عربي21:
2025-03-20@04:44:58 GMT

المأزق السوري وطني وليس طائفيا

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

تطرح مسألة زيارة وفد من طائفة الموحدين الدروز في سوريا، إلى إسرائيل، بشعار ديني كما أشيع، لزيارة مقام النبي شعيب، مسألة بالغة الخطورة والدقة، في توقيت ليس عابرا من تاريخ الشعب السوري والمنطقة، بل الزيارة إحدى المحطات الرئيسة التي تصنع التحولات الكبرى كما يراها منظرو العلاقة مع الاحتلال والتطبيع معه أو الاستقواء به، غير أنها في الحالة السورية الوليدة تشير إلى الجرأة في طلب العلاقة والحماية مع ومن المحتل.



ليست مجرد زيارة "دينية"، بل هي امتداد لمحاولة نسج علاقة الاستقواء على الدولة وبقية المجتمع السوري ومكوناته بالاحتلال، أو بطلب الحماية الدولية والتماهي مع مطالب خارجية بالتجييش الطائفي. والخلاص من مخاطر داخلية تحاصر الطوائف السورية المختلفة على حد زعم مطلقي بيانات وشعارات ومواقف تبرير العلاقة مع محتل على الأرض (الأمريكي والإسرائيلي والروسي والتركي) وتوجيه سهام التناقض الرئيسي مع السلطة الداخلية من أجل التخلي عن مهام وطنية صرفة، بعد زمن انكسار الاستبداد السوري، لذلك يؤشر الخطاب الطائفي المقيت في سوريا لخللٍ كبير، وهو يتخذ من "الطائفة" مرجعا لمشروع "وطنيته" والمزايدة بها، وأن ما ينطوي عليه هذا الخطاب باغترابه السافر عن الواقع بذيلية مفضوحة كان أحد الأسباب المدمرة لنظام الاستبداد الأسدي أو لأي نظام طائفي مافيوي.

هذه الشريحة، إذ تعلن عن ذاتها في السياسة بعد سقوط نظام الأسد، تعلنها من باب التمترس الطائفي لا الوطني الجامع، وتصريحات بعض نماذج الطائفية السورية، متقنة بزراعة ألغامها الفردية في محيط لغم كبير، تشير للمأزق السوري الذي يتطلب أكثر من مجرد نفحة انعاش في إعلان دستوري أو تفلت طائفي، فهو بحاجة لبعث جديد ينهض بسوريا من حطام الأسدية
منذ البدء، علينا أن نعرف الموقع الطبقي والسياسي لهؤلاء الذين قيل عنهم قيادات للطوائف الدينية، أو التشكيلات العسكرية والسياسية، حتى يتسنى لنا قراءة أفكارهم بالدقة اللازمة في الزمن السوري المليء بمنظري الردة والطائفية والانحسار، مستغلين حالة انهيار نظام الاستبداد الأسدي. ففي سوريا تخلفت السياسة عن فعلها الحي واليومي منذ عقود طويلة، وتراجعت مع تخلفها مفاعيل الوطنية كبرامج ومهام كانت محصورة فقط بيد السلطة القائمة، وبسبب هذه العناصر وغيرها، تقدمت قوى وشرائح ذات سمة طائفية إلى الواجهة، وكانت مرتبطة بالسلطة وبمصالحها المشتركة معه، وتدلي بدلوها الذي يُظهر تطابقا معها كحلٍ جعل منها أداة ملتبسة في مكونات السياسة والمجتمع السوري. وهذه الشريحة، إذ تعلن عن ذاتها في السياسة بعد سقوط نظام الأسد، تعلنها من باب التمترس الطائفي لا الوطني الجامع، وتصريحات بعض نماذج الطائفية السورية، متقنة بزراعة ألغامها الفردية في محيط لغم كبير، تشير للمأزق السوري الذي يتطلب أكثر من مجرد نفحة انعاش في إعلان دستوري أو تفلت طائفي، فهو بحاجة لبعث جديد ينهض بسوريا من حطام الأسدية، فلماذا إذا محاولة تطويق عقول السوريين بوضع الحلول الطائفية كناظم للإنعاش الكامل؟

