جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-14@19:57:20 GMT

نهج الحكمة

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

نهج الحكمة

 

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يرى كثيرون أنَّ القناعة مع فهم الواقع والتعايش معه، أمرٌ لا يجنح بصاحبه نحو مهاوي الردى، ولا يجعله يشطط وفظًا غليظ القلب ناكرًا للمعروف والجميل الذي تلقاه من هنا وهناك، وحصل عليه بطيب خاطر دون إكراه وعدم القدرة على الإحسان.

ويأتي على أمة أن يكون رعاياها ليسوا في قمة الرضا عن ما تقدمه من خدمات وواجبات وعهود ووعود، وفي المقابل هناك من يحظى فيها، بكل سبل الراحة والطمأنينة والسكينة والسعادة والهدوء.

وفي الحقيقة إذا مر على الإنسان يوم لم يتلقِ فيه ما يزعجه ويكدر خاطره، ولم يصبه في نفسه وأهله وأولاده أية مصيبة أو حادثة، أخذت الصحة والحال والمال، فهو في خير ونعمة من الله تعالى، يجب أن يشكره عليها.

إننا بتنا نرى ونسمع في مختلف أصقاع المعمورة، عمن يركن إلى الهوى والفكر الضال غير المدروس والمتسرع في اتخاذ قرار الابتعاد عن الوطن، لسبب أو لآخر، والزج باسمه ونفسه في قائمة المعارضين والمناشدين للصلاح والإصلاح.

وينتج عن هذه التصرفات تبعات كثيرة ومآلات ضارة غير محمودة الجانب، تفتح العداوات وتثير النعرات، وتدعو إلى زعزعة الاستقرار والأمن والأمان، وتسيء إلى السلطات والرموز الوطنية، والى مقدرات البلاد وسائر الإنجازات التي تحققت عليها.

وسلطنة عُمان وهي تعمل في تحقيق تنمية مستدامة تطال الإنسان العُماني أينما وجد، فهي واحدة من تلك الأقطار التي تحترم آدمية الإنسان، بعدم اعتبار إساءاته- إن حدثت- أمرًا يقتضي ضرب الأعناق وهتك الأعراض والنيل من المسيء بأبشع الصور، للانتقام منه، مثل الكثير من دول العالم التي ليس لديها نفس طويل بالصبر على منتقديها، واعتبار الخارجين عليها أعداء لها، فحاشا أن تكون حكومتنا وسلطاننا بهذا الفكر.

لقد تابعنا منذ مدة، ابتعاد البعض عن تراب هذا الوطن ثم عودتهم إليه بعد غياب طويل، وتلك المعاملة الحسنة الطيبة التي وجدوها عندما وطأت أقدامهم أرض عُمان السلام والمحبة، حاصلين على عفو شامل، انطلاقًا من قاعدة "عفا الله عما سلف".

ولقد سُعدنا بذلك النهج الحكيم الأبوي الذي من شيمته الصفح والعفو وغض الطرف عن الإساءة، وكبح جماح النفس بعدم الشروع بالانتقام أو العداء أو الكره، أو الغضب وعدم ضبط النفس، من النيل من المسيء بالعقوبة المغلظة، أو بارتكاب أبشع الأفعال السيئة في حقه.

فما كان من معاملة حسنة وجدوها، هي تربية للمقصر، وإعطاء فرص له، للعدول عن فكره الضال، تشمل العفو عن الزلات، والتجاوز عن التقصير والأخطاء، بالترحيب به، بيد أن الوطن للجميع، ويتسع للجميع، وجميعنا يجب أن نكون في خندق واحد، وصف واحد من أجل وعُمان برمتها.

مما لا شك فيه أنه "إذا خليت خربت"، وهذا قد يكون قانونا في الأرض مستمر حتى قيام الساعة؛ إذ إن الصراع بين الحق والباطل، قائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولا غرابة إذن أن يكون هناك من هو شاذ عن القاعدة السوية، وعلى السلطات والنظام العام، التعامل مع ذاك الشذوذ وتلك النماذج، بحكمة وهدوء وعقلانية، وعدم الانجرار وراء الدوافع التي تقسوا على الأنفس، وإلا لن يكون هناك بناء وتقدم وتتطور واحتواء، ومعالجة الأحداث والوقائع بشيء من الهدوء والفكر الراقي والسماحة وإعمال العقل.

