دمشق – بعد ترقب دام لأكثر من 3 أشهر، وفي خطوة وصفت بأنها تحول مهم بتاريخ سوريا، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي يوم 10 مارس/آذار الجاري اتفاقا يقضي باندماج قوات قسد ضمن مؤسسات الدولة، في وقت أكد فيه الاتفاق على وحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم.

ونص الاتفاق أيضا على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمالي شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

من جهته، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي قبل أيام إن قسد تعتزم دمج قواتها ضمن وزارة الدفاع السورية تحت مسمى "الفيلق 76″، الذي يلتزم بتنفيذ المهام الموكلة إليه في كافة أنحاء البلاد، في حين سينتشر جزء آخر من قواته على الحدود لتعزيز الأمن والاستقرار.

وأضاف عبدي، في تصريحه لشبكة آسو الإخبارية، أنه سيتم إلغاء كافة حراقات النفط شرقي البلاد، كما ستُنقل جميع صهاريج النفط الخام إلى مصافي الدولة السورية.

اتفاق تاريخي وانفراجة

ويصف الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم الاتفاق بـ"التاريخي"، معتبرا أنه سيقضي على فكرة نشوب حرب مدمرة على الاقتصاد السوري.

الرئيس السوري (يمين) وقائد قوات سوريا الديمقراطية بعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار (الفرنسية)

وأشار الكريم في حديث للجزيرة نت إلى أن الاتفاق لا يزال في المرحلة التجريبية لمدة 6 أشهر، متحدثا عن الأثر الإيجابي للاتفاق على الواقع الاقتصادي في البلاد، وذلك عبر:

إعلان الاستفادة من الترخيص الخاص بالإدارة الذاتية من قانون قيصر. الإسهام في تجميد عقوبات الاتحاد الأوروبي بشكل فعال. تجاوز مشكلة الإمدادات النفطية والكهرباء عبر استجرارها وجلبها من مناطق الإدارة الذاتية.

ويوضح الكريم أن الاتفاق يمنح الحكومة السورية شرعية دولية، وهذا يدعم تعليق العقوبات لستة أشهر إضافية.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي السوري أيمن عبد النور أن الاتفاق يسهم بتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد و"هذا أمر محسوم"، لكن نسبة التحسن تلك تظل متوقفة على مدى مساهمة المجتمع الدولي بتحقيق وتيسير هذه الانفراجة.

واعتبر عبد النور، في حديث للجزيرة نت، أن الاتفاق بمثابة مظلة سياسية، لكن تطبيق وإنجاح الاتفاقات الاقتصادية والأمنية الدقيقة يحتاج إلى تفعيل البند الأخير منه؛ وهو تشكيل لجان تنفيذية تشرف على تطبيق الاتفاق وحل النقاط الخلافية، وهي النقاط الأخطر التي قد "تفجر الاتفاق"، على حد تعبير الخبير.

الطاقة والمحروقات

يرى الكريم أن الاتفاق يحقق منافع عديدة لقطاع الطاقة على المدى القريب، إذ أصبح بالإمكان "تأمين النفط والغاز من مناطق الإدارة الذاتية المُعفاة والمُستثناة من قانون قيصر عبر استغلال تعليق بعض العقوبات، مما يتيح بيع النفط إلى الخارج وتوفيره للداخل، وبالتالي تشجيع الدول الأخرى على التعاون مع سوريا".

ويضيف الكريم أن ثمة إمكانية أيضا للاستفادة من تعليق العقوبات على البنك المركزي، والسماح بالتعامل معه لتأمين قطع الغيار لمؤسسات البنية التحتية وتحديدا الكهرباء.

وهو ما يذهب إليه أيضا عبد النور، الذي يعتبر أن الاتفاق وفر الإمكانية لتأمين المحروقات لسوريا بشكل أفضل في المرحلة المقبلة، لكن للحصول على أفضل النتائج وأكبر المنافع من الاتفاق لا بد من رفع كامل للعقوبات، لأن رفعها يتيح للشركات الكبرى -الأميركية بشكل خاص- الدخول إلى سوريا والعمل على تحسين كل الطاقات الإنتاجية للآبار النفطية، وفق تقديره.

إعلان

ويشير عبد النور إلى أن الاتفاق أتاح للحكومة السورية الإمكانية لاستجرار الكهرباء وتوليدها لكافة محافظات البلاد، غير أن ذلك يحتاج إلى توفير الأموال اللازمة، لأن عملية استجرار وجلب الكهرباء ستكون مكلفة، الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار.

