جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-17@14:22:20 GMT

نشأة العنصرية وتطورها

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

نشأة العنصرية وتطورها

 

 

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

"أنا خيرٌ منه، خلقتني من نار وخلقته من طين"؛ بهذه الكلمات، أعلن إبليس أول تمرد في تاريخ الكون، مؤسِّسًا لمفهوم العنصريّة، أحد أخطر المفاهيم التي رسَخت في العقل الإنساني، وهو التمييز القائم على الشعور بالتفوق.

كانت هذه الفكرة البذرة الأولى للعنصرية، التي تطورت عبر العصور واتخذت أشكالًا مختلفة، متغلغلة في المجتمعات، ومدعومة أحيانًا بنظريات فلسفية وعلمية زائفة، لتتطور لاحقا إلى منظومة فكرية مترسخة، وتصبح وقودًا لأبشع الجرائم في التاريخ.

في القرن التاسع عشر، أسس العالم البريطاني تشارلز داروين، من دون قصد، لمرحلة جديدة من الفكر العنصري بكتابه "أصل الأنواع" الذين نشر عام 1859. ورغم أن نظريته كانت علمية في جوهرها، إلّا أن مفهوم "البقاء للأصلح" أُعيد تأويله من قبل أنصاره ليُستعمَل مُبررًا لتصنيف البشر على أساس عرقي. هذا التأويل الخطير شكّل القاعدة التي ارتكز عليها دعاة التفوق العرقي، وأسهم في إشعال حروب دامية وصراعات طويلة.

يرى المؤرخ البريطاني جيمس جول أن إيمان القادة الأوروبيين في تلك الفترة بالمبادئ الداروينية كان أحد المحركات الخفية للحروب الكبرى، إذ عززت هذه الفكرة قناعة بأن الأعراق "الأدنى" يجب أن تزول لصالح "الأقوى".

وليس أدل على ذلك من الأيديولوجية النازية، التي تبناها الزعيم الألماني أدولف هتلر في سياساته العنصرية؛ حيث أطلق عمليات الإبادة الجماعية ضد اليهود والسُلاف والغجر وغيرهم ممن اعتبرهم "غير لائقين بيولوجيًا"؛ حيث اعتقد هتلر أن العرق الآري هو الأكثر تفوقًا، وأن وجود أعراق أخرى يشكل تهديدًا لتقدمه وهيمنته، مما دفعه إلى وضع سياسات تهدف إلى "تطهير" ألمانيا وأوروبا من أي عنصر لا يتوافق مع تصوره للأُمة الألمانية المثالية.

هتلر لم يكن وحده من استند إلى هذه الفلسفات لتبرير سياساته العنصرية؛ فالحركة الصهيونية أيضًا تبنّت منطقًا مشابهًا في سعيها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فقد استندت إلى فكرة تفوق العرق اليهودي وحقه في الأرض على حساب السكان الأصليين، الذين رأت أنهم لا يستحقون البقاء.

ومنذ بدايات المشروع الصهيوني، صُوِّرَ الفلسطينيون على أنهم عائق أمام تقدم "الحضارة اليهودية"، واستُخدمت الخطابات العنصرية لنزع صفة الإنسانية عنهم، مما مهد الطريق لعمليات التطهير العرقي والتهجير القسري.

ويوضح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" أن عمليات التهجير والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948 كانت جزءًا من خطة مدروسة تهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين. وينقل بابي شهادةً لأحد الجنود الصهاينة الذين شاركوا في هذه المجازر؛ حيث قال إن القادة "أقنعونا أن العرب ليسوا بشرًا"، في تجسيد لعقليةٍ رسخت بين الجنود، سهّلت ارتكاب الفظائع ضد الفلسطينيين دون إحساس بالذنب أو التردد.

