صحيفة الساعة 24:
2025-04-14@21:25:54 GMT
أعضاء بكتلة التوافق الوطني: البعثة الأممية قد تسهم في تعقيد الأزمة بدلًا من حلها
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
أبدى أعضاء بكتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة انشغالهم من محاولات تمرير رؤى أحادية، تتعارض جوهريا مع هدف البحث عن حل ليبي-ليبي، معبرين عن قلقهم من أداء البعثة الأممية الذي قد يسهم في تعقيد الأزمة بدلا من حلها.
وبحث أعضاء الكتلة مع السفير الفرنسي لدى ليبيا مصطفى مهراج، المستجدات السياسية في ضوء ما تطرحه البعثة الأممية ومجلسي النواب والدولة من رؤى وتصورات لتجاوز حالة الانقسام والانسداد السياسي.
وأكدت الكتلة أن الحل لا يكون إلا عبر انتخابات نزيهة وشفافة يعود من خلالها حق تقرير المسار والمستقبل لليبيين أنفسهم دون وصاية من أحد أو استئثار بالسلطة والثروات عن طريق فرض سياسة الأمر الواقع.
الوسومليبياالمصدر: صحيفة الساعة 24
كلمات دلالية: ليبيا
إقرأ أيضاً:
الخليفة يوثق لمعارك الكتلة الديمقراطية الممهدة للتناوب التوافقي في المغرب
المؤلف: امحمد الخليفةالكتاب: صوت الشعب القوي في البرلمان
الجزء الأول 1977-1994
الناشر: الطبعة الوراقة الوطنية
السنة: 2024
عدد الصفحات:653
اختار الزعيم الاستقلالي امحمد الخليفة أن ينحو منحى آخر في الكتابة التاريخية، فقد تردد كثيرا في كتابة مذكرات على نسق السيرة الذاتية، التي تقف على الوقائع، وتقدم روايته كفاعل وشاهد على أحداث تاريخية كبيرة وعلى تحولات مفصلية في تاريخ المغرب السياسي، وراودته نخب كثيرة في هذا المسعى، فكان يرفض ذلك، إلى أن نزل على رأي وسط، في أفق أن يكتب مذكراته بالشكل الذي يتطلع إليه محبوه، فاختار في مرحلة أولى، أن يضع الوثائق بين يدي القراء، وأن يبوبها حسب الاهتمامات والمسارات التي قطعها في حياته، وقد تحصل له من هذا التجميع، قرابة ست أجزاء، أغلب الظن أنها ستختصر مجالات حياته (السياسية والحزبية، والإعلامية، والمهنية في سلك المحاماة، والبرلمانية، والوزارية فضلا عن مشاركاته الفكرية في مناسبات متعددة).
وقد ارتأى أن يستكتب في كل جزء كاتبا من أصدقائه، وذلك بحسب تناسب الجزء مع التخصص المقدم، واختار أن يقدم للجزء الذي نحن بصدده، أي "صوت الشعب القوي في البرلمان" (قسمه إلى جزءين)، الأستاذ محمد نجيب كومينة، وقد خصص المؤلف هذين الجزءين، لتوثيق حياته في البرلمان التي بلغت حوالي 30 سنة، فخص الجزء الأول مرحلة 1977 ـ 1994، وتناول الجزء الثاني مرحلة 1995 ـ 2000.
حدث الإضراب العام لديسمبر 1990، حدث مفصلي في تاريخ المغرب السياسي، لأن الاحتقان الاجتماعي الذي حركه جسد بالفعل تداعيات الخيارات الاقتصادية والسياسية للحكومة على الوضع الاجتماعي، كما قدم جوابا عن أسلوب الحكومة المتعنت في التجاوب مع صوت المعارضة.وينقل هذا العمل التوثيقي توترات الحياة السياسية قبيل فترة التناوب الديمقراطي، ومختلف النضالات التي خاضتها الكتلة الديمقراطية من أجل التمكين للإصلاحات الديمقراطية في المغرب، إذ عكست تدخلات امحمد الخليفة بوصفه رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أقوى لحظات التعبير عن إرادة الشعب في الإصلاح، ومناهضة الاستبداد والتحكم ومواجهة الأحزاب الإدارية، وخوض معركة التفاوض مع الحكم من أجل التمكين للديمقراطية، وإنهاء مرحلة التزوير وصناعة الخرائط الانتخابية والتحكم في الحياة السياسية وفرض الخيارات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة التي أفقرت الطبقات الشعبية، ومكنت قلة من رجال أعمال من الهيمنة على المقدرات الاقتصادية للبلاد.
