انتفاضة في الضفة الغربية
عمليات تهريب الأسلحة من الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية يفرض الإسرائيليون تعتيماً واضحاً عليها.
في الضفة الغربية انتفاضة ثالثة بالفعل، لكنها ذات ملامح مختلفة، وبشكل يختلف عن سابقتيها وتحولات استراتيجية وتحركات لم تكن مسبوقة من قبل.
حالة قلق وهلع إسرائيلي بالضفة الغربية مردها تحولات استراتيجية تشهدها، وأهمها التسارع غير المسبوق لعمليات مسلحة التي تستهدف المستوطنين الإسرائيليين.
تشهد الضفة الغربية تحولات استراتيجية بالغة الأهمية، وهذه التحولات لا تتوقف عند ظاهرة العمليات المسلحة المتوالية والمتزايدة، بل تمتد لما هو أكثر من ذلك.
دخلت الضفة الغربية انتفاضة فلسطينية ثالثة.. انتفاضة قائمة بالفعل وليست على وشك أن تقوم، لكن بملامح مختلفة وشكل يختلف تماماً عن الانتفاضات السابقة
أدرك الاحتلال تحولات المقاومة ويشعرون بقلق بالغ إزاءها، ولذا يشددون القبضة الأمنية على الضفة، ويحاولون نشر أكبر عدد ممكن من الجنود والمستوطنين بكل مكان لتعطيلها وشلها.
* * *
الضفة الغربية المحتلة تشهد تحولات بالغة الأهمية وذات دلالات عميقة، وأغلب الظن أن الإسرائيليين أدركوا هذه التحولات ويشعرون بالقلق البالغ تجاهها، ولذلك فإنهم يشددون القبضة الأمنية على الضفة، ويحاولون نشر أكبر عدد ممكن من الجنود والمستوطنين في كل مكان من أجل تعطيلها وشلها.
كما أن الاحتلال الإسرائيلي يشعر بقلق بالغ إزاء وجوده في مدينة القدس، وحجم سيطرته على الشطر الشرقي منها، ولذلك قررت الحكومة الإسرائيلية تخصيص 864 مليون دولار لتشديد القبضة على القدس، خلال السنوات الخمس المقبلة.
واللافت أن الحكومة قالت، إن الخطة تهدف إلى «تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية» أي أنها خطة إنفاقية عامة وليست محصورة في التشديد الأمني والعسكري، ما يعني أن إسرائيل تعمل بسياسة الترغيب والترهيب معاً في فلسطين المحتلة، أو «سياسة العصا والجزرة» حيث في اليوم نفسه، الذي أقرت فيه إنفاق هذا المبلغ الهائل كانت تقوم بمزيد من الاعتقالات وأعمال الهدم لمنازل الفلسطينيين.
حالة القلق والهلع الإسرائيلي في الضفة الغربية مردها إلى التحولات المهمة التي تشهدها هذه المناطق، وأهمها التسارع غير المسبوق للعمليات المسلحة التي تستهدف المستوطنين الإسرائيليين.
وهي عمليات تؤكد ما ذهبنا له سابقاً، أن الضفة الغربية المحتلة تشهد حالياً انتفاضة فلسطينية ثالثة، وأن هذه الانتفاضة قائمة بالفعل وليست على وشك أن تقوم، ولكنها ذات ملامح مختلفة وشكل يختلف تماماً عن الانتفاضات السابقة، ويتلاءم ذلك مع الظروف الراهنة لهذه المناطق.
ومن المعروف طبعاً أن الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 كانت انتفاضة حجر بالكامل، وكانت حينها هبة شعبية شاملة في كل الأرض الفلسطينية، أدت إلى اشتباك مباشر مع الاحتلال، وكانت ملائمة لظروف الاحتلال في ذلك الحين.
أما انتفاضة الأقصى في عام 2000 فكانت تختلف تماماً عن تلك الانتفاضة، حيث أنها حدثت في ظل وجود السلطة الفلسطينية، وفي ظل وجود مجموعات مسلحة، فيما تأتي هذه الانتفاضة الثالثة لتأخذ شكلاً مختلفاً تماماً عن المرتين السابقتين، وتتسم بالعمليات الفردية التي تحدث بين الحين والآخر، وتتباين من مكان الى آخر.
خلال الأيام القليلة الماضية، وفي غضون 48 ساعة فقط، نفذ الفلسطينيون هجومين في الضفة الغربية، الأول في حوارة بالقرب من نابلس، والثاني قرب مستوطنة «كريات أربع» القريبة من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية.
