الأردن والتحديث السياسي: «جمعة مشمشية»؟
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
الأردن والتحديث السياسي: «جمعة مشمشية»؟
نشهد مجددا نفس أدوات التأزيم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي إذ يُطلب منها وضع وصفات للتحديث والتمكين.
يجب التوقف عن توقع «نتائج مذهلة» أو حتى مُرْضية عندما ندير الملفات والأزمات بنفس الأدوات التي أنتجتها أصلا!
لأجل تمرير اتفاقية وادي عربة حرصت المؤسسات السياسية والرسمية لسنوات على «تجريف العمل النقابي والمهني».
. ما هي نتيجة ذلك الآن؟!
أزمة قانون الجرائم الإلكترونية جاءت من الطريقة والصيغة وتغييب الخبرة والتسرع والاستعجال، والإصرار في لحظة غضب على إصدار تشريع غاضب.
برنامج «التحديث السياسي» الذي كسب الرهان جزئيا العام الماضي تأثر وترنح قليلا بمضمون ومنطوق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن.
الإقرار الشفاف بأن عملية التحديث السياسي تأثرت من حيث الأهداف والنتائج، هو الحل الموضوعي المنتج لنصيحة وتشخيص وطني لأن الإنكار والترقيع لا يفيدان.
سياسة عقيمة تجاه «نقابة المعلمين» انتهت بوجود كتلة بشرية في عمق القطاع العام حجمها اليوم يزيد عن 100 ألف معلم على رصيف الانتظار والسخط والتوهان.
* * *
من الواضح أن برنامج «التحديث السياسي» الذي كسب الرهان جزئيا العام الماضي تأثر وترنح قليلا بمضمون ومنطوق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن.
وسواء شئنا أم أبينا، فقد حمل إقرار القانون الإلكتروني معه حصة لا يستهان بها من «مصداقية» برنامج التحديث السياسي الذي حظي بكل التوافقات المؤسسية والوطنية بعد جهد مضن لأكثر من عام.
رصيد التحديث السياسي والتعددية الحزبية الآن أقل مما كان عليه الأمر قبل أسابيع وأشهر فقط، وفي الواقع ليس بسبب إصدار قانون لضبط إيقاع الشبكة الرقمية، فتلك خطوة كانت حتمية وضرورية، خلافا لأنها تشغل كل دول العالم لكن بسبب الطريقة والصيغة وتغييب الخبرة والتسرع والاستعجال، وأيضا بسبب الإصرار في لحظة غضب على إصدار تشريع غاضب.
اعترفنا أم أنكرنا سيجد القطاع الشاب المتحمس من الأردنيين اليوم «ذخيرة مضادة» لإطلاق حريات التعبير وسيجد المشككون بصرف النظر عن خلفياتهم وهوياتهم «مادة دسمة» يبررون فيها التشكيك ويسترسلون فيه على قاعدة.. «ألم نقل لكم أنها جمعة مشمشية فقط».
بالإضافة لذلك، تقلصت المساحات والخيارات الآن، وبدلا من تسهيل الأمور على أجيال المستقبل وبناء خط استراتيجي واضح، أصبح الانضمام للعمل الحزبي الخيار الأصعب، بدلالة أن رموز اللجان الاستشارية الملكية الذين برمجوا وثائق التحديث انقسموا اليوم ما بين «مصدوم» ومعارض للتشريع أو «صامت» يبتسم للكاميرات فقط.
قواعد «اللعب» هذه المرة لم تكن لا محترفة ولا مهنية ولا موفقة، والضرر بالغ، ومن الصعب القول بأن القانون سيتم تعديله لاحقا ثم الادعاء بأن «الواقع الموضوعي سيبتلع المسألة» والمجتمع سيتعود ويهضم.
