روايات صادمة.. عربي21 ترصد معاناة الأسرى الأطفال داخل المعتقلات المصرية
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
تسيطر حالة من الحزن والألم على آلاف الأسر المصرية، بفعل استمرار تغييب أبنائها من الأطفال خلف القضبان، لا لجرم ارتكبوه سوى أنهم مصنفين كأبناء معارضين للنظام.
ويتجدد ألم الفقد لدى أسر مصرية مكلومة ومفجوعة بتغييب أبنائها من الأطفال خلف القضبان، خصوصا في هذا الوقت الذي تميزه التجمعات العائلية بالشهر الفضيل.
ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في الثالث من حزيران / يوليو 2023 على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، جُرّد آلاف الأطفال من طفولتهم، وتحولوا إمام إلى سجناء مذنبين بتهم واهية لا سند لها، أو مشردين في بلاد المهجر، ليخوضوا معاناة جديدة عنوانها التيه والضياع.
لقد هؤلاء الأطفال سواء من هو داخل السجون أو من فر وهرب خارج البلاد حقوقهم في التعليم وأصبحوا يواجهون مصير ومستقبل غامض، وسط تحديات وتعنت إدارات السجون المصرية لاستكمال تعليمهم أو تحديات الغربة وصعوبات استكمال حياتهم في الخارج بمفردهم، في وقت يعيش من في أبناء سنهم حياة مختلفة مليئة بالطموح والمال بمستقبل مشرق وأفضل.
وبحسب منظمات حقوقية يعاني الأطفال في معتقلات النظام المصري انتهاكات عديدة كقرائنهم من المعتقلين السياسيين، فمنهم من عذّب وحرم من العلاج والزيارات بالإضافة لحرمانهم من التعليم.
اعترافات وهمية
ويروي المعتقل السابق محمد سعيد في لقاءه مع "عربي21" أنه تم اعتقال أكثر من مرة أولها عندما اقتحم منزله من قوات الأمن في عام 2014 في سن 17 عام، وتم اعتقاله ووضعه مع السجناء الجنائيين.
وأضاف سعيد أنه أجبر على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، وكان مجبرا تحت الضغط أن يروي تفاصيل اعترافه حتى لو بشكل وهمي.
وأخبر سعيد أن أحد الأطفال الذين قابلهم في زنزانته، اضطر تحت الضغط والتعذيب للاعتراف بتهمة قتل الضابط الذي يحقق معه.
قال سعيد في حديثه، إنه وبعد سنوات الاعتقال خرج ليلقي نفسه مطاردا، ومعرضا للاعتقال من جديد وتحولت حياته من مجرد طفل يستكمل تعليمه وحياته، لمتهم تطارده قوات أمن النظام، ما أجبره للمجازفة والخروج بشكل غير شرعي عبر الحدود إلى السودان.
محمد قرر أن يواجه مصيره إما الموت أو النجاة من السجان، ليهرب عبر الحدود بمفرده، وليواجه مصيرا مجهولا، ولا يعلم ما ينتظره.
ولكن بعد سنوات من المعاناة في الغربة أصبح محمد أفضل حظا من رفقاءه بعد أن نجح في استكمال تعليمية من إحدى الجامعات الكورية الجنوبية والحصول على اللجوء السياسي.
وعلى عكس محمد سعيد الذي قاده القدر لتحقيق بعض النجاحات ليعوض سنوات المعاناة، اصطدم الشاب المعتقل السابق أحمد على بأوضاع أكثر صعوبة، ليظل حتى هذه اللحظات دون تعليم أو استقرار في حياته.
"كسرة نفس"
كشف أحمد خلال لقاءه مع "عربي21" عن معاناته بداية من اعتقاله وتعامل قوات الأمن معه كطفل لا يتعدى الـ 13 عام، كان كل ذنبه أنه ولد وفتحت عيناه على مشاهد ميدان التحرير خلال ثورة يناير حين اصطحبته والدته معها هناك، ليجد نفسه بشكل تلقائي يرفض الانقلاب العسكري بكل مظاهره من ظلم وقتل واعتقال.
أحمد لم يكن يعلم أنه سيدفع ضريبة تعلقه بالحرية من حريته هو ليجد نفسه مقبوض عليه من رجال الشرطة في محاولات لكسر إرادته، بالإهانة والضرب والتعذيب والسباب، في "زنزانة" ملئت بالمياه حتى لا يستطيع النوم أو الجلوس، وجدران تشبعت بالرطوبة فلا يستطع حتى "سند ظهره" عليها.
