"الثالوث المظلم" في علم النفس
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
خديجة بنت مبارك السكيتية **
يُعد مفهوم الثالوث المظلم (Dark Triad) من المفاهيم الحديثة في علم النفس؛ حيث تم تقديمه لأول مرة عام 2002 من قبل الباحثين ديلروي بولوس (Delroy Paulhus) وكيفن ويليامز (Kevin Williams). يشير هذا المصطلح إلى ثلاث سمات شخصية ذات طابع سلبي، وهي: النرجسية، والمكيافيلية، والاعتلال النفسي، وتشترك هذه السمات في بعض الخصائص مثل التلاعب، قلة التعاطف، والسعي وراء المصلحة الشخصية على حساب الآخرين.
ونهدف من هذا المقال إلى تحليل مفهوم الثالوث المظلم، أسبابه، تأثيره على الأفراد والمجتمع، وطرق التعامل مع الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمات.
أولًا: تعريف الثالوث المظلم. يتكون الثالوث المظلم من ثلاث سمات شخصية رئيسية: 1. النرجسية (Narcissism)، وتتميز بالشعور المفرط بأهمية الذات، والحاجة المُستمرة للإعجاب والتقدير، والغرور والاعتقاد بأنَّ الشخص متفوق على الآخرين، ونقص في التعاطف مع الآخرين.
2. المكيافيلية (Machiavellianism)، وتعتمد على التلاعب بالآخرين لتحقيق المصالح الشخصية، والخداع والكذب دون الشعور بالندم، واستخدام استراتيجيات نفسية لتحقيق الأهداف، وقلة الاهتمام بالأخلاقيات طالما أنها تحقق الفائدة.
3. الاعتلال النفسي (Psychopathy)، فهو غياب الشعور بالندم أو الذنب، وعدم القدرة على التعاطف مع الآخرين، والسلوك المتهور والاندفاعي، وأحيانًا يكون الشخص عدوانيًا أو غير مسؤول.
ثانيًا: أسباب ظهور مفهوم الثالوث المظلم
صِيغ هذا المفهوم لدراسة وفهم الشخصيات السلبية التي تؤثر على المجتمع، وقد برزت عدة أسباب وراء ظهوره، منها: 1. تحليل الشخصيات السامة في بيئات العمل والعلاقات الاجتماعية. 2. دراسة سلوك القادة والسياسيين الذين يظهرون سمات التلاعب والنرجسية. 3. البحث في علم النفس الجنائي لفهم سلوك المجرمين والمحتالين. 4. تحليل سلوكيات بعض رجال الأعمال والمديرين الذين يحققون النجاح رغم استخدامهم أساليب غير أخلاقية.
ثالثًا: تأثير الثالوث المظلم على الأفراد والمجتمع
1. في بيئة العمل؛ حيث وجود مديرين أو زملاء متلاعبين قد يسبب بيئة عمل سامة، والموظفون الذين يمتلكون هذه السمات قد يحققون نجاحًا سريعًا لكنهم يتسببون في تدمير الفرق.
2. في العلاقات الشخصية، الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمات قد يكونون شركاء سامّين في العلاقات العاطفية، كما إن التلاعب العاطفي وانعدام التعاطف قد يؤدي إلى علاقات غير مستقرة.
3. في السياسة والقيادة، بعض القادة الناجحين يمتلكون درجات من هذه السمات، مما يساعدهم على تحقيق أهدافهم دون الاهتمام بتأثير قراراتهم على الآخرين.
رابعًا: كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يمتلكون سمات الثالوث المظلم
1. في بيئة العمل؛ من خلال وضع حدود واضحة عند التعامل مع الشخصيات المتلاعبة، وتجنب الوقوع في استراتيجياتهم النفسية، وتوثيق أي سلوكيات غير أخلاقية والإبلاغ عنها عند الضرورة.
2. في العلاقات الشخصية، عبر التعرف على علامات التلاعب العاطفي مبكرًا، وتجنب الدخول في علاقات طويلة مع أشخاص يظهرون هذه السمات بوضوح، واللجوء إلى مختص نفسي عند الشعور بأن العلاقة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية.
3. في القيادة والإدارة، وذلك من خلال التأكد من أن القادة والمسؤولين يخضعون لمراقبة أخلاقية ومهنية، وتعزيز ثقافة النزاهة في المؤسسات والشركات.
وختامًا.. يُعد الثالوث المظلم مفهومًا مهمًا في علم النفس لفهم السلوكيات السلبية التي يمكن أن تؤثر على الأفراد والمجتمعات. رغم أن بعض الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمات قد يحققون نجاحًا في مجالات معينة، إلا أن تأثيرهم السلبي على الآخرين يمكن أن يكون كبيرًا. لذا، فإن التعرف على هذه السمات والتعامل معها بحذر يُعد أمرًا ضروريًا للحفاظ على بيئة اجتماعية وصحية متوازنة.
