عام ونصف على حرب أوكرانيا.. تداعيات مخيفة ومعان جديدة للاستقلال
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
كييف- مفارقة لافتة أن يتزامن ذكرى استقلال أوكرانيا الـ31 اليوم الخميس مع مرور سنة ونصف بالتمام على بداية حرب روسية واسعة النطاق على البلاد.
لكن المفارقة الأكبر تكمن في نظرة الأوكرانيين اليوم إلى هذه المناسبة التي يغيب عنها ألَقُ الماضي، وتحل مكانه معانٍ جديدة لاستقلال آخر منشود في المستقبل.
للسنة الثانية على التوالي، تؤجل أو تُلغى احتفالات وفعاليات ذكرى الاستقلال، إلا ما دل منها على الحرب في صالح أوكرانيا، وأبرزها استعراض عسكري تنظمه السلطات في شارع خريشاتك الشهير، المؤدي إلى ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف، ويشمل الآليات العسكرية الروسية المدمرة والمحترقة.
ويحمل الاستعراض رسالة ساخرة، فهو بديل استعراض مهيب أرادت سلطات روسيا تنظيمه بعد سيطرة سريعة على العاصمة، إضافة إلى كونه مؤشر قدرة على "مقاومة العدوان، والنصر الأكيد".
وقريبا من الدبابات والمدرعات في المكان يتجول أنتون القادم إلى كييف نازحا عن مقاطعة زاباروجيا، ويقول للجزيرة نت "مجرد الحديث عن ضخامة وقوة هذه الآليات الروسية وغيرها كان مخيفا قبل بداية الحرب، ولكنني أؤمن اليوم أن إرادة النصر لدينا أعظم وأقوى، وأننا -الأوكرانيين-، بدعم الشركاء، أظهرنا حقيقة روسيا للعالم، وقهرنا أسطورة قوتها العسكرية، وقادرون فعلا على هزيمتها".
"استقلال حقيقي"
وفي السياق ذاته، يكثر الحديث وسط الأوكرانيين عن "عيد جديد" لم يحدد تاريخه بعد، ويكون بإعلان نصر قد يكون بعيدا، لكنهم يرون فيه أساسا لاستقلال حقيقي يُحتفى به.
تقول الشابة ألونا للجزيرة نت "قال زيلينسكي إن مناسبة النصر ستكون عيدا رسميا ويوم عطلة. لا أعرف متى سيكون ذلك، لكنني بالفعل أشعر أنه سيكون يوم بهجة وسعادة أكبر من نظيراتها في أعياد الميلاد ورأس السنة".
وتابعت "كثيرا ما نقول ونسمع عند الحديث عن المستقبل جملة (بعد النصر سنفعل كذا وكذا). إنه عيد تنتظره جميع فئات الأوكرانيين، وسيقدر عظمته العالم كله"، على حد قولها.
وحول المشاعر في ذكرى الاستقلال قالت "في حقيقة الأمر، بوجود روسيا نحن لم نستقلّ يوما بعد الانفصال عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، وكان محكوما علينا بالتبعية أو الولاء أو التهديد. أحمد الله أن قيادة البلاد السياسية والعسكرية تدرك ذلك، وتؤكد دوما أننا لا نحتاج نصرا جزئيا أو تجميدا للحرب، بل نصرا يصنع استقلالا حقيقيا، ويحرر جيلنا والأجيال القادمة من أي تهديد جديد".
ورغم هذا التفاؤل، والروح الوطنية العالية التي تعبق بالمكان وتملأ جنباته، تشير "أرض الأعلام" المزروعة في ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف، إلى أعداد القتلى في صفوف القوات الأوكرانية المختلفة، وإلى جانب من الخسائر التي لحقت بأوكرانيا حتى اليوم.
ولا تعلن أوكرانيا وروسيا حجم الخسائر في صفوف قواتهما، ولكن تقريرا لصحيفة نيويورك تايمز، توقع أن خسائر كلا الجانبين تجاوزت نصف مليون مقاتل، من بينهم 70 ألف قتيل أوكراني، و120 ألف جريح. لكن هيئة أركان أوكرانيا تؤكد أن خسائر موسكو أضعاف مضاعفة، وتبلغ -حتى يومنا هذا- أكثر من 259 ألف قتيل.
أما فيما يتعلق بالخسائر في صفوف المدنيين، فأعدادهم التقريبية بحسب بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان في أوكرانيا، تتجاوز 9 آلاف قتيل، من بينهم أكثر من 500 طفل.
ووفقا لتقديرات أممية أيضا، يحتاج 12 مليون نازح إلى المساعدة والحماية داخل أوكرانيا، كما يحتاجها أكثر من 4 ملايين لاجئ أوكراني في البلدان المجاورة (من أصل نحو 8 ملايين لاجئ، 90% منهم نساء وأطفال)، أي ما يقارب نسبة 40% من إجمالي عدد السكان.
