واشنطن وأبوظبي تقودان جهود «التخريب»: الرياض والمأزق اليمني
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
واشنطن وأبو ظبي تقودان جهود «التخريب»: الرياض والمأزق اليمني
ما كان بن زايد ليتجرّأ على تحدّي بن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتيه.
أوقعت السعودية نفسها في مأزق وذلك بسبب عوائق سياسية وميدانية تضعها في وجهها أبوظبي، مدعومةً من واشنطن وتل أبيب.
التطوّر في العلاقات السعودية - الإيرانية، والذي تبدو الرياض راغبة فيه بشدّة، يوحي بأن المملكة لا تريد العودة إلى الحرب، مهما كان الثمن.
التدخّل الإماراتي بالأساس لم يكن في نفس سياق التدخّل السعودي، وكان الهدف منه تحقيق مصالح نظام أبوظبي البعيدة المدى على حساب السعودية.
العقبة الأساسية أمام السعودية لنيل ما تريد باليمن هي التخريب الأميركي - الإماراتي، الذي يمنعها من الاستجابة لمتطلّبات الاتفاق، ويضعها أمام خيارين كلاهما مرّ!
الإمارات قادرة على تفجير أزمات بوجه السعودية، فتتلاعب بالكهرباء وتحمل الرياض مسؤوليتها لإثارة سخط الرأي العام الجنوبي، وتسيطر على جزر اليمن الاستراتيجية.
هل ستّتخذ السعودية قرارا بالخروج من الحرب مما سيُعدّ أكبر تحدٍّ سعودي لأميركا في تاريخ علاقات البلدَين؟ أم تُخاطر بانهيار الهدنة وتعطيل مشاريع بن سلمان الكبرى؟
الأميركيون، بالتعاون مع الإمارات، لن يدَعوا السعودية تُحقّق ما تريد، وهذا ما يفسّر التصاعد الكبير في «أزمة» العلاقات السعودية - الإماراتية، والتي يتزايد خروجها إلى العلن.
* * *
تقف السعودية على مفترق طرق في ما يتعلّق بالحرب اليمنية، في ظلّ عجزها عن تقديم ما يتوجّب عليها للتوصّل إلى اتفاق سلام مع الحوثيين يُخرجها من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه، وذلك بسبب عوائق سياسية وميدانية تضعها في وجهها أبوظبي، مدعومةً من واشنطن وتل أبيب.
فهل ستّتخذ قراراً كبيراً بالخروج من تحالف العدوان، الأمر الذي سيُعدّ أكبر تحدٍّ سعودي لواشنطن ربّما في تاريخ العلاقات بين البلدَين، أم ستبقى في هذا التحالف وتُخاطر بانهيار الهدنة واحتمال تعطيل المشاريع الكبرى لوليّ العهد، محمد بن سلمان؟
على رغم التطوّرات الكبيرة التي شهدها الإقليم في الأشهر الأخيرة، وأبرزها الاتفاق السعودي - الإيراني، وما سبقه من مفاوضات يمنية - سعودية أسفرت عن هدنة طويلة جنّبت الأراضي السعودية القصف شبه اليومي الذي كانت تتعرّض له، إلّا أن المملكة لا تزال تبدو عاجزة عن تحقيق هدفها المتمثّل في الخروج من المأزق اليمني.
ما لا ريب فيه أن التوصّل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب اليمنية، هو مصلحة حيوية سعودية، ويتوقّف عليه مستقبل المملكة نفسها ومصير المشاريع الكبرى لحاكمها الفعلي، وليّ العهد، محمد بن سلمان، الذي لم يَعُد بالإمكان تصوّر نجاح خطته «رؤية 2030» من دون سلام في اليمن.
في المقابل، يبدو هذا السلام بعيد المنال حتى الآن. الرهان السعودي على الاتفاق مع إيران، لتهيئة الأجواء لسلام يمني كان صائباً، لكنه غير كافٍ.
فالسعودية لا تزال غير قادرة على الاستجابة لمستحقّات السلام، وهي لم تستطع حلّ بنود تتعلّق بالمرتّبات وتبادل كلّ الأسرى، فكيف بالتوصّل إلى اتفاق مع الحوثيين حول شكل الحكم في اليمن بعد السلام وإعادة الإعمار، وما سيكون دور كلّ من الطرفين في المستقبل لضمان استمرار السلام، إذا ما جرى التوصّل إليه.
العقبة الأساسية أمام السعودية لنيل ما تريد في اليمن، تتمثّل في التخريب الأميركي - الإماراتي، الذي يمنعها من الاستجابة لمتطلّبات الاتفاق، والذي يضعها أمام خيارين كلاهما مرّ:
- الأول هو الخروج من تحالف الحرب، والتصرّف بمعزل عن الرغبة الأميركية، وهذا إذا حصل سيكون أكبر تحدّ لواشنطن منذ إقامة العلاقات السعودية - الأميركية قبل ثمانين عاماً، ويتجاوز بكثير الصدّ السعودي للأميركيين المتمثّل في عدم تلبية مطالبهم النفطية وتطوير العلاقات مع الصين وروسيا؛
- الثاني هو البقاء في التحالف وعدم تقديم ما يلزم للتوصّل إلى سلام، وبالتالي جعل الطرف الآخر المتمثّل في «أنصار الله» في حِلّ من التزاماته، ومن ثمّ العودة إلى الحرب وإلى القصف شبه اليومي للأراضي السعودية.