وكان نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يعتمد على استجرار إمدادات النفط من مناطق الإدارة الذاتية وإيران، ذلك بعد خروج مجمل آبار النفط عن سيطرته ابتداء من عام 2012، وكان يؤمن حوالي 50 ألف برميل يوميا، في وقت يبلغ فيه متوسط الطلب على النفط في سوريا حوالي 100 ألف برميل يوميا.

الاتفاق يحقق منافع عديدة لقطاع الطاقة السوري على المدى القريب (الأناضول) الذهب الأصفر

وعلى الجهة الأخرى، يشير الكريم إلى أن هذا الاتفاق يدفع باتجاه:

تأمين المورد الغذائي لكافة أنحاء سوريا خلال العام المقبل على الأقل، وخاصة مادة القمح الغنية بها مناطق شمالس شرقي سوريا. تحسين إيرادات الحكومة والتي كانت تُستنزف سابقا في توفير المحروقات والمواد الغذائية. تأمين الاستقرار النقدي، لوجود كتلة مالية ضخمة جدا من النقد المحلي والأجنبي في مناطق الإدارة الذاتية.

ويعتقد الكريم أن نجاح هذا الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية يسهم على المدى الطويل في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد بالاعتماد على الإنتاج المحلي، ويحسن من الاحتياطي النقدي.

في حين يؤكد عبد النور أن "الوفرة في مادة القمح بعد الاتفاق تعني أولا تأمين مادة الخبز بصورة أكبر، وبالتالي انخفاض سعرها بعد أن سجل ارتفاعا في الشهور الأخيرة، وثانيا تأمين مادة الشعير الضرورية للثروة الحيوانية، والتي كانت في السابق تستورد من مناطق قسد المنتج الأول لها".

يُذكر أن غلال محاصيل القمح قد تراجعت بصورة كبيرة في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام السوري المخلوع، والتي كانت تساوي نحو 70% من مساحة البلاد، وذلك على خلفية خروج عدة مناطق رئيسية منتجة للمادة في شمالي شرقي البلاد عن سيطرته.

إعلان

وكان إنتاج سوريا من مادة القمح تجاوز في عام 2010 حاجز 3 ملايين طن سنويا، لكنه انخفض تدريجيا في السنوات اللاحقة ليصل مع عام 2024 إلى 720 ألف طن فقط، في حين قدّرت مصادر حكومية حاجة البلاد من المادة بـ2.5 مليون طن سنويا.

عودة مستثمرين وإعادة الإعمار

وعلى المدى المتوسط يمكن للاتفاق أن يشجع على زيادة الحوالات المالية إلى سوريا من قبل الكيانات الخارجية (من بينهم الأفراد)، مستفيدين من الاستثناء الخاصة من العقوبات الاقتصادية الغربية بمناطق قسد، والرخصة الأميركية للبنك المركزي، وبذلك يمكن الالتفاف على هذه العقوبات وتشجيع عودة الكثير من المستثمرين السوريين لضخ الأموال للبنية التحتية، وفقا للكريم.

الوفرة في مادة القمح بعد الاتفاق تعني تأمين مادة الخبز بصورة أكبر للسوريين (الفرنسية)

أما للاستفادة من الاتفاق على المدى الطويل، فيرى الخبير أن المسألة ترتبط بالبنية التشريعية والقانونية الصادرة عن الحكومة الجديدة، وتعيين حكومة يقبل بها الغرب، مما يسهم في تمديد الترخيص وتجميد العقوبات.

ويشير الكريم إلى أن زيادة الاستثمارات ستؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد، ويقول إن هذا الاتفاق من شأنه تخفيف الضغط على العملة الصعبة بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي والموارد المحلية.

وسيساعد الاتفاق على إطلاق عملية إعادة الإعمار، وخاصة في البنية التحتية نتيجة الوفرة المتوقعة للمحروقات التي تعد عصب الصناعة وعصب إعادة الإعمار، بحسب الخبير.

