ظلّت فكرة المساعد الذكي الشبيه بالبشر (والذي يمكن التحدث إليه) تعيش في خيال الكثيرين منذ إصدار فيلم «Her» للمخرج سبايك جونز عام 2013، والذي يدور حول رجل يعشق مساعدة ذكية تشبه سيري [مساعد من إنتاج شركة أبل] تسمى سامانثا. وعلى مدار أحداث الفيلم يواجه البطل حقيقة أن سامانثا -رغم مظهرها الواقعي- ليست، ولن تكون إنسانًا أبدًا!

وبعد اثني عشر عامًا لم يعد هذا مجرد خيال علمي؛ فأصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي والمساعدات الرقمية مثل سيري، وأليكسا (من أمازون) تساعد الأشخاص في الحصول على الاتجاهات أثناء القيادة، وإعداد قوائم التسوق، والقيام بالكثير من المهمات الأخرى.

لكن تمامًا مثل سامانثا؛ فلا تزال أنظمة التعرف التلقائي على الكلام غير قادرة على فعل كل ما يمكن للمستمع البشري فعله.

ومن المحتمل أنك قد مررت بتجربة محبطة عند الاتصال ببنكك أو شركة، واضطررت إلى تكرار كلامك عدة مرات حتى يتمكن روبوت خدمة العملاء الرقمي على الطرف الآخر من فهمك. وربما حاولت إملاء ملاحظة على هاتفك، ثم وجدت نفسك تقضي وقتًا طويلًا في تصحيح الكلمات المشوشة التي أدخلتها بشكل خاطئ.

ولقد أظهرت أبحاث اللغويات وعلوم الكمبيوتر أن أنظمة التعرّف على الكلام لا تعمل بالكفاءة نفسها مع جميع الأشخاص؛ فهذه الأنظمة ترتكب المزيد من الأخطاء إذا كنت: تتحدث بلهجة غير أصلية أو لهجة إقليمية، أو من أصول إفريقية تتحدث الإنجليزية العامية للأمريكيين من أصول إفريقية (AAVE)، أو تمزج بين لغات مختلفة أثناء الحديث، أو امرأة أو مسنًا، أو طفلًا، أو تعاني من اضطراب في النطق أو الكلام.

أذن صمّاء

إنّ أنظمة التعرّف التلقائي على الكلام -خلافًا عني وعنك- ليست ما يسميه الباحثون «مستمعين متعاطفين». وبدلًا من محاولة فهمك من خلال الإفادة من أدلة أخرى مثل نبرة الصوت أو تعابير الوجه؛ فإنها تتوقف عن المحاولة تمامًا. أو قد تلجأ إلى التخمين؛ وهو تصرف قد يؤدي -أحيانًا كثيرة- إلى أخطاء.

ومع الاعتماد المتزايد من قبل الشركات والهيئات الحكومية على أدوات التعرف التلقائي على الكلام من أجل خفض التكاليف؛ أصبح لدى الناس خيارات محدودة، بل ليس سوى التفاعل معها. لكن كلما زاد استخدام هذه الأنظمة في مجالات حيوية، مثل: الاستجابة لحالات الطوارئ، والرعاية الصحية، والتعليم، وإنفاذ القانون، زادت احتمالية حدوث عواقب وخيمة عندما تفشل هذه الأنظمة في التعرّف على كلام الأشخاص.

فتخيل هذا السيناريو وفي مستقبل قريب: لقد تعرّضت لإصابة في حادث سيارة؛ فتتصل برقم 911 لطلب المساعدة؛ لكن بدلًا من أن تحول إلى موظف بشري، يرد عليك روبوت مبرمج للتخلص من المكالمات غير الطارئة. فتحتاج إلى عدة محاولات حتى تُفهم؛ مما يؤدي إلى إضاعة الوقت وزيادة مستوى توترك؛ وأنت في أسوأ لحظة ممكنة.