في تبرير خطوة الزيارة السورية الطائفية لدولة الاحتلال، محاولة فاشلة من أصحابها للتردي والهبوط بالمستوى الوطني، والخروج عنه والتحدث باسمه طائفيا، لا وطنيا، وبشكل دعائي رخيص يثبت ترابطه مع خطاب الاحتلال والغرب المدعي نيته وحرصه على حماية أقلية طائفية من السلطة الجديدة. وبعيدا عن التبريرات وقريبا من مراجعة مواقف مماثلة للاحتلال والغرب، هذه المسألة لها هدف واضح يمكن تكثيفه بكلمتين، استخلاص العبر، وهذا لا يدفع للتفكير بالماضي بل في المستقبل أساسا لأن من لا يتعلم من التاريخ محكوم عليه أن يعيده. وجوهر الأمر يكمن في اتضاح هذه الدعوات المحصورة في الجوانب الطائفية التي تعكس رغبة وإرادة فئة قليلة لا تستجيب لواقع موضوعي قائم على مقولة أن جدل الواقع يولد جدل الأفكار المتصل في بناء دولة المواطنة والحريات والقانون والدستور كمنطلق لحملة تنوير شاملة، تطال كل شيء في سوريا، وتساهم في بناء كل شيء على هذه الأسس، ولا يدعي فيها أحد أنه يمتلك كل الحقيقة وكل القرار بعيدا عن حفلات الردح والتجريح والتخوين الطائفي التي رافقت أحداث الساحل السوري في الأيام الماضية.

الحوارات والنقاشات التي تكرر معها مفردات طائفية، لتحليل الأحداث السورية في الساحل والسويداء، هي مفرز غير طبيعي للمرحلة التي تلت سقوط الأسد، وتأزم المرحلة الحالية ورفضها شعبيا جاء من أكثر من جهة تمثل تلك الطوائف التي يجري باسمها الحديث والصدام، ولإعادة التأكيد على أن المشروع الوطني في سوريا بوجهه الاجتماعي مرتبط برفض الاحتلال ووجوده؛ ليس فوق الأرض السورية بل في فلسطين، وبرفض كل أشكال الاستبداد. والسوريون بلغوا سن الرشد بالخلاص من الطاغية الأسدي، ولعبة الضرب على وتر الطائفية كانت حاضرة زمن الأسد. التحديات تحدد شكل المواجهة، وتحصرها في شكل وميدان معين له علاقة بالمواطنة وتعزيز الحريات والقانون والدستور وحماية كرامة السوري كمواطن فوق أرضه، وأن تكون رافعته الأساسية دولة المواطنة والحقوق، لأن المأزق السوري التاريخي وطني بامتياز وليس طائفيا، وأبعاد هذا المأزق كانت ماثلة في سعي الشعب السوري لبلورة هوية وطنية وقومية ذات أفق حضاري يستند لعمق تاريخيوفي سنوات الثورة التي يحيي السوريين ذكراها اليوم بتذكر الثمن الغالي لها والأخطاء والخطايا التي انتهت بعد صولات وجولات إلى ما هو عليه الواقع السوري، وما هو متبلور وما هو قيد التبلور، لتثبيت اللعبة الطائفية الذي يحاول الاحتلال تحقيق المكاسب من ورائها لضرب عملية التنافس على لملمة التركة الثقيلة للنظام الأسدي.

ولإظهار ماهية المرحلة السورية المقبلة، وطبيعة مهامها بلوحة طائفية أشد تعقيدا وتداخلا يجري التركيز عليها، حتى يتسنى للمحتل السيطرة والسيادة على المنطقة، فإذا كان تناقض السوريين البديهي مع الاستبداد والطغيان والقهر، فإن تناقضه الرئيسي أيضا بعد الخلاص من الاستبداد سيكون مع المحتل وسلوكه وعدوانه على الأرض وفي المنطقة. وهنا يتوجب التشدد والحذر في محاولات الاحتلال والقوى الغربية المهيمنة، التي ستضع العراقيل على رأس جدول أعمالها للحيولة من تمكن السوريين من اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بالسعي المستمر لتفجير الأوضاع الداخلية وإدمائها بحرب داخلية وطائفية، لذلك فإن البقاء على بر الأمان يقتضي طرح منظور عام، يكون مفتوحا، للتعاطي مع الأحداث ويوفر المرونة اللازمة للتكيف مع مستجدات الواقع وتعقيداته، والإلمام الدقيق والعميق بالتحديات التي منها دحر بقايا النظام الأسدي.

