العدالة الغائبة في مناطق سيطرة الحوثيين تدفع القبائل إلى الانتقام (تقرير)
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
شهدت محافظتا الجوف وعمران، الخاضعتان لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، تصاعدًا في التوترات بين القبائل من جهة والميليشيا المدعومة من إيران من جهة أخرى، وذلك عقب حوادث قتل استهدفت مشرفين حوثيين.
تعكس هذه الحوادث نفاد صبر ذوي الضحايا نتيجة عدم إنصافهم ورفض سلطة الحوثيين التجاوب وتحقيق العدالة، في ظل غياب الدولة وتفاقم حالة الإفلات من العقاب وحماية الميليشيا للقتلة والمجرمين.
في أحدث تلك الحوادث، قُتل المشرف الحوثي علي مكيك العيدي، المعروف بـ"أبو أسد"، على يد مسلحين قبليين من الثماثمة، عصر أول من أمس، في منطقة خيوان بمديرية سفيان محافظة عمران.
وتعود جذور الحادثة إلى قيادة العيدي حملة عسكرية ضد قبيلة الثماثمة قبل نحو عام، ما أدى إلى مقتل الشيخ محسن الثمثمي في منزله.
ردود فعل الحوثيين
عقب مقتل العيدي، أرسلت ميليشيا الحوثي حملة عسكرية ضخمة بقيادة المدعو أبو علي سمير محمد مهدي، المعيَّن مديرًا لأمن سفيان من قبل الحوثيين. استهدفت الحملة قرية الثماثمة، حيث فرضت حصارًا خانقًا على المنطقة، واستولت على مزارع القبائل، ودمرت محصول القات، وسرقت الألواح الشمسية من آبار المياه، وأطلقت النار بشكل عشوائي على منازل المواطنين. كما طالبت الميليشيا بتسليم عشرة أفراد من القبيلة كرهائن، وهو ما قوبل بالرفض من أهالي القرية.
وسبق ذلك حادث آخر أثار اهتمامًا واسعًا، حيث لقي المشرف الحوثي نشوان حميد منيف مصرعه في كمين مسلح نفذته عناصر من قبيلة آل حمد، إحدى قبائل دهم، وذلك ثأرًا لمقتل اثنين من أبناء القبيلة على يد منيف في وقت سابق بمحافظة الجوف.
وقع الحادث في مديرية حرف سفيان، حيث استُهدف منيف أثناء مروره بسيارته بالقرب من نقطة تفتيش "مطي" التابعة للحوثيين.
حوادث سابقة مماثلة
لم تكن هذه الحوادث الأولى من نوعها، ففي يوليو 2017، قُتل المشرف الحوثي أحمد ناجي قملان على يد أفراد من جماعته في مديرية برط بمحافظة الجوف، نتيجة خلافات ثأرية.
عقب الحادثة، فرضت الميليشيا طوقًا على قرية بني حنيش، ونشرت مسلحين على أطرافها، كما اختطفت مواطنين أبرياء من أبناء القبيلة.
تفاقم ظاهرة الإفلات من العقاب
تشير هذه الحوادث إلى تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فعلى سبيل المثال، بعد مقتل الشيخ محسن الثمثمي، تجاهلت ميليشيا الحوثي ضبط الجناة من مشرفيها، بل احتجزت جثته في أحد المستشفيات.
هذا التجاهل الحوثي دفع أبناء القبائل إلى أخذ العدالة بأيديهم، ما أدى إلى تصاعد العنف والثأر.
وفي الحديدة، خرج المئات من أبناء مدينة اللحية شمال محافظة الحديدة، خلال الساعات الماضية، في احتجاجات غاضبة رفضا لمحاولات مليشيا الحوثي تمييع قضية مقتل الطفل محمود عمر علي هادي وطمس الحقيقة، وتطالبهم بالرحيل، بعد أن أرداه أحد عناصر قواتها البحرية قتيلا برصاصة مباشرة في رأسه.
وفي حادثة أخرى، أصيب المواطن محمد عبد العزيز دعاس برصاص عنصر حوثي يعمل مرافقًا لمدير أمن مديرية فرع العدين، وذلك بالقرب من نقطة تفتيش في المديرية الواقعة ضمن محافظة إب، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقعت الحادثة عند نقطة الحجف، حيث نُقل المجني عليه إلى مستشفى الثورة في مدينة إب لتلقي العلاج، غير أن الجهات الأمنية الحوثية تعاملت معه كـ"جريح حرب"، في محاولة للتغطية على الجريمة وتسهيل فرار الجاني، ما أثار استياء واسعًا بين الأهالي.
