فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
• في قوله تعالى في سورة الحاقة: " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ"، لماذا جاءت الآيات الكريمة بصيغة المخاطب؟
لأن هؤلاء المخاطبين إنما هم من ذرية من نجاهم الله تبارك وتعالى من مع نوح ومن آمن به، ولأن هذا الأمر الذي حصل، وهو أمر تنجية نوح عليه السلام في الفلك، كان حدثًا كبيرًا تناقلته الأجيال، وكان أمره ذائعًا عند العرب وعند غيرهم، فهم يعرفون هذه الحادثة ولذلك، فإن الآية الكريمة خاطبتهم لأنهم مطلعون على هذه الحادثة، وأن الذين نجوا من الغرق إنما هم من ذرية من نجا من الغرق، وهم لا يخالفون في ذلك، بل يعلمونه، فالخطاب لهم وكأنه استحضار لمعنى انتمائهم إلى أولئك الأسلاف الذين نجاهم الله تبارك وتعالى مع نوح والمؤمنين في الفلك، في السفينة.
ومن المفسرين من يقول إن المعنى أنهم كانوا في الأصلاب، لا بمعنى أنهم يعرفون انتسابهم، وإنما باعتبار أنهم كانوا، لما نجا الله تبارك وتعالى نوحًا عليه السلام وأهله والمؤمنين معه، في أصلابهم، في ظهورهم، فالخطاب بهذا المعنى غير بعيد عن المعنى الأول، فالمعنى الأول ظاهر، ولذلك يُحمل عليه أن الخطاب جاء بصيغة المخاطب، والله تعالى أعلم.
• في قوله تعالى: " أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا "، وفي قوله تعالى: " أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا "، هل يوجد اختلاف بينهما؟ أو كيف نجمع بينهما؟
لا، ليس هناك اختلاف بين وصف الأرض بأنها كفات وبين وصفها بأنها مهاد أو مهد أو فراش، فهذه أوصاف وُصفت بها الأرض في كتاب الله عز وجل، فالكفات يقصد بها أنها تجمع وتضم على ظهرها الأحياء، وفي بطنها الأموات هذا معنى الكفات، وأصل الكفات من الكفت، ويقال: الكفت والكفات بمعنى الضم والجمع ونستعملها نحن أيضًا في لهجتنا الدارجة، حيث يستخدم الناس معنى الكفت بمعنى الضم والجمع، وهي كذلك في اللغة.
وإن كان الخليل في العين قد ذكر لها معنى الصرف عن الوجهة، فيقال: كفته إذا صرفه عن وجهه وقد حاول من جاء بعده، كفارس في المقاييس، أن يؤوّل كلام الخليل بن أحمد الفراهيدي، بأن المقصود أيضًا هو الجمع والضم، حيث قال: إن صرفه عن وجهه يعني جمعه إلى جهة أخرى وضمه إلى ناحية أخرى، والمعنى قريب.
لكن الحاصل في معنى هذه الآية الكريمة: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا"، أي أنها ضامة جامعة للأحياء على ظهرها، وللأموات في بطنها، وأما وصف الله تبارك وتعالى للأرض بأنها مهاد أو مهد، فلأنها مُهّدت للعيش فيها، وهي كذلك فراش، لأن الفراش هو ما يُفرش تحت الإنسان ليكون صالحًا له، وكذلك الأرض.
فهذه الأوصاف كلها تلتقي في المعاني الدالة على طبيعة هذه الأرض، بما أوجده الله تبارك وتعالى فيها من نعمة وفضل لعباده، لكي يحيوا فيها، ومن اللطائف أن بعض الفقهاء استنبطوا أحكامًا فقهية من قوله تعالى: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا"، وذلك استنكارًا على أتباع الملل الوثنية الذين لا يدفنون موتاهم فقالوا: إن هذه الآية تدل على أن الأصل في الإنسان أن يُدفن في باطن الأرض، وأن ذلك أستر له، وأوفق لتكريمه، وأولى لجثمانه بعد وفاته وهم يخاطبون بذلك غير المسلمين، وهذا مما ذكره الفقهاء قديمًا، وذكروا بعض الملح الفقهية أخذًا من هذه الآية الكريمة، ولكن المعنى الذي يبحث عنه السائل هو الذي تقدم، والله تعالى أعلم.
