سودانايل:
2025-03-21@00:10:18 GMT

وداعاً أستاذ محمد الفاتح حامد

تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT

رحل عن دنيانا هذه الفانية على عتبات العشر الأواخر من رمضان، وقبل أقل من يوم كامل، العالم العلامة البشوش الواثق من علمه أستاذنا في القانون والمعاملات الشرعية المستشار الدكتور محمد الفاتح حامد محمد حامد النور، الذي عاصرناه تلاميذاً له، وهو في منصب عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم (1975م - 1979م)، ثم غادر التدريس، وانتقل فيما بعد للعمل في بنك التنمية الإسلامي بجدة مستشاراً قانونياً، وما أدقهم في الاختيار!

ارتبط الفقيد بكلية القانون، جامعة الخرطوم، منذ نهاية الخمسينيات طالباً للعلم، وتخرج فيها عام 1962م، قبل أن يضرب أكباد الإبل مجازاً إلى بريطانيا ليحصل على درجتي الماجستير فالدكتوراه عام 1964م، وعام 1971م، على التوالي، ليعود بعدها إلى ذات الكلية محاضراً في القانون، ومترقياً من بعد حتى جلس في كرسي العمادة.



يتمتع الفقيد بصفات عديدة، فهو ذو حضور قوي نافذ في قاعة المحاضرات، تعرفت عليه دفعتنا في كلية القانون بجامعة الخرطوم بعد تعرفهم على مباني الكلية مباشرة، فقد خاطب الدفعة (وكانت تتكون من 60 طالباً وطالبة) عند بداية العام الدراسي، في قاعة بابكر عبد الحفيظ بالكلية، في يوم من أيام شهر فبراير 1976م، وكان استقبالاً لم ينسه أي منهم، كما أحسب، لما اشتمل عليه من صراحة ووضوح وحزم.

دخل القاعة بهدوء، وأخذ يذرع منصة القاعة جيئة وذهاباً وهو ينظر إلينا متفحصاً كأنما كان يبحث عن شيء ما. ثم سألنا فجأة بما يعني هذه الكلمات: هسع كلكم دايرين تقروا قانون هنا؟ ولم يمض كثير وقت حتى أدركنا أنه استكثرنا في العدد، فقد كانت الكلية تقبل أربعين طالباً فقط، وكان في ذلك اليوم يخاطب ستين طالباً، لعلهم كانوا الدفعة الأولى بهذا الحجم الكبير (آنذاك)، فضلاً عن أننا دخلنا كلية القانون مباشرة، دون المرور بأي من الكليات التي كانت تقوم مقام التأسيس (foundation) قبل دراسة القانون، مثل كلية الآداب، وكلية العلوم الاقتصادية. وسمعنا من الطلاب "السناير" أنه كان يعارض هذه التطورات من حيث العدد والدخول المباشر للكلية، إلا أن الجامعة مضت في الأمر ووجد العميد نفسه أمام الأمر الواقع. واستبدلت الجامعة سنة التأسيس بكورس في الاقتصاد وكورس في كل من اللغتين العربية والانجليزية بالسنة الأولى في الكلية.

كانت خلاصة استقبال العميد محمد الفاتح حامد لنا في ذلك اليوم المهيب أنه عرض علينا – لمن شاء منا – المساعدة في الانتقال إلى أي كلية أخرى يتأهل أكاديمياً للانتقال لها .. وكانت ابتسامته العريضة والمخيفة - في تلك اللحظة - لا تفارقه، وقد أحس البعض بالتهديد الخفي .. ثم لاحظنا آثار ذلك في عدد من طلبات الانتقال إلى كليات أخرى، بل انتقل اثنان إلى جامعات أخرى، وكان من بين المنتقلين الزميل بدر الدين (الدكتور بدر الدين حالياً) الذي كان الأول في القسم الأدبي على مستوى السودان .. لكننا توكلنا على الله و "ركزنا" مع من ركز من حوالي أربعين طالباً وطالبة أو أكثر.

