دعت حكومة السودان دول عالم الجنوب إلى الوقوف معه ودعمه في الدعوى القضائية ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ما يعكس التحديات القانونية والسياسية في مواجهة القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأمجد فريد الطيب، رئيس طاقم رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، دعا فيه عالم الجنوب إلى دعم الطلب الذي تقدم به السودان لمحكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمها طرفا في الحرب الاهلية السودانية والمتهم بارتكاب جرائم إبادة.



ففي 6 آذار/مارس، أعلنت محكمة العدل الدولية أن السودان رفع دعوى قضائية ضد الإمارات متهما إياها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية. بدعم قوات الدعم السريع.

واتهم السودان الإمارات بتقدم دعم مستمر لقوات الدعم السريع، التي تخوض حربا شرسة على السلطة ضد القوات المسلحة السودانية منذ نيسان/أبريل 2023، يعد تواطؤا في جريمة حرب.

وتشير القضية إلى جرائم موثقة ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد قبيلة المساليت، ففي الفترة ما بين أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2023، قتل ما يصل إلى 15,000 مدنيا من المساليت في غرب دارفور، ونزح ما لا يقل عن 500,000 شخصا إلى تشاد، وهو ما أعاد إلى الأذهان الصراع في دارفور أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ارتكبت ميليشيات الجنجويد، أسلاف قوات الدعم السريع، جرائم مماثلة لصالح نظام الرئيس عمر البشير.


ويتهم السودان الإمارات بانتهاك ميثاق الإبادة عبر مساعدتها قوات الدعم السريع وأعمالها الإبادة، وفصلت الأدلة الجنائية، بما فيها ما ورد في تقرير لـ "مركز راؤول ويلينبرغ لحقوق الإنسان" وتقريرا منفصلا صادرا عن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، عمليات القتل الممنهجة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والعنف الجنسي وحرق قرى بأكملها في غرب دارفور.

 وتكشف صور الأقمار الاصطناعية التي حللها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل عن تدمير واسع النطاق للتجمعات السكنية المدنية.

ويعزز التحقيق الصادر عن الأمم المتحدة بشأن اكتشاف مقابر جماعية بعد هجمات قوات الدعم السريع هذه الأدلة. ووصفت روايات الناجين، استهداف مقاتلو الدعم السريع للمساليت بسبب عرقهم وترديدهم عبارات عنصرية أثناء إعدامهم المدنيين، بمن فيهم الأطفال، مما يقدم أدلة واضحة على نية الإبادة الجماعية.

وعلى الرغم من تأخره، يتماشى قرار إدارة بايدن المتأخر والصادر في كانون الثاني/ يناير باعتبار أفعال قوات الدعم السريع على أنها إبادة جماعية، مع النتائج هذه، ويعتقد فريد أن الحديث عن دور الإمارات لا يقوم على التخمين، ولكنه حقيقة موثقة وبدقة، ففي كانون الثاني / يناير 2024، قدم فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدلة موثوقة على تورط الإمارات العربية المتحدة وتزويدها قوات الدعم السريع بالأسلحة عبر قاعدتها في أمجراس بتشاد.


وأشارت البيانات لتتبع الرحلات الجوية وصور الأقمار الاصطناعية، التي حللها مرصد النزاعات، وهو منظمة أمريكية غير حكومية تتحقق من تقارير جرائم الحرب في السودان وأوكرانيا، إلى "الحقيقة شبه المؤكدة" بأن الإمارات نقلت أسلحة إلى قوات الدعم السريع.

كما وذكرت وكالة أنباء "رويترز" أن هناك ما لا يقل عن 86 رحلة جوية من الإمارات العربية المتحدة إلى أمجراس منذ بدء الحرب، وأن ثلاثة أرباعها تشغلها شركات طيران كانت مرتبطة سابقا بتهريب الأسلحة.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن قاعدة سرية للمسيرات في مطار أمجراس، قرب الحدود السودانية والتي دعمت قوات الدعم السريع، وكشف التحقيق عن مسيرات صينية الصنع من طراز "وينغ لونغ" والتي أطلقت من مهبط طائرات جرى تحديثه، وجرى التستر عليه كجزء من مشروع إنساني مرتبط بمستشفى تابع للهلال الأحمر الإماراتي. كما أن الميليشيات التي حصلت على هذه المسيرات سجلت مستويات عالية من الضحايا في المناطق المدنية.

ويقول فريد أن النفوذ الإماراتي المالي والدبلوماسي يزيد من التحدي، فقوتها الناعمة القائمة على النفط والتجارة، وناتجها المحلي الإجمالي البالغ 569 مليار دولار، يجعلها أقوى بكثير من اقتصاد السودان البالغ 30 مليار دولار، كما أن علاقاتها الوثيقة بالحكومات الغربية تزيد الأمور سوءا.