نقول دائمًا إن العدل والمساواة أمران يحققان توازناً ورضًا، وانسجاما وتناغما في تقدير الجهود التي تبذل، وما يحدث لدينا في عُمان بانتهاج كل ذلك، إنما يفضي إلى تحقيق معدلات نمو ممتازة، وجعل الجميع في حال من السعادة، وبمكانة مرموقة ومتقدمة، لا يشوبها ظلم ولا نقص، وكل عمل من الممكن أن يعتريه النقص، وكل امرئ يمكن أن يخطئ؛ فالكمال لله وحده.

حفظ الله جلالة السلطان المعظم- أيده الله- عزيزًا كريمًا على سخائه وتفهمه، وشكرًا لحكومتنا الرشيدة وأجهزتها الأمنية على الرحابة والسعة في التعامل برحمة ولطف، مع الأشخاص والشدائد والأحداث، التي ساءت وتسيء، والله نسأل أن يجمعنا على الخير من أجل عُمان وسلطانها المفدى.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي

أكد الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن موضوع هذا اللقاء يعد  ضرورة حياتية وفريضة دينية، فنحن نتحدث عن موضوع خطير ودقيق.

مفتي الجمهورية: هناك محاولات ممنهجة لطمس الهوية الوطنية تستوجب وقفةً واعيةمفتي الجمهورية: نعيش حالة من الترويج المنظم للباطل تحت مسميات براقة

وأوضح، خلال كلمته في ندوة بعنوان "التطرف وأثره على المجتمع"، بجامعة العريش، أن التطرف بمعناه السهل البسيط هو مجاوزة الحد إما أقصى اليمين أو اليسار، فالتشدد في الدين نوع من التطرف، وكذلك الانفلات من الدين والخروج على الثوابت والمقدسات نوع آخر من التطرف لأنه يرتبط بالوعي، وقضية الوعي قضية محورية في أي أمة من الأمم، فإذا أردنا أن نتحدث عن أمة متقدمة فعلينا أن ننظر إلى عنصر الوعي فيها.

وأضاف، أن الشريعة الإلهية بمعناها العام جاءت بأمر محدد وهو الدين، الذي يراد به ومن خلاله سعادة الإنسان في الأولى، وفلاحه وفوزه برضوان الله تعالى في الآخرة، فقد عرف العلماء الدين  بأنه وضع إلهي وضعه الله عز وجل على لسان الأنبياء والمرسلين بهدف تحقيق الصلاح للناس في الأولى أي الدنيا، والفلاح لهم في الآخرة، فالله تعالى أرسل الأنبياء للإنسان لهدف نبيل وغاية سامية تتمثل في تحقيق السعادة له في الدنيا والفلاح والفوز برضوان الله تعالى في الآخرة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يصادم ما جاء عن الله عز وجل الفطرةَ أو الطبيعةَ الإنسانية، أو يخرج عن قانون العقل أو يعارض مقتضى الفكر السليم، أو الذوق الرفيع.

وبيَّن المفتي، أن الله تبارك وتعالى خلق الناس وهو أعلم بهم، ومن ثم عندما أرسل الأنبياء بالدين وضع فيه ما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بنفسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان ببني جنسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بباقي عناصر الكون، لذا لا غرابة أن تجد في الدين آليةً للتعامل مع الإنسان والحيوان والجماد، وما يحقق به الإنسان الرؤية الصحيحة الدقيقة للكون التي تقوده إلى صلاحه في الأولى وفلاحه في الآخرة.

وأشار إلى أنه إذا ما تم الخروج عن هذا فليس مرده إلى الدين، وإنما مرده إما إلى المنتسبين إلى الدين، أو القارئين أو المفسرين أو المتأوِّلين لنصوص الدين، فلا يوجد دينٌ صحيحٌ جاء من عند الله تبارك وتعالى يتناقض مع الطبيعة الإنسانية، وأن الخطأ قد ينشأ من القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، والتي تكون بعيدة عن قواعد العلم والفهم، كما يقرر الفيلسوف والفقيه ابن رشد رحمه الله أن الفهم الخاطئ لنصوص الدين له أسبابه وهي: الهوى، المرض النفسي، القراءة الانتقائية، سوء الفهم.

