اعتقال إمام أوغلو.. إنفاذ القانون أم استهداف سياسي؟
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
إسطنبول- في خطوة مفاجئة تُنذر بمزيد من التصعيد السياسي في تركيا، أصدرت النيابة العامة في إسطنبول أوامر اعتقال بحق أكثر من 100 شخص، بينهم أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، بتهم تتعلق بالفساد، والتلاعب بالعطاءات، وتشكيل منظمة إجرامية.
وتأتي الاعتقالات قبل أيام من الانتخابات التمهيدية داخل حزب الشعب الجمهوري، حيث كان يُنظر إلى إمام أوغلو باعتباره المرشح الأبرز لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ووفق بيان لمكتب المدعي العام، فإن إمام أوغلو اعتقل في إطار تحقيقين منفصلين يجريهما مكتب التحقيقات في الجرائم "الإرهابية" و"المنظمة".
وشملت الاتهامات الموجهة إليه "تنظيم وقيادة جماعة إجرامية، والابتزاز، والرشوة، والاحتيال، والتلاعب بالعطاءات"، إضافة لمزاعم حول تقديمه دعما غير مباشر لحزب العمال الكردستاني -الذي تصنفه تركيا بأنه "منظمة إرهابية"- وتوظيف أعضاء منه.
تداعياتولم تستهدف حملة الاعتقال أكرم إمام أوغلو وحده، وشهدت إسطنبول مداهمات متزامنة اعتقل خلالها عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين ببلدية إسطنبول الكبرى، بينهم نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول، ورئيس بلدية شيشلي، ونائبته، ورئيس معهد الإصلاح، بتهم تتعلق بـ"مساعدة حزب العمال الكردستاني".
إعلانوأفاد مكتب المدعي العام بإسطنبول بأنه تم اعتقال 84 شخصا، وتجري إجراءات بحق 22 مشتبها بهم.
وفي الصباح الباكر، طوَّق الأمن التركي وبشكل مكثّف منزل إمام أوغلو، عبر عشرات مركبات الشرطة ومئات عناصر الأمن، قبل أن تعتقله مجموعة منهم، وتقتاده للخارج وسط إجراءات مشددة.
وفي أول تعليق له، نشر إمام أوغلو مقطع فيديو عبر حسابه على منصة "إكس"، قال فيه "نواجه طغيانا عارما، لكننا لن نستسلم. أُسلّم أمري لأمتي وسأواصل محاربة من يستخدم هذه العملية كأداة ضدي".
من جانبه، وصف أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، هذه الخطوة بأنها "انقلاب ضد الديمقراطية"، واعتبر أن السلطات تستخدم القضاء لإقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسي، و"محاولة واضحة لمنعه الترشح للرئاسة، وإبعاد المعارضة عن المنافسة الجادة بالانتخابات المقبلة".
كما رفض منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة الكبرى، هذه الإجراءات، وقال إن "ما يحدث لا يليق بدولة تدّعي سيادة القانون".
وكانت تركيا -وحسب منظمة مراقبة الإنترنت "نت بلوكس"- قد قيَّدت، اليوم الأربعاء، الوصول للعديد من منصات التواصل الاجتماعي، ومنها إكس ويوتيوب وإنستغرام وتيك توك، في حين منع والي إسطنبول أي تجمعات أو مظاهرات في الولاية بدءا من اليوم وحتى تاريخ 23 مارس/آذار الجاري.
في سياق متصل، أعلنت جامعة إسطنبول، أمس الثلاثاء، إلغاء شهادة أكرم إمام أوغلو الجامعية، وأوضحت -في بيان لها- أن ذلك جاء بعد مراجعة ملفات عدد من الطلاب الذين حصلوا على انتقال غير قانوني إلى برنامج اللغة الإنجليزية في كلية إدارة الأعمال عام 1990، وأن 28 شخصا، بينهم إمام أوغلو، فقدوا شهاداتهم بناء على هذا القرار.
واعتبر إمام أوغلو، القرار "سياسيا بامتياز"، وقال "بعد 31 عاما من حصولي على شهادتي، يأتون الآن لإلغائها بذرائع واهية، القرار ليس قانونيا، بل جزء من حملة ممنهجة تستهدفني".
