سودانايل:
2025-03-19@15:46:39 GMT

اليسار السوداني في حاضر الملتيميديا

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

كان اليسار السوداني - وفي قيادته الحزب الشيوعي - حتى لحظة غياب تطبيقات الميديا الحديثة فاعلاً، وقادراً على التأثير في مناطق تحركه المقفولة تقريباً. فيسارنا ولد في زمان الموصلات الإعلاميّة التقليدية مدفوعاً بموقع عضوية طبقته ضمن الحوزات المجتمعية التي ازدهر فيها. كانت وسيلته لنشر أفكاره الصحف، والمجلات، والكتاب، والمدرسة، والجامعة، والنقابات، والندوة، والمساحات الإبداعية.

ونظراً لقدراته التنظيمية فقد كان تقريباً يجد مساحة ضخمة للتأثير من خلال هذه المنابر أكثر من بقية الأحزاب التقليدية مجتمعة. لكن الوضع الآن اختلف بسبب ثورة الاتصالات التي جعلت المتلقين القدامى هم أنفسهم منتجون للكلمة في زمان إعلام المواطن الذي صار موازياً لإعلام وسائل التواصل التقليدية. وحتى قبل زمان الإنترنت ركزت الحركة الإسلامية - الخصيم الأشرس لليسار - على أن يستهدف انقلابها مواطن حركة اليسار بعد أن تحولت الدولة إلى ضيعة استبدادية. وكانت أكبر ضربة تلقاها اليسار تمثلت في إجبار كوادره للفرار إلى هجرة مستدامة للخليج، أو الدول الغربية حضارياً. وعلى الصعيد الداخلي جففت الإنقاذ النقابات بعد مذبحة الصالح العام التي استهدفت أول ما استهدفت كوادر الحزب الشيوعي، والبعثيين، والمستقلين، وهؤلاء جميعاً يشكلون حركة الاستنارة الفكرية مع اختلاف توجهاتهم الأممية، والعروبية، والسودانوية. هناك عوامل أخرى لضمور تأثير اليسار تعلقت بتراجع الزخم الذي اكتسبه في فترة الخمسينات لأسباب جيوبوليتيكية، فضلاً عن الضربات المتوالية التي تلقاها من اليمين الذي سيطر على حركة المجتمع، وقام برد مكوناته إلى وحدات عشائرية. وذلك ما أدخل المطالب الجهوية في الصراع الوطني، وبالتالي أصبح صوت الدفاع عن الأفكار المناطقية أكثر علواً من صوت الدفاع عن كل المناطق. لقد صارت الجغرافيا أثقل تاثيراً من التاريخ. إذ تحولت القناعة بدور تمرد الحركات المسلحة أكبر من القناعة بدور فكر الأحزاب المركزية في حلحلة القضايا التاريخية التي تعمقت أكثر من لحظة وراثتها في زمان الاستقلال. ومع بروز صوت الهامش صارت مدرسة التحليل الثقافي أكثر قدرة على مزاحمة مدرسة التحليل المادي للتاريخ في القول إن هناك نظراً اعمق، وأفضل، لبحث جذور أزمة الوجود السودانية. وهكذا برزت نظرية السودان الجديد لقرنق كمعادل موضوعي للنظريات المتجذرة في مركز السلطة. -٢- أذكّر أنني كتبت مقالاً قبل ثلاثين عاماً عن ما سميته يسارية الفكر والإبداع السودانيين فزجرني الأستاذ حسين خوجلي في صحيفته بكلمة قادحة دون أن يفند فرضيتي التي بنيتها وفقاً لحجم التحديث الذي بذله المبدعون اليساريون في مجالات الفكر، وعموم البحث الأكاديمي، والسينما، والدراما، والشعر، والتلحين، والنقد، والمسرح، وفن التشكيل. ولكن الحقيقة أن ما بذله اليساريون من تجديد للفكر، والأدب، والفن، كان ثمرة اللحظة التاريخية التي فرضت مفاهيم التقدم، والواقعية الاشتراكية، على سائر المنطقة العربية، والعالم الثالث، والتي صبغت إبداعها بثيمات التحرر، والعقلانية، والحداثة. ولو أن الأستاذ حسين نافح بالقول إنه ليس كل مفكرينا، ومبدعينا من ذوي الوجهة اليسارية لكان قد أفادنا في جدل الحوار، خصوصاً أننا نعرف أن كثيراً منهم مستقلون يميلون ليسار الوسط، أو ليبراليون بقيم تحررية، أو يساهمون بمنطلقات سودانوية. ولكن معظم هؤلاء المبدعين الذين ظهروا في مرحلة الخمسينات كانوا أميل لتبني قيم التقدم التي فرضتها المرحلة بسبب سطوة اليسار العالمي، والعربي، آنذاك. بل وجدنا بعض قادة ينتمون لأحزاب