واللافت في هذين الهجومين أن المنفذين تمكنوا من الانسحاب من المكان، من دون أي إصابة، ومن دون الكشف عن هوياتهم، وهو ما لم يكن يحدث في السابق، إذ كانت مثل هذه العمليات تنتهي على الفور بالقبض على المنفذ، أو على الأغلب قتله في المكان نفسه بشكل فوري.
ثمة تحول استراتيجي آخر في الضفة الغربية ويبدو أنه أكثر أهمية من ظاهرة العمليات الفردية المتتالية، وهو الصواريخ محلية الصنع التي ظهرت في مدينة جنين في الضفة، وهذه الصواريخ رغم أنها معدودة ومحدودة حتى الآن، وطبعاً لم توقع أي خسائر في صفوف الإسرائيليين.
إلا أن المؤكد أنها تشكل مصدر رعب لأجهزة الأمن الإسرائيلية التي ترى فيها بصمات حركة حماس، وأيضاً تعيد إلى الذاكرة بدايات ظهور هذه الصواريخ في قطاع غزة، عندما كانت بدائية وسرعان ما تطورت.
تحول استراتيجي ثالث في الضفة الغربية ربما يكون الأهم من هذا وذاك، وهو عمليات تهريب الأسلحة من الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، التي يفرض الإسرائيليون تعتيماً واضحاً عليها، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي في نهاية الشهر الماضي (تحديداً يوم 30 يوليو/تموز 2023) أنه تمكن من إحباط «محاولة استثنائية لتهريب أسلحة من الأردن إلى إسرائيل» وقال الجيش الإسرائيلي، إن الأسلحة المهربة تم ضبطها في غور الأردن.
وقالت جريدة «»تايمز أوف إسرائيل» إن محاولة التهريب كانت «استثنائية ولا تشبه محاولات التهريب السابقة والمتكررة على الحدود الأردنية» ما يعني أن الحدود تشهد نشاطاً في هذا المجال، وأن إسرائيل تشعر بالقلق مما يجري على أطول حدود لها.
والخلاصة، هو أنّ ما يجري في الضفة الغربية المحتلة هو انتفاضة ثالثة بالفعل، ولكن هذه الانتفاضة ذات ملامح مختلفة، وبشكل يختلف عن الانتفاضات السابقة، كما أن الضفة تشهد تحولات استراتيجية بالغة الأهمية، وتحركات لم تكن مسبوقة من قبل، وهذه التحولات لا تتوقف عند ظاهرة عمليات مسلحة متوالية ومتزايدة، وإنما تمتد الى ما هو أكثر من ذلك.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين الاحتلال الضفة الغربية تهريب الأسلحة صواريخ المقاومة المستوطنين الإسرائيليين فی الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
تحولات السوق العالمية تهز عرش العلامات الفاخرة الأوروبية.. والتباطؤ الاقتصادي يُنذر بأفول نجم أسواق الرفاهية
◄ الشركات المشهورة تخسر ربع تريليون دولار من قيمتها السوقية
الرؤية- سارة العبرية
بعد أن تكبدت شركات الرفاهية الأوروبية خسائر في قيمتها السوقية بلغت نحو ربع تريليون دولار خلال الأشهر الأخيرة، قد تشهد هذه الشركات مزيدًا من التراجع في نفوذها داخل أسواق الأسهم، مع تفاقم التباطؤ الاقتصادي في الصين.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة The Economic Times، فإن شركات الرفاهية الأوروبية فقدت ما يقرب من 240 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ ذروتها في مارس، مع تعرض علامات تجارية مثل Gucci وHugo Boss لأكبر الخسائر؛ حيث انخفضت قيمتها السوقية بنسبة تقارب 50% خلال العام الماضي.
وفي سياق آخر، أشارت بيانات Goldman Sachs إلى أن المؤشر الخاص بأسهم الرفاهية العالمية فقد ما يقارب من ربع تريليون دولار منذ ذروته في الربع الأول من 2024، لتصبح خسائر هذا القطاع من بين الأشد في أسواق المال العالمية.
والضربة الأقوى جاءت من الصين؛ حيث تراجع الإنفاق من قبل المستهلكين الأثرياء الذين كانوا سابقًا زبائن أوفياء في متاجر باريس وميلانو وهونغ كونغ.
