موقع النيلين:
2025-05-02@16:49:26 GMT

الدراما السودانية تعود من تحت الركام

تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT

في بلدٍ تلتهمه نيران الحرب، حيث تُعاد صياغة الخرائط بدماء الأبرياء، وتحترق ملامح المدن تحت وطأة القصف، تنهض الدراما السودانية كصوتٍ أخير للمقاومة، وكأنها تحاول انتزاع الحياة من بين أنياب الموت.
في عامين فقط، غرق السودان في الفوضى، لكن وسط الركام، خرجت أصوات تحاول إعادة تشكيل الواقع، ليس بالسلاح، بل بالصورة والكلمة.

الدراما السودانية قبل الحرب: حلم لم يكتمل
قبل أن يدوي الرصاص، كانت الدراما السودانية تستعيد أنفاسها بعدما عاشت سنوات من الركود والتهميش في عهد البشير. بدأت تجارب واعدة تشق طريقها نحو جمهور متعطش لرؤية قصص تعكس واقعه، بأدوات فنية أكثر تطورا وحبكات تخرج عن المألوف. وجوه شابة كانت تتقدم الصفوف، والمشهد الدرامي بدا وكأنه يوشك على الدخول في عصر جديد، إذ تميزت معظم الأعمال الدرامية بالاقتحام والجرأة الشديدة في تناول ما يُسمّى بـ”المسكوت عنه” في المجتمع السوداني.
لكن الحرب لم تمنح هذا الحلم الجريء فرصة ليكتمل، فسرعان ما انطفأت الأضواء الساطعة، ووجد الفنانون والمخرجون أنفسهم بين النزوح واللجوء، فيما تحولت مواقع التصوير إلى ساحات معارك، والكاميرات إلى شهود على المأساة. ومع انهيار الصناعة، لم يكن أمام صُنّاع الدراما سوى البحث عن ملاذ خارج الحدود، حيث وُلِدت محاولات متواضعة للبقاء، لكن تحت ظروفٍ قاسية لم تترك مجالا للإبداع، بل فرضت واقعا جديدا من النجاة بالكاد.
دراما الحرب: نجاة مؤقتة عبر الشاشة
بإمكاناتٍ شحيحة، ورغم رائحة البارود التي تخترق كل زاوية، جاءت الدراما السودانية هذا العام كصرخة وسط الدمار. موسمٌ درامي يعكس المعاناة، حيث تتسابق الأعمال في تصوير الأزمات الاقتصادية، والانتهاكات المروعة، وأحلام السودانيين التي تتهاوى تحت نيران الحرب.

“ديالا”، المسلسل الذي يقوده النجم أحمد الجقر، الذي درج على خوض السباق الرمضاني في السنوات الأخيرة، ويقتحم المسلسل المذكور تفاصيل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تُحاصر السودانيين، مقدّما بانوراما درامية تعكس نبض الشارع.
أما “هروب قسري”، لمصعب عمر، الملقب بـ”زول ثقيل”، فيغوص في مأساة الانتهاكات التي تطال المدنيين، مسلطا الضوء على القتل والاعتداءات التي تمارسها قوات الدعم السريع، وسط حبكة درامية تضع مأساة الحرب وظلالها القاتمة في صلب الأحداث. رغم محدودية الإمكانيات، يرى كثيرون أن العمل، المستوحى من قصة حقيقية لبعض الأسر السودانية، والذي يحمل توقيع هيثم الأمين في التأليف والإخراج، يُعدّ واحدا من أبرز الإنتاجات الرمضانية هذا العام. لكن المفاجأة كانت في توقف حلقات المسلسل عن البث لأسباب إنتاجية، وفقًا لما أعلنه صُنّاعه.
أما “صدمة حرب”، فيأخذ فيه المخرج عبد الخالق الساكن المشاهد في رحلةٍ متأرجحة بين الألم والأمل، موثّقًا تجارب قاسية يعيشها السودانيون في ظل الحرب.
بينما يختار “أقنعة الموت”، للمخرج أبو بكر الشيخ، الغوص في كوارث الحرب. الشيخ، الذي تولّى القصة والسيناريو والحوار والإخراج، متقفياً خطى المخرج المصري الشهير محمد سامي في المواسم الأخيرة في تولي القصة والسيناريو والإخراج.
أما “دروب العودة”، فيتناول قضية الهجرة غير الشرعية، متتبعا مخاطرها على الشباب السودانيين الذين يدفعهم الواقع المرير إلى المغامرة بأرواحهم بحثا عن ملاذٍ آمنٍ.
دراما الحرب بين الإدانة والتحليل
لكن وسط هذا الكم من الإنتاجات، هل نجحت الدراما السودانية في تقديم رؤية أعمق للحرب؟ أم أنها اكتفت بعرض الجراح من دون تحليلها؟
يرى الناقد الفني هيثم أحمد الطيب أن الإنتاج هذا العام كان مكثفا لكنه افتقر إلى التنوع المطلوب، حيث غرق في زاوية واحدة: الحرب. ويقول لـ”العربية.نت”: “معظم الأعمال جاءت أقرب إلى منشورات سياسية تعكس رؤى معينة للصراع، لكنها لم تقدم تحليلا أعمق لأسبابه أو مآلاته. الحرب ليست فقط صورا للدمار والانتهاكات، بل هي منظومة معقدة تتطلب تفكيكا دراميا أكثر ذكاءً”.
ويضيف الطيب أن الأعمال لم تقدم أدوات نقد حقيقية تسمح للجمهور بفهم الحرب من زوايا مختلفة، مثل طرح أسئلة حول: من يقود الصراع؟ وما البدائل الممكنة؟ بدلا من الاكتفاء بإدانة ما يجري دون تقديم إجابات.
صعود البلوغرز: هل تهدد موجة المؤثرين جودة الدراما؟
بالتزامن مع هذه الطفرة الإنتاجية، تصاعد حضور مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي في المشهد الدرامي، وهو ما يثير جدلا واسعا. فمن ناحية، يجذب هؤلاء قاعدة جماهيرية واسعة، لكن من ناحية أخرى، يرى البعض أن افتقارهم للمهارات التمثيلية يجعل الدراما تبدو وكأنها نسخة مطولة من فيديوهات “الترند”.
وفي السياق يؤكد الطيب لـ”العربية.نت”: “إن الدراما ليست مجرد تفاعلٍ رقمي أو انفعالات سطحية، بل تحتاج إلى أدوات مهنية حقيقية. بعض البلوغرز لديهم حضورٌ قوي، لكنهم يفتقرون إلى الحرفية، وهو ما ينعكس سلبا على جودة الأعمال”.
ويحذّر من أن اعتماد المنتجين على نجوم السوشيال ميديا قد يؤدي إلى تراجع المستوى الفني، مشيرا إلى أن الحل يكمن في إدماج هؤلاء المؤثرين ضمن ورش تدريبية لصقل مواهبهم.