دينية المنشأ ينادي بالاشتراكية الإسلامية، وتحرير المرأة، وتجديد الفقه الأصولي السني ليتوافق مع تطلعات الدولة القطرية. اعتقد أن كل تلك الظروف التي هيأت توطن قيم اليسار في ذهن الانتلجنسيا خصوصاً بعد الاستقلال هي التي أتاحت التحديث في إنتاجنا الفكري، والأدبي، لدى المشتغلين فيه. ومن ناحية أخرى قادت تلك الظروف اليمين ليتحسس أدواته للاستفادة من مناخ السعي لتحقيق النهضة التقدمية. ولكل هذا اعتقد أن اليسار نفسه أثر على أهم منظرين يمينيين وهما الصادق المهدي، وعبدالله الترابي، في الاقتراب من منطقة التحديث لتنظيميهما ما جعل هناك إمكانية للإسلام السياسي السوداني للخروج من الإسار السلفي للتنظيم العالمي، وتبني الترابي مفاهيم تجديدية تعارض مفاهيم المؤسسين لفكر الإخوان المسلمين الاوائل لدرجة تكفيره. وبالنسبة للصادق المهدي فقد حاول مجاراة الإسلام السياسي المستحدث بتطوير حزب الأمة باتجاه طرح مفاهيم حديثة تختلف عن مفاهيم جده، وعمه الذي ثار عليه. على أن الجدير بالذكر هنا أن محاولات الترابي، والمهدي، ركزت على التحشيد أكثر من أصالة التجديد الذي ينطلق من تبني خط سياسي يضع في صلب اهتمامه قضايا الطبقة الفقيرة. -٣- ولما كان محور فكرة المقال تقصي أبعاد تأثير اليسار السوداني فكرياً، وسياسياً، وإبداعياً، في الميديا الجديدة فإن الصورة التي بدا عليها هذا التأثير تظل محل مراجعة نقدية لمساجلة طرق المشرعين اليساريين في سدة القيادة السياسية لتمديد فرص ذلك التأثير. وصحيح أن محاولات الحوار حول تفعيل العمل داخل بنية أحزابنا اليسارية لم تتوقف سوى أنها ما تزال بحاجة إلى استنباط تكتيك جديد يحول اليسار من تيارات متناثرة إلى تيار واحد. ذلك الذي يستوعب عموم المؤمنين بتحقيق دولة المواطنة، والذين لا يختلفون كثيراً في أنواع تكتيكاتهم الفكرية، والسياسية، والثقافية. والأهم من كل هذا أن هذا التعدد السياسي الوطني في أغلبه يضع السودانوية في اعتباره كمدخل أساسي للمراجعة النظرية على النحو الذي بذله الراحلان عبد العزيز حسين الصاوي، ومحمد علي جادين، في مراجعاتهما للفكرة البعثية في وطن التعدد الإثني، والأيديولوجي، والثقافي. ويسارنا السوداني أصلاً مهما تسربلت قراءاته لدراسة أزمة الوجود السوداني فقد كان يتشارك مع مساهمات الحركة الوطنية في إيلاء خصوصية لواقعنا المجتمعي المتعدد عرقياً. ذلك بما يجعله مقربا لليبراليين، والوسط، ويسار الوسط، أو المستقلين. فمصطلح أصدقاء اليسار من غير المنتمين إليه يستبطن وجود مناطق لقيا لمواجهة اليمين الذي يستفيد من التناقضات الطبقية لتحشيد طاقته انطلاقا من توظيف ماكنيزمات التدين، وحضورها في الجيش، والقطاع الاقتصادي، ودعمها بالمال الطفيلي. عوداً إلى بدء، عصر الملتيميديا الذي دخلنا فيه، ووجدنا أن مواطننا قد تحرر من التدجين الفكري، والسياسي للقوى التقليدية، يتطلب اتحاد اليساريين الإصلاحيين في منظومة إعلامية تتناوب في دفع مساهمات التنوير السودانية لإقامة الدولة الوطنية. اعتقد أن نخبة الحزب الشيوعي هي أكثر نخبة تستطيع قيادة توحيد أسس المساهمة في العرض الملتميدي لما لديها من قدرات تنظيمية، وخبرات عملية، وعلميّة، في مجال نشر التنوير السياسي. ويمكن لهذه النخبة بعلاقاتها المتميزة مع النخب التي تشاركها حلم الدولة الوطنية بناءً على التحالفات السابقة، والراهنة، أن تبدأ حوارات كهذه لتمديد فرص التلاقي الوطني. وبغير ذلك أرى أن مجهوداتنا في الميديا الحديثة ستظل مشتتة أمام محاولات سيطرة اليمين الإسلاموي، وسعيه الدائم إلى القبض على روح الرأي العام بواسطة ملايين الدولارات التي يمتلكها لوحده من أجل عودته للحكم مرة ثانية. الميدان، 13 مارس 2025، العدد 4298