صوت الشعب داخل البرلمان
تمثل تدخلات النقيب الأستاذ امحمد الخليفة داخل البرلمان خلال مدة شغله رئاسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أهمية خاصة، ليس لكونها فقط توثق بشكل كثيف لمرحلة دقيقة من تاريخ المغرب السياسي، وتعكس تجاذبات الفعل السياسي في مرحلة ما قبل التناوب الديمقراطي، ولكن، لأنها أيضا تفسر إلى حد كبير التحولات والتفاعلات التي عاشها المغرب على مستويات مؤسساتية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتكسب القارئ والرأي العام المغربي خليفة فكرية وسياسية لفهم المخاضات التي عرفها التحول الديمقراطي في المغرب، والنضالات التي خيضت من أجل التمكين للإصلاحات السياسية والاقتصادية.
لقد نجح المؤلف إلى حد كبير في أن يسمى هذا الجزء من الكتاب بـ"صوت الشعب"، لأن الكتلة الديمقراطية ـ وحزب الاستقلال وقتها كان أحد أهم مكوناتها ـ كانت تمثل الإرادة الشعبية المجهضة بفعل التزوير وصناعة الخرائط واختلاق أحزاب الأغلبية، وكان حزب الاستقلال صوتا للشعب لا بالاعتبار الاقتصادي والسياسي، وإنما أيضا بالاعتبار الثقافي والفكري والمرجعي والهوياتي.
وقد مثلت العشرية الأخيرة من القرن الماضي، التي غطاها هذا الجزء من كتاب احمد الخليفة، لحظة مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر، إذ عرفت هذه المرحلة تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي (الأزمة الاقتصادية وتوجه الدولة نحو الخوصصة)، والمستوى المالي (خوض معارك شرسة على قوانين المالية وتوجهاتها التقنوية) وعلى المستوي الدستوري (تعديل دستور 1992) والقطع مع ظهير كل ما من شأنه، وعلى المستوى السياسي (رفع المعارضة لملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة سنة 1992) وعلى الانتخابي (مواجهة القوانين الانتخابية، وخوض معركة انتخابية شرسة سنة 1993 بمرشح مشترك بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) وعلى المستوى الحقوقي (الاعتراف بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، ثم معركة اللاقطات الهوائية) وأيضا على المستوى الوطني (المرافعة على القضية الوطنية)، إذ شهدت هذه المرحلة تحولات كبيرة في العالم (سقوط جدار برلين) كان لها أثر كبير على تنامي التوجهات الديمقراطية في العالم العربي، فانعكس ذلك في ازدياد دينامية الأحزاب الإصلاحية بالمغرب، وتوجهها نحو توحيد صفها الديمقراطي للضغط لفرض إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وحقوقية، توجت بإنشاء الكتلة الديمقراطية، وذلك مباشرة بعد تقدين ملتمس الرقابة سنة 1990.
وقد عكست تدخلات الأستاذ امحمد الخليفة صوت الإرادة الشعبية في البرلمان، سواء في مواجهة الاختيارات المالية والاقتصادية التي شكلتها قوانين المالية في هذه المرحلة، والتي اتسمت بهيمنة الطابع المحاسباتي الضيق الذي يراعي فقط التوازنات المالية ولو على حساب مصالح الطبقات الشعبية، أو في مواجهة الوضع الدستوري الساكن الذي يؤسس للحكم المنغلق، أو في مواجهة الوضع السياسي المحكوم بسيطرة الأحزاب الإدارية، والهيمنة على كل مفاصل الحياة السياسية بإرادة التزوير وصناعة الخرائط الانتخابية، فاكتسى هذا الكتاب أهمية خاصة من كونه يعكس صورة هذا الواقع الذي كانت تتجاذبه التفاعلات، وتطرد فيه النضالات الديمقراطية، حيث قدم كتاب الخليفة للقارئ وثائق كثيفة ومعطيات مهمة عن أهم المعارك التي خاضتها الكتلة الديمقراطية سواء على واجهة البرلمان، أو في الشارع، او في المجال الحزبي والإعلامي، كما عرض مشهدا متكاملا لتمثيلية الكتلة الديمقراطية لهموم الشعب وتطلعاته في الكرامة والحرية، ومواجهتها لكل الخيارات التي تثقل كاهل الشعب أو تمس بقدرته الشرائية، أو بحقوقه وكرامته وخوضها معارك الشارع في مواجهة السياسات التفقيرية للمجتمع (إضراب 14 ديسمبر 1990).