لكن، هل يمكن القول إن العنصرية الحديثة بدأت مع الداروينية؟

في الواقع، كان الفكر العنصري متجذرًا في أوروبا قبل ذلك بقرون. ففي القرن الثامن عشر، أعاد الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو إحياء مفهوم "طبيعة العبيد والأسياد" في كتابه "روح القوانين". وقد عبّر عن هذه الفكرة بوضوح حين قال: "فلا نستطيع أن نفهم أن الله الذي هو خبير حكيم قد ركب نفسًا خيِّرة في جسم أسمر". وهو طرح قدَّم الحجج الفكرية لدعاة الاستعمار الأوروبي، ممهّدًا لحقبة جديدة من التوسع الإمبريالي.

أما الكنيسة المسيحية، التي كان يُفترض أن تكون حامية للقيم الإنسانية، فقد انشغلت طيلة القرنين السادس عشر والسابع عشر بالجدل حول ما إذا كان الأفارقة والسكان الأصليون للعالم الجديد يمتلكون أرواحًا، أي إن كانوا بشرًا أم مجرد كائنات دونية. وانقسم رجال الدين بين من يرى في هؤلاء الشعوب بشرًا كاملي الإنسانية، ومن يعتقد أنهم خُلِقوا للخدمة والعمل دون حقوق طبيعية. وظلت هذه التساؤلات تُغذِّي شرعية الاستعباد والتمييز، مما وفر غطاءً دينيًا للجرائم التي ارتُكبت بحق الشعوب المستعمَرة.

وبدأت خطورة هذا الجدل عندما تحول من الناحية النظرية، إلى سياسات استعمارية وحشية تطبق على أرض الواقع. وفي الوقت الذي كان فيه بيتهوفن يعزف سيمفونيته الخامسة عام 1808، كانت أوروبا في ذروة توسعها الاستعماري. وبينما كان الجمهور الأوروبي يستمتع بإبداعه الفني، كانت الجيوش الأوروبية تجوب إفريقيا وآسيا والأمريكيتين تحت ستار "تحضير الشعوب البدائية"، تفرض سيطرتها على الشعوب الأصلية، وتستغل مواردها، وتبرر ذلك بمفاهيم التفوق العرقي ورسالة الحضارة، في تناقض صارخ بين عالم يبدع في الموسيقى والفن، وعالم آخر يُسحق تحت وطأة الاستعمار والتمييز.

وكانت النتيجة إبادة مجتمعات بأكملها، وفرض أنظمة عبودية قاسية؛ فقد تعامل المستعمرون مع البشر كأرقام في سجلات التجارة؛ إذ تشير التقديرات إلى أن أعداد القتلى من الهنود الحمر، السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، بلغت 80 مليونًا، قُتِلوا بسبب سياسات الإبادة العرقية التي قادها العنصريون تحت ذريعة التفوق الحضاري.

أما تجارة الرّقّ، فكانت نموذجًا آخر لوحشية الفكر العنصري. فما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، اصطيد أكثر من أربعين مليون إفريقي، قيدوا بالسلاسل، وشحنوا عبر المحيطات ليباعوا ويُستغلوا، في واحدة من أكثر الأنشطة الاقتصادية وحشيةً في التاريخ الحديث. لقد كانت العبوديّة محاولة ممنهجة لمحو هويات بشريّة بأكملها وتحويلهم إلى أدوات إنتاج لا أكثر، حتى يستمتع العنصريّ بالأكل والشرب والراحة، على حساب من يعدّهم أقل منه طبقة.

إنّ الإنسان العُنصريّ هو الامتداد الطبيعي لإبليس، أول مُتكبِّر في التاريخ، الذي أعلن تفوقه على آدم بغير حق، مؤسِّسًا لنزعة التمييز القائمة على الأوهام. وكما أعمى الغرور إبليس عن رؤية الحقيقة، يعجز العنصريُّ عن إدراك أن تفوقه المزعوم ليس سوى وَهمٍ زرعته ثقافةُ التفرقة والتصنيف.

 

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عائدون إلى بني سهيلا بخان يونس: هكذا كانت حياتنا وهكذا أصبحت

يستذكر فلسطينيون عادوا إلى بلدتهم بني سهيلا في محافظة خان يونس في قطاع غزة حياتهم فيها قبل الدمار، وكيف تغيرت وسط حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة والتي محت عائلات بأكملها من السجل المدني.

