ثلاثة أسباب تمنع السوداني من إطلاق التعيينات.. ما علاقة الإنتخابات؟ - عاجل
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
بغداد اليوم - بغداد
أكد الخبير الاقتصادي صالح رشيد، اليوم الخميس (20 آذار 2025)، أن هناك ثلاثة أسباب تمنع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من إطلاق تعيينات جديدة مع قرب الإنتخابات البرلمانية المقبلة.
وأوضح رشيد في حديثه لـ "بغداد اليوم"، أنه "مع قرب الانتخابات، تسعى أغلب القوى السياسية المتنفذة إلى اعتماد استراتيجيات متعددة لكسب الأصوات، ومن بينها التعيينات، لكن العراق يمر حالياً بمرحلة صعبة خاصة مع نقص السيولة وانخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الأخرى، وبالتالي هناك صعوبة في إطلاق التعيينات".
وأشار إلى أنه "على سبيل المثال، في ديالى يوجد ملف 7000 درجة وظيفية وعقود متأخرة منذ ثمانية أشهر بسبب حجج مختلفة، لكن الواقع يشير إلى أن التمويل ونقص السيولة هما من ساهما في تأخير إطلاق هذه العقود، وهذا يعكس الصعوبة في تنفيذ ملف التعيينات".
وأضاف، أنه "بناءً على هذه الصورة، سيكون من الصعب جداً تنفيذ ملف التعيينات، حتى إذا تعرضت حكومة السوداني لضغوط من القوى السياسية"، لافتًا إلى أن "القوى السياسية ستلجأ إلى أساليب أخرى مبتكرة للحصول على الأصوات، مثل الترهيب والترغيب ووسائل أخرى".
وبين، ان "السوداني لا يمكنه أن يلدغ من الجحر مرتين، وبالتالي، فإن غرق العراق بالتعيينات سيكون له نتائج سلبية خاصة مع انخفاض أسعار النفط"، متسائلا "كيف سيتم تمويل هذه التعيينات من خزينة الدولة؟".
وتابع، أن "الأخطر من عدم التعيين والاستياء الشعبي وضغوط الأحزاب هو عدم القدرة على دفع الرواتب للتعيينات السابقة، وبالتالي يجب الإشارة إلى أن هناك عجزًا ماليًا ونقصًا في السيولة، وبالتالي فإن إطلاق التعيينات دون جدوى اقتصادية أو مسارات صحيحة سيكون له ارتدادات كارثية على العراق، خاصة وأن العراق يعتمد بنسبة تصل إلى 90% على أسعار النفط في تمويل خزينة الدولة".
وتُعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق محطة سياسية مهمة في ظل التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجه البلاد.
ولم يتبقَ على إجراء الانتخابات سوى بضعة أشهر بدأت تتوالى فيها المفاجآت وأيام حُبلى بالقرارات ووجود الفاعل السياسي الخارجي الذي قد يجعل المزاج الدولي والإقليمي يغير مسار العملية السياسية في العراق.
وخصصت الحكومة 400 مليار دينار لانتخابات 2025 (ما يقارب 300 مليون دولار)، فيما تم تخصيص 160 مليار دينار لانتخابات عام 2018 تضمنت شراء الأجهزة الخاصة بالتصويت.
وقال نائب مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء علي رزوقي للوكالة الرسمية في وقت سابق، تابعته "بغداد اليوم"، ان "رئيس مجلس الوزراء مهتم بشكل كبير بملف التعيينات".
وأشار الى "تعيين 59 ألف متقدم من حملة الشهادات والأوائل من 74 ألف درجة وظيفية".
ولفت الى "حل مشكلة تعيين 5 آلاف متقدم من حملة الشهادات والأوائل، منوها إلى "تعيين 30 ألف متقدم من ذوي المهن الطبية والصحية".
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
المثقف السوداني وأسئلة الوعي: بين نقد السلطة وإعادة تفكيك الأساطير السياسية والثقافية
في خضم الصراع السوداني المستمر منذ 15 أبريل 2023، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني المستلب من الجبهة الإسلامية، يجد المثقف السوداني نفسه في مأزق تاريخي يكشف عن عمق أزمته، لا بوصفها أزمة موقف فحسب، بل بوصفها جزءًا من البنية الكلية التي أنتجت هذا الصراع.