فالمملكة هي الدولة الرئيسة في الحرب اليمنية، ويتوجّب عليها وقفها وإبطال مفاعيلها كالحصار ودفع تعويضات، إذا أرادت الاستفادة من وقف الردود اليمنية عليه.
التطوّر في العلاقات السعودية - الإيرانية، والذي تبدو الرياض راغبة فيه بشدّة، يوحي بأن المملكة لا تريد العودة إلى الحرب، مهما كان الثمن.
هذا على الأقلّ ما أشارت إليه الحفاوة التي استُقبل بها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته المملكة قبل أيام واجتماعه بولي العهد السعودي، الذي نُقل عنه مديحه إيران في تسجيل صوتي مسرّب قال فيه إنه يتعلّم من التاريخ الإيراني، بمعزل عن الجدل الذي أثاره التسريب نفسه.
لكن السؤال الأساسي هو: هل سيتجرّأ ابن سلمان على تحدّي الأميركيين إلى هذه الدرجة، وهل إذا فعل ينتهي الأمر على الصورة التي يرغب فيها؟
ما يجري على الأرض اليمنية، وتحديداً في الجنوب، يشير إلى أن الأميركيين، بالتعاون مع الإمارات، لن يدَعوا السعودية تُحقّق ما تريد، وهذا ما يفسّر التصاعد الكبير في ما بات يمكن تسميته بـ«الأزمة» في العلاقات السعودية - الإماراتية، والتي يتزايد خروجها إلى العلن.
وأبرز ما في جديد تلك الأزمة، الهجوم العنيف الذي شنّه عضو مجلس الشورى السعودي السابق، الأكاديمي محمد آل زلفة، على الإمارات، حين قال في مقابلة تلفزيونية إن أبوظبي ركّزت على قضايا تخصّ انفصال جنوب اليمن عن شماله، قبل أن «تنسحب عسكرياً بطريقة غير محسوبة، وتترك السعودية تقاتل الحوثي وحدها»، مضيفاً إن «أبو ظبي، كما يبدو، ذهبت بعيداً في مشاريعها أكثر من قدراتها، وأكثر من إمكانياتها».
وجاء الردّ الإماراتي على ذلك الاتهام سريعاً وعنيفاً عبر الصحف الموالية لأبوظبي، مثل صحيفة «العرب» التي وصفت تصريحات آل زلفة بـ«المستفزة»، واستنكرت الصمت الرسمي السعودي عنها، معتبرة أن تحرّكه يوحي بأنه «ضمن مناخ عام بدأ يتشكّل منذ أشهر في المملكة ويفتح الباب أمام إطلاق مثل هذه التصريحات».
أيضاً، ردّ المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، الذي قال، في تغريدة على «إكس»، إن «مواقف بلاده اتّسمت دائماً بالشجاعة والأصالة والتقييم الاستراتيجي الذي يرى أن أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها كلّ لا يتجزّأ. وتبقى مواقفنا مع الأشقاء والأصدقاء راسخة ومستمرة. والإمارات لا تتغيّر وتسمو فوق منطق القيل والقال».
وجاء ردّ الأكاديمي الإماراتي المقرّب من الحكم، عبد الخالق عبد الله، أكثر وضوحاً، إذ كتب، في تغريدة على «إكس»، أن «آل زلفة كان يمدح الإمارات وأشاد بنجاحها في تحرير عدن سابقاً، فما الذي جعله ينقلب على مواقفه؟»، معتبراً هذا «تناقضاً يعكس وجهة نظر آخرين وليس وجهة نظر شخصية معزولة»، محيلاً متابعيه إلى مقالة صحيفة «العرب».
ما تَقدّم، فضلاً عن تحرّكات المقاتلين الموالين للإمارات في جنوب اليمن وشرقه، مؤشّر إلى أن الأزمة في العلاقات السعودية - الإماراتية، توشك على الانفجار، وأن كلّاً من الدولتين صارت تنظر إلى دور الأخرى على أنه نقيض لدورها ولاغٍ له.
لكن الأهمّ أن الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، ما كان ليتجرّأ على تحدّي ابن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتَيه، وهو ما يعمّق مأزق السعودية ويضغط عليها لاتّخاذ قرار كبير في ما يتعلّق بالحرب اليمنية، ولا سيما أن الطرف الآخر، أي الحوثيين، لن ينتظر طويلاً قبل أن يقلب الطاولة في وجه تحالف الحرب بكلّ أطرافه، إذا لم تفضِ المفاوضات إلى ما يُخرج اليمنيين من الوضع الذي أوصلهم العدوان إليه.