ذكر أحمد أنه بعد الخروج من المعتقل تاركا خلفه رفقاء مازالوا رهن الاعتقال حتى تلك اللحظات، قرر أن يواجه مصيره هو الأخر في غربة لا يعلم بدايتها من نهايتها.
خطط أحمد في البداية للخروج من مصر كونه لا يستطيع العيش في البلد بعد أن فقد مستقبله وسط مطاردات واعتقال وقتل فقرر الرحيل والسفر إلى المجهول، ليصطدم بواقع لم في حسبانه.
انخرط أحمد منذ الساعات الأولي في غربته في عمل شاق لمحاولة تدبير قوت يوميه، كما واجه العديد من التحديات التي عاقت تقنين أوضاعه في بلاد المهجر رفقة شقيقه، الأمر الذي يعرضهم للاحتجاز والترحيل ومواجهة المصير المحتوم الذي هرب منه في مصر.
انحرافات فكرية
ولا تقف معاناة الأطفال في سجون النظام أو أولئك المهجرين خارج البلاد، عند هذا الحد فقط، بل إن مخاطر ومعاناة كبيرة تواجههم أيضا، فقد تحدث الإعلامي المصري مسعد البربري عن معاناة الأطفال داخل السجون، فالطفل الذي يتم اعتقاله، يجد نفسه مع مرور السنين قد تخطى سن الـ18، وبحسب القانون لابد أن ينقل إلى سجن مع كبار السن والجنائيين، وهنا يصطدم بمعاناة جديدة أكبر من سنّه ومن إدراكه.
ويروي البربري وهو شاهد عيان عاش هذه التجربة، أن الحياة في السجون مختلفة قائلا "في السجون فيه ما يُسمى بـ"غرف الإيراد" وأي سجين جديد بيجي إلى السجن يدخل إلى زنازين الإيراد وفي الغالب لا يتم الفصل فيها ما بين السجين السياسي والسجين الجنائي، وبالتالي طفل صغير 18 سنة وأيام معدودة يجد نفسه بغرفة مليئة بالمساجين ما بين معتقلين سياسيين ومساجين جنائيين بغرفة يزيد عدد الأفراد فيها عن 45 فرد أو 50 وممكن تصل إلى 60 فرد أحيانا".
وتساءل الإعلامي المصري قائلا "تخيّل أنت طفل صغير بهذا السن يتعامل مع 60 شخص حوله بعضهم يفتقد أدنى الشعور بأنه إنسان بسبب طول فترة حبسه كمعتقل جنائي، منهم من يتناول المخدرات والسجائر وكذلك متهم بجرائم قتل وسرقة وسطو مسلح وغيرها.
وتابع البربري أن الطفل يجد نفسه أمام منظومة من انتهاك القيم والثوابت اللي تربى عليها في بيته خصوصا عندما يكون الطفل جاء على خلفية اعتقال سياسي أو قادم من بيئة وبيت مختلف تماما عما يجده في السجن فكريا وماديا".
وأشار البريري إلى أن "الأطفال عند دخولهم السجون يحرمون من حياتهم التعليمية خارج السجن ودروس خصوصية وكتب وملخصات وغرف مجهزة للمذاكرة بشكل مستقل وأم تخدّم عليه طوال الوقت ويجد نفسه بزنزانة فيها 27 أو 28 شخص معتقل ولا ينطفئ فيها النور لا ليلا ولا نهارا، وكل سجين بطباع وبتصرفات مختلفة في ظل أنه مطلوب منه أن يذاكر ويجتهد وينجح مع عدم توفير الكتب وأدوات الدراسة من الأساس".
وتذكر البربري إحدى الحالات من هؤلاء الأطفال في سجن 440 وادي النطرون أنه ظل لفترة طويلة من الوقت حتى يتمكنوا في الزنزانة من تدريبه على التأقلم مع حياة السجن ودخول الحمام أثناء اليوم الطبيعي، مؤكد أن الطفل كان لا يستطيع دخول الحمام الذي هو عبارة عن مكان ضيق وبابه عبارة عن ستارة، وبالتالي كان لا يقضي حاجته ولا يدخل الحمام للاستحمام أو غيره إلا في وقت التريّض.
وأكد الإعلامي المصري أنهم داخل السجن وجدوا صعوبة كبيرة للحفاظ على اتزان الأطفال فكريا ومجتمعيا فمنهم من كان يتأثر بأفكار الجنائيين ويتعلم منهم ويبدأ يتطبع بطباعهم ومنهم من يتجه نحو الاتجاهات الفكرية الأخرى والمتطرفة.
