لا أعرف منة كمنة الزميل المؤرخ حسن أحمد إبراهيم، الذي غادرنا إلى الرحاب العلية في الأسبوع الماضي، عليّ مثل تزكيته كتابي "الصراع بين المهدي والعلماء" للاطلاع الحر للطلاب عن المهدية في منهاج تاريخ السودان الذي كان وضعه لطلاب المدرسة الثانوية. فلو لم تعرفني تلك التزكية بالشاعر حافظ خير لما تركت ولا أبقت.

كنت خرجت من تحت أرض الشيوعيين مغاضباً في 1978 مغاضبة استدبرت فيها شغفاً شاباً بالتغيير والزمالة. كنت عند مفترق طرق. فجاءني عصر ذات يوم حافظ تلميذاً جميل القسمات في زيه المدرسي وعرفني بنفسه. ولم أصدق ما فاتحني به بعد السلام والحباب. أخرج من خريطته مقالاً منشوراً في جريدة "السياسة" (20 سبتمبر 1978) وعنوانه "من أجل إضافة نوعية لمنهج التاريخ بالمدارس الثانوية" اقترح فيه ذلك الطالب، الذي لم يقم من "حفيرته"، على وزارة التربية والتعليم أن تقرر كتابي "الصراع بين المهدي والعلماء"، الذي لقط خبره من تزكية حسن له في الكتاب المقرر واطلع عليه مستقلاً، في منهاج تاريخ السودان. ذهلت لمجرد عنوان المقال ناهيك بعد فراغي من قراءته بعد أن تركني. أخذتني قوة شغفه الذي ساقه لقراءة الكتاب مستقلاً بعد سماع خبره. وأخذتني جراءته ليجهر بالإصلاح متى توطدت نفسه على فكرة، وأخذتني قوة عارضته لا يجهر بالرأي فحسب، بل يتحسب للاعتراض عليه ويفحم المعترض. وكان عزاء لي في وحشة مفترق الطرق وقد تركت "ضميراً عن ميامننا" تتربص بي مخاطرة شقية أخرى. وجاءني حافظ لأرى أن منصة الاستثمار في الوطن وفي شبابه ليست حكراً لأحد. يا للطرق اللاحبة! واكتب منذ يوم حافظ لقناصين عند عمائر الوطن يمكن تلتقي به ويمكن لا.

من أجل اضافة نوعية لمنهج التاريخ بالمدارس الثانوية
الصراع بين المهدي والعلماء
للأستاذ عبد الله علي ابراهيم كتاب على شاكلة مختلفة