فما الذي يسبب حدوث هذا النوع من الأخطاء؟ إنّ بعض أوجه التحيز وعدم المساواة التي تنتج عن هذه الأنظمة مترسخة في كميات هائلة من البيانات اللغوية التي يستخدمها المطورون لتدريب النماذج اللغوية الضخمة. ويقوم المطورون بتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على فهم وتقليد اللغة البشرية من خلال تزويدها بكميات هائلة من النصوص وملفات الصوت التي تحتوي على كلام بشري حقيقي. لكن كلام من تُغذى به هذه الأنظمة؟

وإذا حققت تلك الأنظمة الذكية معدلات دقة عالية عند التفاعل مع الأمريكيين البيض الأثرياء في منتصف الثلاثينيات من العمر؛ فمن المنطقي افتراض أنها تدربت على كميات كبيرة من التسجيلات الصوتية لأشخاص ينتمون إلى هذه الفئة.

ويمكن لمطوري الذكاء الاصطناعي تقليل هذه الأخطاء؛ من خلال جمع بيانات دقيقة من مجموعة متنوعة من المصادر. لكن لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي (قادرة على فهم التنوع اللغوي اللامحدود في الكلام البشري، والذي ينتج عن عوامل مثل: الجنس، والعمر، والعرق، واللغة الأم مقابل اللغة الثانية، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، والقدرات اللغوية وغيرها الكثير)؛ فهناك حاجة إلى موارد كبيرة ووقت طويل.

إنجليزية صحيحة

بالنسبة للأشخاص الذين لا يتحدثون الإنجليزية -أي غالبية سكان العالم- فإن التحديات التي يواجهونها أكبر بكثير. فلقد بنيت معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الكبرى باللغة الإنجليزية؛ وهي تعمل بكفاءة أكبر -في الإنجليزية- مقارنة بأي لغة أخرى. ويمكن للذكاء الاصطناعي -نظريًا- أن يسهم بشكل كبير في الترجمة وزيادة إمكان الوصول إلى المعلومات بلغات مختلفة. لكن في الواقع الحالي فإن معظم اللغات تمتلك بصمة رقمية محدودة؛ مما يجعل من الصعب استخدامها في تدريب النماذج اللغوية الضخمة.

ويختلف الأداء حتى داخل اللغات التي تخدمها النماذج اللغوية بشكل جيد (مثل الإنجليزية والإسبانية)؛ فإن تجربة المستخدم تختلف حسب اللهجة التي يتحدث بها.

وتعكس معظم أنظمة التعرّف على الكلام والدردشة التفاعلية بالذكاء الاصطناعي -حاليًّا- التحيزات اللغوية الموجودة في مجموعات البيانات التي دربت عليها. فهذه الأنظمة -غالبًا- ما تعكس أفكارًا مسبقة، وأحيانًا متحيزة حول «الصحة اللغوية» في الكلام.

وفي الحقيقة فقد ثبت أن الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى «طمس» التنوع اللغوي. فهناك شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تقدم خدمات لإزالة اللهجات من حديث المستخدمين. وذلك بناءً على افتراض أن عملاءها الرئيسيين سيكونون مقدمي خدمات العملاء الذين يعملون في مراكز اتصال في دول أجنبية مثل الهند أو الفلبين. وهذا النوع من الخدمات يُرسخ الفكرة الخاطئة بأن بعض اللهجات أقل صلاحية من غيرها.

التواصل الإنساني

من المفترض أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تطورًا في معالجة اللغات؛ بحيث يكون قادرًا على التعامل مع المتغيرات مثل: اللهجات، والتبديل بين اللغات، وما إلى ذلك. تلتزم الخدمات العامة -في الولايات المتحدة- بموجب القانون الفيدرالي بتوفير وصول عادل إلى الخدمات؛ بغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها الشخص. لكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك وحده سيكون حافزًا كافيًا لصناعة التكنولوجيا للتحرك نحو القضاء على التحيزات اللغوية.