خسائر اقتصاديةوفيما يتعلق بخسائر الاقتصاد الأوكراني بعد عام ونصف من الحرب، فقد تجاوزت الخسائر المباشرة 150 مليار دولار، بحسب البنك الوطني، أي ما يعادل نحو ثلثي الناتج المحلي قبل الهجوم الروسي.
وتقارب خسائر البنية التحتية جراء القصف وحصار الموانئ 150 مليار دولار أيضا، بحسب بيانات "مدرسة كييف للاقتصاد".
وما تزال الحكومة الأوكرانية تتحدث عن خسارة البلاد أكثر من 750 مليار دولار بشكل عام، جراء ما سبق، وتوقف الكثير من المصانع والأعمال وعمليات الاستثمار، مع التأكيد على الحاجة إلى "خطة مارشال" (نموذج إعادة إعمار) لإعادة بناء أوكرانيا، والاستفادة في هذا الإطار من أصول روسيا في الخارج.
المراحل الأسوأ انتهت
وتبقى كل الأرقام السابقة مرشحة للزيادة مع استمرار الحرب، وغياب أفق يضع حدا لتداعياتها على جميع المجالات السابقة وغيرها.
لكن الخبير العسكري في "المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية" ميكولا بيليسكوف، يرى أن "الأسوأ بات خلف الظهور، والقادم في صالح أوكرانيا، رغم التعب".
ويشرح بيليسكوف رؤيته للجزيرة نت بالقول إن "أسابيع الحرب الأولى كانت أسابيع فشل العملية السريعة التي أرادتها روسيا. وكل الشهور التالية، رغم ما حملته من ضربات موجعة لكلا الجانبين، كانت نتائجها في صالح أوكرانيا من دعم مالي وعسكري وعمليات تحرير وتجاوز عقبة الشتاء".
وتابع "نحن الآن في مرحلة تقدم بطيء على الأرض قد يطول أمده، لكنه يعوض بفارق كبير صنعته أوكرانيا مؤخرا في مجال حرب المسيرات الجوية والمائية التي خلقت منعطفا في مسار العمليات العسكرية، وأربكت روسيا. وأعتقد أن المنعطف الأكبر سيكون عندما تدخل طائرات "إف 16″ لصالح أوكرانيا في الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
روسيا ترفض أي وجود للناتو في أوكرانيا وترامب يسعى لجمع الراقصين
أكدت روسيا رفضها لأي وجود لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على الأراضي الأوكرانية، في حين أعلن قادة أوروبيون استعدادهم لإرسال قوات إلى أوكرانيا لردع أي عدوان إضافي بعد موافقة كييف على اقتراح أميركي بوقف إطلاق النار، رغم ترحيبهم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في جدة.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده لن تقبل بوجود دول الناتو على الأراضي الأوكرانية تحت أي ظرف من الظروف.
وفي مقابلة مع 3 مدونين أميركيين -نقلتها وسائل الإعلام الروسية اليوم الأربعاء- قال لافروف "ليس هذا هو المطلوب لإنهاء الحرب التي يشنها الغرب ضدنا من خلال الأوكرانيين بمشاركة مباشرة من قواتهم العسكرية. نحن نعلم هذا". معتبرا أن "قوات حفظ السلام التابعة للناتو ستتولى حماية النظام النازي في بقايا أوكرانيا".
وأوضح أنه "إذا تم الاعتراف بتوسع الناتو، على الأقل من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كأحد الأسباب الجذرية لهذه الحرب، فإن وجود قوات دول الناتو تحت أي علم أو في أي صفة كانت على الأراضي الأوكرانية يشكل لنا التهديد نفسه".
كما استبعد "تركيز الأميركيين على الناتو" مستشهدا في ذلك بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "على الأقل لم يلمح مطلقا إلى إمكانية حدوث ذلك".
واستدرك قائلا "لكنه قالها صراحة إنه إذا كانت الدول الأعضاء في الحلف ترغب من الولايات المتحدة حمايتها ومنحها ضمانات أمنية، فيتعين عليها أن تدفع القدر المناسب لهذه المهمة".
إعلانوبحسب قول الوزير الروسي، فإن ترامب "لا يريد تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بقيادة فولوديمير زيلينسكي، ولديه وجهة نظره الخاصة بهذا الشأن، التي يعبر عنها بانتظام وبشكل مباشر".
وقال لافروف "بدأنا العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا اضطرارا، بعد أن باءت بالفشل كل المحاولات والبدائل الأخرى لتوجيه الوضع في اتجاه إيجابي ". وأضاف أن "أولوية موسكو هي حماية الأشخاص الذين حرمهم نظام كييف من تاريخهم بالقوانين".
ويرى الوزير الروسي أن "هذه الحرب لم يكن ينبغي لها أن تبدأ بالأساس" كما أن "أوروبا وبريطانيا تريدان في استمرار كل ما يحدث، والطريقة التي استقبلوا بها زيلينسكي بعد فضيحة واشنطن تكشف عن رغبتهما في رفع الرهانات، وتستعدان لعمل شيء ما لدفع إدارة ترامب إلى اتخاذ إجراءات عدوانية ضد روسيا".