إذا اجاز لنا أن نعتبر كتابات الفراعنة ونقوشاتهم على جدران المعابد والاضرحة والمقابر الملكية أول كتاب يكتبه الانسان منذ ميلاد الإنسانية فانه ليس من باب الصدفة أن يكون أول كتاب يكتبه الانسان هو كتاب تاريخي محض لتدوين وتسجيل حياة الانسان بمناحيها المختلفة وجوانبها المتعددة.
إذ أن التاريخ كسجل شامل لجهود وتجارب إنسانية واسعة يكتسب أهميته من كون الحاضر والمستقبل يتكونان ويتشكلان من خلاله سواء كان ذلك بتشكيلهما امتداداً واعتماداً على معطيات الماضي، أو بتبنيهما خطاً جديداً يعتمد أساساً على مخالفته تلك المعطيات وذلك الأرث. وبهذه القناعة بأهمية دراسة التاريخ، وفهم حركته ودور ذلك في بناء الحاضر واستشراف المستقبل، أسعى في هذا المقال لتقديم مساهمة – اعتقد في أهميتها- لإثراء منهج في المدارس الثانوية (باعتبار أن الإضافة النوعية وليس الكمية هي المعنية بكلمة إثراء).
والاقتراح يتمثل في إضافة كتاب مختلف شكلاً ومضموناً وتناولاً إلى منهج التاريخ بالمدارس الثانوية. وقد وقع اختياري على كتاب للكاتب السوداني الفذ عبد الله على ابراهيم بعنوان (الصراع بين المهدي والعلماء) إذ أنه يستوفي مواصفات الاضافة في جانبين على قدر كبير من الأهمية والفاعلية:
1) الجانب الأول: هو أن الكتاب يساهم (نسبياً) في سد ثغرة كبيرة في منهج ووسائل مادة التاريخ بالمراحل الدراسية المختلفة والمرحلة الثانوية على وجه الخصوص. تلك الثغرة التي ألحظها في الغياب النسبي للدراسة التحليلية العملية للنصوص التاريخية عن الكتاب المدرسي. وفي الجانب الآخر تغول عنصر السرد والتسجيل على مساحات كبيرة من مخصصات تلك الدراسة لتصبح دراسة التاريخ بذلك مجرد عملية تلقينية تساهم في تكريس رؤية متخلفة لفهم التاريخ باعتباره مجرد أحداث ومعارك حربية وصراعات سياسية الخ دون روابط منطقية بين الأحداث، ودون أن يمتلك الدارس المتلقي أي رؤية تفسيرية لحركة التاريخ. كما أنها (هذه العملية التلقينية) تنأى عن الولوج إلى جوانب مهمة أخرى من حركة التاريخ غير المرئية. فتكون الصراعات المذهبية والعقائدية بتطوراتها وتحولاتها (مثلا) في إطار هذه الرؤية المتخلفة مجرد هوامش متباعدة لا أهمية قصوى لها. رغم أنها، وبمنطلق التاريخ نفسه، هي المحرك الاساسي لكل تلك الحوادث والمعارك والتحولات. ومؤكد أن تكريس مثل هذه الرؤية المتخلفة الركيكة وتأصيلها في أذهان الدارسين والطلاب بالمدارس له عواقب وخيمة في المستقبل القريب والبعيد.
2) الجانب الآخر: هو جانب لا يقل أهمية ذلك أن موضوع الكتاب المقترح نفسه موضوع جدير بالاهتمام والدراسة نسبة لقلة وندرة البحوث التاريخية التي تناولت الجوانب الفكرية والعقائدية في الثورة المهدية. وفي هذا الخصوص علق البروفسير مكي شبيكة في تصوير الكتاب المعني قائلا ً "هذا بحث مبتكر قام به الاستاذ عبد الله على إبراهيم. وقد وجدت فيه مسلكاً علمياً وتحليلياً بلغ درجة قصوى من الاتقان. إذ اقتصر الباحثون قبله في تاريخ المهدية على الناحية السياسية من سرد لتطور الاحداث وصراع المهدية مع الحكم التركي في السودان ومن أيدوه وعاونوه ولكنهم أهملوا، أو اشاروا اشارات عابرة للناحية العقائدية".
ونحن أذ نطرح هذا الاقتراح لتضمين كتاب الصراع بين المهدي والعلماء في المنهج التاريخي المدرسي نواجه باعتراضات (موضوعية) تفرضها وقائع الأحوال. وإحدى مهام هذا المقال تفسيرها بالموضوعية ذاتها وايجاد حلول حسنة تضمن لمثيريها الاقتناع. ومن هذه الاعتراضات:
· اعتراض أول: إن كتاب (تاريخ السودان الحديث 1821-1956) المقرر على الصف الثالث الثانوي يتناول في صفحة 71 في بابه الثاني (الثورة والدولة المهدية) نفس موضوع الكتاب وتحت عنوان (الصراع بين المهدي والعلماء). وفي مواجهة هذا الاعتراض نورد الحقائق والتعديلات الاتية:
يلخص مؤلف كتاب التاريخ السودان الحديث موضوع الصراع بين المهدي والعلماء في الصفحة المشار اليها في حوالي (ال 22 سطراً فقط). يبدو أنه استمد نقاطها من نفس الكتاب موضوع الاقتراح. فقد أشار في صفحتي 70و71 الى عدم توفر الدراسات "حتى وقت قريب" حول الصراع الفكري العنيف الذي أثارته المهدية في السودان والمتمثل في الصراع بين العلماء والمهدى حول أحقية الاخير بالمهدية. ثم قال: "وقد التفت المؤرخون الى الجانب الفكري في المهدي حديثاً فأعدوا دراسات فيه نذكر منها كتابيّ المؤرخين السودانيين الدكتور محمد ابراهيم أبو سليم "الحركة الفكرية في المهدية" أو الاستاذ عبد الله على إبراهيم "الصراع بين المهدي والعلماء" انتهى ص 70.
رغم ذلك فقد جاء تناول الكتاب المدرسي للموضوع مختصراً ومقتضباُ. وأظن أن ذلك كان متوقعاً لكتاب يحاول تغطية تاريخ السودان الحديث في الفترة ما بين 1821-1956. إلا أن هذا الاختصار أضر كثيرأ بطرح هذا الموضوع وتوضيح جوانب الصراع بصورة متوازنة على الأقل وتمثل ذلك في الآتي:
- طرحت (مساحة الاثنين وعشرين سطراً)، والتى حملت على عاتقها مهمة تبيان الصراع الهائل العميق الجذور بين المهدي والعلماء، طرحت رئيسين لمعارضة العلماء لمحمد أحمد علاوة على أنها أوردت داخلهما جزءاً من فتاويهم الدينية في أمر مهديته، وجزء آخر من دوافعهم لاصدار هذه الفتاوي ولمعارضته. بينما اكتفى بالاشارة الى أن المهدي أصدر منشورات مضادة حول أحقيته بالمهدية ولم يوضح فحواها ولا مضمونها، أو على الأقل النقاط الأساسية التى يعتمد عليها في دفوعاته هذه. وفي الملحق الخاص بالوثائق في الصفحات الأخيرة من الكتاب في صفحة 151-164 توجد وثيقتان فقط تختصان بأمر الدولة والثورة المهدية في الصفحات 35- 54، 155. الأولى بخصوص أسس البيعة، والثانية عن تخفيض نفقات الزواج. أي أنهما لا علاقة لهما بموضوع الصراع بين العلماء وكان الأجدر الاهتمام بتضمين الوثائق المتبادلة بين المهدي والعلماء خصوصاً وأنه اكتفى فقط بالإشارة (بعد طرح المنشورين وما حوياه) إلى أن المهدي قال في منشوراته المضادة تلك حول أحقيته بالمهدية " إنها رسالة كلفه بها الله والرسول واستبدلت القوانين الوضيعة باحكام القرآن ولذلك فإن كل من أنكر مهديته يعتبر كافراً) انتهى ص 71.
مؤكد أن طرح الموضوع في هذه المساحة وبهذا الايجاز المضر أسهم في عدم تبيان الصراع بصورة مرضية ومنطقية.
ب‌)رغم إشارة الكتاب إلى تاريخ رجال الحركة الصوفية في السودان في ص 71 المشار إليها بقوله إنهم كانوا يتمتعون بمكانة ممتازة ونفوذ قوى على الملوك و عامة الناس، ورغم إشارته الى سعى الحكومة التركية لاضعاف هذه الطبقة واهتمامه في الجانب الآخر بالعلماء الذين تلقوا تعليماً سنياً فقهياً، إلا ان ذلك لم يكن كافياً لتوضيح أن الصراع بين المهدي والعلماء السنيين الفقهيين كان في جوانبه يمثل صراعاً قديماً تليداً في الفكر الإسلامي بين الفكر السني التقليدي (والذي غالباً ما ترعاه أحهزة الدولة ودواوينها) وبين حركة فكرية وأخرى غير رسمية، شيعية كانت أم صوفية. ومثل هذه الحركة غالباً ما تنشأ بمعزل عن هيكل الدولة (راجع مقدمة كتاب عبد الله على إبراهيم في المعني)
ولو أن نقطة كهذه وضحت في الكتاب لأصبح من السهل لدارسي التاريخ في المدارس الثانوية استيعاب أصول أشكال الصراع المطروحة على الساحة السياسية منذ الاستقلال وحتى الان على طول تاريخ السودان الحديث والذي تمثل فيه هذه النقطة حجر زاوية هام نسبة لجذورها الضاربة في اعماق الفكر الاسلامي والثقافة الاسلامية في السودان.
ولعله من الإنصاف ان نشير، بعد تفنيد الاعتراض الأول، إلى التنبيه الذي قدمه مؤلف الكتاب عن ضرورة الاطلاع على الدراسات العلمية الجيدة التى أٌعدت مؤخرا في مختلف الموضوعات فقال "وقد حاولت أن أضمن هذا الكتاب بعض النتائج لتلك الدراسات القيمة غير أنه لا بد للدارسين لتاريخ السودان الحديث أن يطلعوا عليها حتى تعم الفائدة) المقدمة صفحة 3
**اعتراض ثان: ويتناول هذا الاعتراض إمكانية استيعاب الكتاب المقترح في المنهج الحالي:
أ‌) اولا هل يتناسب الكتاب مع سن طلاب المدارس الثانوية وما تفرضه هذه من مقدرات طبيعية على الفهم والاستيعاب؟ وفي هذا يجب توضيح الآتي:
يقع بحث الاستاذ عبد الله على ابراهيم في حوالي 46 صفحة مضافاً اليها ورقتين ملحقتين بمادة البحث التي تطرح من خلال ثلاثة فصول قصيرة ومقدمة مهمة توضح خطة البحث واتجاهه. يحدد الفصل الأول جذور طائفة العلماء في السودان ويتحدث الثاني عن العلماء والنشاط المعادي للثورة المهدية. وفي الثالث يستعرض المناظرة الفكرية بقطبيها (المهدي والعلماء). وبهذه الطريقة فان البحث كما أشار كاتبه لا يستوعب امتداد الصراع بين المهدي والعلماء بعد انتصار الثورة، ولا رفع المهدي للمذاهب الاربعة ورفضه لكل الاتجاهات الصوفية الأخرى. كما أنه تجنب تناول موقف العلماء البعيدين عن جهاز طائفة العلماء الحكومي الا ما اضطره في توضيح أثر المنابع الثقافية إزاء تصور (المهدي) ومنهاج الكشف الصوفي. ومن هذا يتضح أن الكتاب بهذه المحدودية يمكن أن يكون مادة سهلة الاستيعاب ومفيدة حتى في رفع درجة الفهم ومقدرات الاستنباط والتحليل لطالب المرحلة الثانوية ودون أن يكون ذلك عبئاً ثقيلاً على مستواه ومقدراته الطبيعية.
ب‌) إضافة هذا الكتاب ووضعه بين كتب التاريخ الأخرى في جدولة المنهج: هل يكون كتاباً اختيارياً مع بقية الكتب، أم يكون مادة تدرس في الصف الثاني مثلاً ولا تضمن داخل امتحانات الشهادة السودانية؟
مؤكد ان أي اتجاه لوضعه ككتاب اختياري مع أي من الكتابين المقررين على طلاب الشهادة السودانية (تاريخ العالم العربي وتاريخ السودان الحديث) غير موضوعي إذ أن الكتابين يتناولان موضوعات عديدة وطويلة. فالاول يدرس تاريخ الوطن العربي من جوانب متعددة، والآخر يدرس تطورات الاحداث في السودان منذ الغزو التركي المصري 1821م وحتى استقلال السودان 1956م. ولكن ماذا عن ال Additional history))؟ من الممكن أن نتعامل معه ككتاب إضافي تماماً كما نفعل مع مادة الرياضيات الاضافية (Additional Math). بهذه الطريقة نضمن ربط طالب الشهادة السودانية بإسلوب الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا كإعداد البحوث وطرح الدراسات العلمية الجادة ...الخ
ختاماً أرجو أن يكون هذا الاقتراح مدخلاً مناسباً لإثراء المكتبة التعليمية المدرسية ومنهج التاريخ بالتحديد. وذلك عن طريق إضافة نوعية له حتى لا تطغى السمة السردية التلقينية في تدريس المناهج التعليمية التربوية. والكتاب المقترح رغم صدوره في نهاية الستينات الا أنه بحق يعتبر كتاب على شاكلة جديدة ومنحى مختلف قادر على إضافة الجديد والمفيد.


ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تاریخ السودان الحدیث عبد الله على فی السودان أن یکون

إقرأ أيضاً:

خطاب الفوضى- كيف تحوّل الصراع السياسي في السودان إلى حرب لغوية مفتوحة؟

شهد السودان بعد انقلاب الجيش في أكتوبر 2021 انحدارًا غير مسبوق في مستوى الخطاب السياسي، حيث لم تقتصر التفاهة والانحدار اللغوي على الإسلاميين فحسب، بل شملت أيضًا القوى المدنية بمختلف تياراتها، إضافة إلى المؤسسة العسكرية التي حاولت تبرير استحواذها على السلطة عبر خطاب يقوم على التخويف والتبرير السياسي المراوغ. يعكس هذا التدهور أزمة أعمق في الفكر السياسي السوداني، حيث أصبح الخطاب أداةً للتعبئة العاطفية والتخوين بدلًا من أن يكون وسيلةً للحوار العقلاني وبناء التوافق الوطني.
الخطاب السياسي كأداة للهيمنة والإقصاء
لم يعد الخطاب السياسي في السودان وسيلةً لنقل الأفكار أو النقاش الموضوعي، بل تحول إلى سلاح لإقصاء الخصوم وإحكام السيطرة السياسية. الإسلاميون، الذين وجدوا أنفسهم خارج السلطة بعد ثورة ديسمبر 2019، استخدموا خطابًا دينيًا متشددًا، متهمين القوى المدنية بالعمالة للخارج والسعي لتدمير هوية البلاد الإسلامية. في المقابل، لم يكن خطاب القوى المدنية أكثر نضجًا؛ إذ لجأت إلى التخوين المتبادل وانقسمت بين مناصري الانقلاب ومعارضيه، مما أضعف موقفها وسهّل على العسكر الاحتفاظ بالسلطة.
الكتلة الديمقراطية التناقض بين الخطاب والممارسة
برزت الكتلة الديمقراطية، التي ضمت قوى سياسية وحركات مسلحة مثل حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان، كلاعب رئيسي في المشهد السياسي بعد الانقلاب. هذه الكتلة سعت في البداية إلى تبرير الانقلاب واتهام قوى الثورة بالفشل في الحكم، لكنها عادت لاحقًا لتبني خطابًا مدنيًا يطالب بعودة الديمقراطية، رغم دعمها السابق للحكم العسكري. هذه الازدواجية أضعفت موقفها السياسي وكشفت عن غياب رؤية واضحة، حيث بدت مواقفها محكومة بالمصالح المرحلية أكثر من المبادئ الديمقراطية.
خطاب العسكر التخويف والتبرير السياسي
من جهته، لجأ الجيش إلى خطاب يركز على حماية الأمن القومي والاستقرار، محاولًا تصوير الانقلاب كخطوة ضرورية لإنقاذ البلاد من الفوضى. استخدم القادة العسكريون لغة التخويف من "الفراغ السياسي" و"الانزلاق نحو الفوضى" لتبرير بقائهم في السلطة. كما عمل الإعلام الرسمي على الترويج لرواية مفادها أن الجيش هو الضامن الوحيد لوحدة السودان، متجاهلًا حقيقة أن الانقلاب هو الذي أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية.
مقارنة بين خطاب الإسلاميين، القوى المدنية، والعسكر
الفاعل السياسي
أبرز سمات الخطاب
الإسلاميون خطاب ديني متشدد، تخوين الخصوم، تصوير المدنيين كعملاء للغرب