روبرتو ري أغودو أستاذ مساعد في اللغة الإسبانية والبرتغالية بجامعة دارتموث

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه الأنظمة على الکلام التعر ف

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يساعد في تقيّيم الأدوية الجديدة

توصل معهد «غوستاف روسي» للسرطان إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهّل عملية اختيار المشاركين في الدراسات التي تقيّم الأدوية الجديدة، إذ تسهم هذه التكنولوجيا في تحديد المريض المناسب في الوقت المناسب لإجراء أفضل تجربة سريرية.
يعد معهد «غوستاف روسي» للسرطان في باريس أحد مؤسسي شركة «كلينيو» الناشئة التي تشجع على الوصول إلى التجارب السريرية. 
ويقول «أرنو بايل»، أخصائي الأورام بالمعهد: إن «علاجات الأورام تتطور بسرعة كبيرة. المشاركة في تجربة سريرية تُمثل فرصة محتملة للاستفادة من علاج لن يكون متاحا في السوق قبل سنوات».
ونتيجة لنقص المرضى، يتباطأ تطوير الدواء المحتمل أو حتى يتوقف في بعض الأحيان إذا لم يكن من الممكن إجراء الدراسات.
وبحسب الجمعية الفرنسية لشركات الأدوية «ليم»، فإن 85% من التجارب السريرية تواجه تأخيرا مرتبطا بعوائق تحول من دون الاستعانة بالمرضى.
ولحل هذه المشكلة، بدأت شركات الأدوية الكبرى في الدخول في شراكات مع شركات ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوجيه المرضى إلى التجارب التي تناسبهم بشكل أفضل.
تعتمد الشركتان الفرنسيتان «كلينيو» و«باتلينك» على قواعد بيانات رسمية متنوعة تحصي مختلف التجارب السريرية.
وتعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تنظيف هذه البيانات المحدثة تلقائيا وتنظيمها ومراجعتها لتقديم تجارب للمرضى تتوافق مع احتياجاتهم.
بشكل عام، لا تتاح للمريض فرصة الانضمام إلى تجربة سريرية إلا إذا كانت مفتوحة في المركز الاستشفائي الذي يتابع حالته، وغالبا في المدن الكبيرة.
ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره وسيلة لتعميم الوصول إلى التجارب السريرية، بغض النظر عن مكان الإقامة، ولكنه يساهم أيضا في تمثيل أفضل للتنوع في هذه التجارب.
بدلا من البدء بدراسة ثم البحث عن مريض، وهو ما يحدث عادة، «نبدأ بمريض ثم نجد بسهولة الدراسة التي تناسبه»، على ما توضح رئيسة شركة «باتلينك» إليز خالقي.
وتوضح إليز خالقي «إنها في الأساس أداة مطابقة» تعتمد على البيانات المتعلقة بوضع المريض الصحي وعمره وموقعه.
كما أضافت خالقي «يولّد الذكاء الاصطناعي أسئلة تلقائية استنادا إلى كل معايير الإدراج والاستبعاد للدراسات السريرية» في مختلف أنحاء العالم.
وأكدت خالقي أن «هذه التقنية تسهم أيضا في ترجمة النصوص العلمية، التي تُعد الإنجليزية هي لغتها المرجعية، وتجعلها «أكثر قابلية للفهم بالنسبة للمرضى».

أخبار ذات صلة المجلس الرمضاني العلمي يناقش «الذكاء الاصطناعي إلى أين؟» استطلاع جديد يكشف: الذكاء الاصطناعي العام بعيد المنال

مقالات مشابهة

  • طحنون بن زايد يبحث مع رئيس «أوراكل» آخر تطورات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة
  • طحنون بن زايد يبحث مع رئيس «أوراكل» في واشنطن آخر تطورات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة
  • طحنون بن زايد يناقش مع إيلون ماسك أهمية الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة الحكومية
  • طحنون بن زايد وإيلون ماسك يناقشان بواشنطن أهمية الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة الحكومية
  • الذكاء الاصطناعي يرعى المسنين في الصين
  • «الإمارات العلمي» ينظم «الذكاء الاصطناعي إلى أين؟»
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في تقيّيم الأدوية الجديدة
  • الصدر يعلق على استخدام الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يفك لغزاً علمياً استعصى على العلماء لعقد كامل