معاناة الأهالي " نفسنا نقضي رمضان مع بعض"
المعاناة لم تقتصر على الأطفال داخل السجون بل تشارك فيها الأهالي التي أرقها القلق على أبنائهم دون معرفة أين هم وماذا يفعلون وكيف سيخرجون من سجنهم بعد سنوات من التعامل مع الجنائيين.
ومن جانبها روت إيناس إسماعيل والدة أحد الأطفال المعتقلين معاناتها خلال لقائها مع "عربي21" حيث أكدت أنها كانت فترة عصيبة لا تعلم شيء عن أبنها كيف يعيش وكيف ينام بعد خروجه وأصبحت المطاردات كابوس جديدة يطاره الأسرة بأكملها.
وأضاف إسماعيل أنها بعد المطاردات والخطورة التي وجدتها على حياة ابنها اضطرت للرضوخ لفكرة السفر والغربة، وأن يتحمل الطفل مصيرة بنفسه وأصبح كل ألمها الآن انها تتجمع معه على إفطار رمضان أو يجمعهما فرحة عيد.
"اختفاء قسري منذ 5 سنوات"
في السياق ذاته قال محمد صلاح شقيق أحد المعتقلين أنه أسرته تعاني منذ سنوات حيث اعتقل شقيقه مريتن الأولي كانت في دار الأحداث تعرض خلالها للانتهاكات والتعذيب والضرب التحرش الجنسي واللفظي من ضباط دار رعاية الأحداث.
ولكن بعد خروجه وبدء تركيزه على مستقبلة فوجئت الأسرة باعتقاله من جديد واخفاءه قسرا منذ أكثر من 5 سنوات ولا تعلم عنه شيء.
صلاح أكد أن والدته تعاني من فراق شقيقه وتكاد تموت في اليوم ألف مرة لعدم معرفة مصير نجلها، خاصة أنه ليس لديها القدرة للاطمئنان عليه، وأصبح كل ما تتمناه الأسرة أن تعرف مصيره هل هو حي أم توفي.
وأضاف صلاح أن الأسرة كانت تعاني في فترة الاعتقال الأولي بداية من تجهيز الزيارات وتكلفتها المادية لمشقة الذهاب إلى مقر الاعتقال والسفر لساعات وفى النهاية تتعرض للمعاملة غير آدمية من الضباط الصف اثناء الزيارة وسرقة محتويات الزيارة وغيرها من الانتهاكات.
انتهاكات لم تحدث من قبل
من جانبه أكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في لقاء خاص مع "عربي21" أن النظام المصري يعتقل أكبر ما4000 طفل قاصر منذ الانقلاب العسكري، فقدوا حقوقهم في التعليم والقضاء العادل الذي حاكمهم أمام محاكم جنائية.
وأضاف مدير مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان أنه لم يتم رصد استهداف الأطفال في العقود السابقة كالعهد الناصري ولا في عهد السادات، حتى في ظل انتهاكات حكم مبارك خلال 30 سنة، لم يتم التعرض وانتهاك حقوق الأطفال ولم يكن هناك استهداف ممنهج وواسع النطاق للأطفال.
وتابع بيومي القول أن المشكلة في مصر ليست في القانون كون مصر دولة لديها قانون منذ الأزل إنما المشكلة بالإدارة السياسية التي توقف تطبيق القانون لان هناك العديد من الضوابط منها:
الأول: عدم جواز حبس الطفل مع البالغين
الثاني: عدم جواز سؤال الطفل أو استجوابه إلا أمام نيابة خاصة به
تسمى "نيابة الأحداث" وعدم جواز محاكمة الطفل إلا أمام محكمة خاصة به
تسمى "محكمة الأحداث"
الثالث عدم جواز احتجاز الطفل إلا بأماكن مخصصة له اللي هي "مؤسسة الرعاية"
وأكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان ما يقرب من 4000 طفل تم استهدافهم بمجموعة من انتهاكات عديدة، بداية من القبض والإخفاء القسري والاحتجاز في أماكن غير آدمية، والاحتجاز مع بالغين والمنع من حضور الامتحانات، والمنع من تمكينهم من تحصيل الدروس ثم بعد ذلك يعني إحالة البعض منهم إلى محاكم واستصدار أحكام من دوائر جنائية غير مختصة استثنائية كل هذا يجعل ملف الأطفال في مصر من ضمن الملفات سيئة السمعة.