• في الحديث النبوي الشريف: "الرؤية الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"، هل في هذا الحديث دلالة على وقوعها؟ فقد ورد أن بعض الرؤى تكون كفلق الصبح؟
للتوضيح أولًا، الرؤية الصالحة وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها صالحة، وهي التي تكون ممن يتسم بالصلاح، وتكون فيها من البشارات والبشائر ما يستبشر به المسلم في منامه وهي كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
أما وقوعها، فيصدق عليها وعلى غيرها، فقد يكون الوقوع أيضًا لما هو مفزع من الأحلام، فيقع كفلق الصبح أيضًا فليس من شروط الرؤية الصالحة حصول الوقوع، وليس من شروطها أن تكون على ما هي عليه في المنام، بل قد تحتاج إلى تعبير أو تفسير، فهذا ما ينبغي التنبه له؛ ليس الوقوع علامة على أنها رؤية صالحة، كما أن العكس صحيح، أي أن عدم وقوعها فورًا لا يعني أنها ليست رؤية صالحة، وقد تقع بخلاف ما يتوقعه الرائي.
والأمر الثاني يتعلق بتأويلها؛ فلا يلزم أن تكون على ظاهرها كما رآها الرائي، بل قد يكون لها تأويل آخر مختلف، وهذا علم آخر وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه على التحذير من الخوض فيه دون دراية وعلم، فقال: "من أفتى مسألة أو فسر رؤية بغير علم، كان كمن وقع من السماء إلى الأرض، فصادف بئرًا لا قعر لها، ولو أنه أصاب الحق".
أما الرؤية الصالحة من الرجل الصالح، فهي كما تقدم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وتكتنفها هذه الأحوال من حيث الوقوع أو عدمه، ومن حيث سرعة التأويل أو بطئه، ومن حيث احتياجها إلى التأويل والتعبير، ومن حيث تيقن صاحبها مما رآه، ويقصد بذلك ما يذكره كثير من الفقهاء في التنبيه على من يدّعي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتيقن الرائي مما رآه أمر مهم ولذلك اشترط بعضهم أن يكون عارفًا بصفاته، أو أن يكون في الرؤية نفسها ما يدل ويؤكد على أن الذي رآه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن كان قد وقع في نفس الرائي فقط، فمن أين حصل له ذلك؟ لذا، اليقين في الرؤية أمر مهم، وإلا فإننا نجد بعض ما يُحكى في كتب التفسير من رؤى ومنامات لا تليق بجناب الله تبارك وتعالى، ولا يصح نسبتها إلى ذاته العلية، ومع ذلك يعدّها البعض من الرؤى الصالحة، رغم أن المرئي فيها لا يليق أبدًا بالله عز وجل، ولا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.
• ما صحة ما رواه الثعلبي في تفسيره؟ يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال الله تعالى: مجدني عبدي، ذكر هنا البسملة؟
هناك عدة مسائل، الثعلبي هو أبو إسحاق الثعلبي، المتوفى عام 427هـ، وله تفسير موسع يسمى "الكشف والبيان"، ويُختصر فيقال: تفسير الثعلبي، لكن الاسم الكامل للكتاب هو "الكشف والبيان في تفسير آية القرآن"هذا التفسير موسع، وقد اشتمل على كثير من الإسرائيليات والأخبار الواهية، ومع ذلك، كان من الكتب التي عُوِّل عليها كثيرًا من قبل من جاء بعده، فقد استفاد الإمام الرازي من تفسيره، كما لخصه البغوي، إلا أن البغوي، بفضل ملكته الحديثية، قام بتنقيح ما رآه ضعيفًا وأزال الإسرائيليات منه وفق منهجه.
ومع ذلك، لا خلاف في أن الإمام الرازي قد اعتمد كثيرًا على تفسير الكشف والبيان للثعلبي، كما أن العديد من المفسرين استفادوا منه، نظرًا لأنه تفسير بالمأثور، حيث جمع فيه الكثير من الروايات والآثار، دون أن يكون من مسلكه التمحيص الدقيق لها، أما بخصوص صحة الرواية التي وردت في تفسيره حول قول الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله: مجدني عبدي"، فإن المحقق الذي اطلع على الكتاب قد ضعف هذه الرواية.