معارك ملتمس الرقابة
لا أحد يمكن أن ينسى هذا الحدث التاريخي الكبير في تاريخ المغرب السياسي، يوم تقدمت المعارضة بطرح ملتمس الرقابة على الحكومة لإسقاطها بتاريخ 18 مايو 1990، وقد كان البعض يعتقد أن تقديم ملتمس الرقابة هو إعلان تمرد على الحكم، وأن تقريره كحق في الدستور جاء من باب المسايرة الظاهرية للدساتير الديمقراطية، غير أن المعارضة، كسرت هذا الاعتقاد، وتشبثت بتقديم ملتمس الرقابة، باعتبار ذلك حقا منحه الدستور لها، ولأن بنود الدستور كل لا يتجزأ، ولأنها لم توضع لتنفيذ بعضها وعدم تنفيذ البعض الآخر، وإنما صوت الشعب على الدستور ليعمل بكل مقتضياته.
تقدم تدخلات الأستاذ امحمد الخليفة الحيثيات الدقيقة لهذا الحدث، وكيف قدم وزير المالية مشروع القانون المالي في الدورة الخريفية، ليأتي بعده بثلاثة أشهر الوزير الأول في الدورة الربيعية ليطرح مشروعا تعديليا لقانون المالية للقانون المالي 1991، ثم يأتي عقبه وزير المالية ليقدم المشروع التعديلي لقانون المالية 1990، ليشكل ذلك الحدث غير المألوف في الحياة السياسية والمؤسساتية والدستورية، إذ لم تقدم الحكومة وقتها أي سند دستوري أو قانوني تفسر به سلوكها، فكان ذلك مبعث تقديم ملتمس الرقابة، بعد أن اقامت المعارضة الدليل على عدم مصداقية الحكومة، وقيامها بأشياء غير مفهومة لم يعد الشعب يدرك مغزاها، ولكونها تمانع في مباشرة حوار أخلاقي يعتمد الصدق في الخطاب، ولتفتح المجال بذلك للمعارضة لكي تؤسس لخطابها الصلب الذي ينهل من ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكرس القطيعة بين ديمقراطية العمق التي تتبناها المعارضة وديمقراطية الشكل والواجهة التي ترعاها الحكومة.
الكتلة الديمقراطية ـ وحزب الاستقلال وقتها كان أحد أهم مكوناتها ـ كانت تمثل الإرادة الشعبية المجهضة بفعل التزوير وصناعة الخرائط واختلاق أحزاب الأغلبية، وكان حزب الاستقلال صوتا للشعب لا بالاعتبار الاقتصادي والسياسي، وإنما أيضا بالاعتبار الثقافي والفكري والمرجعي والهوياتي.وقد شكل هذا الحدث مناسبة للأستاذ امحمد الخليفة ليقدم مرافعة قوية من أجل الديمقراطية، وحق الشباب في التصويت (18 سنة) وتقديم دروس في معنى المساواة في الدستور، ومفهوم تمثل حقوق الإنسان، وكيف تنتهك الحكومة أبسط هذه الحقوق، وكيف يهيمن عليها هاجس الامن، في الوقت الذي لا تدرك فيه أن معنى الأمن الحقيقي يكمن في مساواة الجميع امام القانون. وقد ركزت مداخلات الخليفة وقتها على حق الشعب في الإعلام، ومفهوم الإعلام الديمقراطي، وقدم دروسا دستورية أخرى في استقلال السلطة القضائية، وكيف يتم تهميش القضاء باعتماد ميزانيات جامدة لا تتغير مع تغير السنين، معرجا في ذلك على الأحوال المهنية للسجون، وحالة الارتباك الشديد الذي صارت عليه أحزاب الأغلبية، وكيف تتصرف في آخر لحظة، وكأن الوحي ينزل عليها من جهات غير معلومة مجسدة بذلك جوا من الاضطراب والتناقض في السلوك والخطاب.
