من منا لم يعرف الشاعر الفلسطيني الصعلوك فوزي البكري؟ فوزي الذي أحبه سميح القاسم وسعد بصحبته أميل حبيبي، الذي تعرفه جيدا قدس الثمانينيات، فوزي صاحب الجولات والصولات في هز قيم المجتمع الثقافي الفاسدة، فوزي الآن قعيد فراشه عجوزا في الثمانين، من بعده خلت الساحة من ملحها ومن ضحكتها ومن نصها الشجاع ومن طعمها، تنتظر الثقافة الفلسطينية صعلوكاً حقيقياً واحداً فقط، صعلوكاً قادماً من لا وعينا، مصنوعاً من أحلامنا التي لا نستطيع الإفصاح عنها، يكون مخيفاً وهادئاً، لا ينتمي إلى أيّة مؤسسة، لا يرتبط بأية صداقةٍ مع أحد؛ لأنه يؤمن بأن الصداقة حجابٌ أمام نور الـموقف، وإن فعل ذلك فهو لا يجعل الصداقة عائقاً أمام حريّة أحاسيسه.
لنتعرّف إلى أصل كلـمة الصعلكة، والتي تعني الفقر. واعتماداً على (لسان العرب)، الصعلوك هو الفقير الذي لا مال له، تصعلك الرجل أي افتقر، أما اصطلاحاً فهم جماعة من الـمخالفين العرب الذين خرجوا عن طاقة زعماء قبائلهم. الخروج هو ثيمة الصعلكة، إذاً، ومفتاحها، وهذا الخروج لـم يكن للتباهي أو التظاهر بالتميّز أو ركضاً خلف شهرةٍ، أو اصطياداً لإعجاب النساء، وذهولهن الأرعن، بل كان ضرورةً نفسيةً أخلاقيةً وروحيةً ووجوديةً واقتصاديةً، فرضتها طبيعة الحياة القبلية العربية آنذاك.
بعد تجرية الشاعر الـمقدسي، فوزي البكري، في الصعلكة، لـم تتوفر لنا تجربةٌ أخرى، نفخر بها، ننحني لها، نحتمي بها من خجلنا وخوفنا وعاديّتنا الـمفرطة في قبحها وجبنها، كان البكري رجلاً غريباً عن محيطه وأمكنته وأصدقائه، غريباً بالـمعنى الجمالي والإبداعي، لـم يتورّط يوماً بمدح مسؤول، أو بتسلّق كتفٍ، أو السكوت أمام خطأ، أو الـمساومة على مواقفه من الحياة والوطن والـمؤسسة التي ما زال يحافظ على صلابتها وطزاجتها. لذلك، لـم يستوعبه تاريخ الثقافة الفلسطينية، ولـم يعطه حقه من الفهم والحب، وهذا طبيعي جداً وغير مفاجئ؛ فالثقافة الفلسطينية مؤسسية في أغلبها، وتعتمد، إلى حد كبير، على العلاقات والفئوية والعائلية والـمجاملات وذهنية الصفقات.
تاريخ الصعلكة الثقافية الحقيقية في فلسطين شاحب وخفيف وغير مشرّف، ولا تاريخ له أصلاً، كم تحتاج بلادنا، هذه الأيام، إلى صعلوك حقيقي، رجل لا ينتمي إلينا، لا يحتاجنا، لا ينتظرنا، يهز جدار صمتنا، نحن الـمثقفين، عمّا يجري من تحطم وشلل وعجز في ثقافتنا: لا تمييز بين الأديب والنقابي والصحافي والسياسي، لا فصل بين الأدب والانتماء المناطقي والحزبي أو العائلي، لا حقوق للـمؤلف ...".
قرصنة الكتب أصبحت مهنة مربحة وشائعة وطبيعية جداً، لا أحد خارج نظامنا الثقافي الآن، لا أحد خارج رؤية الـمؤسسة، الكل متورّط في صناعة الشلل، الكل يمارس الخراب، الصعلوك الـمفترض الغائب وحده من يستطيع مواجهتنا، فضحنا، تعرية صمتنا، إماطة اللثام عن أقنعتنا وأكاذيب نصوصنا واستغاثاتنا الجبانة والعبثية. ليأت إذاً ذلك الـمجنون الرائع. ليأت سريعاً جميلاً وصادقاً وحقيقياً داكّاً ثكنات كسلنا وصفقاتنا وخوفنا وغبائنا بصهيل حصانه الـعالي.
ثقافتنا مطيعة ومؤدبة، فمن يُربكها؟ من يحرجها؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إسلام فوزي يسخر من تصريحات نمبر وان في مدفع رمضان
واصل الإعلامي إسلام فوزي تقديمه للكوميديا الساخرة في الحلقة الـ16 من برنامجه "استلام فوري"، المذاع عبر قناة CBC، حيث تناول بأسلوب فكاهي تصريحات الفنان محمد رمضان خلال تقديمه برنامج "مدفع رمضان"، الذي يُعرض في موسم رمضان 2025.
علّق إسلام فوزي بسخرية على إعلان محمد رمضان عن اعتزامه إهداء جائزة البرنامج لأول شخص يراه يقف بجوار الرصيف الأسود، قائلًا: "أنا مش فاهم حاجة ولا الناس فاهمين، حتى المخرج تلاقيه عاوز يوقفه عن الكلام".
واصل إسلام فوزي سخريته بطريقة كوميدية قائلًا: "في ظل ما المخرج بيفكر، محمد رمضان مكمل، لا أفلاطون يهم ولا سقراط يلم، حبيبنا يا أستاذ محمد رمضان!"، متسائلًا: "وليه الرصيف يا فنان؟ الفكرة دي مبتطلعش غير من واحد شغال في الحي".
إسلام فوزي يسخر من برنامج محمد رمضان بطريقة كوميديةفي الحلقة الـ16 من برنامج "استلام فوري" المذاع عبر قناة CBC، واصل الإعلامي إسلام فوزي تقديمه للكوميديا الساخرة، حيث تناول بأسلوب فكاهي برنامج "مدفع رمضان" الذي يقدمه الفنان محمد رمضان في دراما رمضان 2025.
أشاد إسلام فوزي بفكرة البرنامج، قائلًا: "فكرة "مدفع رمضان" اللى بيقدمه محمد رمضان لذيذة وعاجباني، لأنه بيساعد حالات إنسانية وبيجبر بخاطر الناس، ولأول مرة الناس بتتجمع على حاجة وقت الفطار غير برامج المقالب".
كما أشار إلى أن الكثيرين أصبحوا ينتظرون مكالمة من محمد رمضان سواء أرسل لهم مساعدة أو لم يرسل.
خلال الحلقة، عرض إسلام فوزي مشهدًا من البرنامج، حيث توجه محمد رمضان إلى عامل ورنيش لمنحه مساعدة مالية، ليعلق ساخرًا: "مش الراجل بس اللى خد الفلوس جري، دا الشارع كله جري، الراجل اتخض خضة".
لم تتوقف سخرية إسلام فوزي عند هذا الحد، بل تابع قائلاً: "الراجل صعب عليا، ملحقش حتى ياخد علبة ورنيش، ساب الدنيا كلها وجرى وقال العمر واحد والرب واحد".