جزئي. ويزيد هذا الوضع من خطورة الأزمة التي تعيشها غزة، ويضع السكان أمام تحدٍ قاسٍ. وتزداد المعاناة حين يجد الفقراء أنفسهم أمام خيارين كلاهما مر: إما شرب المياه الملوثة والمخاطرة بأرواحهم، أو العطش في انتظار حل قد لا يأتي.
معاناة مرضى الفشل الكلوي
وقدرت تقارير رسمية وأخرى حقوقية، عدد مرضى الفشل الكلوي قبل العدوان على قطاع غزة بنحو 1100 إلى 1500 مريض. وبالقطع ازداد هذا الرقم بعد أكثر من عام وربع العام من العدوان. وفقًا لمنير البرش، مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، الذي أكد أن الاحتلال دمر 7 مراكز طبية يتلقى فيها مرضى الفشل الكلوي العلاج.
وبيّن البرش لـ«عُمان» أن الظروف غير الإنسانية التي فرضها الاحتلال على القطاع من تدمير المرافق الصحية والبنية التحتية للمياه النقية وقطع المساعدات تسببت في مضاعفات صحية خطيرة لمرضى الفشل الكلوي أبرزها انتفاخ الجسد بسبب تراكم السموم.
على سرير المرض ترقد أم علي، 56 عامًا، من بيت حانون، بعد إصابتها بالفشل الكلوي، جراء شرب المياه المالحة غير النظيفة. تخضع لجلسات الغسيل الكلوي 4 مرات أسبوعيًا. ولكنها في أحيان كثيرة لا تحصل على هذا العدد من الغسلات أسبوعيًا، بسبب تردي الأوضاع الصحية في القطاع. تقول: «أنا مرهقة جدًا بسبب الأوضاع غير الآدمية في قطاع غزة. الاحتلال يضغط علينا ويحرمنا أبسط حقوقنا في الحياة والعلاج».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المیاه الملوثة الفشل الکلوی فی قطاع غزة للحصول على محطة تحلیة دیر البلح من أجل میاه ا
إقرأ أيضاً:
«مصدر» توقيع اتفاقيتين لتطوير محطات طاقة شمسية في إندونيسيا
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، وشركة الكهرباء الوطنية الإندونيسية «بي تي بي إل إن» (بيرسيرو)، عن توقيع اتفاقيتين لتطوير محطات طاقة شمسية عائمة في إندونيسيا التي تعد أكبر أسواق الطاقة في منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك على هامش زيارة دولة قام بها فخامة برابوو سوبيانتو، رئيس جمهورية إندونيسيا إلى الإمارات مؤخراً.
وشملت الاتفاقيتان توقيع مذكرة تفاهم لتطوير محطة طاقة شمسية عائمة عند سد «جاتيجيدي» في مقاطعة جاوة الغربية، وذلك بعد نجاح «مصدر» في تقديم أدنى سعر تكلفة ضمن برنامج المناقصات لمشروع «هياجونيسيا 2023». ومن المقرر بدء عمليات تطوير المحطة خلال العام الجاري، على أن يستكمل المشروع في 2027.
كما وقعت «مصدر» و«بي إل إن» أيضاً «اتفاقية مبادئ» لبحث إمكانية توسعة محطة شيراتا للطاقة الشمسية العائمة البالغة قدرتها 145 ميجاواط حيث تم تشغيل المرحلة الأولى من المشروع في شهر نوفمبر من عام 2023.
وقّع الاتفاقيتين كل من محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة «مصدر»، والدكتور دارماوان براسودجو، الرئيس التنفيذي لشركة «بي تي بي إل إن» (بيرسيرو).
وتأتي الاتفاقيتان في إطار مواصلة وتعزيز علاقات الشراكة والتعاون بين دولة الإمارات وجمهورية إندونيسيا، ومن شأنها الإسهام في دعم تحقيق هدف إندونيسيا بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2050.
وقال محمد جميل الرمحي: سيشكل تطوير مشروع محطة «جاتيجيدي» والمرحلة الثانية من محطة شيراتا الرائدة عالمياً، إضافة مهمة إلى شراكتنا مع «بي إل إن» والمشاريع التي نقوم بتطويرها، فضلاً عن الإسهام في تعزيز خبراتنا في مجال مشاريع الطاقة الشمسية العائمة، وتعكس هاتان الاتفاقيتان التزامنا المتواصل بدعم أهداف إندونيسيا الطموحة في قطاع الطاقة المتجددة، ونتطلع إلى مواصلة العمل والتعاون مع «بي إل إن» لاستكشاف المزيد من الفرص لتطوير مشاريع طاقة متجددة تدعم مسيرة التنمية المستدامة في البلاد.
من جهته، قال الدكتور دارماوان براسودجو: تلتزم «بي إل إن» بقيادة عملية التحول في قطاع الطاقة بإندونيسيا، وتسهم هذه الشراكات في دعم الجهود العالمية اللازمة لمواجهة تحديات تغير المناخ، ومن شأن توسيع قدراتنا في مجال الطاقة المتجددة، أن يقلل من اعتمادنا على استخدام الوقود الأحفوري، وتعزيز استقلالية قطاع الطاقة، بالتوازي مع دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
وبدأت «مصدر» بتشغيل محطة «شيراتا» المبتكرة في عام 2023، حيث تُسهم المحطة حالياً في تزويد 50 ألف منزل بالكهرباء، وتفادي انبعاث 214 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وفي أعقاب القوانين الصادرة مؤخراً والتي تسمح بزيادة نسبة المسطحات المائية المخصصة لاستخدامات الطاقة المتجددة، وقّعت «مصدر» و«بي إل إن» اتفاقية في عام 2023 للعمل على زيادة القدرة الإنتاجية لمحطة «شيراتا». وتأتي هذه الاتفاقية الأخيرة عقب الانتهاء بنجاح من دراسات الجدوى الخاصة بمشروع التوسعة.
واستطاعت شركة «مصدر» تحقيق زيادة كبيرة في إجمالي القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها بنسبة بلغت 150% لترتفع من 20 جيجاواط في عام 2022 إلى 51 جيجاواط مع نهاية عام 2024.
وتطور «مصدر» مشاريع ولديها شراكات استثمارية في أكثر من 40 دولة حول العالم، مع تطلعات لتعزيز القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها في قطاع الطاقة المتجددة لتصل إلى 100 جيجاواط بحلول عام 2030، وأن تصبح منتجاً رائداً للهيدروجين الأخضر بحلول العام نفسه.