حكم تاريخي.. كيف انتصرت مصر على إسرائيل في قضية طابا ؟
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
تحتفل مصر بالذكرى الـ 36 لتحرير طابا، حيث رفع العلم المصري عليها عام 1989، معلنا السيادة وحق مصر في أراضيها، الذي انسحب فيه آخر جندي إسرائيلي من آخر نقاط سيناء، بعد الانتصار الكبير في حرب 6 أكتوبر عام 1973 بجانب الانتصار الدبلوماسي في معركة التحكيم الدولي عام 1988.
استرداد طابا
وتعد ذكرى استرداد طابا أحد الأيام التاريخية التي لن ينساها المصريون والعالم أجمع، حينما رفرف علم مصر على ذلك الجزء الغالي من تراب الوطن، بعودة آخر شبر من سيناء إلى مصر، بعد أن أدت القوات المسلحة دورها العسكري بنجاح في حرب أكتوبر 1973.
إلا أنها أرست أيضا قواعد استئناف الصراع بين العرب وإسرائيل وذلك باستخدام القنوات السياسية، لأن الصراع المسلح لم يعد وحده قادرا على حسم أي صراع لتحقيق نصر كامل.
وتعد قضية طابا هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تم لأول مرة تسوية نزاع حدودي بين إسرائيل ودولة عربية عن طريق المحاكم الدولية، وعلى الرغم من أن منطقة طابا لا تتجاوز كيلو متر مربع، إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما يعبر عن مدى الصفعة التي تلقتها إسرائيل باسترداد طابا رغم أنفهم.
وتمثل طابا مثلثا قاعدته في الشرق على خليج العقبة بطول 800 متر، وضلعا شماليا بطول ألف متر، وآخر جنوبي بطول 1090 مترًا، ويتلاقى الضلعان عند النقطة التي تحمل علامة 91.
وحاولت إسرائيل الاستيلاء على طابا بعد حرب أكتوبر من أجل توسيع ميناء إيلات الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لها على البحر الأحمر، ما يؤهلها للإشراف على طريق البحر الأحمر من سيناء إلى باب المندب، بالإضافة إلى أنها المدخل الأساسي لشرم الشيخ وبالتالي مضيق تيران، وتمثل نقطة تحكم لإسرائيل تقوم من خلالها بالاطلاع على ما يجرى في المنطقة، ووسيلة ضغط مستمرة على مصر تقوم من خلالها بعزل سيناء شمالها عن جنوبها.
كما تقع طابا في مواجهة الحدود السعودية، لذلك فمن يسيطر على طابا يسيطر على رأس خليج العقبة ويستطيع رصد ما يجرى في كل من خليج السويس وشرم الشيخ ونويبع، ولهذه الأسباب حاول العدو الإسرائيلي تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا.
وبدأت مشكلة طابا الأولى مطلع القرن الماضي بين مصر وسلطة الاحتلال البريطاني كطرف أول، ومع الدولة العثمانية كطرف ثانٍ في يناير 1906، بأن أرسلت تركيا قوة لاحتلالها مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها والممتدة من رفح شمالاً على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا، شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح.
وتدخلت بريطانيا سياسيا لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، وذلك حفاظا على مصالحها في مصر أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس، ذلك الشريان الحيوي الذي يصلها بمستعمراتها في جنوب شرقي آسيا والهند.
وازدادت المشكلة تعقيدا، فتعددت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح في أقصى الشمال، حيث قامت الدولة العثمانية أيضا بقوة من جنودها باحتلال مدينة رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.
وبفشل الجهود السياسية، قامت بريطانيا بتقديم إنذار نهائي إلى الباب العالي في تركيا أوضحت فيه أنها ستضطر للجوء إلى القوة المسلحة ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، الأمر الذي دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية.
وقامت بتعيين لجنة مشتركة مع الجانب المصري والبريطاني لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه مع تدقيقها طبقا لمقتضى القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بدءا من رفح، ثم تتجه اللجان جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة.
وهو ما يستدل منه ببساطة على عودة منطقة طابا إلى داخل الحدود المصرية بنحو ثلاثة أميال، حيث انتهى المهندسون البريطانيون مع مندوب المساحة المصرية واللجنة التركية من رسم الخرائط وتثبيت علامات الحدود من رأس طابا جنوبا مارا على رؤوس جبال طابا الشرقية المطلة على وادي طابا، ثم يتجه الخط الفاصل بالإستقامات المحددة وشمالاً حتى رفح إلى شاطئ البحر المتوسط مع تحديد هذا الخط الحدودي فلكيا وعلى الخرائط المرفقة بالاتفاقية المبرمة بين كل من مصر وبريطانيا وتركيا بخط أسود متقطع.