لقد أصبح المثقف، الذي كان يُنتظر منه أن يكون مرشدًا للوعي، جزءًا من معارك فكرية جانبية لا تزيد المشهد إلا تشرذمًا، مما يكشف عن هشاشة التصورات التي تحكم وعيه السياسي والاجتماعي.
إذا كان أنطونيو غرامشي قد رأى في المثقف العضوي ذاك الذي يتصل بالجماهير ويعيد تشكيل وعيها، فإن المثقف السوداني، في هذه اللحظة، يبدو وكأنه قد استقال من دوره التاريخي، أو بالأحرى، قد أُجبر على أن يكون امتدادًا لصراعات السلطة بدلًا من أن يكون ناقدًا لها.
لكن هذه الاستقالة ليست مجرد خلل فردي أو ضعف في الإرادة، بل هي نتاج تاريخ طويل من التشظي الأيديولوجي، ومن انخراط المثقف في شبكات السلطة، سواء عبر سياسات الاحتواء أو عبر إقصائه من المجال العام.
وهنا تبرز أسئلة أعمق: هل كان المثقف السوداني يومًا ما خارج هذه الدوامة أصلًا؟ أم أن مفهوم “المثقف المستقل” ذاته هو مجرد بناء مثالي لا وجود له في واقع تتحكم فيه بنى الدولة العميقة؟
إن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في انحياز المثقفين إلى أحد طرفي الصراع، بل في كيفية تحولهم إلى أدوات خطابية داخل هذا الصراع نفسه.
فالعديد من المثقفين الذين كانوا يحلمون بوطن ديمقراطي، وجدوا أنفسهم في لحظة ما أمام خيانة العسكر للشراكة الهشة مع القوى المدنية، مما أصابهم بإحباط عميق جعلهم يتنقلون بين مواقعهم الفكرية دون وعي نقدي.
ومن جهة أخرى، هناك من تحركه دوافع تاريخية للثأر من المركز، متجاهلًا أن العدو الحقيقي هو التحالف بين الجبهة الإسلامية والانتهازيين الذين التفوا حولها، وحركات الكفاح المسلح التي تحولت إلى مشاريع ارتزاق، لا مشاريع تحرر.
إن هذا التوزع الفكري لا يمكن فهمه دون العودة إلى تاريخ طويل من إعادة إنتاج الهيمنة في السودان.
فمنذ الاستعمار البريطاني، مرورًا بالحكومات العسكرية المتعاقبة، ظل المثقف في موقع المتلقي أكثر منه في موقع الفاعل.
إن أحد أبرز الإشكالات التي واجهها المثقف السوداني هو كونه لم يمتلك يومًا سلطة معرفية مستقلة؛ فقد كانت الدولة، سواء في عهد الإسلاميين أو ما قبلهم، قادرة على دمجه داخل آلياتها، سواء عبر استقطابه إلى أجهزتها الثقافية أو عبر تهميشه إلى حد يجعله خارج أي تأثير حقيقي.
ومن هنا، يمكن قراءة أزمة المثقف السوداني في ضوء ما طرحه بيير بورديو حول “إنتاج المعرفة”، حيث يظل المثقف محكومًا بعلاقته مع الحقل السياسي، لا بوصفه فاعلًا حرًا، بل بوصفه جزءًا من شبكة المصالح التي تحدد موقعه وإمكانية تأثيره.
لكن هذا لا يعني أن المثقف السوداني مجرد ضحية، بل هو، في كثير من الأحيان، جزء من آليات إنتاج الهيمنة التي يدّعي معارضتها.
فخطاب الهوية الذي يرفعه بعض المثقفين اليوم ليس سوى امتداد لخطاب السلطة نفسه، حيث يتحول النقد إلى إعادة إنتاج لثنائية “المركز والهامش” دون تفكيك البنية العميقة التي تجعل هذه الثنائية ممكنة.
وهنا يمكن استدعاء مفهوم ميشيل فوكو عن السلطة، بوصفها ليست مجرد قمع من الأعلى، بل علاقات قوة معقدة تتغلغل حتى في الخطابات التي تبدو معارضة لها.
فحين يتبنى المثقف خطابًا يرى في المركز عدوًا مطلقًا، دون وعي نقدي لمسألة أن السلطة ليست حكرًا على المركز، بل تمتد إلى الهامش نفسه عبر أدوات أخرى، فإنه يقع في إعادة إنتاج نفس البنية التي يسعى إلى هدمها.