إعلانويعتبر إلغاء الشهادة أمرا بالغ الأهمية، نظرا لأن القانون التركي يشترط حصول المرشح الرئاسي على شهادة جامعية، مما يعني أن هذه الخطوة قد تعيق إمام أوغلو من الترشح في الانتخابات المقبلة.
وتستند تحقيقات الفساد -التي أدت لاعتقال إمام أوغلو وعدد من المسؤولين ببلدية إسطنبول الكبرى- إلى قضيتين أساسيتين أثارتا جدلا واسعا:
مشروع "التوافق الحضري"، أطلقته بلدية إسطنبول الكبرى لتحسين التعاون بين البلديات وتعزيز الشفافية في المشاريع العمرانية، لكن النيابة العامة تزعم أن المشروع استخدم كواجهة لتمرير صفقات مشبوهة، وتم منح عقود ضخمة -بشكل غير قانوني- لشركات يقال إنها مقربة من مسؤولي "حزب الشعب الجمهوري"، و"العمال الكردستاني". فضيحة "عدّ النقود داخل حزب الشعب الجمهوري"، حيث انتشرت قبل أشهر صور ومقاطع فيديو مسربة زُعم أنها تُظهر مسؤولين في الحزب أثناء عدّ مبالغ نقدية كبيرة داخل المقرات الحزبية. وأثارت الصور موجة غضب واسعة، واعتبرها معارضو إمام أوغلو دليل تورطه بمعاملات مالية غير قانونية مرتبطة ببلدية إسطنبول الكبرى.وفي السنوات الأخيرة، طالت إمام أوغلو تحقيقات قضائية عدة، وفُتحت بحقه 3 قضايا جديدة هذا العام، وصدر ضده حكما بالسجن 31 شهرا، وحظر مزاولته الأنشطة السياسية في عام 2022 لإدانته بـ"إهانة" أعضاء اللجنة الانتخابية العليا.
سيناريوهاتمن جانبه، اعتبر الباحث بالشأن التركيعلي أسمر، أن حجم التهم الموجهة إلى إمام أوغلو، سواء المتعلقة بالفساد أو الإرهاب، يُظهر أن القضية ستستغرق وقتا طويلا لحسمها، سواء بإدانته أو بإسقاط التهم عنه.
وأضاف أسمر، للجزيرة نت، أن هذه التطورات قد تؤدي إلى خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري بشأن مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أمام ظهور شخصيتين بارزتين داخل الحزب، منصور يافاش، وأوزغور أوزيل.
إعلانوبشأن السيناريوهات المتوقعة، بعد اعتقال إمام أوغلو، رجَّح أسمر أن هذه الاتهامات ستؤثر على مستقبله السياسي، مما قد يحدّ من قدرته على لعب الدور الذي كان يشغله سابقا في المعارضة التركية، مما سيؤدي لزيادة الاهتمام بمنصور يافاش، الذي كان منافسًا قويا لإمام أوغلو في الانتخابات السابقة، ويحظى بشعبية واسعة، خصوصا بين القوميين.
وربط أسمر بين توقيت اعتقال إمام أوغلو والتقارب الجاري بين التيار القومي والتيار الكردي، لا سيما في سياق الحديث عن مفاوضات لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني.
ولفت إلى أن إمام أوغلو كان يواجه اتهامات سابقة لكنه لم يُعتقل، بينما جاء هذا الاعتقال بعد بدء الحوار بين حزب الحركة القومية وحزب المساواة والديمقراطية، مما يثير تساؤلات عن احتمال أن يكون "ضحية" لهذا التقارب السياسي، وختم بالقول "لا أعتقد أن هذا مجرد صدفة".
أما المحلل السياسي جنك سراج أوغلو، فرأى أن التطورات الجارية ضد إمام أوغلو لم تأت بمحض الصدفة، بل هي جزء من جدول سياسي مدروس يستهدف مستقبله.