أثق شخصيا بما يقوله خبير قانوني موسوعي وموثوق، مثل الأستاذ المحامي أيمن أبوشرخ تحت عنوان أن تشريعا ما لتنظيم الاشتباك الرقمي في عالم منصات التواصل اليوم ملف «يشغل الكون» بالواقع، ويحظى بالأولوية عند كل المؤسسات والمجتمعات خلافا لأنه محطة عبور إجبارية لكل شعب أو دولة أو حكومة.
ولأن الموضوع بمثل هذه الأهمية كان ينبغي أن يحظى بحوار وطني وبحوار خبراء قبل التورط بوضع نصوص على طريقة «غفير يشرب الشاي» وفي الأثناء يبتكر القوانين والتشريعات للأمة أو قبل التورط بصيغة «الحكومة آخر من يعلم».
نحترم القانون بعد عبور خطواته الدستورية وسنلتزم به حيث لا خيارات معاكسة لكن الإقرار الشفاف، بأن عملية التحديث تأثرت من حيث الأهداف والنتائج، هو الحل الموضوعي المنتج لنصيحة وتشخيص وطني لأن الإنكار والترقيع لا يفيدان.
شخصيا أجد صعوبة في تصديق فكرة وجود «طريقة ما» لاستعادة الرصيد المسحوب من مصداقية التحديث السياسي جراء ذلك القانون، لكن ثقتي كبيرة بالمؤسسات القيادية وقدرتها، وبضرورة البحث وطنيا عن تلك الطريقة بدلا من الاستسلام للسلبية.
ثمة – بالتأكيد- ما يمكن فعله بدلا من لعن الظلام وإن كانت حزمة المغامرات التشريعية ينبغي لها أن تمنهج وتهدأ قليلا لأن سياسات «تجويف وتجريف» العمل الحزبي والسياسي قبل تدشينه، وحتى قبل أن يبدأ فعلا، تقود الجميع إلى المنطق القديم الذي يعلوه الغبار بعنوان «ارتفاع كلفة وفاتورة الإصلاح».
لأغراض تمرير اتفاقية وادي عربة حرصت المؤسسات السياسية والرسمية لسنوات على «تجريف العمل النقابي والمهني»…ما هي نتيجة ذلك الآن؟
الإجابة لا ينكرها إلا غافل أو موتور فقد تحولت النقابات المهنية العملاقة والخبيرة إلى «ركام» اليوم، وقريبا ستصبح جراء الإلحاح على التحكم فيها فائض عبء استراتيجي على الدولة والنظام والناس.
صناديق النقابات أفلست أو في طريقها للإفلاس، والتدخل في انتخاباتها انتهى إلى انفلات بدلا من سيطرة، والمنفلت بدأ يزعج الدولة ويخترع لها سلسلة تأزيمات اجتماعية فيما اتفاقية وادي عربة نفسها يعبث بها يمين إسرائيل.
الإعلاء من شأن «الولاء المسموم» الأعمى على حساب «المهنية» انتهى بتسميم وإجهاض المؤسسات الصحافية في البلاد، وتحويلها إلى عبء ثقيل بدوره على الإيقاع العام بعد تفريخ حزمة أزمات داخل تلك المؤسسات الأولى تلد الثانية.
السياسة العقيمة تجاه منتج ومنجز اسمه «نقابة المعلمين» انتهت بوجود كتلة بشرية في عمق القطاع العام حجمها اليوم يزيد عن 100 ألف معلم على رصيف الانتظار والصبر والتوهان.
ومجددا نفس أدوات التأزيم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي طلب منها وضع وصفات للتحديث والتمكين. المعيب حقا منهجيا أن يأتيك مسؤول أو موظف ما فيبلغك بأن الدنيا «قمرة وربيع» وكل شيء «عال العال» وفي مكانه، ثم يصدمك بجملة استنكارية بائسة فكرتها «لماذا لم تحقق العملية النجاح المطلوب؟».
علينا التوقف عن توقع «نتائج مذهلة» أو حتى مرضية عندما ندير الملفات والأزمات بنفس الأدوات التي أنتجتها أصلا.
