"وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: 31).

يأتي رمضان كل عام حاملاً معه روحانيته وخصوصيته، حيث تتغير إيقاعات الحياة، ويتحول الشهر إلى فرصة للتأمل والعودة إلى الذات. ومع ذلك، أصبح رمضان أيضًا موسمًا اقتصاديًا نشطًا، حيث يشهد العالم الإسلامي ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الاستهلاك، مما يخلق تناقضًا بين جوهر الشهر القائم على الزهد والتقشف، وبين السلوكيات الاستهلاكية التي تميزه في العصر الحديث.

في العقود الماضية، كانت طقوس رمضان تتمحور حول البساطة، حيث كان الإفطار يعتمد على التمر والماء ووجبات متواضعة تعكس روح الصيام. أما اليوم، فقد تحول المشهد إلى سباق شرائي محموم، حيث تزدحم الأسواق بالمشترين، وتروج العلامات التجارية لعروض خاصة بشهر الصيام، وتتضاعف إعلانات المنتجات الغذائية بشكل لافت. أدركت الشركات قوة رمضان كسوق استهلاكي، فأصبحنا نرى حملات تسويقية ضخمة تستهدف المستهلكين، بدءًا من عروض السوبرماركت وحتى الإعلانات التلفزيونية التي تروج للولائم الفاخرة. كل هذا يخلق ضغطًا اجتماعيًا على الأفراد، حيث يشعر الكثيرون بضرورة مواكبة هذا الاتجاه، حتى لو كان ذلك على حساب ميزانياتهم الشخصية.

لكن هل المشكلة تكمن فقط في التسويق؟ أم أن هناك بُعدًا نفسيًا يدفع الأفراد إلى الإنفاق بكثافة خلال هذا الشهر؟ الناس في رمضان يشعرون بأنهم بحاجة إلى تعويض ساعات الصيام الطويلة بوجبات غنية ومتنوعة. كما أن التجمعات العائلية والولائم تلعب دورًا في زيادة الاستهلاك، حيث يسعى الجميع إلى تقديم موائد عامرة تعكس الكرم والضيافة. ومع ذلك، فإن هذا النمط لا يتماشى مع جوهر رمضان، الذي يهدف إلى تهذيب النفس وتعزيز الشعور بالامتنان والبساطة. المفارقة هنا أن الشهر الذي يُفترض أن يكون فرصة للتقشف الروحي، أصبح واحدًا من أكثر الفترات التي تشهد هدرًا غذائيًا وإنفاقًا زائدًا.

بين الروحانية والاستهلاك، هناك مساحة للتوازن. ليس المطلوب الامتناع عن الشراء أو تجنب الاستمتاع بمائدة رمضان، ولكن الأهم هو الوعي بكيفية الإنفاق. يمكن أن يكون رمضان فرصة لإعادة تقييم العادات الاستهلاكية، من خلال شراء الاحتياجات الفعلية فقط دون الانسياق وراء العروض الترويجية التي تخلق رغبة شرائية غير ضرورية، وتقليل الهدر الغذائي عبر تخطيط الوجبات وتحضير كميات مناسبة للاستهلاك العائلي، والتركيز على الجوهر الروحي لرمضان من خلال استثمار الوقت في التأمل والعبادة بدلًا من الانشغال بالماديات.

في النهاية، رمضان ليس مجرد موسم استهلاكي، بل هو فترة للتغيير الداخلي. إذا استطعنا تحقيق توازن بين الروحانية والاقتصاد، فربما نستطيع استعادة جوهر رمضان الحقيقي، بعيدًا عن الاستهلاك المفرط، لنعيش تجربة أكثر عمقًا وصدقًا.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مقالات شهر رمضان الاقتصاد دعاء الهلاوي الزهد الروحانية

إقرأ أيضاً:

"حي رمضان" في إكسبو دبي يستقطب 20 ألف زائر منذ بداية الشهر الفضيل

استقطبت فعالية "حي رمضان" في مدينة إكسبو دبي، حوالي 20 ألف زائر خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، ما يعكس مكانتها كوجهة رمضانية رئيسية تجمع بين التراث والثقافة والتجارب التفاعلية.