وقد وثق الخليفة للحظة مفصلية مهمة في تاريخ المغرب تبين وجه الوطنية الصادقة التي كانت تتمتع بها أحزاب المعارضة، إذ في الوقت الذي رفعت فيه ملتمس الرقابة كانت البلاد تواجه حملة إعلامية فرنسية شنيعة، ومع ذلك، لم تتردد المعارضة في أن تدافع عن الوطن وتصد هذه الحملات، دون أن تنسى واجبها في التذكير بأن تحصين البلاد من هذه الحملات، واحسن رد عليها يكمن في تمتين الجبهة الداخلية بجرعات جريئة من الديمقراطية وتمثل حقوق الإنسان، وصيانة الهوية الإسلامية وإحلال اللغة العربية مكانتها اللائقة بها، واضطلاع الحكومة بدورها في الحوار الاجتماعي مع النقابات.
الإضراب العام ديسمبر 1990
حدث الإضراب العام لديسمبر 1990، حدث مفصلي في تاريخ المغرب السياسي، لأن الاحتقان الاجتماعي الذي حركه جسد بالفعل تداعيات الخيارات الاقتصادية والسياسية للحكومة على الوضع الاجتماعي، كما قدم جوابا عن أسلوب الحكومة المتعنت في التجاوب مع صوت المعارضة.
وقد قدمت تدخلات الخليفة في البرلمان بهذه المناسبة حيثيات دقيقة حول هذا الحدث، وأسبابه الحقيقية، التي تكمن بالأساس في انفصال الحكومة عن واقع الشعب وهمومه، وغيابها عن معالجة أوضاعه، وعدم قدرتها على حل مشكلة عدم كفاية الأجوار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين وعدم كفالتها للحق في السكن والعيش الكريم وحق التمدرس، كما عبرت هذه التدخلات عن تصور المعارضة لشكل الاحتجاج الحضاري، وإرادتها في ممارسته، للضغط على الحكومة للنزول إلى طاولة الحوار المسؤول، والابتعاد عن أسلوب الاستفزاز الذي يؤدي إلى الصدام، وإفهامها بأنه لا مندوحة عن الحوار، وأن المقاربة الأمنية ، وتبني التصعيد في وجه احتجاجات الشعب المقهور، لن يكون في خدمة مصالح الوطن ولا أمنه ولا استقراره.
لم يكن هذا الحدث عابرا في تاريخ المغرب السياسي، بل كان داميا ومأساويا، وذلك بسبب تعنت الحكومة، وهيمنة المقاربة الأمنية على ما سواها، وقد فجرت هذه المقاربة الجدل في البرلمان، فبينما اتجهت أحزاب الأغلبية الحكومية إلى اتهام الأحزاب المعارضة بزعزعة الاستقرار والتسبب في الانفلات الأمني والتحريض على الفوضى والشغب في المجتمع، لخصت تدخلات الأستاذ امحمد الخليفة حقائق هذا اليوم التاريخي (14 ديسمبر 1990)، مؤكدا بهذا الخصوص أن كل الأرواح التي ازهقت في هذا اليوم، وكل الدماء التي أريقت، والضحايا الذين سقطوا هي مسؤولية جماعية في عنق الحكومة والمعارضة على السواء، وأن الحكومة لا ينبغي ان تتملص من مسؤوليتها في التسبب في هذه الأحداث، لأن الأسباب الحقيقية للإضراب تكمن في سياستها التي تسببت في انخفاض القوة الشرائية، وهزالة الأجور، واستفحال البطالة، لاسيما بطالة الخريجين وحملة الشواهد، والفساد الإداري، وهيمنة لغة المستعمر، هذا فضلا عن التوجهات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة، واستحواذ طبقة قليلة على خيرات البلاد، وسلخ الوطن عن مقوماته الحضارية، وانتشار المخدرات والتهريب، وبلوغ اليأس في صفوف الشباب مستويات عالية.
