إشكالية الهوية بين الوطنية والقومية
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
#إشكالية_الهوية بين #الوطنية_والقومية
الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين/ إربد
عندما نتناول مسألة الهوية الوطنية والهوية العربية من منظور فلسفي، فإننا نغوص في أعماق المفاهيم التي تجمع بين التاريخ والسياسة والثقافة والوجود الإنساني ذاته، فالهوية ليست مجرد إطار انتمائي، بل هي سيرورة ديناميكية تتشكل من خلال التفاعل بين الفرد والمجتمع، وبين الماضي والحاضر، وبين الذات والآخر، أي أنها ليست قالبًا جاهزًا، بل هي عملية مستمرة من التفاوض بين ما كنّا عليه وما نصبو لأن نكونه.
وتطرح الهوية إشكالية أساسية: من نحن؟ وما الذي يميزنا عن غيرنا؟
فلسفيا، يعد هذا السؤال من أكثر الأسئلة تعقيدًا، لأنه يتطلب تحديدًا لعناصر الذات في مواجهة الآخر، فالهوية الوطنية تُعرَّف عبر علاقتها بالدولة والتاريخ السياسي والاجتماعي، بينما تُعرَّف الهوية العربية من خلال اللغة والتاريخ المشتركين، غير أن كليهما يواجه تحديًا مستمرًا في ظل العولمة والصراعات السياسية والهيمنة الثقافية التي تعيد تشكيل وعي الأفراد والجماعات.
غير أن التوتر الحاصل بين الهوية الوطنية والهوية العربية لا ينحصر في كونه تناقضا سطحيا، بل هو جدل يعكس تعقيدات التاريخ العربي الحديث، فمنذ نشوء الدول الوطنية (نتاجات سايكس وبيكو) بعد تفكك الإمبراطوريات، بدأ الانقسام بين الانتماء القومي والانتماء الوطني يتعمق، حيث سعت الأنظمة السياسية إلى ترسيخ هوية وطنية مستقلة على حساب الهوية القومية الجامعة، لكن السؤال الأكبر يكمن في: هل يمكن للفرد أن يكون عربيًا دون أن يكون له انتماء وطني محدد؟ أو أن يكون وطنيًا دون أن يكون له امتداد عربي؟
إذا نظرنا إلى هذه الجدلية من منظور الألماني (هيغل)، فإننا نجد أن الهوية تتشكل من خلال جدلية “الذات والآخر”، أي أن تعريف الهوية لا يمكن أن يكون منعزلاً عن الصراعات والتفاعلات مع الهويات الأخرى، فالهوية الوطنية تتبلور غالبًا في مواجهة التحديات الداخلية كالصراعات السياسية والتنوع العرقي، بينما تتشكل الهوية العربية في مواجهة الهيمنة الخارجية ومحاولات طمس الذات الحضارية.
أما الفرنسي (بول ريكور) فيرى أن الهوية ليست كيانًا ثابتًا، بل هي سردية مستمرة تتشكل عبر الزمن من خلال الأحداث والتجارب التاريخية، فالهوية الوطنية تتطور نتيجة التغيرات السياسية والاجتماعية، بينما تستمد الهوية القومية قوتها من تراكمات ثقافية تمتد عبر التاريخ، وبذلك فإن أي محاولة لتجميد الهوية في قالب ثابت تؤدي إلى إقصاء جزء من المجتمع أو إنكار التحولات الطبيعية التي تطرأ عليها.
أما في سياقنا العربي، نجد أن الأنظمة السياسية والإيديولوجيات القومية حاولت عبر التاريخ فرض تعريفات معينة للهوية، مما أدى إلى توترات بين النزعة القطرية والنزعة القومية، ومع ذلك فإن المفكر المغربي (محمد عابد الجابري) أكد أن المشروع النهضوي العربي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجاوز الثنائية الزائفة بين الهوية الوطنية والقومية، والتركيز على بناء وعي عربي حديث قائم على الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.
وإذا ما أردنا البحث عن حلول فلسفية لهذا التحدي، فعلينا أن ننتقل من مفهوم الهوية الأحادية إلى مفهوم الهوية المركبة، فكما تحدث اللبناني (أمين معلوف) عن فكرة “الهويات القاتلة”، حيث يؤدي التشدد في تعريف الهوية إلى الإقصاء والصراعات، فإن بناء هوية عربية وطنية متوازنة يتطلب تجاوز الإقصاء والاعتراف بتعددية الانتماءات.