والرواية المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم وغيره، لم تذكر "بسم الله الرحمن الرحيم" ضمن هذا الحديث، مما يخالف ما ورد عند الثعلبي، نقل الإمام الرازي كلام الثعلبي وأضاف إليه حججًا أخرى، ثم تناوله الألوسي بالنقد والتضعيف ومع ذلك، فإنني لم أفحص الرواية الواردة عند الثعلبي بنفسي، ولكن غاية ما اطلعت عليه هو تضعيف محقق الكتاب لها.
موقف الفقهاء من البسملة في الفاتحة، من المهم التنبيه إلى أن القائلين بأن البسملة آية من الفاتحة يُجهر بها في الصلاة، ومنهم الإباضية والشافعية، لا يعتمدون على هذه الرواية فقط، بل لديهم أدلة أقوى، منها، الإجماع بين علماء القراءات، حيث أجمعوا على أن "بسم الله الرحمن الرحيم" آية في الفاتحة تُقرأ ويُجهر بها، كما أنها آية في كل سورة ابتدأت بها، ولا يُجيزون القراءة دونها.
إجماع علماء الرسم، حيث أُثبتت البسملة في المصاحف في كل موضع افتُتحت به السورة، ومنها الفاتحة، مما يعني أنها جزء منها وتُقرأ معها، الأحاديث النبوية، حيث وردت روايات عن أم سلمة، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، تفيد بأن "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من الفاتحة، وقد صححها أو حسنها عدد من المحدثين.
عمل الصحابة والتابعين، حيث نُقل عن كثير منهم القول بإثبات البسملة والجهر بها في الصلاة، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بسم الله الرحمن الرحیم الله تبارک وتعالى قوله تعالى الله تعالى ال أ ر ض ومع ذلک کثیر من ما رآه جزء من على أن من حیث
إقرأ أيضاً:
رمضان.. والتحلي بالأخلاق
الأخلاق مقصد من مقاصد البعثة النبوية، والعبادة وسيلة لتحقيق ذلك المقصد، بإصلاح النفوس وتقويم ما أعوج من خلق. ويقول سبحانه وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «صورة فصلت: الآية 34». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». (صحيح البخاري: 1903). في رمضان تتجدد الدعوة لتأصيل الأخلاق، فيبين النبي ﷺ أن من معاني الصيام الإمساك عن كل خلق سيئ، ولذلك فقد أوصى النبي ﷺ بضبط النفس وكبح جماحها إذا ما أرادت أن تتلبس بشهوة ممنوعة أثناء الصيام، لأن الصيام تربية وقائية، وتوجيه سلوكي نحو الاستقامة الدائمة.
فإذا اعتادت النفس في رمضان ترك المباح من المأكولات والمشروبات، طاعة لله تعالى، كانت على ترك الذنوب والمعاصي أقدر، لذلك جاء في الحديث: عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها»، (صحيح البخاري، 1894).
فمن ترك المحرمات كالغيبة والنميمة، والمباحات كالطعام والشراب، طاعة لله تعالى، وامتثالاً لأمره، فقد استحق هذا الثواب العظيم المذكور في الأحاديث.. فلنلتزم بما أمر الله تعالى به من حسن الخلق، فإنه من مقاصد الصيام، والأخلاق دعوة قرآنية ومنزل سامية يجب التحلي بها، خاصة في شهر رمضان، ولا يبلغ العبد كمال الإيمان إلا إذا استقامت أخلاقه، وللصوم مقاصد أخلاقية، على المسلم أن يحرص على تحقيقها.
الكلمة الطيبة
اهتم ديننا الحنيف بما يصدر عن جوارح الإنسان، وأكثرها تأثيراً اللسان، فدعا إلى الكلمة الطيبة ورتب عليها الأجر والثواب، قال النَّبِي ﷺ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، فالكلمة الطيبة هي التي ينطقها صاحبها فيما يقربه من ربه تعالى، وتفتح أبواباً للخير، وتغلق أبواباً للشر، وتضمد الجراح، وتذهب الغيظ، وتنشر الخير والمحبة في قلوب الناس، وتُحدث أثراً طيباً في نفوسهم.. وهي من الأعمال الفاضلة التي تراعى في كل الأوقات، وبالأخص في شهر رمضان، لقوله ﷺ: «الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكم صائماً فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ»..
وأمر الله عباده بأن يقولوا أفضل الكلام وأحسنه، فقال: «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، ومن عظيم قدر الكلمة الطيبة، أنها تصعد إلى السماء فتفتح لها الأبواب، قال تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ»، فمن وُفق للطيب من القول، دلّ على فضل الله عليه وهدايته له، قال تعالى: «وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ».