وقالت عفراء السويدي، مدير أول الإستراتيجية والتخطيط في مدينة إكسبو دبي، إن "حي رمضان” يعد تجربة متكاملة تتيح للزوار فرصة الاستمتاع بالأجواء الروحانية، إلى جانب استكشاف الجوانب الثقافية والاجتماعية لهذا الشهر الفضيل، مشيرة إلى أن فعالية "حي رمضان" حظيت باهتمام كبير من الزوار، بما في ذلك غير المسلمين، الذين وجدوا في الفعالية فرصة للتعرف على قيم التسامح والتعايش التي يمثلها الشهر الفضيل.
ولفتت إلى تنوع الفعاليات في "حي رمضان" التي تلبي اهتمامات جميع الفئات العمرية، ومن أبرزها العرض المسرحي التفاعلي “راشد ولطيفة في مهمة البحث عن القمر”، الذي يمزج بين التعليم والترفيه بأسلوب مشوق يستهدف الأطفال والعائلات، والعروض الموسيقية الحية المستوحاة من الأجواء الرمضانية التي قدمتها أوركسترا فردوس.
كما حظي الزوار بتجربة إفطار فريدة تحت القبة الشهيرة في ساحة الوصل، حيث اندمجت الأضواء والتصاميم المعمارية المبهرة مع العروض الضوئية التفاعلية، بينما استمتع الضيوف بأطباق إماراتية وعالمية من محطات الطهي الحية.

تجربة  استثنائية

وأكد عدد من زوار الفعالية، أن تجربة رمضان في دبي استثنائية، حيث تجمع بين التقاليد والثقافات المختلفة في بيئة روحانية مميزة، معربين عن سعادتهم بمشاهدة الحرف التقليدية، وارتداء الملابس التراثية، وتذوق الأطعمة الإماراتية.
وأضافوا أن فعالية “حي رمضان” شهدت تطوراً ملحوظاً خلال العامين الماضيين، وأصبحت وجهة متكاملة تتيح للزوار استكشاف العادات الرمضانية من خلال المأكولات والأسواق والعروض الفنية، مشيدين بالأجواء الرمضانية المميزة في دبي، حيث تسود روح المحبة والتسامح، والتآخي والكرم.
وساهمت فعالية "حي رمضان" في دعم المشاريع الصغيرة والأسر المنتجة، من خلال تخصيص مساحات لعرض المنتجات المحلية، مما وفر منصة لتعزيز انتشارها وجذب مزيد من العملاء.
وشهد “حي رمضان” تفاعلًا كبيرًا مع عناصر التراث الإماراتي، حيث جذبت المجالس التقليدية وأسواق الحرف اليدوية الزوار الراغبين في استكشاف الثقافة المحلية، كما لاقت إقبالًا كبير من الزوار الراغبين في تعلم المهارات الحرفية الإماراتية الأصيلة.

مقالات مشابهة

  • ضبط 9 محال تنتهك حرمة رمضان وإيقاف أصحابها حتى نهاية الشهر
  • رمضان والتكنولوجيا.. كيف نحافظ على وقتنا في الشهر الفضيل؟
  • 19 رمضان.. موعد السحور وأذان الفجر
  • المحبة في رمضان.. عنوان الصدق وقوة الإيمان
  • أكثر الأبراج سعيًا للخير في رمضان.. ما هي؟
  • المرأة .. توازن مثالي بين الصيام والأعمال المنزلية
  • "حي رمضان" في إكسبو دبي يستقطب 20 ألف زائر منذ بداية الشهر الفضيل
  • روحانيات الشهر الكريم
  • الأسواق الشعبية.. تستحضر أجواء رمضان «لوّل»