خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يرى كثيرون أنَّ القناعة مع فهم الواقع والتعايش معه، أمرٌ لا يجنح بصاحبه نحو مهاوي الردى، ولا يجعله يشطط وفظًا غليظ القلب ناكرًا للمعروف والجميل الذي تلقاه من هنا وهناك، وحصل عليه بطيب خاطر دون إكراه وعدم القدرة على الإحسان.
ويأتي على أمة أن يكون رعاياها ليسوا في قمة الرضا عن ما تقدمه من خدمات وواجبات وعهود ووعود، وفي المقابل هناك من يحظى فيها، بكل سبل الراحة والطمأنينة والسكينة والسعادة والهدوء.
وفي الحقيقة إذا مر على الإنسان يوم لم يتلقِ فيه ما يزعجه ويكدر خاطره، ولم يصبه في نفسه وأهله وأولاده أية مصيبة أو حادثة، أخذت الصحة والحال والمال، فهو في خير ونعمة من الله تعالى، يجب أن يشكره عليها.
إننا بتنا نرى ونسمع في مختلف أصقاع المعمورة، عمن يركن إلى الهوى والفكر الضال غير المدروس والمتسرع في اتخاذ قرار الابتعاد عن الوطن، لسبب أو لآخر، والزج باسمه ونفسه في قائمة المعارضين والمناشدين للصلاح والإصلاح.
وينتج عن هذه التصرفات تبعات كثيرة ومآلات ضارة غير محمودة الجانب، تفتح العداوات وتثير النعرات، وتدعو إلى زعزعة الاستقرار والأمن والأمان، وتسيء إلى السلطات والرموز الوطنية، والى مقدرات البلاد وسائر الإنجازات التي تحققت عليها.
وسلطنة عُمان وهي تعمل في تحقيق تنمية مستدامة تطال الإنسان العُماني أينما وجد، فهي واحدة من تلك الأقطار التي تحترم آدمية الإنسان، بعدم اعتبار إساءاته- إن حدثت- أمرًا يقتضي ضرب الأعناق وهتك الأعراض والنيل من المسيء بأبشع الصور، للانتقام منه، مثل الكثير من دول العالم التي ليس لديها نفس طويل بالصبر على منتقديها، واعتبار الخارجين عليها أعداء لها، فحاشا أن تكون حكومتنا وسلطاننا بهذا الفكر.
لقد تابعنا منذ مدة، ابتعاد البعض عن تراب هذا الوطن ثم عودتهم إليه بعد غياب طويل، وتلك المعاملة الحسنة الطيبة التي وجدوها عندما وطأت أقدامهم أرض عُمان السلام والمحبة، حاصلين على عفو شامل، انطلاقًا من قاعدة "عفا الله عما سلف".
ولقد سُعدنا بذلك النهج الحكيم الأبوي الذي من شيمته الصفح والعفو وغض الطرف عن الإساءة، وكبح جماح النفس بعدم الشروع بالانتقام أو العداء أو الكره، أو الغضب وعدم ضبط النفس، من النيل من المسيء بالعقوبة المغلظة، أو بارتكاب أبشع الأفعال السيئة في حقه.
فما كان من معاملة حسنة وجدوها، هي تربية للمقصر، وإعطاء فرص له، للعدول عن فكره الضال، تشمل العفو عن الزلات، والتجاوز عن التقصير والأخطاء، بالترحيب به، بيد أن الوطن للجميع، ويتسع للجميع، وجميعنا يجب أن نكون في خندق واحد، وصف واحد من أجل وعُمان برمتها.
مما لا شك فيه أنه "إذا خليت خربت"، وهذا قد يكون قانونا في الأرض مستمر حتى قيام الساعة؛ إذ إن الصراع بين الحق والباطل، قائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولا غرابة إذن أن يكون هناك من هو شاذ عن القاعدة السوية، وعلى السلطات والنظام العام، التعامل مع ذاك الشذوذ وتلك النماذج، بحكمة وهدوء وعقلانية، وعدم الانجرار وراء الدوافع التي تقسوا على الأنفس، وإلا لن يكون هناك بناء وتقدم وتتطور واحتواء، ومعالجة الأحداث والوقائع بشيء من الهدوء والفكر الراقي والسماحة وإعمال العقل.