وبلغ عدد الأعمدة المقامة وقتئذ على الحدود الدولية وحتى وقتنا هذا 91 عموداً للحدود، بدءا من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب، وآخر عمود هو رقم 91 على رأس طابا، حيث انتهى نهائياً بناء هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907، وهكذا عادت طابا مصرية في طلع القرن العشرين، وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى بوثائقها التاريخية خير سند قانوني دعم موقف المفاوض المصري في أزمة طابا الثانية في الثمانينات القرن العشرين الماضي.
لقد قدر لطابا أن تكون مرة أخرى بعد حرب أكتوبر 73 في دائرة الاهتمام لكل من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية، وذلك خلال ترتيبات الانسحاب النهائي من شبه جزيرة سيناء، تنفيذا لاتفاقية السلام، حيث بدأت مقدمات المشكلة.
وعادت مسألة الحدود الآمنة تطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 إلى أن عقدت معاهدة السلام في مارس 79، والتي نصت في مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.
إلا أن إسرائيل، بعد توقيع المعاهدة قررت توسيع الأقاليم التي تحيط بميناء إيلات، وشرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا دون إبلاغ مصر، ومن هنا بدأ خلاف حول الحدود، خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.
واكتشفت اللجنة المصرية في أكتوبر 1981، وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية، بعض المخالفات الإسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى أرادت إسرائيل أن تدخلها ضمن أراضيها، حيث أعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط في سنتيمتر واحد من أراضيها، وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هدف أساسي وركيزة لكل تحرك.
ودارت مباحثات على مستوى عالٍ بين الجانبين استخدمت إسرائيل فيها كل أشكال المراوغات، حيث أعلنت مصر أن أي خلاف حول الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام والتي تنص خلاصتها بأن "يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم".
وأبدت مصر رغبتها في اللجوء إلى مشاركة التحكيم فقامت بتشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين في القانون الدولي بدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم، كما شكلت مصر لجنة فنية أخرى للاتفاق على النظام الذي سيسود المناطق المتنازع عليها، حيث رأت مصر أنها تفضل اللجوء إلى التحكيم في المقام الأول.
واستمرت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع وبتدخل الولايات المتحدة الأمريكية تم الاتفاق في 11 سبتمبر 1986 على اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد في جنيف بسويسرا.
وقبل صدور الحكم رسخ لدى الهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة وجهة النظر الإسرائيلية.
وأصدرت هيئة التحكيم التي عُقدت في جنيف في 29 سبتمبر عام 1988، بالإجماع حكمها التاريخي لصالح مصر، وقضت أن طابا مصرية، وبعد صدور الحكم اختلقت إسرائيل أزمة جديدة في التنفيذ، حيث أعلنت أن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل، وبناءً على شروطها، ولكن الدولة المصرية بشعبها وجيشها رفضت كل العروض والمناورات الإسرائيلية.
وتم حسم الموقف عن طريق اتفاق روما التنفيذي في 29 نوفمبر 1988 بحضور الولايات المتحدة، حيث انتهى بحل المسائل المعلقة والاتفاق على حلها نهائيا.
وانتهت قضية طابا برفع العلم فوق أراضيها عام 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من سبع سنوات.
الاحتفال بهذه الذكرى الوطنية الغالية هو تكريم للإرادة المصرية الصلبة والصمود البطولي، الأمر الذي أجبر إسرائيل لأول مرة في تاريخها على الانسحاب من كل شبر على أرض سيناء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: طابا تحرير طابا سيناء القوات المسلحة حرب أكتوبر البحر الأحمر الدولة العثمانية بريطانيا المزيد الحدود الدولیة خلیج العقبة حرب أکتوبر
إقرأ أيضاً:
تحالف الأحزاب المصرية يدين بأشد العبارات استئناف إسرائيل الحرب على غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدر تحالف الأحزاب المصرية، الذي ينضوي تحت لوائه نحو 42 حزبًا سياسيًا، بيانًا شديد اللهجة، حذر فيه من مغبة التصرفات الإسرائيلية الهمجية غير المسئولة، التي ضربت بكافة الاتفاقات عرض الحائط، معربًا عن إدانته بأشد العبارات واستنكاره الشديد، للغارات التي شنها الاحتلال الإسرائيلي واستهدفت بدورها المدنيين في قطاع غزة الذي عانى ويلات الحرب لنحو 16 شهرًا قبيل اتفاق الهدنة، لتعيد إسرائلي مشهدها المجرم من جديد وتستهدف النساء والأطفال وكافة المدنيين ما أسفرت عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وإصابة أكثر من 500 آخرين.