ورصد تقرير بثته قناة الجزيرة أحوال ناس عادوا إلى بني سهيلا أشهر بلدات محافظة خان يونس التي تشهد كغيرها من مناطق قطاع غزة غارات ومجازر عديدة منذ بداية الحرب، كان آخرها في 13أبريل/نيسان الجاري.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرئيس السوري يزور الدوحة ويجري مباحثات مع الشيخ تميم بن حمدlist 2 of 2تزايد أعداد العرائض الإسرائيلية المطالبة بوقف الحرب وإعادة الأسرىend of list

فقد عاد رواد القهوجي إلى بلدته بني سهيلا، وتذكّر أسماء العائلات التي دُمرت بيوتها، وكيف كانت عائلات أبو فايد وأكرم أبو ريدة والقهوجي تجتمع مع بعضها البعض في شهر رمضان المبارك وفي سائر الأيام في مكان دمره جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة.

وتستذكر سماهر سرحان طفولتها، وكيف كانت تستيقظ باكرا وتأخذ مصروفها من أهلها، ثم تذهب إلى دكان "عمو أبو أيمن"، الدكان الوحيد الذي كان موجودا في الحارة.

وتتحدث سماهر عن بيت الجار أبو توفيق الذي اشتغل منذ صغره نجارا وسباكا حتى يبني بيته ويعيش فيه رفقة أولاده وعائلته، لكن بفعل صاروخ إسرائيلي غادر تحول هذا البيت إلى ركام.

ومن جهته، يعود مصطفى القهوجي بذاكرته إلى ما قبل العدوان الإسرائيلي ويقول وهو يشير إلى الركام: "هنا كان مخبزنا الذي كانت لنا ذكريات معه.. كنا نستيقظ صباحا على رائحة الخبز الحلوة".

إعلان

ويضيف مصطفى أن المخبز كان قديما عبارة عن محمص، وكان والده وأعمامه وأهل الحارة يستيقظون على رائحة البن المطحون.

وهو يمسك بهاتفه ويقلب صورا تذكارية، يروي أسامة النجار لحظات قصف إسرائيلي شديد وصعب فاجأ سكان بني سهيلا وأدى إلى سقوط شهداء، قال إنهم عثروا عليهم تحت الأنقاض وهم في كامل ملابسهم وأحذيتهم، وكأنهم كانوا مستعدين للإجلاء.

ويكشف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة في أحد المنازل الذي صار دمارا وخرابا، فقد قام بقصفه وبداخله ما يقارب 25 شخصا استشهدوا جميعا، وتم محوهم من السجل المدني.

شطب من السجل المدني

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد شطب الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 2000 عائلة من السجل المدني، وقتل 4 أجيال في غزة.

ولم يكتف الاحتلال بتدمير البيوت وقتل الناس، بل دمر أيضا المصانع، كما هو الحال مع مصنع البراربيش أقدم مصانع بلدة بني سهيلا، حيث دمره كاملا.

ووفق التقرير الخاص الذي بثته قناة الجزيرة، فقد بلغت نسبة الدمار الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي في خان يونس جنوبي القطاع بعد الحرب 75%، وفي رفح جنوبي القطاع بلغت 90%.

مقالات مشابهة

  • تفكيك شبكة للمتاجرة بالمخدرات في أربيل كانت تستعين بالنساء وتستهدف الأطفال و الاغنياء
  • شلقم: 1967 كانت هزيمة كبرى للعرب
  • عائدون إلى بني سهيلا بخان يونس: هكذا كانت حياتنا وهكذا أصبحت
  • المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية
  • مناوي: الخرطوم كانت محاصرة والآن هي حرة .. الجزيرة كانت محاصرة والآن هي حرة
  • السوداني: انخفاض نسبة المشاريع المتلكئة إلى أقل من 850 بعدما كانت بالآلاف
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • هل العنصرية اضطراب نفسي؟
  • الأمم المتحدة: الذكاء الاصطناعي يعزز المساواة ويعضد مكافحة العنصرية بجميع أشكالها
  • أحمد موسى: مصر كانت دائما إلى جانب الكويت في أزماتها