وتتوالى الأيام لنعلم أننا كنا في حضرة عالم من أبرع علماء القانون، سيما في مجال العقود والمعاملات الشرعية، كنا نعتقد في البداية ونحن في المرحلة التمهيدية (preliminary stage) أن هذا هو مستوى القانون في كل مكان، لنكتشف بعد التخرج أن محمد الفاتح حامد علم من أعلام العقود والمعاملات الشرعية، يجعلك تشعر بعد المحاضرة بأنك كنت في حالة (غوص) عميق لتبحث عن أنفاسك بعدها وتتلمس طريقك إلى الدنيا من جديد. ولم يكن عدم الانتباه لرفعة المستوى بغير سبب .. فقد كان في الكلية أركان بقامة البروفسور الراحل محمد الأمين الضرير، الذي لو نشأ خارج السودان لكان اليوم الإمام الضرير! والذي درسنا عليه يديه علم الفرائض، أو المواريث، وهو المتبحر فروع العلوم الشرعية ويقف كتابه عن "الغرر" علامة بارزة في مجال الفقه والتحليل. كما تزامنت تلك السنوات من عقد السبعينيات للقرن الماضي مع محاضرات أستاذة عمالقة مثل بروفسور جيسوالد سالاكيوز (Jeswald W. Salacuse)، خريج مدرسة هارفارد للقانون، والأستاذ فيها لاحقاً أثناء تدريسه في جامعة تفتس TUFTS الأمريكية، والتي احتل فيها موقع الأستاذ المتميز (Distinguished Professor) و درس في جامعات بالسودان ونيجيريا والكنغو قبل الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وزميله الأمريكي الآخر الذي درسنا على يديه عام 1978م "حق القصاد" و"حق الطورية" وغيرهما ضمن مفاهيم قانون الأراضي العرفي بالسودان، بروفسور جون بروس ((John Bruce، الذي أصبح لاحقاً مستشاراً أول للبنك الدولي في مجال قوانين الأراضي لست سنوات (1999 – 2005). في هذه البيئة اللامعة كان أستاذنا محمد الفاتح حامد لامعاً، وبارزاً، أو كمال يقول الفرنجة أنه كان رجلاً بين الرجال (a man among men)، أو في هذا السياق كان عالماً فقيهاً فذاً بين علماء فقهاء أفذاذ.

في بدايات وصولي إلى العاصمة البريطانية لندن مقيماً فيها خلال فترة الانشغال بالصحافة دون القانون، كنت أتلمس طريق أستاذي محمد الفاتح حامد، ولم أبحث كثيراً لأعرف أنه درس في كلية أو مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (School of Oriental & African Studies) المشهورة أكثر بالاختصار (SOAS) حيث أنجز دراساته العليا حتى الدكتوراه على يد عالم فذ آخر هو بروفيسور نويل كولسون Coulson) (Noel James (1928 – 1986)، والذي تشرف هذا الكاتب بالدراسة على يديه، وصدر له كتاب أثناء تلك الفترة من منتصف الثمانينيات الماضية، عن القانون التجاري المقارن في بلاد الخليج، ضمن كورس القانون التجاري المقارن للشرق الأوسط، حيث أشار في أحد هوامش الكتاب لمعلومة نسبها لفقيدنا الراحل الأستاذ محمد الفاتح حامد، بقوله أنها من "تلميذي المتميز" (my distinguished student)، في سياق أكاديمي تشح فيه مثل هذه التزكيات وتنعدم !! هكذا كان حجم الفقد. هكذا كان معلمنا الفقيه محمد الفاتح حامد في دنيا العلم والأكاديميا، رحمه الله وأحسن إليه.