ووصف المركز الإعلامي لتحالف الأحزاب المصرية، على لسان أمينه العام النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل، وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، استئناف العدوان الصهيوني لغاراته على القطاع غزة بصورته الوحشية المعتادة بـ«المجزرة» وترقى لجرائم حرب، كما أنها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإنساني، وتُظهر استمرار سياسة القتل الممنهج ضد المدنيين الأبريا، مؤكدًا أن السياسات الإسرائيلية الخرقاء والتي بدورها تستهدف المدنيين وتدمر البنية التحتية هي جريمة حرب لا يمكن السكوت عنها، وتؤدي لتوسيع رقعة الحرب ما يهدد استقرار المنطقة ولا بد من معاقبة الكيان الصهيوني عليها.
وأكد الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، أن استهداف المدنيين العُزَّل وتدمير المنازل والمرافق الحيوية جريمة حرب تتطلب تحرُّكًا دوليًّا فوريًّا لوقف هذا العدوان ومحاسبة المسؤولين عنه، مشددًا على أنَّ الصمت الدولي على هذه المجازر يُشجع الاحتلال على التمادي في انتهاكاته، مُحمّلًا الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، التى باركت الغارات الإسرائيلية واستئناف الحرب، وكذلك رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وحكومة اليمين المتطرفة، المسئولية الكاملة عن تداعيات هذا العدوان الغادر على غزة، وعن تعريض حياة المدنيين العُزّل، وشعبنا الفلسطيني المحاصر للخطر، مطالبا الوسطاء الدوليين بتحميل رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، وقوات الاحتلال المسئولية الكاملة عن خرق اتفاق وقف إطلاق النار والانقلاب عليه، ومحاسبة الاحتلال عليها وفرض عقوبات عليهم.
وشدد النائب تيسير مطر، على ضرورة فتح تحقيق دولي مستقل في هذه الأحداث، وضمان تقديم المسئولين عن هذه الانتهاكات إلى العدالة، مؤكدًا أن صمت العالم تجاه أفعال الاحتلال والجرائم التى يرتكبها في شهر رمضان الكريم يشكل تواطؤًا غير مقبول، ونحمل المجتمع الدولي، والأمم المتحدة المسئولية الكاملة عن استمرار معاناة الشعب الفلسطيني.
ودعا التحالف إلى دعم وجهة النظر المصرية والرؤية المصرية التي عبر عنها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرامية إلى تحقيق السلام، وكذلك أضحى ضروريًا توحيد الصف العرب وأن يكون هناك موقف عربي ودولي موحد لوقف تجاوزات الاحتلال الإسرائيلية، وبما يحقق وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء حالة الصراع، وكذلك دعم الموقف المصري الذي يستهدف استمرار دخول المساعدات، وكذلك إعادة إعمار غزة، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين.
وطالب التحالف باتخاذ كافة الإجراءات الدولية لإجبار الاحتلال على وقف ممارسات الأجرائية ضد الشعب الفلسطيني، مؤكدا رفضه تصفيه القضية الفلسطينية، وأن ما يحدث من قبل الاحتلال في المنطقة يؤثر على أمنها واستقرارها ويهدد السلام الإقليمي بالمنطقة، رافضا كل الممارسات التي تُؤجج الصراع وتُعرقل جهود السلام.
وأكد أن عودة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة يعيد التوتر إلى المنطقة ويعرقل الجهود الساعية للتهدئة وإعادة الاستقرار، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الاهتمام العربي والإسلامي، وأنَّ الحل العادل يتمثل في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ودعا التحالف في بيانه إلى دعم الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، وضرورة حماية الشعب الفلسطيني من مخططات التهجير والعدوان المستمر من أجل إحلال السلام بالمنطقة وعودة الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط من جديد.