القوى المدنية (الكتلة الديمقراطية) تناقض في المواقف، خطاب مزدوج بين دعم الانقلاب والمطالبة بالديمقراطية

المؤسسة العسكرية خطاب التخويف، تبرير الانقلاب، احتكار الوطنية

تأثير الخطاب السياسي على المشهد العام
ساهم هذا الخطاب المشوه في عدة نتائج خطيرة-
إضعاف فرص التحول الديمقراطي - لا يمكن بناء دولة مدنية في ظل خطاب يقوم على التخوين والإقصاء.
تعميق الانقسامات داخل القوى المدنية- التشرذم أضعف موقف القوى المناهضة للانقلاب وأطال أمد الأزمة.
إفقاد الجماهير الثقة في النخب السياسية- عندما يصبح الخطاب السياسي مجرد شعارات خاوية، يفقد المواطنون إيمانهم بالعملية السياسية برمتها.
كيف يمكن تصحيح المسار؟
لإصلاح الخطاب السياسي، لا بد من -وقف حملات التشويه المتبادل: الحوار بين القوى المختلفة ضرورة لإنهاء حالة الاستقطاب.
إعادة تعريف الأولويات - التركيز على القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد والأمن بدلاً من الصراعات الأيديولوجية.
ضبط الإعلام السياسي- يجب أن يكون الإعلام منصة توعوية بدلاً من أداة للتحريض والتضليل.
إن تفاهة الخطاب السياسي في السودان اليوم ليست مجرد أزمة لغوية، بل انعكاس لأزمة سياسية وفكرية أعمق. وكلما استمر هذا الانحدار، زادت صعوبة الوصول إلى حل سياسي حقيقي يعيد الاستقرار إلى البلاد.
المطلوب اليوم هو خطاب سياسي مسؤول، يعكس التحديات الحقيقية التي تواجه السودان، بدلاً من الاكتفاء بإعادة إنتاج نفس المفردات التخوينية والمواقف المتناقضة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • المهذب بن الزبير.. حتى النسيم يخونني.. إصدار جديد بهيئة الكتاب
  • اكتشاف “فصل خفي” في تاريخ تطور البشر
  • لأول مرة في التاريخ الدولي.. إمرأة “متحولة جنسيا” تدير مباراة كرة قدم
  • “نيان دي ران” حكايات من السودان القديم
  • لو صعد “عبدالعزيز عُشر” سيقضي على ماتبقى من السودان تماماً وسينتقم لماضيه السيء
  • «أبياه» يعلن قائمة “صقور الجديان” لمواجهتي السنغال وجنوب السودان في تصفيات المونديال
  • خطاب الفوضى- كيف تحوّل الصراع السياسي في السودان إلى حرب لغوية مفتوحة؟
  • “إغاثي الملك سلمان” يوزّع 1.200 سلة غذائية في محلية كرري بالخرطوم
  • الحركة الشعبية لتحرير السودان “التيار الثوري الديمقراطي” بيان حول إجتماع المكتب القيادي