إن مثل هذه التحديات تحدد شكل المواجهة، وتحصرها في شكل وميدان معين له علاقة بالمواطنة وتعزيز الحريات والقانون والدستور وحماية كرامة السوري كمواطن فوق أرضه، وأن تكون رافعته الأساسية دولة المواطنة والحقوق، لأن المأزق السوري التاريخي وطني بامتياز وليس طائفيا، وأبعاد هذا المأزق كانت ماثلة في سعي الشعب السوري لبلورة هوية وطنية وقومية ذات أفق حضاري يستند لعمق تاريخي بعيدا عن التشويه والتزوير الذي يحرص المحتل كما الاستبداد في على توفير مقومات وأسس، تجعل من المحتل متميزا ومتفوقا في محيط متخلف في طوائفه وعشائره. وقد مارس هذا التزوير لسبعين عاما في فلسطين، وجربه في لبنان والآن يحاول في سوريا، غير أن حقائق الحياة والواقع تقول إن الشعب السوري كما أي شعب متحرر من الاستبداد والاحتلال، يمتلك الوعي الذي يؤهله من صياغة مستقبله بما يليق بتضحياته.

x.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدروز سوريا إسرائيل الطائفي وطنية سوريا إسرائيل طائفي دروز وطني مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری نظام الأسد فی سوریا

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا: الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام

2025-03-17SAMERسابق الأردن يعلن افتتاح معبر جابر الحدودي مع سوريا على مدار اليوم قريباًالتالي في إطار ضبط انتشار السلاح العشوائي.. الأمن العام بطرطوس يتسلم أسلحة وذخائر انظر ايضاً الهلال الأحمر في درعا يقدم خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية لمعتقلي النظام البائد

درعا-سانا أعلن فرع الهلال الأحمر العربي السوري في درعا أنه يقدم خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية …

آخر الأخبار 2025-03-17الهلال الأحمر في درعا يقدم خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية لمعتقلي النظام البائد 2025-03-17اختتام المرحلة الأولى من مسابقة “القارئ المتميز” بموسمها التاسع في السويداء 2025-03-17في إطار ضبط انتشار السلاح العشوائي.. الأمن العام بطرطوس يتسلم أسلحة وذخائر 2025-03-17وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا: الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام 2025-03-17الأردن يعلن افتتاح معبر جابر الحدودي مع سوريا على مدار اليوم قريباً 2025-03-17وزير الاتصالات يناقش مع العاملين في هيئة الاستشعار عن بُعد دورها في دعم القرارات الاستراتيجية 2025-03-17الاتحاد الأوروبي: ندعم سوريا ونقف إلى جانبها لبناء مستقبل مزدهر 2025-03-17انطلاق مهرجان الخير للتسوق في درعا بتخفيضات واسعة وعروض مميزة 2025-03-17120 شاباً يستفيد من دورات مجمع مراكز التدريب المهني بحمص هذا العام 2025-03-17المكتب الإعلامي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات لسانا: الكبل الضوئي على مسار طرطوس اللاذقية تعرض لعطل فني، وقامت الورشات بعمليات الصيانة اللازمة لتأمين عودة خدمات الاتصالات والانترنت تدريجياً

صور من سورية منوعات المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15 العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • تطورات جديدة وخطيرة في سوريا… والأمن السوري يعتقل قائد مطار حماة العسكري ويمشط محيط مطار حميميم
  • طائرات الاحتلال تستهدف مواقع لجيش النظام السوري السابق في حمص
  • تجدد التوتر على الحدود اللبنانية السورية وسقوط قتلى من الجيش السوري
  • وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في كلمة خلال مؤتمر بروكسل التاسع للمانحين حول سوريا: الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام
  • بروكسل تستضيف وزير الخارجية السوري.. وألمانيا تدعم سوريا بـ300 مليون يورو
  • عاجل | مصادر للجزيرة: الرئاسة السورية تشكل لجنة لاستكمال الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية تضم 5 أعضاء
  • وزارة الإعلام: ندين الاستهداف المباشر لمجموعة من الصحفيين والإعلاميين أثناء قيامهم بالتغطية قرب الحدود اللبنانية-السورية، وذلك عبر صواريخ موجّهة أطلقتها ميليشيا حزب الله، بعد ارتكابها جريمة اختطاف وتصفية لثلاثة من أفراد الجيش السوري البارحة
  • اشتباكات متقطعة على الحدود السورية ـ اللبنانية.. وارتفاع عدد قتلى الجيش السوري
  • مقتل عنصر بالجيش السوري وإصابة عدد من الصحافيين.. لحظة سقوط صاروخ عند الحدود اللبنانية ـ السورية (فيديو)