وبالتزامن مع تصريحات لافروف نقلت صحيفة "واشنطن بوست "الأميركية عن قادة أوروبيين القول إنهم مستعدون لإرسال قوات إلى أوكرانيا "لردع أي عدوان إضافي بعد وقف إطلاق النار" ومضيفة أنهم "قلقون للغاية بشأن روسيا التوسعية".
أما صحيفة "فايننشال تايمز" فنقلت عن وزير الدفاع السويدي بول جونسون قوله إن "أوروبا بحاجة لزيادة الاستثمار في قدراتها العسكرية وتعزيز علاقاتها الدفاعية في حلف الناتو من دون الولايات المتحدة".
واعتبر الوزير السويدي أن التعاون الدفاعي مع واشنطن "طريق ذو اتجاهين"، مضيفا قوله "نرغب في مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة".
وتأتي هذه التصريحات في وقت رحب فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"التقدم الذي تحقق في المحادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا" بشأن إمكانية إنهاء الحرب الروسية المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.
إعلانمن جهته، أشاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بـ"تقدّم ملحوظ" في محادثات السلام في أوكرانيا.
كما رحب رئيس فنلندا ألكسندر ستوب بمقترح وقف إطلاق النار المتفق عليه من كييف وواشنطن في جدة، واعتبره "خطوة أولى نحو مفاوضات السلام بشكل عاجل"، لكنه استدرك قائلا إنه "يتعين على روسيا المعتدية الآن إثبات جديتها في إنهاء الحرب".
استئناف المساعداتوبعد المباحثات الأميركية الأوكرانية في جدة، وإعلان كييف موافقتها على مقترح أميركي لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، قررت واشنطن استئناف مساعداتها العسكرية لكييف وتبادل المعلومات الاستخبارية.
وتشكل هذه الخطوة تحولا عن القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية قبل أسبوع، عندما فرضت إجراءات تهدف إلى الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للانخراط في مفاوضات مع روسيا لإنهاء الحرب.
من جانبه، أكد بالفو باليسا نائب مدير المكتب الرئاسي الأوكراني أن الولايات المتحدة استأنفت مساعداتها العسكرية لأوكرانيا عقب المحادثات بين الجانبين في السعودية.
من جهته، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس أنه سيتحدث على الأرجح مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع بعدما أيدت أوكرانيا مقترحا أميركيا لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات مع روسيا لإنهاء الحرب.
كما أشار ترامب إلى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي سيكون موضع ترحيب في البيت الأبيض، على الرغم من المشادة الكلامية الحادة بينهما في 28 فبراير/شباط الماضي.
وردا على سؤال طرحه عليه أحد الصحفيين عما إذا كان سيتحدث إلى بوتين في هذا الأسبوع، قال ترامب "أعتقد ذلك، نعم". وعما إذا كان سيستقبل زيلينسكي مجددا في البيت الأبيض، أجاب "بالتأكيد".
وتحدث ترامب للصحفيين أمام البيت الأبيض، وإلى جانبه ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، معربا عن أمله في أن يوافق بوتين على الاتفاق. وقال "كما يقولون، لا بد من طرفين للرقص، أليس كذلك؟".
إعلانوأضاف "نأمل أن يوافق بوتين أيضا، وأعتقد حقا أن ذلك سيشكل 75% من الطريق نحو الحل". وأوضح أن الخطوة التالية تتمثل في "توثيق الاتفاق والتفاوض على مواقع
الأراضي"، لكنه لم يخض في مزيد من التفاصيل.
وبشأن احتمالات التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في أوكرانيا، قال ترامب "آمل أن يحصل ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة".
جمهوريون يعارضونعلى النقيض من توجهات ترامب، حذر أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي من أن الولايات المتحدة لن تنخدع بروسيا في ظل حث ترامب لأوكرانيا على إنهاء الحرب.
وقال السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل من كنتاكي، الزعيم الجمهوري السابق، أمس إن "انتصار أوكرانيا واستقرارها في أوروبا يصبّان تماما في مصلحة الولايات المتحدة".
وأضاف "أوروبا هي أكبر شريك تجاري لنا. أما روسيا فهي دولة استبدادية بلطجية ذات اقتصاد أصغر من اقتصاد إيطاليا ولا مجال للمقارنة بينهما".
وانضمّ ماكونيل وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون توم تيليس من نورث كارولاينا، وسوزان كولينز من مين، وليزا موركوفسكي من ألاسكا، إلى الديمقراطيين للتأكيد على عواقب التخلي عن أوكرانيا.
وقال تيليس "على الناس أن يفهموا أن أوكرانيا أداة ضغط على أوروبا علينا أن نكثف جهودنا، ونتأكد من أن الشعب الأميركي يعرف أن دعم أوكرانيا يصب في مصلحتنا الوطنية".