لقاء حول "الإسلام والديمقراطية" في فكر الغنوشي يعيد أسئلة مشاركة الإسلاميين في الحكم إلى الواجهة
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
أجمع مشاركون في ملتقى فكري حول « الإسلام والديمقراطية »، نظمه منتدى المتوسط للتبادل والحوار، مساء أمس الثلاثاء، في سلا، أن مؤلفات وكتابات السياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي « نقلة نوعية في مسار الاسلاميين ».
في اللقاء الذي خصص لقراءة كتاب شارك فيه الغنوشي وقدمه أستاذ العلوم السياسية الأمريكي أندرو مارش بعنوان « الديمقراطية المسلمة »، وقف رضا بنخلدون، السياسي الإسلامي ورئيس منتدى المتوسط للتبادل والحوار، على أهمية دلالاته، معتبرا أن قضية الإسلام والديمقراطية، من المواضيع القديمة/الجديدة التي أثيرت حولها العديد من النقاشات المتجددة، ويسلط لقاء المنتدى الضوء على نقاط الاختلاف والالتقاء فيه، ويتحرى كيف تم تناول موضوع الديمقراطية والاسلام، من طرف الكثير من المفكرين، سواء المنتمين منهم للمدرسة الاصلاحية الاسلامية، أو المدرسة الحداثية.
والدلالة الثانية وفق بنخلدون السفير السابق، تأتي من أهمية الشخصية الفكرية المحتفى بها وهو الشيخ راشد الغنوشي، الذي يعد أحد رموز الحركة الاسلامية الذي استطاع أن يقارب موضوع الإسلام والديمقراطية بتوازن.
حسن أوريد، المفكر والمؤرخ، قال إنه كان يود أن راشد الغنوشي، حاضرا في لقاء المنتدى لمناقشته فكريا لكن تمنعه أسوار السجن من ذلك.
وفق أوريد، الوضع الحالي الذي يوجد عليه المفكر راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، وضع نشاز، لايحق أن يواجهه رجل فكر، ولا يحق لبلد طيب كان يتنفس الحرية والعقلانية.
وقال أوريد « لايمكننا إلا التضامن مع رجل عرك السياسة بأخلاق وإباء، وأضفى إضافات كبرى فيما يخص الفكر الاسلامي ».
واعتبر المفكر أوريد، أن الكتاب يحتاج إلى وقفة، لأنه يعتبر نقلة نوعية في مسار الحركة الاسلامية، على اعتبار أنه كان ينظر إليها بأنها نشاز ومتعارضة مع الديمقراطية، وكان يستحضر فقط الفكر الذي وضعه سيد قطب على أساس أن الحاكمية لله، ولاشيء غير الله، وأن المجتمع موزع بين فسطاطين، طليعة قرآنية ومجتمع جاهلي، وأن الإسلام هو الحل وأن الذين لاينخرطون في توجه إسلامي يحق عليهم نوع من التكفير، وهذه المرجعية هي الناظمة لما يصطلح عليه بالاسلام السياسي.
الكتاب ينقلنا حسب أوريدـ من مرجعية أثرت في جيل وألهمت حركات سياسية وغيرها، إلى مرجعية أخرى تقول بأن الحاكمية لله لا تتنافى مع سيادة الشعب، وأن استخلاف الإنسان لايعفيه من المسؤولية ولايمكن تبعا لذلك أن نفرق المجتمع إلى جاهليين وغير جاهليين، ولكن أطياف يمكن أن يجمع بينها الحوار والتوافق، عوض التكفير، لتقوم آصرة مثلى بين عناصر المجتمع وهي المواطنة، وهي نقلة فكرية نوعية، يعود الفضل فيها إلى راشد الغنوشي، حيث يظل فكره حاضرا ببصمته المميزة، بصفته رجل فكر ورجل فعل عرك السياسة وعرف أوجهها من التضييق إلى المسؤولية.
قبل أن يشير المفكر اوريد، أن تجربة المنفى في لندن التي مر بها راشد الغنوشي مهمة جدا، مكنته من أن يتعرف على أطياف أخرى، وأن ينظر للتجربة الديمقراطية عن كثب ولا يصدر من أفكار مسبقة، وفكره انطبع بهذه التجربة، وكانت تجربته الفكرية محاولة للموائمة بين التجربة الإسلامية والفكر الغربي.
بالنسبة للباحث عبد الله ساعف، فالغنوشي سيظل حاضرا في الحقل العمومي بأشكال مختلفة، فهو ليس أجنبي عن الطموح الديمقراطي.
أما القيادي في حزب العدالة والتنمية والوزير السابق، محمد يتيم، فقد اختار تسليط الضوء على فكر راشد الغنوشي، من خلال إغناءه لتجربة الحركة الاسلامية، من ناحية التنظير الفكري والمنهجي والسياسي.
يتناول كتاب « On Muslim Democracy » قضية إشكالية حيوية تتمثل في العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، وهي موضوع جدلي طالما أثار نقاشات في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر.