أما مجتمعياً فيقول عن الفقيد موقعُ "آل حامد" أنه "من مواليد أم درمان في 12 أغسطس عام 1938م، وتدرج بمراحل التعليم بدءاً بمدرسة أبي روف الأولية (أ)، ثم المؤتمر الوسطى فالثانوي بمدرسة وادي سيدنا الثانوية العليا" وأنه "البكر في أبناء الشيخ حامد محمد حامد النور حافد ود النور (الكبير)، وأمه هي الحاجة ساره بت عمر محمد أحمد عيد القادر الهاشمابي سليلة السادة العركيين (أولاد محمد زين) والشيخ العليش ود الشيخ حمد النيل الولي بأبي حراز.

اللهم ارحم استاذي محمد الفاتح حامد، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وعافه واعف عنه، واغسله اللهم بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والآثام كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وبارك اللهم في ذريته، وأحسن عزاء أهله وعياله، وتلامذته وزملائه وسائر محبيه، واسكنه الجنة دار المتقين، برحمتك يا رب العالمين.

أحمد كمال الدين
20 مارس 2020م
20 رمضان 1446 هـ


kingobeidah@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کلیة القانون

إقرأ أيضاً:

اللواء أحمد الملقب والد المقدم محمد: نحن في دولة القانون

قال اللواء أحمد الملقب والد المقدم محمد صاحب واقعة الإعتداء عليه بأحد المحلات بنجع حمادي، في كلمة له نحن في شهر كريم يعتبر الموقف الذي حصل مع ابني المقدم محمد موقفا عابرا، وجاء قبل إفطار المغرب ووقت نرفزة، لكنهم تعاملوا تعاملا غير أخلاقي، وأشار بأن الفيديو الذي انتشر شحن الناس وجعل أبناء عمومته في الشرق بهجورة وضواحيها كلهم مستائين، أنا منذ ثلاثة أيام لم أذهب إلى البلد، ولكن أتيت اليوم كي أجلس مع الناس وأعرفهم أننا في دولة قانون.

وأضاف في كلمة له في ديوان العائلة: أنا رجل لواء شرطة وأعرف ما معنى أمن، مشيرًا بأن الأمن قام بدوره كاملا والنيابة قامت بالتحقيق ونثق في تحقيقات النيابة العامة.

وأكد "الملقب" بأننا ضد أي أعمال شغب، وما تردد أن الشرق بهحورة مستعدة و سوف تنزل ومعها أسلحة وأنه يريدون أن يخربوا في مدينة نجع حمادي كلام غير صحيح بالمرة، وأنا أنفي هذا الكلام.

خاصة نحن في الشارع من عام ٧١، نخوض معارك سياسية كبيرة، كان يخوضها كبيرنا عبد الرحيم الغول عمرنا ما قمنا بالتعدي على أحد ولم نتجاوز مع أي مواطن، وأهلي هنا تفهموا الوضع، والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، ونحن بلد مسالمة، وبصفتي واحد منهم ورجل شرطة وابني مقدم، فلابد أن نحافظ على الأمن، وبإذن الله "ربنا هيجيب حق محمد بالقانون" لأننا في دولة القانون، و علينا بضبط النفس وحقه سيأتي.

مقالات مشابهة

  • كلية التربية النوعية بجامعة جنوب الوادي تنظم احتفالية عيد الأم
  • وداعا الدراما التلفزيونية.. محمد سامي يعلن اعتزال الإخراج
  • جامعة أسيوط تحتفي بيوم الطبيب المصري وتكرم عددا من أطبائها المتميزين
  • جامعة أسيوط تحتفي بيوم الطبيب المصري
  • تعاون بين "الكلية الحديثة" وجامعة هيلونغجيانغ
  • ننشر الأسماء النهائية للمرشحين لعمادة كلية الهندسة بشبرا بجامعة بنها
  • اللواء أحمد الملقب والد المقدم محمد: نحن في دولة القانون
  • مسيرات حاشدة في إسطنبول احتجاجا على المجازر في غزة (شاهد)
  • كلية طب طنطا تحصل على اعتماد لجنة أخلاقيات البحث العلمي من المجلس الأعلى للبحوث الإكلينيكية