عيد الأم.. كم قاسٍ أنت على من فقدها
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يمضي العام تلو العام وتهل الأعياد والمناسبات، فتمر على القلوب كأنها أنسام لطيفة أو أعاصير هادرة، كلٌّ وفق ما يشعر به إزاء هذه الأيام. لكنها بالنسبة لي ليست سوى جراح تتجدد وذكريات تنبعث من أقبية النسيان، فتغمر روحي بالحزن. ويأتي يوم عيد الأم... ليعيدني إلى تلك البقعة الزمنية التي انطفأ فيها ضوء أمي، إلى ذلك اليوم الذي تلاشت فيه يداها الحانيتان من حياتي، إلى ذلك الوجع الساكن في الأعماق منذ أن كنت طفلًا لم يتجاوز عمره الحادية عشرة.
كم هو قاسٍ أن تحاول تلمس ملامح وجه من تحب فلا تجد إلا صورًا باهتة شاحبة مرسومة في ثنايا الذاكرة المرهقة. كم هو موجع أن تفتش عن صوتها بين ضجيج الأيام، فلا تجد إلا صدى متلاشيًا في غياهب الماضي. كم هو مرير أن تبحث عن حنانها في عيون الآخرين، فلا تجد إلا لمحات عابرة وسحابات لا تمطر دفئًا ولا تروي ظمأ قلبك الجاف منذ رحيلها.
21 مارس هو عيد الأم، اليوم الذي يترقبه الجميع ليغدقوا أمهاتهم حبًا وعرفانًا، ويغمرونهن بفيض المشاعر والهدايا، لكنه بالنسبة لي لا يحمل إلا طعمًا مرًّا، طعمًا يملأ الفم بمرارته ويحتل القلب بثقله، كأنني طفل صغير يبحث عن يدٍ تحتضنه، فلا يجد سوى فراغ موحش، كأنني أمد يدي إلى طيف غائب، فلا أقبض إلا على الهواء.
أي قلب يحتمل هذا الفقد؟ وأي روح تتعايش مع هذه الفجوة المهولة التي لا يسدها شيء؟ وأي عقل يقنع نفسه أن يمضي في الحياة بلا جذور، بلا ذلك الحضن الذي كان يومًا مأوى وأمانًا وسكينة؟ لقد رحلت أمي، ورحل معها عالمي كله. لم أعشها في شبابها، ولم أرها في شيخوختها، لم أتشارك معها الأفراح، ولم أسندها في الأتراح، لم أخبرها بأحلامي، ولم أسمع منها وصاياها، لم أملأ كفي بيديها المرتعشتين في شيخوختها، ولم ألمح في عينيها الرضا حين كبرت.
أتساءل أحيانًا: كيف سيكون شكلي الآن لو كانت أمي معي؟ هل كانت ستفرح بنجاحي وتفتخر بإنجازاتي؟ هل كانت ستحتضنني في أوقات ضعفي وتخبرني أن كل شيء سيمضي؟ هل كانت ستشعر بي حين أكون حزينًا دون أن أخبرها؟ هل كانت ستظل تلك المرأة الحنون التي أذكرها، أم كانت الحياة ستغيرها كما غيرتنا جميعًا؟
أقدر أولئك الذين ما زالوا يملكون أمهاتهم، أقدرهم لأن لديهم حضنًا يأوون إليه حين تضيق بهم الدنيا، لأن لديهم عينًا ترقبهم وتدعو لهم، لأن لديهم من يربّت على أكتافهم في لحظات الانكسار. يا من تملكون أمهاتكم، لا تفرطوا في هذه النعمة، لا تتركوهن للعمر يأكلهن ولا للأيام تنال منهن، لا تؤجلوا عبارات الحب والعرفان، فغدًا قد يأتي ولا يجد من يسمعه.
أما أنا، فلا عيد لي، ولا هدية أشتريها، ولا قبلة أطبعها على جبين دافئ. أنا فقط أضع يدي على صدري، حيث تسكن أمي، وأغمض عيني لأعيش في لحظة من الخيال تجمعني بها، هناك في ذاكرة لم يلتهمها النسيان بعد، هناك حيث لا تزال تبتسم لي كما كانت، هناك حيث لا تزال يداها تمسحان على رأسي، ولا يزال قلبها يخفق لي بالحب.
أمي، لقد مرت أعوام طوال على رحيلك، وها أنا في الخامسة والأربعين من عمري، وما زلت أشعر كأنني ذلك الطفل الصغير الذي فقدك، وما زلت أعيش كأنني مشطور مبتور، فقد فقدت منك الحياة كلها، وأعيش على ذكراك التي لم تسعفني الحياة بالكثير منها. اليوم هو عيد الأم، وأنت لم تعودي هنا، لكنه سيظل دومًا محفورًا في قلبي يومًا للفقد والحنين، يومًا للدموع التي لا تجف، يومًا أشعر فيه أنني في حاجة إلى حضنك أكثر من أي وقت مضى.
أحبك أمي أينما كنتِ، وأشتاقكِ في كل حين. عيدك في قلبي لا ينتهي، لأنه يوم الحزن الذي لا ينقضي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عيد الام فقد الأم ذكريات الطفولة عید الأم هل کانت
إقرأ أيضاً:
أبو حفيظة كانت طريق للهروب.. أكرم حسني يكشف أسرارا عن حياته
أكد الفنان أكرم حسني، أنه يتعلق بالطفولة بشكل كبير وحنينه له، موضحًا أن لكل بيت رائحة مميزة تبقى محفورة في الذاكرة، خاصة في فصل الشتاء، وأجواء المنزل تحمل عبق، مشددًا على أن هناك طقس خاص كانت والدته تحرص عليه وهو تحضير البلح بالسمنة داخل العيش الفينو، وهي ذكريات لا تزال عالقة في ذهنه حتى اليوم.
أوضح أكرم حسني، خلال لقائه مع الإعلامية أسما إبراهيم ببرنامج "حبر سري"، المٌذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، أن التفكير بحسابات "الورقة والقلم" يجعله يرى أن الحاضر أفضل من الماضي، لأنه اليوم يحقق أحلامه ويعيش حياته كما كان يتمنى، لكنه رغم ذلك يشتاق لأشياء لا يمكن تعويضها بالمال، قائلًا: "مهما دفعت فلوس الدنيا، مش هتعوض وجود أبوك في البيت.. الحنية والدفا اللي كان بيوفره الأب حاجة مستحيل حد يعوضها."
وكشف عن ذكرياته في المدرسة، موضحًا أن إدارة المدرسة كانت تُصر على اصطحابه في الرحلات ليغني للطلاب، رغم أنه لم يكن يدرك وقتها أن صوته كان سيئًا جدًا، قائلًا: "كانت إدارة المدرسة بتعمل حاجة غريبة، أنا صوتي كان وحش جدًا"، موضحًا أن أول شريط "كاسيت" اشتراه كان للمطرب إيمان البحر درويش، وكان يحفظ جميع أغانيه ويرددها في المدرسة والنادي والمنزل، مما جعل المدرسين يعتقدون أنه موهوب في الغناء، موضحًا أن رغم كل النجاحات التي حققها، ستظل ذكريات الطفولة هي الأغلى والأكثر دفئًا، متمنيًا أن يتمكن من نقل نفس الأجواء لأبنائه.
“مهما دفعت فلوس الدنيا، مش هتعوض وجود أبوك في البيت.. الحنية والدفا اللي كان بيوفره الأب حاجة مستحيل حد يعوضها”