صلاح أحمد: الدراما السودانية بين الطموح والعثرات
أما النجم السوداني صلاح أحمد، فيرى أن المشهد الدرامي يمر بمرحلة انتقالية. ويقول لـ”العربية.نت”: “الجانب الإيجابي أن هناك إنتاجا دراميا متزايدا، كما دخل جيلٌ جديد إلى الساحة. لكن في المقابل هناك جوانب سلبية، إذ تعاني معظم الأعمال الدرامية من ضعفٍ فني واضح، حيث تم تصوير بعضها بكاميرات الهواتف المحمولة، ما أثّر على جودة المشاهد من حيث الزوايا والإضاءة والمونتاج”.
كما أن بعض المنتجين يلجأون إلى الاعتماد على ممثلين جدد أو هواة فاقدي الخبرة والتجربة لتقليل التكاليف، وهو ما أدى إلى أداء باهت في العديد من المشاهد، لأن الموهبة وحدها لا تكفي.
كما شدد أحمد على ضرورة الاستعانة بكُتّاب محترفين أمثال عبد الناصر الطائف، خليفة حسن بلة، عادل إبراهيم محمد خير، أو أنس أحمد عبد المحمود لضمان جودةالنصوص، وتقديم أعمالٍ أكثر عمقا، حيث ظهرت مشاكل كبرى في النصوص والسيناريوهات لمعظم المسلسلات هذا العام. لكنه مع ذلك، لا يغلق الباب أمام الشبان الموهوبين، مع الأخذ في الاعتبار أن المسلسلات تحتاج إلى الخبرة والتجربة بجانب الموهبة لتشابك الخطوط الدرامية.
أما أفضل الأعمال الدرامية في السباق الرمضاني هذا العام، فيؤكد أحمد لـ”العربية.نت” أن “أقنعة الموت”، للمخرج الموهوب أبو بكر الشيخ، يُعدّ من أبرز الأعمال الدرامية اللافتة هذا الموسم، حيث يعكس العمل، الفارق الذي تصنعه الخبرة والتجربة والاجتهاد، إلى جانب الاستعانة بممثلين محترفين، ما أضفى على العمل جودة فنية مائزة.
نحو دراما سودانية أكثر نضجا
رغم كل التحديات، يبقى السؤال: هل وصلت الدراما السودانية إلى مرحلة النضج؟ أم أنها لا تزال تبحث عن هويتها وسط ركام الحرب؟
يبدو أن هذه المرحلة هي مجرد بداية، لكنها لا تكفي. فبينما نجحت بعض الأعمال في تسليط الضوء على الجراح، لا يزال أمام الدراما السودانية طريقٌ طويل لتقديم معالجةٍ درامية أكثر ذكاءً، تحفر أعمق في جذور المأساة، وتطرح أسئلةً حقيقية حول المستقبل.