وأضاف بيومي أن المادة 119 من قانون الطفل رقم 126 سنة 2008 تحدثت عن عدم جواز حبس الأطفال مع البالغين وهذه ضمانة غير طبيعية حتى لا يتأثر الطفل بمجالسة بعض البالغين خاصة أن أغلبهم يكون قد ارتكب جرائم معينة مخدرات أو سطو مسلّح أو سرقة بالإكراه هذه الأمور تؤثر سلبا على الطفل قائلا "إذا كنا نتكلم عن الحجز مع البالغين والضرب التعسفي فالناس اتضربت! اتسحلت! ضرب غير طبيعي"
وعلى جانب أخر قال بيومي أن هناك ملف أخر لا يقل أهمية هو "الإهمال الطبي" مستشهدا بحالة الطفل المعتقل الراحل "مهند إيهاب" الذي تم القبض عليه بشهر أيار / مايو من 2015 وتفاجئ الجميع تغيرات على صحته وبدأت بالتدهور وأصيب الولد عنده سرطان ورفض السلطات السماع لمنظمات حقوق الإنسان التي طالب بخروج الطفل الذي بالفعل توفي بعد خروجه بشهر عام 2016
اعتقال البنات
وعلى جانب آخر قالت المتحدثة عن قسم المرأة المصرية بمؤسسة حواء الدولية آيات الخزرجي، أن الأمر لم يكن مرتبط الأطفال الذكور فقط، بال تعرضت البنات للضرب وللمعاملة قاسية وتكبيل الأيدي وكل هذا أمام المارّة في الشارع
وأضاف الخزرجي أن البنات دخلوا المعتقلات محملين أحلام الجامعة الزواج وتكوين الأسرة ولكنهن فقدوا ذلك وحرموا من الأبوين ومنهم من اختفي قسرا في ظروف احتجاز لا يعلمها أحد حتى الان.
الملف المصري في الأمم المتحدة
ومؤخرا أكد الاستعراض الدوري للجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة حول الملف المصري، أن النظام المصري أخفق في الالتزام بالعديد من بنود اتفاقية حقوق الطفل، وأن الطفولة في مصر يُعصف بها في ظل انتهاكات متوالية تطال حرية الأطفال وتحرمهم من الحرية، وتعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة أثناء الاحتجاز.
وتبنت لجنة حقوق الطفل في توصياتها العديد من النقاط التي استمدتها المؤسسة من واقع الرصد الذي قامت به فرقها المختلفة، والدراسات التي قام بها فريق البحوث الخاص بها.
كما أعربت اللجنة عن قلقها البالغ إزاء وجود ادعاءات عن أطفال حُكم عليهم بالإعدام في سياق محاكمات جماعية كمتهمين مع بالغين بموجب المادة 122 من قانون الطفل، بالإضافة إلى عدد أحكام الإعدام الصادرة عن أشخاص كانوا أطفالا وقت وقوع الجرائم المزعومة، واحتجازهم لفترات طويلة أثناء نظر الاستئناف في قضاياهم.
وحثت اللجنة الأممية النظام المصري على تطبيق الحظر الصارم لعقوبة الإعدام على جميع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، على النحو المنصوص عليه في المادة 111 من قانون الطفل.
ودعت لضمان حصول الأطفال المتهمين على آلية يتم بها تحديد أعمارهم بشكل حقيقي وفعال وقت وقوع الجريمة المزعومة، وضمان تطبيق افتراض الأقلية العمرية على جميع الأشخاص إذا كانت هناك شكوك حول أعمارهم.
ودعت اللجنة النظام المصري إلى مراجعة جميع أحكام الإعدام التي صدرت للتأكد من عدم إصدارها بحق أطفال تحت عمر الـ 18 عامًا.
