عربي21:
2025-04-14@10:01:53 GMT

المأزق السوري وطني وليس طائفيا

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

تطرح مسألة زيارة وفد من طائفة الموحدين الدروز في سوريا، إلى إسرائيل، بشعار ديني كما أشيع، لزيارة مقام النبي شعيب، مسألة بالغة الخطورة والدقة، في توقيت ليس عابرا من تاريخ الشعب السوري والمنطقة، بل الزيارة إحدى المحطات الرئيسة التي تصنع التحولات الكبرى كما يراها منظرو العلاقة مع الاحتلال والتطبيع معه أو الاستقواء به، غير أنها في الحالة السورية الوليدة تشير إلى الجرأة في طلب العلاقة والحماية مع ومن المحتل.



ليست مجرد زيارة "دينية"، بل هي امتداد لمحاولة نسج علاقة الاستقواء على الدولة وبقية المجتمع السوري ومكوناته بالاحتلال، أو بطلب الحماية الدولية والتماهي مع مطالب خارجية بالتجييش الطائفي. والخلاص من مخاطر داخلية تحاصر الطوائف السورية المختلفة على حد زعم مطلقي بيانات وشعارات ومواقف تبرير العلاقة مع محتل على الأرض (الأمريكي والإسرائيلي والروسي والتركي) وتوجيه سهام التناقض الرئيسي مع السلطة الداخلية من أجل التخلي عن مهام وطنية صرفة، بعد زمن انكسار الاستبداد السوري، لذلك يؤشر الخطاب الطائفي المقيت في سوريا لخللٍ كبير، وهو يتخذ من "الطائفة" مرجعا لمشروع "وطنيته" والمزايدة بها، وأن ما ينطوي عليه هذا الخطاب باغترابه السافر عن الواقع بذيلية مفضوحة كان أحد الأسباب المدمرة لنظام الاستبداد الأسدي أو لأي نظام طائفي مافيوي.

هذه الشريحة، إذ تعلن عن ذاتها في السياسة بعد سقوط نظام الأسد، تعلنها من باب التمترس الطائفي لا الوطني الجامع، وتصريحات بعض نماذج الطائفية السورية، متقنة بزراعة ألغامها الفردية في محيط لغم كبير، تشير للمأزق السوري الذي يتطلب أكثر من مجرد نفحة انعاش في إعلان دستوري أو تفلت طائفي، فهو بحاجة لبعث جديد ينهض بسوريا من حطام الأسدية
منذ البدء، علينا أن نعرف الموقع الطبقي والسياسي لهؤلاء الذين قيل عنهم قيادات للطوائف الدينية، أو التشكيلات العسكرية والسياسية، حتى يتسنى لنا قراءة أفكارهم بالدقة اللازمة في الزمن السوري المليء بمنظري الردة والطائفية والانحسار، مستغلين حالة انهيار نظام الاستبداد الأسدي. ففي سوريا تخلفت السياسة عن فعلها الحي واليومي منذ عقود طويلة، وتراجعت مع تخلفها مفاعيل الوطنية كبرامج ومهام كانت محصورة فقط بيد السلطة القائمة، وبسبب هذه العناصر وغيرها، تقدمت قوى وشرائح ذات سمة طائفية إلى الواجهة، وكانت مرتبطة بالسلطة وبمصالحها المشتركة معه، وتدلي بدلوها الذي يُظهر تطابقا معها كحلٍ جعل منها أداة ملتبسة في مكونات السياسة والمجتمع السوري. وهذه الشريحة، إذ تعلن عن ذاتها في السياسة بعد سقوط نظام الأسد، تعلنها من باب التمترس الطائفي لا الوطني الجامع، وتصريحات بعض نماذج الطائفية السورية، متقنة بزراعة ألغامها الفردية في محيط لغم كبير، تشير للمأزق السوري الذي يتطلب أكثر من مجرد نفحة انعاش في إعلان دستوري أو تفلت طائفي، فهو بحاجة لبعث جديد ينهض بسوريا من حطام الأسدية، فلماذا إذا محاولة تطويق عقول السوريين بوضع الحلول الطائفية كناظم للإنعاش الكامل؟