وتوقع سراج أوغلو، في حديثه للجزيرة نت، أن تشهد تركيا تعيين "وصي" حكومي لإدارة بلدية إسطنبول إذا استمرت التحقيقات وطالت إجراءات التقاضي، وهو ما قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية جديدة، تزيد من حالة التوتر والاستقطاب الداخلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بلدیة إسطنبول الکبرى حزب الشعب الجمهوری العمال الکردستانی اعتقال إمام أوغلو أکرم إمام أوغلو
إقرأ أيضاً:
اعتقال صحفي سويدي في إسطنبول بتهمة إهانة الرئيس أردوغان
إسطنبول (زمان التركية) – قضت محكمة تركية بالحبس لمدة 11 شهراً مع وقف التنفيذ على صحافي سويدي بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب إردوغان، في حين استمر حبسه بسبب اتهامات أخرى تتعلق بالإرهاب.
وسيظل الصحافي كاج يواكيم ميدين، الذي أُلقي القبض عليه فور وصوله إلى إسطنبول في 28 مارس (آذار) الماضي، قيد الحبس الاحتياطي انتظاراً للمحاكمة في القضية التي تتعلق بارتباطه بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية.
ونفى الصحافي ميدين الذي يعمل في صحيفة «داجينس إي تي سي» السويدية اليومية التهم الموجهة إليه في القضيتين، بحسب ما ذكرت جمعية دراسات الإعلام والقانون التركية، الخميس، في حين قالت السلطات إن تهمة إهانة الرئيس مرتبطة، من بين أمور أخرى، بمظاهرة جرت في استوكهولم عام 2023، تم خلالها تعليق دمية تشبه الرئيس رجب طيب إردوغان مشنوقة خارج مبنى البلدية.
وأفاد ميدين في المحكمة التي عُقدت جلستها الأربعاء، بأنه لم يشارك في المظاهرة وكان خارج البلاد في ذلك الوقت، وأنه شخصياً لم يكن له دور في اختيار الصور التي تم إرفاقها للإيضاح ببعض مقالاته الصحافية، والتي تم استخدامها ضده في القضية.
وجاء ميدين إلى إسطنبول للمشاركة في تغطية الاحتجاجات على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في 19 مارس.
وكانت السلطات التركية ذكرت أنها قررت حبس ميدين بتهمتَي «الإرهاب» و«إهانة الرئيس» رجب طيب إردوغان، بعد القبض عليه في مطار إسطنبول.
وقال بيان لمركز «مكافحة التضليل الإعلامي» التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية إنه معروف بأخباره المناهضة لتركيا وعلاقته بـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف منظمة إرهابية، وإنه احتُجز بتهمتَي «الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة» و«إهانة الرئيس»، ولا علاقة لأمر الاحتجاز بأنشطته الصحافية.
وجاء القبض على ميدين في تركيا على خلفية مشاركته في 11 يناير (كانون الثاني) 2023 في مظاهرة لأعضاء في «اتحاد مجتمعات كردستان» التابع لـ«حزب العمال الكردستاني»، في استوكهولم، تم خلالها الاستهزاء بالرئيس التركي عن طريق تعليق دمية مقلوبة ترمز إليه.
وقالت السلطات التركية إن مكتب التحقيق في الجرائم الإرهابية التابع للنيابة العامة في أنقرة فتح تحقيقاً في الحادثة في 13 من الشهر ذاته بحقّ «15 مشتبهاً بهم، من بينهم الصحافي ميدين».
ويواجه ميدين أيضاً اتهامات بتزويده الصحافة ببيانات اتصال من «المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني – اتحاد مجتمعات كردستان)».
وعرقلت تركيا من قبل انضمام السويد إلى عضوية «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) لنحو عامين، بسبب سماحها بأنشطة «حزب العمال الكردستاني»، والسماح لأعضائه بحرية الحركة، ورفض تسليم المطلوبين منه إليها.
وأدخلت السويد تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، وحدّت من مظاهرات وأنشطة عناصر الحزب، قبل أن توافق تركيا على انضمامها في يناير 2024.
وقال إيريك لارسون، رئيس منظمة «مراسلون بلا حدود» في السويد، في بيان أصدره عقب اعتقال ميدين في تركيا، إن «استهداف الصحافيين بهذه الطريقة ليس بالأمر الجديد في تركيا للأسف، لكن في السنوات الأخيرة تغيرت أساليب الحكومة؛ إذ يتم تكميم أفواه الصحافيين من خلال التشريعات والرقابة على الإنترنت».
Tags: - السويد وتركيااصحافة السويديةتركياحرية الصحافة في تركيا