وأفضل الكلم الطيب وأعلاه: شهادة أن لا إله إلا الله، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، «سورة إبراهيم: الآية 24»، قال ابن عباس في قوله تعالى (كَلِمَةً طَيِّبَةً): «هي شهادة أن لا إله إلا الله».
والكلمة الطيبة لها ثمارها في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فتقي صاحبها من النار، قال ﷺ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، وترفعه في الجنة درجات، قال: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ».
والكلمة الطيبة تحفظ مودة الأهل والأصدقاء، وتستديم محبتهم، وتقطع كيد الشيطان، وتضعف مكره ومكائده، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «سورة فصلت: الآية 34»، فكم من كلمة طيبة كانت سبباً في اجتماع زوجين، وتصالح خصمين، واستقرار أسرة، والكلمة الطيبة هي القول الذي يرضي الله عز وجل، ويدخل السرور على القلوب، ويثمر في المجتمع المحبة والاحترام، فأثر الكلمة الطيبة ثابت في الأرض، وثوابها مكتوب في السماء.
العفة
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...)، «سورة النور: الآية 33». ويقول عز وجل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)، «سورة النور: الآيات 30 - 31». ويقول جلا جلاله: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة البقرة: الآية 273».
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «من استغنى: أغناه الله عز وجل، ومن استعف: أعفه الله عز وجل، ومن استكفى: كفاه الله عز وجل»، (سنن النسائي، 2595).. وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر»، (متفق عليه).
ولقد جاء الإسلام ليتمم القيم والمبادئ التي تسمو بالإنسان، فقال ﷺ: «بُعِثْتُ لأِتَُممَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ»، (موطأ مالك، 8).
ومن هذه الأخلاق التي أرسى الإسلام قواعدها وجعلها منسجمة مع الفطرة السليمة: خلق العفة والعفاف، هذا الخلق العظيم الذي كان رسول الله ﷺ يحرص عليه في دعائه، فيقول ﷺ: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى»، (صحيح مسلم، 2721).
العفة خلق كريم
فالعفة خلق كريم وصفة نبيلة، وهو عنوان النفوس الزكية، ودليل التربية الصالحة.. وأصل العِفة: الكَف عَما لَا يَحِل وَعَن كل قَبِيح، (المخصص، 1/ 345).. فالمسلم يعف جوارحه عن الحرام، فلا تغلبه شهوته حتى يتيسر له الحلال.. والمسلم يعف نفسه عن أموال الناس، لا يعتدي عليها، ولا يأخذها بغير حق، فلا يسأل الناس إذا احتاج، ولا يتسول ولا يطلب المال دون عمل. ويعف لسانه عن الكذب والسب والشتم، والغيبة والنميمة، فلا يتكلم إلا بخير ولا يقول إلا طيبًا، كما لا يخوض فيما لا يعنيه.
فالعفة تحفظ المسلم من الوقوع في كل نقيصة، وتدفع به نحو كل فضيلة، وإن شيوع هذا الخلق الكريم يؤدي إلى شيوع مكارم الأخلاق التي تضبط المجتمع فيصبح واحة خير يشع منها الأمن والأمان والخير والسلام.
والعفة خلق يحفظ المسلم من الوقوع في النقائص، ويدفع به نحو الفضائل، وهي من الأخلاق التي تُكتسب وتُنال بالتربية، والعفة تحمل على الحياء الذي هو رأس كل خير.
فتوى
ورد لمجلس الإفتاء السؤال التالي: «لديَّ جفاف في العين وأمرني الطبيب باستعمال قَطرة العين ففعلت ذلك في نهار رمضان، فماذا علي؟
أجاب مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بـ «لا شيء عليك في استعمال قطرة العين ما لم يصل شيءٌ منها إلى الحلق أثناءَ الصيامِ، وينبغي لك استعمالها لَيْلاً إذا لم يكن في ذلك عليك ضرر، حفاظاً على سلامة صومك». قال بعض أهل العلم: «إذا علم من عادته أن الكحل أو نحوه لا يصل إلى حلقه فلا شيء عليه»، (شفاء الغليل لابن غازي: 1/ 297).
حديث
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُوْلُ اللهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنََّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»، (رواه البخاري ومسلم).
قطوف رمضانية
كتب الحسن البصري إلى فرقد أوصيك بتقوى الله، والاستعداد لما وعد الله مما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينفع الندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الجاهلين.