وقد أكد السناتور الأمريكي كريس فان هولين والنائبة سارة جاكوبس اللذان حاولا منع صفقة سلاح بقيمة 1.2 مليار دولار مع الإمارات في العام الماضي، أن الإمارات تراجعت عن تعهدها بوقف الدعم لقوات الدعم السريع، وبناء على إحاطات إدارة بايدن، وهو ما مكن قوات الدعم السريع من قتل الألاف.


ويعتقد فريد أن هذه الحالة المقدمة من السودان تعتبر امتحانا للمحاكم الدولية وإن كانت قادرة على محاسبة الدول القوية أو الخضوع للضغوط السياسية والإجرائية، وتأتي في ظل ما يشهده نظام العدالة الدولي من ضعف، الذي ظهر في العقوبات الأمريكية الأخيرة على المحكمة الجنائية الدولية.

وقال إن جنوب أفريقيا تقدمت في كانون الأول/ ديسمبر 2023 دعوى قضائية ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب الإبادة في غزة. وحظيت الدعوى بدعم عدد من الدول في عالم الجنوب، مثل الجزائر وبنغلاديش والبرازي وتشيلي والمكسيك وباكستان.

وكانت الدعوى لحظة محورية في تضامن عالم الجنوب، واستندت جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل على تراثها الأخلاقي في مكافحة نظام الفصل العنصري ومقاومة الاستعمار، ومع أن السودان ليس لديه هذا التراث، إلا أن الازمة الحالية تفصح عن التحديات الخطيرة التي تعاني منها دول ما بعد الاستعمار، بما فيها استغلال القوى الداخلية والخارجية.

وتعتبر الأزمة الحالية التي شهدت معاناة المدنيين ونزوحهم واستهداف بالعنف وانهيار لمؤسسات الدولية، واحدة من الأزمات الإنسانية والسياسية الخطيرة في عصرنا، وهي في النهاية ليست نزاعا محليا بل هي تمظهر للإهمال الدولي والتلاعب الإقليمي والتهميش المستمر لأفريقيا. ولو فشلت الدول التي دعمت جنوب أفريقيا بتقديم نفس الدعم للسودان، فإن هذا سيقوض نزاهة المبادئ التي قام عليها تضامن عالم الجنوب، ومن شأنه أن يخاطر بتعزيز أوجه عدم التماثل في تطبيق القانون الدولي، حيث تسلح القوى العظمى العدالة بشكل انتقائي بينما تحرم الفئات الضعيفة بشكل ممنهج.

ويرى فريد أنه لا ينبغي الخلط بين دعم القضية ضد الإمارات ودعم الحكومة السودانية في صراعها مع قوات الدعم السريع. فسجل القوات المسلحة السودانية ليس خاليا من العيوب. فقد وجد "بيانات موقع وأحداث النزاع المسلح" أن القوات المسلحة السودانية كانت مسؤولة عما يقرب من 200 حادثة شملت إصابات بين المدنيين في عام 2024، مقارنة بحوالي 1,300 حادثة تنسب إلى قوات الدعم السريع.

في حين أن خسائر القوات المسلحة السودانية غالبا ما تقدم على أنها أضرار جانبية في عمليات مكافحة التمرد، فإن هذا لا يعفي الجيش من مسؤولية الضرر أو واجبه في تقليله. علاوة على ذلك، أدت العقبات البيروقراطية التي وضعتها الحكومة السودانية أمام المساعدات الإنسانية إلى تفاقم ما يعتبر الآن أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.

ويري الطيب أن دعم قضية السودان يجب أن يكون قائما على المبدأ، فشبكات المحسوبية الواسعة لدولة الإمارات، المدعومة بثروتها النفطية ونفوذها بالإضافة إلى تحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الغربية وغير الغربية تجعل انتهاكاتها المزعومة أكثر أهمية.

وتابع أن الإمارات غير الخاضعة للرقابة ستواصل تصرفاتها متشجعة بالإفلات من العقاب والتلاعب بالصراعات الإقليمية، من السودان إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، مما يقوض العديد من الدول ذات السيادة في الجنوب العالمي في سعيها للحصول على الموارد والنفوذ.

واشار إلى أن كما أن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة لنظام العدالة الدولي، وقد يعزز حكم ناجح مصداقية محكمة العدل الدولية، إلا أنه يتطلب دعما واسعا وبنفس الروح التي غذت الدعم لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مضيفا أن الإمارات  ستحاول التحفظ والحديث عن المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تحصر اختصاص محكمة العدل الدولية بتنفيذ الاتفاقية. 