كنا ولا نزال في حالة إصرار على وجود أزمة فصام إداري وأزمة أدوات نعتقد أنها الأساس في السحب من رصيد الدولة عند الناس وسياسة «تجاهل الرأي العام» وآهات الشارع، وإنكار وجود الشعب أصلا والتعامل معه بازدراء وعلى أساس أنه «شعب دلوع ولم يختبر» هي نفسها السياسة التي تؤذي الشرعية والدستور والدولة قبل أي شيء آخر.
*بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن التحديث السياسي نقابة المعلمين قانون الجرائم الإلكترونية التحدیث السیاسی
إقرأ أيضاً:
رام الله: اختيار 10 متقدمين لملء شاغر "وكيل وزارة"
أعلن مركز الاتصال الحكومي في رام الله ، اليوم الأربعاء، اختيار 10 وكلاء وزارات، بعد تقدم 132 مترشحًا وإجراء 77 مقابلة، لشغور هذه المناصب وبلوغ الوكلاء السابقين سن التقاعد.
وأوضح المركز في بيان له، أن اختيار الوكلاء جاء استناداً إلى توجهات الحكومة، وتنفيذًا للبرنامج الحكومي الإصلاحي المبني على تعزيز الشفافية والنزاهة، وتجسيداً لقيم العدالة وتكافؤ الفرص.
وأصدر الرئيس 10 مراسيم بتعيين وكلاء وزارات، بتنسيب من مجلس الوزراء، وبناءً على قرار لجان المقابلات المشكلة، لوزارات: الاتصالات والاقتصاد الرقمي، والصناعة، والزراعة، والأشغال والإسكان، والتخطيط والتعاون الدولي، والحكم المحلي، والتنمية الاجتماعية، وشؤون المرأة، والداخلية، والنقل والمواصلات، وتم استبعاد المتقدمين لشغل وكيلي وزارتي الاقتصاد الوطني والمالية لعدم اكتمال الشروط والمعايير اللازمة.
وأعلن ديوان الموظفين قبل أيام فتح باب الترشح لشاغري وكيل لوزارتي المالية والاقتصاد الوطني.
يُذكر أن الإعلان عن طلب الترشح لشواغر الوكلاء، قد جرى نشره على الموقع الرسمي لديوان الموظفين العام بتاريخ 10/7/2024 واستمر لمدة أسبوعين، وقامت اللجنة بتاريخ 25/7/2024 بحصر طلبات المتقدمين من خلال الموقع الإلكتروني حسب الأصول، وعليه بدأت لجان المقابلات أعمالها بتاريخ 17/8/2024.
وضمت لجان المقابلات في عضويتها خبيراً خارجياً يتمتع بحق التقييم الكامل للمرشح، وتم اختيار خبراء من الأكاديميين ورؤساء المؤسسات المحلية والدولية التي ساهمت في تطوير المجتمع وتنميته أثناء توليهم رئاستها أو عملهم فيها، وخبراء ممن عملوا في مؤسسات المجتمع المدني والبلديات.
وترأس كل لجنة، رئيس الدائرة الحكومية ذات العلاقة، وضمت في عضويتها كلا من: وزير التخطيط والتعاون الدولي كونه "رئيس لجنة الإصلاح الوزارية الدائمة"، وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين، ورئيس ديوان الموظفين العام، والأمين العام لمجلس الوزراء، ورئيس مكتب التطوير والإصلاح المؤسسي في مكتب رئيس الوزراء، وخبير خارجي في القطاع الذي تمثله الدائرة الحكومية المعنية.
يشار إلى أن الإعلان عن الشاغر الوظيفي هو إعلان داخلي بالدرجة الأولى، لإتاحة الفرصة لترشح موظفي الفئة العليا داخل المؤسسات الحكومية، وفي حال لم يترشح العدد الكافي (الحد الأدنى 3 مرشحين)، أو لم يقع اختيار اللجنة على أي من المرشحين، يُفتح باب التقدم لذوي الاختصاص من خارج المؤسسات الحكومية.
المصدر : وكالة وفا