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

معتمر مصري: فضل الله هو الذي جعل الحرمين في أيدٍ أمينة بيد السعوديين.. فيديو

مكة المكرمة

أشاد معتمر مصري بالجهود الكبيرة التي تبذلها القيادة؛ للحفاظ على أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين والزوار من جميع أنحاء العالم.

وظهر المعتمر في مقطع فيديو وهو يقول :” فضل الله هو الذي جعل الحرمين في أيدٍ أمينة بيد السعوديين؛ فالحرمين أمانة عظيمة لا يحملها إلا من يستحقها.”

وأضاف:” السعوديون برهنوا على أنهم قادرون على رعايتها وحمايتها وخدمتها بكل تفانٍ وإخلاص .”

وتابع:” هذا الشعب من أنقى وأصفى القلوب، وتحيتي إلى سمو الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده ووزير الدفاع والداخلية، على هذا الجهد الكبير.”

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/03/فيديو-طولي-119.mp4

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني من الجيوش القليلة في عالم اليوم التي تضم أكفأ الجنرالات وأشجع الجنود
  • الهجوم على الحوثيين يكشف انقسامات اليمين الأمريكي
  • هل لحوم الأبقار التي تتغذى على العشب أكثر استدامة بيئيًا؟ دراسة جديدة تكشف الإجابة
  • الثالوث الذي دمر حميدتي
  • معتمر مصري: فضل الله هو الذي جعل الحرمين في أيدٍ أمينة بيد السعوديين.. فيديو
  • فيدرالية اليسار تطلق "مبادرة وطنية" تسعى إلى تشكيل "تكتل عريض" في مواجهة الفساد
  • رمضان 2025.. سمسم شهاب يغني خلينا في اليمين تتر نهاية مسلسل شمال إجباري
  • «سمسم شهاب» يغني تتر نهاية مسلسل شمال إجباري.. «خلينا في اليمين»
  • “خلينا في اليمين”.. سمسم شهاب يقدم تتر نهاية مسلسل "شمال إجباري"