كييف- مفارقة لافتة أن يتزامن ذكرى استقلال أوكرانيا الـ31 اليوم الخميس مع مرور سنة ونصف بالتمام على بداية حرب روسية واسعة النطاق على البلاد.

لكن المفارقة الأكبر تكمن في نظرة الأوكرانيين اليوم إلى هذه المناسبة التي يغيب عنها ألَقُ الماضي، وتحل مكانه معانٍ جديدة لاستقلال آخر منشود في المستقبل.

دبابة روسية محترقة في استعراض ساخر تنظمه سلطات كييف في ذكرى الاستقلال (الجزيرة نت) "استعراض روسي" في كييف

للسنة الثانية على التوالي، تؤجل أو تُلغى احتفالات وفعاليات ذكرى الاستقلال، إلا ما دل منها على الحرب في صالح أوكرانيا، وأبرزها استعراض عسكري تنظمه السلطات في شارع خريشاتك الشهير، المؤدي إلى ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف، ويشمل الآليات العسكرية الروسية المدمرة والمحترقة.

ويحمل الاستعراض رسالة ساخرة، فهو بديل استعراض مهيب أرادت سلطات روسيا تنظيمه بعد سيطرة سريعة على العاصمة، إضافة إلى كونه مؤشر قدرة على "مقاومة العدوان، والنصر الأكيد".

وقريبا من الدبابات والمدرعات في المكان يتجول أنتون القادم إلى كييف نازحا عن مقاطعة زاباروجيا، ويقول للجزيرة نت "مجرد الحديث عن ضخامة وقوة هذه الآليات الروسية وغيرها كان مخيفا قبل بداية الحرب، ولكنني أؤمن اليوم أن إرادة النصر لدينا أعظم وأقوى، وأننا -الأوكرانيين-، بدعم الشركاء، أظهرنا حقيقة روسيا للعالم، وقهرنا أسطورة قوتها العسكرية، وقادرون فعلا على هزيمتها".


"استقلال حقيقي"

وفي السياق ذاته، يكثر الحديث وسط الأوكرانيين عن "عيد جديد" لم يحدد تاريخه بعد، ويكون بإعلان نصر قد يكون بعيدا، لكنهم يرون فيه أساسا لاستقلال حقيقي يُحتفى به.

تقول الشابة ألونا للجزيرة نت "قال زيلينسكي إن مناسبة النصر ستكون عيدا رسميا ويوم عطلة. لا أعرف متى سيكون ذلك، لكنني بالفعل أشعر أنه سيكون يوم بهجة وسعادة أكبر من نظيراتها في أعياد الميلاد ورأس السنة".

وتابعت "كثيرا ما نقول ونسمع عند الحديث عن المستقبل جملة (بعد النصر سنفعل كذا وكذا). إنه عيد تنتظره جميع فئات الأوكرانيين، وسيقدر عظمته العالم كله"، على حد قولها.

وحول المشاعر في ذكرى الاستقلال قالت "في حقيقة الأمر، بوجود روسيا نحن لم نستقلّ يوما بعد الانفصال عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، وكان محكوما علينا بالتبعية أو الولاء أو التهديد. أحمد الله أن قيادة البلاد السياسية والعسكرية تدرك ذلك، وتؤكد دوما أننا لا نحتاج نصرا جزئيا أو تجميدا للحرب، بل نصرا يصنع استقلالا حقيقيا، ويحرر جيلنا والأجيال القادمة من أي تهديد جديد".

خسائر بشرية ومادية ضخمة تكبدتها كل من أوكرانيا وروسيا منذ بدء الحرب (رويترز) خسائر بالأرواح

ورغم هذا التفاؤل، والروح الوطنية العالية التي تعبق بالمكان وتملأ جنباته، تشير "أرض الأعلام" المزروعة في ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف، إلى أعداد القتلى في صفوف القوات الأوكرانية المختلفة، وإلى جانب من الخسائر التي لحقت بأوكرانيا حتى اليوم.

ولا تعلن أوكرانيا وروسيا حجم الخسائر في صفوف قواتهما، ولكن تقريرا لصحيفة نيويورك تايمز، توقع أن خسائر كلا الجانبين تجاوزت نصف مليون مقاتل، من بينهم 70 ألف قتيل أوكراني، و120 ألف جريح. لكن هيئة أركان أوكرانيا تؤكد أن خسائر موسكو أضعاف مضاعفة، وتبلغ -حتى يومنا هذا- أكثر من 259 ألف قتيل.

أما فيما يتعلق بالخسائر في صفوف المدنيين، فأعدادهم التقريبية بحسب بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا، تتجاوز 9 آلاف قتيل، من بينهم أكثر من 500 طفل.