واختتم أن فقهاء القانون قد يطعنوا في صحة التحفظات على المادة التاسعة لتعارضها مع روح الاتفاقية وتحصين الدول من المساءلة. وأصدرت محكمة العدل الدولية نفسها رأيا استشاريا عام 1951، ينص على أن التحفظات على معاهدات مثل اتفاقية الإبادة الجماعية لا يمكن قبولها إلا إذا لم تتعارض مع هدف وغرض المعاهدة، التي تهدف إلى منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية السودان الإمارات الدعم السريع السودان الإمارات الجيش السوداني الدعم السريع المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات المسلحة السودانیة محکمة العدل الدولیة قوات الدعم السریع الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا ضد الإمارات أن الإمارات فرید أن

إقرأ أيضاً:

الخارجية السودانية: كينيا تستخف بالشرعية الدولية وتستضيف مؤتمر إعلان حكومة المليشيا

بورتسودان: السوداني/ قالت وزارة الخارجية السودانية، إنّ الحكومة الكينية تتجه لاستضافة مؤتمرا ثانيا للمليشيا الإرهابية وتابعيها، لإعلان ما سمي بالحكومة الموازية خلال الأيام القادمة، واستضافت نيروبي في فبراير المنصرم، اجتماعات لقوات الدعم السريع وآخرين للترتيب لإعلان حكومة موازية فى مناطق سيطرة الدعم السريع، مما دفع السودان استدعاء سفيرها ومقاطعة كل المنتجات الكينية إلى السودان.

وأضافت الخارجية فى بيان لها مساء اليوم، ان المؤتمر يأتي في الوقت الذي تصعد فيه مليشيا الجنجويد حملة الإبادة الجماعية ضد مجموعات إثنية محددة بدارفور، كما يجسدها هجومها الحالي والمستمر على معسكر زمزم للنازحين، والذي راح ضحيته مئات من المدنيين من بينهم الأطفال والنساء، وبينما تواصل المليشيا استهداف المنشآت المدنية الحيوية في أنحاء البلاد.

ولفتت إلى إدانات المجتمع الدولي بأسره لاتجاه قوات الدعم السريع إعلان حكومة موازية الخطوة، حيث عبر مجلس الأمن بالأمم المتحدة عن قلقه البالغ بشأنها وما ستؤدي له من تسعير نار الحرب في السودان وتهديد وحدته الوطنية وسلامة أراضيه.
كما أدانها مجلس السلم والأمن الأفريقي في بيان صحفي بتاريخ 11 مارس 2025 بعبارات قوية وواضحة. ودعا الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي وكل المجتمع الدولي للامتناع عن تقديم المساعدات أو الدعم لأي مجموعة مسلحة أو سياسية تسعى لإنشاء حكومة أو دولة موازية في السودان.

واعتبرت الخارجية السودانية، أن إصرار الحكومة الكينية على التمادي في دعم ما اسمتها المليشيا الإرهابية واحتضان أنشطتها يمثل استخفافاً بالشرعية الدولية، ومجلس السلم والأمن الأفريقي. كما ينطوي على تهديد خطير للأمن الإقليمي، وسيادة الدول الأفريقية والسلم الاجتماعي فيها.

ودعت وزارة الخارجية، المجتمع الدولي لإدانة هذا المسلك غير المسؤول والذي يتنافى مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الأفريقي.  

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية تدين استضافة كينيا مؤتمراً جديداً للدعم السريع
  • الخارجية السودانية: كينيا تستخف بالشرعية الدولية وتستضيف مؤتمر إعلان حكومة المليشيا
  • عضو وفد الحكومة السودانية يكشف لـ “المحقق” ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر
  • السودان والإمارات أمام العدل الدولية.. ماذا قال كل جانب عن اتهامات دعم الإبادة الجماعية؟
  • العدل الدولية تبدأ مداولاتها في دعوى السودان ضد الإمارات بشأن الإبادة الجماعية
  • السودان لمحكمة العدل الدولية: الإمارات تؤجج الإبادة الجماعية في دارفور
  • السودان يتهم الإمارات بـ”انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية” أمام محكمة العدل الدولية
  • سلطات الأمر الواقع السودانية ضد الإمارات العربية المتحدة: نفاق مؤسسة إبادة جماعية
  • “العدل الدولية” تبدأ النظر في شكوى السودان ضد الامارات
  • السودان.. العفو الدولية توثق حالات اغتصاب جماعي ارتكبها الدعم السريع