وثق الخليفة للحظة مفصلية مهمة في تاريخ المغرب تبين وجه الوطنية الصادقة التي كانت تتمتع بها أحزاب المعارضة، إذ في الوقت الذي رفعت فيه ملتمس الرقابة كانت البلاد تواجه حملة إعلامية فرنسية شنيعة، ومع ذلك، لم تتردد المعارضة في أن تدافع عن الوطن وتصد هذه الحملاتكما انتقد الخليفة مقاربة الحكومة، وتسببها في هذا الاحتقان، سواء بإنكارها حق الإضراب، أو بمناوراتها لإفشاله، أو بمواجهتها له بالخيارات الأمنية، وقد دعا الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية على لسان رئيسه الأستاذ امحمد الخليفة وقتها إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية تتمتع بالنزاهة والاستقلالية عن الإدارة، وبالصلاحية الكاملة للقيام ببحث نزيه حول أسباب الحوادث المؤلمة التي تفجرت في هذا اليوم التاريخي والكشف عن الحقيقية للتاريخ، وقد قدم ملاحظات نقدية قوية لموقف الحكومة، إذ بدل أن تتجه لإنتاج خطاب حكومي سياسي متضامن، أنتجت مواقف قطاعية، كما ولو كان الوزير الأول مجرد منسق أعمال قطاعات، وليس مسؤولا سياسيا عن الحكومة، ولاحظ الخليفة على خطاب الحكومة ارتباكه وعدم انسجامه، وانتقد بشدة عدم تقديم الحكومة معطيات دقيقة عن عدد القتلى والجرحى والضحايا والخسائر المادية، كما انتقد عليها توجيهها اللوم للمعارضة بعجزها عن تأطير المواطنين، معتبرا أن السبب في هذا الحدث الأليم يرجع بالأساس إلى سوء تعامل الحكومة مع الإضراب، ونفيها الطابع النقابي عنه، وإضفاءها الطابع السياسي عنه، إذ بدل أن تتعامل معه بوصفه تعبيرا عن مطالب اجتماعية صرفة ساهمت في حرف اتجاهه من خلال مقاربتها، وأيضا من خلال سلوك إعلامها الرسمي الذي احتكرته لخدمة رؤيتها وضدا على مصالح الشعب وهمومه وتطلعاته في تحسين مستويات عيشه.
نضالات ضد الاختيارات الاقتصادية والسياسية والانتخابية
يتضمن الكتاب أيضا فصولا من النضال ضد الاختيارات الاقتصادية والمالية للحكومة، جسدتها تدخلات الخليفة في البرلمان في مواجهة القوانين المالية (1990 ـ 1995)، كما تضمن أيضا سلسلة من المعارك التي خاضتها الكتلة الديمقراطية من أجل إقرار انتخابات نزيهة، سواء من خلال المطالبة بالضمانات السياسية والقانونية والعملية لسلامة الانتخابات أو بوضع تقطيع انتخابي عادل، أوباعتماد قوانين انتخابية ديمقراطية، أو باعتماد نظام اقتراع غير مصنوع على مقاس أعيان السلطة، وقد شكلت سنة 1992 محطة أساسية لهذا النضال السياسي والانتخابي، ويعكس تدخل الخليفة في البرلمان لمناقشة مشروعي القانونين المتعلقين بالسن الانتخابي والنظام الانتخابي جوانب مهمة من هذا النضال، إذ كان عنوان هذه المناقشة أنه لا ثقة بالمطلق في انتخابات تجريها الإدارة، كما عكست مناقشاته للقوانين الانتخابية جوانب مهمة من معركة الديمقراطية في المغرب، وكيف كانت تراقب المعارضة تجاوزات السلطة في تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، وكيف كانت تشتغل على إفساد الحياة السياسية والتحكم في الخارطة الانتخابية من خلال الهندسة القانونية والترابية للانتخابات.