في تبرير خطوة الزيارة السورية الطائفية لدولة الاحتلال، محاولة فاشلة من أصحابها للتردي والهبوط بالمستوى الوطني، والخروج عنه والتحدث باسمه طائفيا، لا وطنيا، وبشكل دعائي رخيص يثبت ترابطه مع خطاب الاحتلال والغرب المدعي نيته وحرصه على حماية أقلية طائفية من السلطة الجديدة. وبعيدا عن التبريرات وقريبا من مراجعة مواقف مماثلة للاحتلال والغرب، هذه المسألة لها هدف واضح يمكن تكثيفه بكلمتين، استخلاص العبر، وهذا لا يدفع للتفكير بالماضي بل في المستقبل أساسا لأن من لا يتعلم من التاريخ محكوم عليه أن يعيده. وجوهر الأمر يكمن في اتضاح هذه الدعوات المحصورة في الجوانب الطائفية التي تعكس رغبة وإرادة فئة قليلة لا تستجيب لواقع موضوعي قائم على مقولة أن جدل الواقع يولد جدل الأفكار المتصل في بناء دولة المواطنة والحريات والقانون والدستور كمنطلق لحملة تنوير شاملة، تطال كل شيء في سوريا، وتساهم في بناء كل شيء على هذه الأسس، ولا يدعي فيها أحد أنه يمتلك كل الحقيقة وكل القرار بعيدا عن حفلات الردح والتجريح والتخوين الطائفي التي رافقت أحداث الساحل السوري في الأيام الماضية.

الحوارات والنقاشات التي تكرر معها مفردات طائفية، لتحليل الأحداث السورية في الساحل والسويداء، هي مفرز غير طبيعي للمرحلة التي تلت سقوط الأسد، وتأزم المرحلة الحالية ورفضها شعبيا جاء من أكثر من جهة تمثل تلك الطوائف التي يجري باسمها الحديث والصدام، ولإعادة التأكيد على أن المشروع الوطني في سوريا بوجهه الاجتماعي مرتبط برفض الاحتلال ووجوده؛ ليس فوق الأرض السورية بل في فلسطين، وبرفض كل أشكال الاستبداد. والسوريون بلغوا سن الرشد بالخلاص من الطاغية الأسدي، ولعبة الضرب على وتر الطائفية كانت حاضرة زمن الأسد. التحديات تحدد شكل المواجهة، وتحصرها في شكل وميدان معين له علاقة بالمواطنة وتعزيز الحريات والقانون والدستور وحماية كرامة السوري كمواطن فوق أرضه، وأن تكون رافعته الأساسية دولة المواطنة والحقوق، لأن المأزق السوري التاريخي وطني بامتياز وليس طائفيا، وأبعاد هذا المأزق كانت ماثلة في سعي الشعب السوري لبلورة هوية وطنية وقومية ذات أفق حضاري يستند لعمق تاريخيوفي سنوات الثورة التي يحيي السوريين ذكراها اليوم بتذكر الثمن الغالي لها والأخطاء والخطايا التي انتهت بعد صولات وجولات إلى ما هو عليه الواقع السوري، وما هو متبلور وما هو قيد التبلور، لتثبيت اللعبة الطائفية الذي يحاول الاحتلال تحقيق المكاسب من ورائها لضرب عملية التنافس على لملمة التركة الثقيلة للنظام الأسدي.

ولإظهار ماهية المرحلة السورية المقبلة، وطبيعة مهامها بلوحة طائفية أشد تعقيدا وتداخلا يجري التركيز عليها، حتى يتسنى للمحتل السيطرة والسيادة على المنطقة، فإذا كان تناقض السوريين البديهي مع الاستبداد والطغيان والقهر، فإن تناقضه الرئيسي أيضا بعد الخلاص من الاستبداد سيكون مع المحتل وسلوكه وعدوانه على الأرض وفي المنطقة. وهنا يتوجب التشدد والحذر في محاولات الاحتلال والقوى الغربية المهيمنة، التي ستضع العراقيل على رأس جدول أعمالها للحيولة من تمكن السوريين من اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بالسعي المستمر لتفجير الأوضاع الداخلية وإدمائها بحرب داخلية وطائفية، لذلك فإن البقاء على بر الأمان يقتضي طرح منظور عام، يكون مفتوحا، للتعاطي مع الأحداث ويوفر المرونة اللازمة للتكيف مع مستجدات الواقع وتعقيداته، والإلمام الدقيق والعميق بالتحديات التي منها دحر بقايا النظام الأسدي.