وبالتالي، فإن الهوية ليست مجرد ماضٍ يُستدعى، بل هي مشروع يُبنى، فلا يمكن تحقيق نهضة عربية دون تعزيز الهويات الوطنية بطريقة لا تتعارض مع البعد العربي، بل تكمله وتغذيه في إطار مشروع حضاري مشترك، وهذا يتطلب نهجًا قائمًا على الحرية الفكرية، والتعددية، والتفاعل مع متغيرات العصر دون التخلي عن الجذور التاريخية.
وإن النقاش حول الهوية الوطنية والهوية العربية لا يجب أن يبقى في إطار الجدل السياسي فقط، بل يجب أن يتحول إلى مشروع فكري يعيد تعريف العلاقة بين الفرد والجماعة، وبين المحلي والقومي، وبين التراث والحداثة، فلا يمكن للوطنية أن تنجح إن لم تكن جزءًا من فضاء ثقافي أوسع، كما لا يمكن للعروبة أن تتحقق دون أن تجد تجسيدًا عمليًا في الدول الوطنية.
فالهوية، ليست معطى جاهزًا، بل هي مشروع مستمر يتطلب إعادة التفكير فيه وفق تطورات الزمن، وإعادة بنائه في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
وأخيرًا يبقى السؤال الإشكالي الذي يفتح بابا واسعا على النقاش: كيف يمكن للدول العربية اليوم أن تتجاوز أزماتها الهوياتية لبناء مستقبل مشترك؟
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة الهویة العربیة من خلال أن یکون لا یمکن
إقرأ أيضاً:
حزب الجبهة الوطنية يناقش خطة العمل وتطوير الأداء الإعلامي
أكد السيد القصير الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية أن اللجنة المُشكلة لاختيار قيادات الحزب في الأمانات النوعية وأمانات المحافظات، برئاسة الدكتور عاصم الجزار، مستمرة في عقد اجتماعاتها لاستكمال التشكيلات التنظيمية في أسرع وقت، تمهيدًا لانطلاق الفعاليات الميدانية والاستعداد المبكر للانتخابات البرلمانية المقبلة.
وخلال اجتماع الأمانة العامة لمناقشة خطة العمل للفترة المقبلة في ضوء التحديات الوطنية والاستحقاقات السياسية المرتقبة أعلن القصير اقتراب افتتاح المقر الرئيسي الجديد للحزب بالقاهرة الجديدة، ليكون مركزًا متطورًا لإدارة العمل الحزبي وتنظيم الفعاليات المختلفة، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاقة قوية للحزب على كافة المستويات التنظيمية والسياسية والإعلامية.
واستعرض الاجتماع مع أمين العضوية اللواء أحمد سعد موقف إصدار وتسليم كارنيهات العضوية، حيث تم التأكيد على الانتهاء من كافة الإجراءات التنظيمية لضمان انتظام عملية القيد والتوثيق.
كما ناقش الاجتماع مع أمين أمانة الإعلام الدكتور محمود مسلم تقييم الأداء الإعلامي للحزب خلال المرحلة الماضية، وجرى استعراض أبرز الخطوات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية لرسم صورة ذهنية جيدة للحزب، مع وضع خطة لتطوير الخطاب الإعلامي وتعزيز حضور الحزب في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بحث احتياجات الأمانة من الكوادر والإمكانيات التقنية اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة.
وتناول الاجتماع أيضًا خطة تطوير الموقع الرسمي للحزب ليكون أكثر تفاعلاً مع المواطنين وأعضاء الحزب، ويعكس نشاط الحزب ورؤيته بفعالية.
وتم خلال الاجتماع، الإشادة بالزخم والأنشطة والفعاليات التي نظمها الحزب خلال الفترة الماضية وخاصة خلال احتفالات عيد الفطر المُبارك.
عقد اجتماع الأمانة العامة لحزب الجبهة الوطنية برئاسة السيد القصير وبحضور نواب الأمين العام النائب أحمد أباظة، محمد منار عنبه، اللواء محمد عصام، وكذلك المساعدين أحمد الحمامصي، مصطفى مسلم، وحمزة أحمد عضو هيئة المكتب.