معركة إلغاء ظهير "كل ما من شأنه"
يؤرخ هذا الكتاب لحدث سعيد مر في تاريخ المغرب السياسي، وهو حدث 5 يوليوز 1994، يوم تم إلغاء ظهير استعماري وضع لزجر المظاهرات المخالفة للأمن العام والاحترام الواجب لرمز السلطة الصادر بتاريخ 20 يونيو 1935، إذ تقدم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بمقترح قانون لإلغائه، ولم تكن العادة أن تقبل هذه المقترحات من المعارضة، فصودق على هذا المقترح بالإجماع، وذلك بأمر بتوجيهات ملكية، إذ قال الملك الحسن الثاني بعدها: "بتواضع وشكر لله هذا يوم سعيد"، وقد أحسن الخليفة عرض كافة المعطيات حول هذا الحدث، موردا أسباب نزوله ونضالات الحركة الوطنية في سبيل إلغائه وذلك قبيل الاستقلال، فوضع أمام الباحثين نص المقترح الذي قدمه المناضل الاستقلالي عبد الكريم غلاب، وكيف شكل هذا الحدث السعيد في تاريخ المغرب السياسي مؤشرا على انفراج سياسي، وبداية الاشتغال على مرحلة جديدة من مراحل المغرب السياسي، أثمرت فيما بعد التوافق بين الحكم والكتلة الديمقراطية في النضال لتمكين الشعب من الحق في التعددية الإعلامية..
(معركة اللاقط الهوائي)
تعرف هذه المعركة في المغرب بمعركة "الصحون المقعرة" أو معركة "البارابول" وتعود إلى سنة 1994، حينما أقدمت الحكومة المغربية على طرح مرسوم بقانون بفرض رسم على المغاربة بقيمة 5000 درهم لمن أراد استعمال هذه اللواقط الهوائية للاستفادة من خدمات القنوات التلفزية العالمية، وقد فجر هذا القرار معركة كبيرة أخذت أبعادا ثقافية وإعلامية وحقوقية وسياسية ودستورية، فانتقدت المعارضة هذا القرار وواجهته بقوة، معتبرة أنه لا سند له من الناحية الدستورية، وأن الحكومة لا يمكن لها أن تستخلص رسما على خدمات لا تقدمها، ولا تبذل فيها أي محتوى إعلامي، ولا تخصص له أي ميزانية، وأن قصد الحكومة بهذا الرسم (5000 درهم يعتبر مبلغا كبير في مرحلة التسعينيات) هو أن تحرم الفقراء والطبقة المتوسطة من الاستفادة من البارابول، وتجعله حكرا على الفئات الغنية، كما كان للمعركة وجها آخر، إذ اعتبرت المعارضة قرار الحكومة بمثابة منع المواطن المغربي من حقه في الإعلام وفي المعلومة، وان الحكومة بفرضها لهذا الرسم الذي لا يتحمله الفقراء ولا حتى الطبقات المتوسطة تضرب مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، فتسمح للأغنياء بامتلاك هذه الصحون المقعرة، وتمنعها من الفقراء. ومع هذا الجدل الذي أثارته المعارضة بحججها الدستورية والسياسية والحقوقية، فقد مضت الحكومة في إقرار المرسوم بقانون، مما دفع المعارضة إلى الطعن فيه أمام المجلس الدستوري، وطلب تحكيم ملكي، فما كان من الملك الحسن الثاني إلا أن أعطى بتصريحه المزدوج إشارة مطمئنة، إذ بقدر ما ألح على عدم تدخله في سلطات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) بقدر ما ألمح إلى تجاوبه مع طعن المعارضة من خلال التأكيد على طابعه الليبرالي، فقال الملك الحسن الثاني في خطاب 8 يوليوز 1994: "بوصفي ليبراليا لا يمكنني أن أتدخل في صلاحيات المجلس الدستوري" فما كان إلا أن حكم المجلس الدستوري بقبول الطعن وإبطال مرسوم الحكومة واعتباره مخالفا للدستور.
وقد بسط الخليفة معطيات تفصيلية حول هذه المعركة في آخر كتابه، فوضع أمام الباحثين نص مرسوم الحكومة، وتدخله بوصفه رئيسا للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في المناقشة العامة لهذا المرسوم، ثم مذكرة أحزاب الكتلة للطعن امام المجلس الدستوري بعدم دستورية هذا المرسوم، وفقرات مهمة من خطاب الملك الحسن الثاني بهذا الخصوص، فضلا عن قرار المجلس الدستوري.