وبيَّن مفتي الجمهورية، أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى التطرف بنوعيه هو النقص في التعامل مع الدين، فالأول يتعامل مع مسائل الدين الفرعية من خلال أحادية الرأي وأحادية المذهب وأحادية الفكرة، والثاني يتعامل مع الدين على أنه يمثل القيد والعائق عن الحرية، فنحن أمام طرفي نقيض أحدهما يعمل على سرد النصوص الدينية في دائرة مغلقة تؤدي إلى الغلو والتشدد واتهام الدين بما ليس فيه، والآخر ينسلخ جملة وتفصيلًا من الثوابت الدينية والأعراف البشرية والقواعد العلمية، بحثًا عن الهوى واللذة تحت مصطلح الحرية، تلك المصطلح الفضفاض النسبي حيث يتفاوت باختلاف النظار، فهذا التطرف ليس له علاقة له بالدين وإنما علاقته بالمتعاملين مع الدين، وأن السبب الثاني يتمثل في القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، فالنصّ الديني لا يمكن تناوله إلا استنادًا إلى مجموعة من الضوابط العلمية والقواعد الأصولية التي تعين على فهم تلك النصوص.

وأشار إلى أن السبب الثالث يتمثل في نقل العلم من غير مظانه، فالدين علم وليس مسألة ثانوية، والإنسان يجب أن ينظر فيمن ينقل عنه هذا العلم، فنقل العلم عن غير مظانه يؤدي إما إلى التساهل المفرط أو التشدد المفرط، والسبب الرابع: اتباع الهوى الشخصي أو الانطلاق من خلفية ثقافية معينة؛ فالتعاملُ مع النص الديني يجب أن يكون وفق التجرد والموضوعية بعيدًا عن الأهواء والخلفيات.

واختتم المفتي، حديثه بالحديث عن خطر الوسائل التكنولوجية الحديثة والمنصات الإلكترونية والتي أوجدت فوضى الفتاوى، وكذلك فوضى الشذوذ الأخلاقي والفكري؛ خصوصًا وأنها كما تحمل الخير تحمل كذلك الشر؛ ومن ثم ينبغي أن نكون على حذر في التعامل معها والنقل عنها أو الترويج لها لأنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلى التطرف سواء الديني أو اللاديني.

من جهته أعرب الدكتور حسن عبد المنعم الدمرداش، رئيس جامعة العريش، عن تقديره لفضيلة مفتي الجمهورية على جهوده العلمية والوطنية، والتعاون الفعال بين دار الإفتاء ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توعية الشباب في الجامعات المصرية، وتعزيز القيم الدينية الوسطية السمحة، مؤكدًا على أهمية البناء الديني والعقلي والفكري من أجل بناء جيل واعٍ متحضر متسامح محبٍّ ومخلصٍ لوطنه.

حضر اللقاء الدكتور حسن عبد المنعم الدمرداش، رئيس جامعة العريش، والدكتورة هند حميدو، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور محمود إبراهيم، المشرف العام على شئون التعليم والطلاب، والشيخ مصباح أحمد العريف، رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء الأزهرية، والشيخ محمود مرزوق، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة شمال سيناء، وعدد من شيوخ وعواقل محافظة شمال سيناء، وعمداء الكليات، والسادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.

مقالات مشابهة

  • كيف يمكنني التخلص من الحسد وتطهير قلبي؟.. داعية يوضح
  • عميد كلية بيت لحم: ما يحدث في غزة إبادة.. وصمت العالم خيانة للإنسانية
  • حرب الرسوم.. ما أكثر السلع الصينية التي يعتمد عليها الأميركيون؟
  • عياد: التشدد في الدين نوع من التطرف.. و«المنصات الإلكترونية» جزء من فوضى الفتاوى
  • مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي
  • سنن نبوية في الصلوات حافظ عليها لتنال أجرها
  • عودة في أحد الشعانين: صلاتنا أن يكون اللبنانيون تعلموا من دروس الماضي
  • 4 صفات لمن يدخلون الجنة بغير حساب.. تعرف عليها
  • مسقط.. عاصمة الحكمة والتوازنات الكبرى
  • دعاء قبل المذاكرة للفهم والحفظ وعدم النسيان.. احرص عليه حتى الامتحانات