ووفقا لتقديرات أممية أيضا، يحتاج 12 مليون نازح إلى المساعدة والحماية داخل أوكرانيا، كما يحتاجها أكثر من 4 ملايين لاجئ أوكراني في البلدان المجاورة (من أصل نحو 8 ملايين لاجئ، 90% منهم نساء وأطفال)، أي ما يقارب نسبة 40% من إجمالي عدد السكان.

خسائر اقتصادية

وفيما يتعلق بخسائر الاقتصاد الأوكراني بعد عام ونصف من الحرب، فقد تجاوزت الخسائر المباشرة 150 مليار دولار، بحسب البنك الوطني، أي ما يعادل نحو ثلثي الناتج المحلي قبل الهجوم الروسي.

وتقارب خسائر البنية التحتية جراء القصف وحصار الموانئ 150 مليار دولار أيضا، بحسب بيانات "مدرسة كييف للاقتصاد".

وما تزال الحكومة الأوكرانية تتحدث عن خسارة البلاد أكثر من 750 مليار دولار بشكل عام، جراء ما سبق، وتوقف الكثير من المصانع والأعمال وعمليات الاستثمار، مع التأكيد على الحاجة إلى "خطة مارشال" (نموذج إعادة إعمار) لإعادة بناء أوكرانيا، والاستفادة في هذا الإطار من أصول روسيا في الخارج.


المراحل الأسوأ انتهت

وتبقى كل الأرقام السابقة مرشحة للزيادة مع استمرار الحرب، وغياب أفق يضع حدا لتداعياتها على جميع المجالات السابقة وغيرها.

لكن الخبير العسكري في "المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية" ميكولا بيليسكوف، يرى أن "الأسوأ بات خلف الظهور، والقادم في صالح أوكرانيا، رغم التعب".

ويشرح بيليسكوف رؤيته للجزيرة نت بالقول إن "أسابيع الحرب الأولى كانت أسابيع فشل العملية السريعة التي أرادتها روسيا. وكل الشهور التالية، رغم ما حملته من ضربات موجعة لكلا الجانبين، كانت نتائجها في صالح أوكرانيا من دعم مالي وعسكري وعمليات تحرير وتجاوز عقبة الشتاء".

وتابع "نحن الآن في مرحلة تقدم بطيء على الأرض قد يطول أمده، لكنه يعوض بفارق كبير صنعته أوكرانيا مؤخرا في مجال حرب المسيرات الجوية والمائية التي خلقت منعطفا في مسار العمليات العسكرية، وأربكت روسيا. وأعتقد أن المنعطف الأكبر سيكون عندما تدخل طائرات "إف 16″ لصالح أوكرانيا في الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

بكين ترفض مزاعم أوكرانيا بوجود صينيين يقاتلون إلى جانب روسيا

عواصم " وكالات": قال مسؤول صيني، اليوم الأربعاء، إن المزاعم الأوكرانية التي تفيد بوجود أعداد كبيرة من الصينيين الذين يقاتلون إلى جانب الجيش الروسي، "لا أساس له من الصحة تماما".

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أعلن أمس أن الجيش الأوكراني أسر رجلين صينيين يقاتلان إلى جانب الجيش الروسي في منطقة دونيتسك، الواقعة شرقي البلاد، وأن لديه معلومات تفيد بأن هناك "عددا أكبر منذلك بكثير" من الصينيين، يقاتلون إلى جانب القوات الروسية.

يشار إلى أن المرة هي الأولى التي تصدر فيها عن أوكرانيا مثل هذه المزاعم بشأن وجود مقاتلين صينيين على أراضيها، خلال الحرب الروسية الاوكرانية المستمرة منذ نحو ثلاثة أعوام.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية، لين جيان، في بكين إن الصين لعبت "دورا بناء من أجل الحل السياسي للأزمة الأوكرانية".

وعلى صعيد متصل، قال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا إن وزارته استدعت القائم بالأعمال الصيني للمطالبة بتوضيح، قائلا عبر منصة التواصل الاجتماعي، "إكس" إن "قتال مواطنين صينيين كجزء من الجيش الروسي في أوكرانيا يثير تساؤلات حول موقف الصين المعلن من أجل السلام ويقوض مصداقية بكين كعضو دائم مسؤول في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وفي السياق، ذكرت وزيرة الدفاع الليتوانية، دوفيلي شاكاليني، أنها ليست متفاجئة من ادعاء أوكرانيا بأنه تم أسر جنديين صينيين أثناء قتالهما إلى جانب القوات الروسية.

وقالت شاكاليني في فيلنيوس إن "مشاركة الصين الفعالة للغاية في دعم روسيا، ماليا وسياسيا وبطرق أخرى، يجب ألا تدع مجالا للشك حول دور الصين وأهدافها وفعالية هذا الفريق التابع لمحور الشر".