وإذا كان المثقف السوداني قد عانى تاريخيًا من القمع والتهميش، فإنه في اللحظة الحالية يعاني من شيء أكثر تعقيدًا: أزمة المعنى.
فمع التحولات المتسارعة، ومع سقوط المشاريع الكبرى، لم يعد هناك خطاب متماسك يمكنه أن يقدم أفقًا للخروج من هذه الدوامة.
هنا، يمكن الاستشهاد بإدوارد سعيد، الذي يرى أن المثقف يجب أن يظل في موقع “المنفي”، لا بمعنى النفي الجغرافي فقط، بل النفي المعرفي الذي يبقيه في موقع المساءلة المستمرة لكل الخطابات السائدة.
لكن أين يقف المثقف السوداني اليوم؟ هل هو في موقع النقد، أم أنه قد تحول إلى مجرد صدى للأحداث، يتحرك وفق ديناميات الصراع لا وفق رؤية نقدية مستقلة؟
إن هذا المشهد يجعل من الضروري إعادة التفكير في دور المثقف، لا بوصفه مجرد معلق على الأحداث، بل بوصفه فاعلًا في إعادة تشكيل الوعي الجمعي.
لكن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق دون تفكيك العلاقة المعقدة بين المثقف والسلطة، ودون إدراك أن الانحيازات العاطفية والسياسية ليست بديلًا عن التحليل النقدي العميق.
إن أزمة المثقف السوداني ليست فقط في مواقفه، بل في بنيته الفكرية ذاتها، التي تجعل من الصعب عليه أن يكون خارج دائرة الاستقطاب.
وهنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف يمكن للمثقف أن يكون جزءًا من الواقع، دون أن يكون أسيرًا له؟ كيف يمكنه أن ينخرط في الصراع، دون أن يصبح مجرد امتداد لأحد أطرافه؟ وكيف يمكنه أن يعيد تعريف دوره، دون أن يقع في فخ المثالية التي تجعله معلقًا بين السماء والأرض؟
ربما يكون الحل في تجاوز النموذج التقليدي للمثقف، ذلك الذي يرى نفسه فوق الصراع، إلى نموذج أكثر ديناميكية، يعي أن المعرفة ليست محايدة، لكنها أيضًا ليست مجرد سلاح في معركة سياسية آنية.
إن إعادة بناء دور المثقف السوداني تتطلب تفكيك الأوهام التي تحيط به، والاعتراف بأنه ليس مجرد ضحية، لكنه أيضًا جزء من البنية التي أنتجت هذا الواقع.
عندها فقط، يمكن للمثقف أن يستعيد دوره، لا بوصفه مجرد ناقد، بل بوصفه فاعلًا في إنتاج واقع جديد، يتجاوز ثنائية السلطة والمعارضة، نحو أفق أكثر رحابة، حيث يكون النقد ليس مجرد رد فعل، بل ممارسة مستمرة لإعادة تعريف العالم.
بالنظر إلى التحولات التي يشهدها السودان اليوم، فإن المثقف السوداني أمام فرصة جديدة لإعادة تشكيل دور أكثر تفاعلًا مع التغيرات الاجتماعية والسياسية.
عليه أن يطور أدوات معرفية وأيديولوجية تتجاوز الانقسام بين المركز والهامش، وتتحرك نحو بناء أرضية مشتركة تسهم في تقديم رؤية أوسع للمستقبل.
من خلال مشاركة أعمق في قضايا المجتمع، وليس فقط في القضايا السياسية، يمكن للمثقف أن يسهم في تجديد الأمل وإعادة بناء الوعي الجماعي، الذي قد يساهم في الخروج من الأزمة الحالية.
ربما يكون الطريق إلى هذا التغيير عبر التفكك من النموذج التقليدي للمثقف، الذي يتخيل نفسه فوق الصراع السياسي، ليأخذ موقعًا أكثر انسجامًا مع الحركات الاجتماعية القائمة على أرض الواقع.
فهذا التحول يتطلب تحولًا في الوعي المعرفي، بأن المعرفة ليست محايدة، ولا مجرد أداة في معركة، بل هي وسيلة لبناء أفق جديد وواقعي.
zoolsaay@yahoo.com