وفي السابق، كانت تُعتبر هذه الشركات بمثابة "الرد الأوروبي" على عمالقة التكنولوجيا الأمريكية المعروفين بـ"السبعة العظام"، إلا أن أسهم الشركات المنتجة للأزياء الفاخرة وحقائب اليد والمجوهرات أصبحت راكدة، نتيجة لانكماش في الإنفاق الاستهلاكي، وما يثير القلق أكثر هو المؤشرات التي تفيد بأن الأثرياء الصينيين الذين اعتادوا التهافت على المتاجر الفاخرة في باريس وميلانو وهونغ كونغ قد لا يعودون، بعد أن أضعف الانحدار الاقتصادي شهيتهم للمنتجات الباهظة.
ويقول فلافيو سيريدا مدير استثمار في شركة GAM بالمملكة المتحدة: "هذا العام أكثر تقلبًا وأكثر إيلامًا، لأنه يأتي بعد فترة من النمو المفرط"، مشيرًا إلى الفترة التي أعقبت الجائحة مباشرة، عندما اندفع المستهلكون المتحررون من الإغلاق إلى الإنفاق على التسوق والسفر.
أما بالنسبة لشركة بربري البريطانية الشهيرة بصناعة المعاطف المطرية، فقد أدى هذا التراجع إلى استبعادها من مؤشر الأسهم FTSE 100 في لندن، بعدما انخفضت قيمتها السوقية بنسبة 70%. وبينما كانت بربري هي العلامة الكبرى الوحيدة التي فقدت موقعها في المؤشر، فإن مؤشرًا لأسهم الرفاهية جمعته شركة جولدمان ساكس فقد 240 مليار دولار من ذروته في مارس الماضي.
وكانت شركتا كيرينغ المالكة لعلامة Gucci وهيوغو بوس الأكثر تضررًا؛ إذ فقدتا ما يقرب من نصف قيمتهما السوقية خلال العام الماضي. وكانت كيرينغ تصنف سابقًا ضمن أكبر 10 شركات في مؤشر CAC 40 الفرنسي، لكنها الآن في المرتبة 23، أما عملاق الصناعة LVMH فلم يكن في مأمن هو الآخر.
ويظهر انكماش فقاعة الإنفاق التي أعقبت الجائحة بشكل جلي في تقارير الأرباح الأخيرة، حيث أصدرت شركات كيرينغ وبربري وهيوغو بوس تحذيرات بشأن الأرباح، في حين سجلت وحدة السلع الجلدية الأساسية لشركة LVMH نموًا عضوياً بنسبة 1% فقط في إيراداتها الفصلية، مقارنة بـ21% في العام السابق.
وحدها العلامات التجارية التي تستهدف الأثرياء جدًا، مثل Hermès International وBrunello Cucinelli، نجت من التأثير الكامل لهذا التباطؤ في الأرباح.
ويأمل سيريدا من شركة GAM الذي يشارك في إدارة صندوق استثماري يركز على أسهم الرفاهية في أن تعود المبيعات للنمو العام المقبل، على الأقل إلى مستويات "منتصف الأرقام الأحادية" التي يرى أنها تمثل الاتجاه طويل الأمد للقطاع. لكنه يتساءل: "ماذا لو أصبحت الإيرادات الأضعف وهوامش الربح الأضيق هي الوضع الطبيعي الجديد؟"، وبعض المحللين يعتقدون أن هذا قد يكون بالفعل هو الواقع القادم.
الأسباب الرئيسية وراء الانهيار
جاء الانهيار الكبير في سوق العلامات التجارية الفاخرة نتيجة تداخل عدة عوامل ضاغطة، أول هذه العوامل هو التباطؤ الاقتصادي في الصين؛ حيث تُعد الصين سوقًا محوريًا للعلامات الفاخرة، إلا أن التراجع الاقتصادي الخير إلى جانب غياب الحوافز الحكومية القوية، قد أضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، شهدت فترة ما بعد الجائحة تحولًا ملحوظًا في سلوك المستهلكين؛ إذ باتوا أكثر تحفظًا في الإنفاق، ما أدى إلى تراجع واضح في الطلب على المنتجات الفاخرة. أما العامل الثالث فيتمثل في تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، بما في ذلك النزاعات التجارية العالمية وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وهو ما زاد من الضغوط على القطاع وأدى إلى تآكل ثقة الأسواق بالشركات العاملة فيه.