وأضافت شاكاليني أنه حال تأكيد هذه الواقعة، فإنها ستكون "مثالا توضيحيا" آخر على التعاون بين الكرملين وبكين.

من جهة اخرى، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن حوالي 13 مليون أوكراني بحاجة عاجلة إلى المساعدات الإنسانية في ظل استمرار النزوح ودمار الخدمات الأساسية.

وطالب المكتب الأممي ببذل المزيد لحماية المدنيين المعرضين للخطر حيث أجبرت الحرب الروسية الأوكرانية بنزوح ما يقارب من 3.7مليون شخص في الوقت الذي يعيش فيه 7 ملايين آخرون كلاجئين خارج أوكرانيا، مشددا على أن أطراف النزاع ملزمة بحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي. وكشفت الأمم المتحدة أنه على الرغم من تصاعد الاحتياجات، لم تحصل خطة الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في أوكرانيا، والبالغ حجمها 2.6 مليار دولار، سوى على نحو 17% من التمويل المطلوب. وأشارت إلى أن العاملين في المجال الإنساني ما زالوا غير قادرين على الوصول إلى نحو 1.5 مليون مدني في المناطق الواقعة تحت السيطرة الروسية في دونيتسك وخيرسون ولوهانسك وزابوريجيا.

وعلى الارض، قال مسؤولون روس إن أوكرانيا شنت هجوما كبيرا بطائرات مسيرة على روسيا خلال الليل مما عطل رحلات جوية في جنوب البلاد في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء وأجبر بعض السكان على إخلاء عشرات الشقق في منطقة روستوف.

وذكرت وزارة الدفاع الروسية عبر تطبيق تيليجرام أن وحدات الدفاع الجوي دمرت ليلا 158 طائرة مسيرة أوكرانية، من بينها 29 فوق منطقة روستوف بالجنوب.

ولم ترد تقارير على الفور عن وقوع إصابات، لكن القائم بأعمال حاكم المنطقة قال على تيليجرام إنه تم إجلاء سكان 48 شقة داخل مبنى بمدينة أكساي في روستوف بسبب التهديد الناجم عن احتمال انفجار طائرة مسيرة سقطت.

وأضافت الوزارة أنها دمرت 69 طائرة مسيرة فوق منطقة كراسنودار في شمال القوقاز الروسي و15 طائرة مسيرة فوق أوسيتيا الشمالية-ألانيا في نفس المنطقة بجنوب روسيا.

وتعلن الوزارة عن عدد الطائرات المسيرة التي دمرتها فقط، وليس عن عدد الطائرات التي أُطلقت.

وقالت هيئة مراقبة الطيران المدني الروسية "روسافياتسيا" إن العديد من المطارات في جنوب روسيا أُغلقت في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء لضمان سلامة الطيران.

ولم تعلق أوكرانيا بعد على الهجمات. ويؤكد الجانبان أن ضرباتهما تهدف إلى تدمير البنية التحتية الداعمة للمجهود الحربي بشكل عام.

ويقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمساع للتوسط لإنهاء الصراع. وكان قد تعهد في حملته الانتخابية قبل توليه المنصب في يناير بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة.

وقالت الولايات المتحدة في أواخر مارس إنها توصلت مع روسيا وأوكرانيا لاتفاقين لوقف إطلاق النار، أحدهما يحظر مهاجمة البنية التحتية للطاقة في البلدين.

مقالات مشابهة

  • الكرملين ينفي «ادعاءات كييف» بجر بكين إلى الصراع الأوكراني
  • روسيا تعلن تحقيق تقدم ميداني داخل أوكرانيا
  • روسيا: سنرد بقوة على اليابان في حال تزويد أوكرانيا بالأسلحة
  • كارلسون: الولايات المتحدة خسرت الحرب ضد روسيا ودمرت أوكرانيا
  • زيلينسكي: روسيا تجر الصين إلى حربها في أوكرانيا
  • بكين ترفض مزاعم أوكرانيا بوجود صينيين يقاتلون إلى جانب روسيا
  • الصين تنفي وجود جنود لها يقاتلون مع روسيا ضد أوكرانيا والأخيرة تؤكد
  • في عام ونصف.. تقرير: الاحتلال دمر 25% فقط من أنفاق المقاومة في قطاع غزة
  • بعد الحديث عن أسر جنود صينيين يقاتلون ضد أوكرانيا... بكين تنفي اتهامات كييف وتؤكد "لا أساس لها"
  • زيلنسكي: أوكرانيا اعتقلت مواطنين صينيين يقاتلان لصالح روسيا