يضع المؤلف أندرو مارش الكتاب في سياق الثورة التونسية عام 2011 وما أعقبها من تحولات سياسية واجتماعية، حيث كان حزب النهضة بقيادة راشد الغنوشي في قلب المشهد. يشير الكتاب إلى الجهود التي بذلها الغنوشي في بناء نظام ديمقراطي يتناغم مع القيم الإسلامية، مما يُبرز تحولاً في فكره من « الإسلام السياسي التقليدي » إلى مفهوم « الديمقراطية الإسلامية ».
أهداف الكتاب تتجلى في تحليل فكر الغنوشي وتقديم نموذج فكري جديد يمكن أن يُلهم الدول الإسلامية الأخرى التي تسعى لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي. الغنوشي هنا ليس مجرد سياسي، بل هو مفكر يحاول التوفيق بين التراث الإسلامي ومتطلبات الديمقراطية الحديثة.
يختتم الكتاب بالتأكيد على أهمية الانتقال من مفهوم « الإسلام السياسي » إلى نموذج « الديمقراطية الإسلامية »، الذي يدمج القيم الإسلامية في إطار ديمقراطي تعددي.
يرى الغنوشي أن مستقبل المجتمعات المسلمة يعتمد على قدرتها على التوفيق بين تراثها الديني ومتطلبات العصر الحديث.
وفق مؤلف كتاب « On Muslim Democracy »، فهذا المؤلف ليس مجرد كتاب أكاديمي، بل هو رؤية مستقبلية ملهمة تسعى لتحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، مما يجعله مرجعاً مهماً لكل من يهتم ببناء مجتمعات ديمقراطية قائمة على القيم الإسلامية.
حسب القائمين على المنتدى، هذه أول مرة في العالم العربي يتم فيها تقديم كتاب راشد الغنوشي والبروفيسور أندرو مارش: « حول الديمقراطية المسلمة » بالمغرب.
كلمات دلالية الغنوشي المغرب تونس كتاب
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الغنوشي المغرب تونس كتاب راشد الغنوشی
إقرأ أيضاً:
الدرجات
رحم الله الصديق الدكتور صالح باقلاقل الأستاذ بكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز فرع المدينة المنورة قبل ضمها إلى جامعة طيبة. كانت له طريقة جذابة في وضع أسئلة الاختبار لطلبته في علم أصول الفقه. فكان يعطيهم (ويعطيهن) خمسة أسئلة ويشترط الإجابة على ثلاثة أسئلة من خمسة على الأقل. وقد احتار الطلاب في هذي الطريقة. وبحكم الصداقة بيني وبينه سألته: أيش تعني يا أبا محمد بهذا الشرط؟
فقال: اختيار الجواب على ثلاثة أسئلة كحد أدنى يعني أن الطالب حدد سقف درجاته. بينما لو أجاب عن خمسة فإني عند مراجعة ورقته، أفاضل بين أجوبته الخمسة أو الأربعة، وأعطيه درجات على الجواب الأفضل. فما نقص من جواب لدى الطالب، فإنه قد عوضه بالإجابة على ما زاد عن ثلاثة أسئلة.
ولما أعلنت درجات اختبارات المدارس الابتدائية في مكة المكرمة قبل ستين سنة، كان من نصيب الطالب عويد بن عياد المطرفي، مكافأة له ولنحو مائة طالب من المتفوقين السفر على حساب إدارة تعليم مكة إلى الطائف للتمتع بالجو البارد في دورة صيفية قبل انتشار المكيفات. قابلته رحمه الله وقد أصبح دكتورا بجامعة أم القرى فقال لي: إن الدورة الصيفية وضعت اختبارا في مادة التعبير، وأنه كسب المركز الأول بعد أن كان راعيا للغنم في مكة. قال فاستدعاني الأستاذ إبراهيم النوري لاستلام ورقتي تكريما لي على مشهد كل الطلاب. لكني اكتشفت أنهم أعطوني ثماني درجات من عشرة، فعدت إلى الأستاذ وقلت له ما دمت أنا الأول يا ليت تحطون لي عشر درجات من عشرة. فقال لي بحزم: ارجع مكانك واترك هاتين الدرجتين لطه حسين أو عباس العقاد إذا جلسا مكانك.
ظل كلام الدكتور باقلاقل حول مسألة الدرجات يناوشني بين الحين والآخر، حتى جاءني سؤال عادي هادي من ابن أخي حين سألني بالقول: هل في الآخرة درجات؟ فقلت وقد حرك فيّ شجوني: نعم يا بني يشهد لذلك قول الله تعالى في سورة الأحقاف: ” ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون”. وورد في حديث نبوي لا أذكر تفصيله ما معناه أن ما بين الدرجة والدرجة كمثل ما بين السماء والأرض. قال تعالى:” أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا”.
ولا يقتصر الأمر على درجات الاختبارات المدرسية أو الجامعية، بل هو منتشر في كافة أنشطة الإنسان. وفي الآخرة يأتي البلاء ليرفع درجات الناس.
ومن الابتلاء، ما وقع فيه صديق لي صداقة عن بعد. فقد أصيبت زوجته بالجنون. وأنجبت له عشرة من البنين والبنات كلهم قد وقع عليه الابتلاء نفسه. وقد كان مثالا في الحكمة والتصبر حتى أنه لم يكشف لي أنه العاقل الوحيد في بيته. إلى الدرجات العلى في جنة الخلد يا أبا سالم.