نقول دائمًا إن العدل والمساواة أمران يحققان توازناً ورضًا، وانسجاما وتناغما في تقدير الجهود التي تبذل، وما يحدث لدينا في عُمان بانتهاج كل ذلك، إنما يفضي إلى تحقيق معدلات نمو ممتازة، وجعل الجميع في حال من السعادة، وبمكانة مرموقة ومتقدمة، لا يشوبها ظلم ولا نقص، وكل عمل من الممكن أن يعتريه النقص، وكل امرئ يمكن أن يخطئ؛ فالكمال لله وحده.
حفظ الله جلالة السلطان المعظم- أيده الله- عزيزًا كريمًا على سخائه وتفهمه، وشكرًا لحكومتنا الرشيدة وأجهزتها الأمنية على الرحابة والسعة في التعامل برحمة ولطف، مع الأشخاص والشدائد والأحداث، التي ساءت وتسيء، والله نسأل أن يجمعنا على الخير من أجل عُمان وسلطانها المفدى.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ليه ربنا سايبنا نعمل حاجات غلط وبعدين هيحاسبنا عليها؟.. علي جمعة يجيب
وجهت إحدى الفتيات سؤالا إلى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، تقول فيه: "ليه ربنا سايبنا نعمل حاجات غلط وبعدين هيحاسبنا عليها؟".
وقال علي جمعة، في إجابته على السؤال، خلال برنامجه الرمضاني اليومي "نور الدين والدنيا": لأنه خلقنا وأعطانا الاختيار من خلال العقل، وأرسل إلينا الأنبياء والقرآن الكريم والتكليفات، فهناك أوامر وهناك محرمات، فرسم لنا خريطة الفعل وخريطة عدم الفعل.
وتابع: الإنسان بحريته يصلي أو لا يصلي، أو يأكل أو لا يأكل، وهكذا، فالله تعالى ترك لنا الاختيار ومن أجل هذا سيحاسبنا يوم القيامة، ويقول لنا: أمرتك أن تعين الفقراء وتخرج الزكاة فلماذا لم تفعل؟ فالإنسان قد يفعل ما أمره الله به، وقد ينشغل عنها.
وأشار إلى أن الإجابة على هذا السؤال واضحة وهي أن الله يحاسبنا لأنه أعطى لنا العقل والاختيار والتكليف، فمسئولية الفعل مسئوليتنا نحن كاملة، فكل نفس بما كسبت رهينة، وأعمالك هي التي ستحاسب عليها ومن هنا يأتي الحساب.
ليه ربنا اختبرنا وهو عارف النتيجةوأجاب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، على سؤال فتاة تقول فيه: ليه ربنا حطنا في اختبار وهو عارف نتيجته؟.
وقال علي جمعة، في إجابته على السؤال، خلال برنامجه الرمضاني اليومي "نور الدين والدنيا"، إن الله تعالى خلقنا إكراما له، فالله له صفات من ضمنها الكريم والواسع والرحمن والرحيم، فله أكثر من 150 صفة في القرآن وأكثر من 164 صفة في السنة، وحينما نحذف المكرر من هذه الصفات تصبح أكثر من 240 صفة لله تعالى.
وتابع: أراد الله إكرامنا ويرحمنا، فخلق الملائكة وأمر الملائكة يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر، فالله أعطانا فرصة، فيأتي شخص لا تعجبه الصلاة أو التكليف أو أنه محرم عليه الكذب والقتل واغتصاب الأطفال، فكيف هذا وقد أسجد الله له الملائكة ووعده الله بالجنة.
وأكد أن الله خلقنا بهذه الصورة لنعبده ونعمر الدنيا ونزكي أنفسنا وندخل الجنة، ولذلك جعلها كلها جمال في جمال، فالقبر هو روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فالله كريم والإنسان يعبده وهو مشتاق إليه.