ووفق الكريم يؤدي فتح الأسواق بين مناطق الحكومة السورية ومنطقة الإدارة الذاتية -التي يعيش فيها حوالي 4 ملايين شخص- إلى تحسين حركة التجارة، وبالتالي زيادة الإنتاج واستقطاب قوى عاملة جديدة وتخفيض مؤشر البطالة، وتخفيف الاحتقان الحاصل في سوريا نتيجة عمليات التسريح في الشهور الأخيرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان قوات سوریا الدیمقراطیة مناطق الإدارة الذاتیة مادة القمح أن الاتفاق على المدى عبد النور الکریم أن من مناطق إلى أن

إقرأ أيضاً:

النيجر تطالب 3 مسؤولين تنفيذيين صينين في قطاع النفط بمغادرة البلاد

أصدرت  القيادة العسكرية في النيجر قرار بمغادرة  ثلاثة مسؤولين تنفيذيين صينين في قطاع النفط البلاد، بحجة عدم امتثالهم لبند جديد في قانون التعدين يهدف إلى تعزيز استخدام السلع والخدمات المحلية.

وفق وكالة بلومبرج؛ فأن هذه الخطوة تأتي  ضمن إجراءات أوسع تتخذها الأنظمة العسكرية في غرب أفريقيا ضد شركات التعدين الأجنبية، حيث تسعى السلطات الحاكمة التي تعاني من ضائقة مالية إلى تعزيز إيراداتها من مواردها الطبيعية.

وأمهلت النيجر كبار المسؤولين المحليين في شركة "البترول الوطنية الصينية" (China National Petroleum Corp)، وشركة "زيندر ريفاينينغ" (Zinder Refining Company)، وشركة "ويست أفريكان غاز بايبلاين" (West African Gas Pipeline Company)، المسؤولة عن إنشاء وتشغيل خط أنابيب يُصدّر الخام إلى بنين المجاورة، 48 ساعة لمغادرة البلاد، وفقاً لما صرح به إبراهيم حميدو، رئيس الاتصالات في مكتب رئيس الوزراء علي الأمين زين.

وبين حميدو أن هذه الشركات لم تلتزم بالتعديل الجديد في قانون التعدين لعام 2024، والذي يشجع على استخدام السلع والخدمات المحلية والاستعانة بالعمالة الوطنية في قطاع التعدين داخل النيجر.

وأضاف: "نطلب من الشركات ببساطة اختيار مقاولين من الباطن من النيجر متى كان ذلك ممكناً، وألا تكون غالبية المقاولين صينيين".

في العام الماضي، استولت الحكومة العسكرية في النيجر على منجم يورانيوم كانت تديره الشركة الفرنسية "أورانو" (Orano SA). وفي مالي المجاورة، احتجزت القيادة العسكرية مسؤولين تنفيذيين في قطاع التعدين، وصادرت ذهباً من منجم "لولو-غونكوتو" (Loulo-Gounkoto) التابع لشركة "باريك غولد" (Barrick Gold)، ضمن محاولاتها لتعزيز حصتها في عمليات التعدين.

وكانت شركة "البترول الوطنية الصينية" وقعت في أبريل الماضي اتفاقاً بقيمة 400 مليون دولار مع حكومة النيجر، يتيح لها دفع ثمن النفط مقدماً، في خطوة تهدف إلى مساعدة القيادة العسكرية للدولة الواقعة في غرب أفريقيا في سداد ديونها المتراكمة منذ انقلاب 2023.

وبموجب الاتفاق، وافقت النيجر على دفع فائدة بنسبة 7% على هذا التمويل المسبق، على أن يتم السداد على مدى 12 شهراً من خلال عائدات النفط بقيمة معادلة للمبلغ المقدم.
 

مقالات مشابهة

  • أسعار النفط تنخفض عالمياً بعد الاتفاق الروسي الأميركي
  • بعد الاتفاق مع قسد..هل تتسلم الحكومة السورية ملف النفط؟
  • سوريا تتهيأ لمرحلة جديدة في تاريخها.. دمج المؤسسات والكيانات العسكرية.. وكشف طبيعة المرحلة الانتقالية
  • الرئاسة السورية تشكل لجنة لمتابعة الاتفاق مع قسد .. واجتماع مرتقب في الحسكة
  • عاجل | مصادر للجزيرة: الرئاسة السورية تشكل لجنة لاستكمال الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية تضم 5 أعضاء
  • برلمانية: اقتصاد مصر صمد أمام تحديات عالمية لا يستهان بها
  • قوات الإدارة الموالية لتركيا تقطع الإنترنت والاتصالات عن مناطق الساحل السوري
  • النيجر تطالب 3 مسؤولين تنفيذيين صينين في قطاع النفط بمغادرة البلاد
  • عاجل | وزارة الدفاع السورية للجزيرة: مسلحون من حزب الله عبروا الحدود في ريف حمص وقتلوا 3 من أفراد الجيش السوري