************
المراجع:
1. بولوس، د. ل.، وويليامز، ك. م. (2002). الثالوث المظلم للشخصية: النرجسية، المكيافيلية، والاعتلال النفسي. مجلة أبحاث الشخصية، 36(6)، 556-563.
2. فيرنهام، أ.، ريتشاردز، س. س.، وبولوس، د. ل. (2013). الثالوث المظلم للشخصية: مراجعة لعشر سنوات. مجلة البوصلة الاجتماعية والشخصية، 7(3)، 199-216.
3. جونز، د. ن.، وبولوس، د. ل. (2014). تقديم مقياس الثالوث المظلم القصير (SD3): مقياس موجز للسمات الشخصية المظلمة. مجلة التقييم، 21(1)، 28-41.
4. جوناسون، ب. ك.، وويبستر، ج. د. (2010). الاثنا عشر القذرون: مقياس مختصر للثالوث المظلم. مجلة التقييم النفسي، 22(2)، 420-432.
** مدربة قيادة ذاتية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف تحقق طموحك دون الوقوع فيما نهى عنه الاسلام؟.. علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن النفس البشرية جبلت على التطلع للمستقبل, والطموح إلى المراتب الأعلى دائما, وهو ما حدا بالبعض إلى الجموح لتحقيق أهدافه وأحلامه, مستندا إلى مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة" دون نظر إلى ما تمثله تلك الوسيلة من خير أو شر, وهو أمر شديد الخطورة, يؤثر بالسلب على الفرد والمجتمع.
ونوه ان الطموح هو السعي باتجاه الوصول إلى أعلى الأهداف, وحتى يصل الإنسان إلى ما تطمح إليه نفسه في ظل الالتزام بالمبادئ التي قررها الإسلام ؛يجب أن يكون لديه الدافع المحاط بالأخلاق التي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية، وإلا أصبح الطموح جموحا يوشك أن يودي بصاحبه ويدمره
الطموح الصحيح
وأشار الى ان رسول الله ﷺ أوضح لنا الطموح الصحيح في أسمى صوره، وزرع فينا حب التميز والتفوق والحصول على أسمى المراتب في كل مكان نعمل فيه.
ولفت إلى أن التواضع والزهد في الدنيا لا يعنيان أبدا أن يقبل المسلم الحد الأدنى ، أو ينزوي وراء الآخرين ويكون في ذيلهم، ولذلك حثنا رسول الله ﷺ على العمل لبلوغ الغاية والهدف الأسمى لكل مسلم فقال: «إذا سألتم الله فسلوه الفردوس الأعلى, فإنه سر الجنة» [الكبير للطبراني], كذلك علمنا أن نعظم من رغباتنا عند الدعاء, فقال ﷺ : «إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت, ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة, فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» [مسلم]
واضاف:الإسلام -كما دعا إلى الطموح لنيل المنزلة العليا في ظل مبادئه السامية- جاء أيضا ليهذب النفس البشرية عن جموحها ويقوم سلوكها ويهديها سبيل الرشاد, فالنفس مائلة بطبعها إلى التوجه إلى السيئ, كما أكد القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي), وهي غالبا ما تتبع الهوى بغية إشباع رغباته, ومن هنا جاء الإسلام ليعلمنا كيف نكبح جماح تلك النفس حتى تستكين وتعود إلى جادة الصراط المستقيم, وسبيل ذلك تربية النفس على طاعة الله ورسوله في كل شيء.
وبين ان الاسلام وازن بين الواجبات التي فرضها على المسلم وبين ما تطمح إليه نفسه البشرية, فعمل على ألا تكون فروض الدين شاغله أمره كله وداعية لترك دنياه, بل أمره بالجد والسعي في طلب الرزق وإعمار الأرض, قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) .
فالاستغراق في المأمول بلا حدود هو الطموح الزائد الذي ينقلب إلى جموح، وهو أمر مرفوض في الإسلام, قال الله عز وجل: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا), أما إذا أعاد الإنسان ضبط هذا المأمول في إطار المشروع, وفي إطار ما أحله الله وأباحه ودون الخروج عن الهدي النبوي الكريم, وبما لا يخالف النظام العام, فسوف يصل إلى هدفه ويحقق طموحه الذي يأمله ،ويكون بهذا قد حقق التوازن والاتساق بين ما تطمح إليه نفسه وبين ما يأمره به ربه.