العربية نت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدراما السودانیة الأعمال الدرامیة لـ العربیة نت هذا العام

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تحت أرض الخرطوم) 4

أستاذ
ما نريده من الحكاية التالية هو أن الإعداد لقحت… ثم الدعم … ثم الحرب كان إعداداً يستغرق سنوات
وبإسلوب قائد جيش زيناوى (تجد الحكاية أدناه،)
(غصباً نمتى انقو لا لا بى اقروا شهيدا .. اليج)
يعني… حبة حبة سوسيو دجاجة ثم ألف دجاجة..
……..
وقادة معارضة حكومة البشير عند زيناوي
والحديث عن عمل عسكري ضد البشير يجعل زيناوي يشير إلى حذاء عسكري في الدولاب الزجاجي ويقول
: أنتوا شايفين أني ملكي؟؟… انا عسكري والبوت بتاعي هو دا
قال: ما تستهينوا بالبشير…
قال: انا أخجل أداوس البشير .. لأنه هو اللي سلمني السلطة…. أنا وأفورقي… لكن الأمريكان من قبل عشرة سنين
عندهم خطة لإسقاط الخرطوم … معاي أنا ويوغندا وجاركم داك..
وبدينا فعلاً .. لكن أنا لما وصلت منطقة أبوسنينة شمال قيسان زاحف لضرب الدمازين اتذكرت أن دعم البشير كان بيجيني عبر المنطقة دي .. ورجعت
قال: انا بعرف الجميل … ويمكنكم تتعاملوا مع مصر .. لأن مصر بتشتغل سياسة … وفي السياسة مافي رد جميل …. وفتشوا السلام كمان
والحديث يذهب إلى أن المواطن السوداني لا صبر عنده .. وزيناوي يلتفت إلى قائد جيشه (بودولا) يطلب منه أن يشرح
قال هذا: بعد أذن سعادتك السودانيون لا صبر عندهم …. ونحن في الجيش نخطط لثلاثين سنة ولا نبدل الخطة
قال: نحن نجوع الخطة هذه (ويشير إلى أوراق سد النهضة على الحائط) ويقول
: نسوانا الواحدة تلد تلاتة أولاد واحد للجيش … وواحد للسودان لتحويل المال لنا من السودان .. وبعد خمسين سنة نحن الدولة الأولى في المنطقة
والرجل يقول بلغته (غثبا .. نمتى….) الجملة أعلاه
……
وقبل سنوات طويلة مانديلا بعد خروجه من السجن يسألونه عن خليفته
قال: أمبيكي
قالوا: أمبيكي قتل من الطلبة عدداً مخيفاً خمسة منهم أمام قطار
قال
: الحكاية هي أننا اخترنا خمسة طلاب أذكياء.. أمبيكي … وزوما وهيلاسلاسى وواحد من السودان … ودفعنا المال لتعليمهم في جامعات الدنيا … في مشروع (صناعة قادة افريقيا)
(الحكاية تصلح لتفسير الإلحاح على ضرب الإنقاذ لأنها أصبحت حجر عثرة
والحكاية تعني أن الماسونية الصبورة تعمل بصمت .. وبمراحل
وتعني كيف أصبحت الإمارات التي لا مشروع لها أداة هدم لعدة دول)
وزيناوي الذى كان يجلس حافيا يحكي الحكاية لوفد أخر من البشير كان يلقاه
قال: لهذا لما جاء البعض من الجنائية لاعتقال البشير فى جنوب أفريقيا زوما رفض … ومخابراته تحرس البشير حتى خروجه ..
كل أمواج صراع المخابرات في الخرطوم لعشرين سنة كانت خطوات لا تتوقف ….حتى وصل السودان إلى قحت … ثم الدعم .. ثم الحرب
والسودان لو أنه رفع يديه فوق رأسه ما استطاع تجنب الحرب …
الحرب .. وطرد السودانيين من السودان كان هدفاً لا يمكن للإمارات أن تكف عنه لأنها مكلفة بصناعة الحرب بنتائجها
…….
الأسماء وما فعله كل أحد أشياء لا يمكن الإشارة إليها لأن الحديث عندها يصبح .. كتاباً
لكننا نمضي في الحديث عن صراع المخابرات تحت وفوق أرض الخرطوم.

إسحق أحمد فضل الله
الوان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أحمد الوكيل: مبادرة مُشجِّعة.. لخلق بيئة أعمال صديقة للمستثمرين
  • أحمد السويدي:وزير المالية يلعب دورًا مؤثرًا فى دفع حركة الاستثمار والنشاط الاقتصادى
  • إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح 69%
  • إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%
  • بالفيديو .. إعلان نتيجة إمتحانات الشهادة السودانية وإسراء أحمد حيدر الأولى بنسبة 97.1 بالمائة
  • رويترز: كيف دفنت غارة أمريكية أحلام مهاجرين أفارقة تحت الركام في اليمن؟
  • أبناء الجالية السودانية: الإمارات الداعم الأكبر لبلادنا.. وأمنها خط أحمر
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تحت أرض الخرطوم) 4
  • 35 شهيدا في قطاع غزة خلال 24 ساعة.. ضحايا تحت الركام
  • كيف أدت الحرب إلى تغيرات تركيب الطبقة العاملة السودانية؟ (١/٢)