الرياض، في المقابل، ليست مكتوفة الأيدي، وهي تحاول السيطرة على التحرّكات الإماراتية في الجنوب، لكن ما تواجهه هو أن التدخّل الإماراتي من الأساس لم يكن في السياق نفسه الذي سار عليه التدخّل السعودي، وكان الهدف منه تحقيق مصالح نظام أبوظبي البعيدة المدى على حساب السعودية.
وهو ما يجعل الإمارات حالياً قادرة على تفجير الأزمات في وجه جارتها، سواء من خلال التلاعب بالكهرباء وتحميل الرياض مسؤولية أزمتها لإثارة سخط الرأي العام الجنوبي عليها، أو من خلال السيطرة على الجزر اليمنية الاستراتيجية، بمساعدة عسكرية من واشنطن وتل أبيب، لتعطيل أيّ عملية سلام من خلال التحكّم بخطوط الإمداد.
*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني
المصدر | الأخيارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية الإمارات أميركا تل أبيب أبوظبي اليمن الحرب اليمنية التدخل السعودي فی العلاقات السعودیة الحرب الیمنیة بن سلمان ما ترید ما کان
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء يلتقى وزير الصناعة والتكنولوجيا المُتقدمة الإماراتي والوفد المرافق له
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم؛ الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات، لبحث سبل تعزيز أوجه ومجالات التعاون المُشتركة بين جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في مُختلف القطاعات، وذلك بحضور الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وزير الصناعة والنقل، والمهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، ووليد جمال الدين، رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، والعقيد دكتور بهاء الغنام، المدير التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، ومن الجانب الإماراتي: السفيرة مريم الكعبي، سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدي جمهورية مصر العربية، وعمر السويدي، وكيل وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، وعدد من المسئولين من الجانبين.
في مُستهل اللقاء، رحب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بالدكتور سلطان الجابر والوفد المرافق له.
وقال رئيس الوزراء: اليوم يحمل أخباراً جيدة، حيث شهدنا توقيع عدد من الاتفاقيات ومُذكرات التفاهم التي سبق التشاور بشأنها، وكل هذه المشروعات تأتي في إطار أولويات الدولة المصرية، فى قطا الصناعة والطاقة، والتي تعد أولوية قصوى لنا، حيث من المقرر دخول جزء من الطاقة الكهربائية المُنتجة الصيف المقبل.
وجدد مدبولي، خلال الاجتماع، التأكيد على عمق العلاقات والروابط بين البلدين، وكذا قيادتي وحكومتي البلدين.
من جانبه، استهل الدكتور سلطان الجابر، حديثه قائلاً: أنقل تحيات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، لرئيس الوزراء، وللوزراء والمسئولين، الذين أولوا اهتماماً خاصاً بهذه المشروعات المشتركة، حيث لمست حرصاً شديداً واهتماماً ومُتابعة عن قرب لكل التفاصيل بشأن المشروعات المشتركة.
وأضاف: هذا يدل على الاهتمام، والعمل على إحراز تقدم ملموس وعملي على الأرض لتنفيذ توجيهات قيادتي البلدين.
وتابع قائلاً: نشكركم على الجهد المبذول، ونحن مُتحمسون للبدء في تنفيذ هذه المشروعات.
وأشار وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات، إلى أن هناك توجيهات بالإسراع في تنفيذ هذه المشروعات، وهذا هو الفصل الأول من عدة مشروعات سيتم تنفيذها بين البلدين.
وأشار الى أنه ستكون هناك مُتابعة شهرية لمُعدلات انجاز هذه المشروعات، وسيكون هناك تقييم حقيقي للعمل بهذه المشروعات.
من جانبه، قدم الفريق مهندس كامل الوزير، الشكر لرئيس الوزراء على دعمه ورعايته للمشروعات المقرر تنفيذها في مجالى الصناعة والطاقة، مُشيراً إلى أنه تم تقديم مختلف المعلومات والتيسيرات للجانب الاماراتي،
واكد التزام الجانب المصري بمتابعة تنفيذ هذه المشروعات، مُستعرضاَ في هذا الصدد عدداً من المشروعات التي تم توقيع اتفاقيات بشأنها.
كما استعرض المهندس محمود عصمت، خلال الاجتماع، عدداً من المشروعات المشتركة التي سيتم تنفيذها مع الجانب الاماراتي، والتي من بينها شراء طاقة من مشروعي طاقة شمسية بقدرة إجمالية 1.2 جيجاوات، وأنظمة لتخزين الطاقة بواسطة تكنولوجيا البطاريات بقدرة إجمالية 720 ميجاوات.
وأعرب وليد جمال الدين، عن تطلعه للعمل في ظل الاتفاقية الجديدة، مؤكداً الاستعداد التام للتعاون بما يسهم في تحقيق مُستهدفات وتطلعات البلدين الشقيقين.
خلال الاجتماع، لفت العقيد دكتور بهاء الغنام، إلى توجيهات القيادة السياسية المستمرة بأهمية استمرار التنسيق والتعاون مع الجانب الاماراتي، مُؤكداً على التواصل المستمر والدائم بين فريقي العمل بالبلدين بما يسهم في تنفيذ المشروعات، واشار إلى ما يتم حالياً من تنسيق يتعلق بعدد آخر من المشروعات.