ويعد حصر معاناة المعتقلين في جمل مختصرة قد تبدو وكأنها محاولة يائسة فالقصص وراء أبواب الزنازين والعنابر تتفاوت فيها أعمار الأطفال والقُصّر
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصرية المعتقلات مصر المعتقلات اعتقال الأطفال رمضان 2025 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام المصری حقوق الإنسان الأطفال فی عدم جواز فی مصر
إقرأ أيضاً:
إدمان الأجهزة لدى الأطفال.. 7 علامات تحذيرية وحلول فعالة
في عصر التكنولوجيا، أصبحت الأجهزة الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تسهّل التعلم، وتوفر الترفيه، وتربط العالم ببعضه. لكن عندما يتحول استخدامها من مجرد أداة تعليمية أو ترفيهية إلى هوس يسيطر على حياة الطفل ويؤثر على صحته الجسدية والنفسية، يصبح الأمر مثيرًا للقلق، فكيف يمكن للوالدين معرفة ما إذا كان طفلهم يعاني من إدمان الأجهزة الإلكترونية؟
وبحسب المستشار والباحث في المهارات أنس محمد الجعوان، هناك عدة مؤشرات واضحة قد تنذر بأن استخدام الطفل للأجهزة الذكية قد تحول إلى إدمان، وأولى هذه العلامات هي الانشغال الدائم بالأجهزة، حيث يمضي الطفل معظم وقته أمام الهاتف أو الجهاز اللوحي، حتى أثناء الوجبات العائلية أو قبل النوم، مما قد يعكس تعلقًا غير صحي بها. يرافق ذلك نوبات من الغضب أو الانفعال الشديد عند منعه من استخدامها، حيث يصبح الطفل عصبيًا أو حتى عدوانيًا عند تقليل وقت الشاشة، مما يشير إلى فقدانه السيطرة على سلوكه عند الحرمان منها.
كما يظهر إهمال واضح للأنشطة الأخرى، إذ يصبح الطفل غير مهتم باللعب في الخارج أو ممارسة هواياته المفضلة أو حتى التفاعل مع أفراد العائلة، ومع مرور الوقت، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الأداء الدراسي، حيث يبدأ الطفل بفقدان التركيز في دراسته، وتتراجع درجاته، ويهمل واجباته المدرسية بسبب انشغاله المستمر بالأجهزة الإلكترونية.
ومن العلامات التي لا يمكن تجاهلها اضطرابات النوم، إذ يفضل بعض الأطفال السهر لوقت متأخر بسبب استخدام الأجهزة، مما يؤدي إلى صعوبة في النوم نتيجة التعرض المستمر للشاشات وتأثيرها على الدماغ، ويزداد الأمر سوءًا إذا كان الطفل يستخدم الأجهزة للهروب من الواقع، فيجد فيها ملاذًا لتجنب المشكلات العائلية أو الاجتماعية، أو للتخفيف من مشاعر القلق والتوتر بدلاً من مواجهتها وحلها.
ومن المؤشرات التي تدل على وعي داخلي لدى الطفل بأن استخدامه للأجهزة مفرط، الكذب بشأن وقت الشاشة، حيث يبدأ بإخفاء مدة استخدامه للأجهزة أو خداع والديه بشأن الوقت الذي يقضيه عليها، لكنه غير قادر على التوقف بمفرده.
كيف يمكن للوالدين التعامل مع هذه المشكلة؟
لحل هذه المشكلة، من المهم أن يضع الآباء قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة، مثل تحديد أوقات معينة لاستخدامها ومنعها أثناء الوجبات أو قبل النوم، كما يجب تقديم بدائل ممتعة للطفل، مثل تشجيعه على ممارسة الرياضة، أو القراءة، أو اللعب مع الأصدقاء لتعويض الوقت الذي كان يقضيه أمام الشاشة.
ومن العوامل المهمة في الحد من الإدمان، أن يكون الآباء قدوة حسنة، فإذا كان الوالدان مدمنين على أجهزتهم، فمن الصعب إقناع الطفل بالتقليل من استخدامها؛ لذا، يجب تقليل استخدام الأجهزة أمام الأطفال لتعزيز السلوك الإيجابي لديهم.
كذلك، يمكن استخدام تطبيقات المراقبة الأبوية، لكن دون اللجوء إلى الأسلوب السلطوي الصارم، لأن ذلك قد يدفع الطفل للتمسك بالأجهزة أكثر بدلاً من التقليل منها، وفي الحالات الشديدة، قد يكون من الضروري استشارة مختص في علم النفس أو التربية، إذا كان الإدمان يؤثر بشكل كبير على حياة الطفل وسلوكه.
التكنولوجيا ليست العدو.. لكن التوازن هو الحل!
في النهاية، لا يمكن اعتبار الأجهزة الإلكترونية مشكلة بحد ذاتها، بل أن الإفراط في استخدامها هو ما يؤدي إلى آثار سلبية على صحة الطفل النفسية والجسدية، ومن خلال الملاحظة الدقيقة والتدخل المبكر، يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم على تحقيق توازن صحي بين التكنولوجيا والحياة الواقعية، مما يضمن لهم نمواً سليماً في بيئة متوازنة تجمع بين التعليم والترفيه والتفاعل الاجتماعي.
جريدة الرياض
إنضم لقناة النيلين على واتساب