إن مثل هذه التحديات تحدد شكل المواجهة، وتحصرها في شكل وميدان معين له علاقة بالمواطنة وتعزيز الحريات والقانون والدستور وحماية كرامة السوري كمواطن فوق أرضه، وأن تكون رافعته الأساسية دولة المواطنة والحقوق، لأن المأزق السوري التاريخي وطني بامتياز وليس طائفيا، وأبعاد هذا المأزق كانت ماثلة في سعي الشعب السوري لبلورة هوية وطنية وقومية ذات أفق حضاري يستند لعمق تاريخي بعيدا عن التشويه والتزوير الذي يحرص المحتل كما الاستبداد في على توفير مقومات وأسس، تجعل من المحتل متميزا ومتفوقا في محيط متخلف في طوائفه وعشائره. وقد مارس هذا التزوير لسبعين عاما في فلسطين، وجربه في لبنان والآن يحاول في سوريا، غير أن حقائق الحياة والواقع تقول إن الشعب السوري كما أي شعب متحرر من الاستبداد والاحتلال، يمتلك الوعي الذي يؤهله من صياغة مستقبله بما يليق بتضحياته.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدروز سوريا إسرائيل الطائفي وطنية سوريا إسرائيل طائفي دروز وطني مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری نظام الأسد فی سوریا

إقرأ أيضاً:

الشحومي: نحن في حاجة إلى حكومة واحدة للخروج من المأزق الاقتصادي

قال الخبير المصرفي الليبي، سليمان الشحومي، إن المطالبات بتوحيد الميزانية العامة، هو مطلب أساسي ولكنه في ظل الانقسام يصبح غير واقعي، وقد فشلت محاولات اعتماد ترتيبات مالية واحدة عبر المجلس الرئاسي، وفشلت محاولة الحوار الاقتصادي برعاية أمريكية بتونس في أن يقوم المصرف المركزي بهذا الدور، وفشلت بعثة الأمم المتحدة في أن تقدم إطارا مناسبا يعالج هذه العقدة الجوهرية.

أضاف في مقال رأي على حسابه بموقع فيسبوك، “نحن في حاجة إلى حكومة واحدة أولا قبل كل شيء للخروج من المأزق تقوم بإطلاق مشروع واضح لإدارة الاقتصاد بتناسق وفقا لمستهدفات محددة بالتنسيق مع المصرف المركزي، وإذا لم يتحقق ذلك قريبا فنحن في حاجة إلى إلزام الأطراف عبر آلية تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفقا للاتفاق السياسي، بإيقاف الإنفاق على كافة الارتباطات الجديدة من قبل الطرفين في بند التنمية، وفرض معالجات ضرورية في باب الدعم تمهيدا لمعالجة شاملة اقتصادية لاحقا من قبل حكومة واحدة”.

مقالات مشابهة

  • خبايا المشروع الإسرائيلي الذي سحق خمس غزة
  • ما الرسائل التي حملها فيديو الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر؟
  • المجلس الوطني الفلسطيني: استهداف مستشفى المعمداني يشكل فصلا جديدا في سياسة القتل الممنهج التي تنتهجها إسرائيل
  • بدء فتح الطرقات المؤدية إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تنفيذاً للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية.
  • تركيا تعلن دعم سوريا عسكريا وتحذر من التحركات الإسرائيلية
  • الشحومي: نحن في حاجة إلى حكومة واحدة للخروج من المأزق الاقتصادي
  • مراسل سانا بحلب: بدء دخول قوات الجيش العربي السوري وقوى الأمن العام إلى سد تشرين بريف حلب الشرقي لفرض الأمن والاستقرار للمنطقة، تنفيذاً للاتفاق المبرم مع قوات سوريا الديموقراطية
  • رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا: الحكومة السورية الجديدة تريد الخير لمواطنيها ونحن مستعدون للتعاون معها 
  • أكشن مع وليد : الهلال يحتاج لصدمة كهربائية وليس لاجتماع ترقيع
  • تقارير إعلامية: الاحتلال بدأ تهجير سكان جنوب سوريا