ولم تكن هذه الحادثة استثناءً، بل تأتي ضمن نمط متكرر لنهج الميليشيا في التعامل بمنطق العصابات، حيث تُفلت عناصرها من العقاب بعد ارتكابهم الجرائم بحق المدنيين، بينما يدفع الأخيرون الثمن.
وكانت وكالة خبر قد نشرت في وقت سابق تقريرًا يكشف انتهاكات الحوثيين للقانون، من خلال الإفراج عن عناصرها المدانين بجرائم قتل، والتلاعب بملفات القضايا، واحتجاز مواطنين أبرياء في جرائم ارتكبها عناصرهم دون مساءلة، بل وحمايتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
يرى مراقبون أن تزايد حوادث الثأر القبلي التي تستهدف مشرفي الميليشيا يعكس حالة السخط المجتمعي، ويمثل خيارًا أخيرًا للقبائل بعد فشلها في الحصول على العدالة عبر الوسائل القانونية، في ظل تعنت الحوثيين وحمايتهم للقتلة وغياب سلطة القانون.
وأشاروا إلى أن توفير الميليشيا الحماية لعناصرها المتورطين في جرائم قتل ضد المدنيين والقبائل يزيد من حدة التوتر ويدفع القبائل إلى الانتقام.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
الميليشيا كانت تمنع الدفن وتقول لذوي المتوفين: (أجدعوه بس)
مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم د. هشام زين العابدين محمد لـ(الكرامة):
حصرنا (1900) قبر داخل المنازل وبشوراع بأم درمان..
185 جثةً تم العثور عليها بعد تحرير بحري وشرق النيل..
(….) هذا ما وجدنـــــاه في بــــدروم أبـــــراج البشيــــر؟!
جثتان لامرأتين “عشرينية وأربعينية” وجدناهما ببئر شمبات..
ضحيتا سمبات تم تعذيبهن.. ووجدنا كسورًا بالجمجمة والحوض والأرجل..
(….) هذه قصة أول جُثــــــة قمت بتشريحها؟!!
بعد الحرب.. ستكون هنالك صعوبة كبيرة فى التعرف على المفقودين..
الميليشيا كانت تمنع الدفن وتقول لذوي المتوفين: (أجدعوه بس)..
حوار: محمد جمال قندول- الكرامة
إفاداتٌ صادمة، قدمها رئيس هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم د. هشام زين العابدين محمد لـ(الكرامة)، وهو يكشف عن تفاصيل الجثث التي وجدت بعد تحرير محليتي بحري وشرق النيل، وآخرها إيجاد جثتين لنساء في بئر (سبت تنك) بإحدى أحياء شمبات، كشفت عن تعرضهم للتعذيب وإلقائهم وهم أحياء، وذلك ما أبرزته نتائج التشريح.
د. هشام طاف معنا على جملة من المحاور وحملت إجاباته شفافية كبيرة، كما تحدث عن تجربته بالعمل في أم درمان خلال فترة الحرب.
هل هنالك حصر لعدد الجثث مجهولة الهوية التي وجدت عقب تحرير بحري ومحلية شرق النيل؟
185 جثةً.
منذ متى هل بالامكان تحديد سقف زمني؟
منذ بداية تحرير بحري في أواخر أكتوبر وحتى الآن بعد تحرير محلية شرق النيل
جثث لمدنيين؟
مدنيون وبعضهم عساكر للجيش منذ بداية الحرب، خاصةً بالقرب من شارع السكة حديد بحري، وجدنا عددًا من الجثث تابعين للجيش، يبدو أنهم ماتوا منذ بداية الحرب.
حدثنا عن الحادثة أكثر.. جثث النساء اللاتي وجدن في بئر “سبتك تانك” بمنطقة شمبات وسط بحري، يعني متى تاريخ وفاتهم من خلال التشريح وأعمارهم؟
بعد التبليغ زرنا المنزل في شمبات الحلة وجدنا آثار دماء في الصالون وهنالك شبهات أنهم جاءوا بالبنات وتم اغتصابهن وتم التخلص منهن، وهي جثث متحللة بالكامل، ووجدنا كسورًا في الجمجمة والحوض والأرجل، وهذا يدل على التعذيب.
هل هنالك ملامح للجثث؟
جثتان واحدة عمرها أربعون عامًا، والأخرى في العشرينات من العمر.
لم يتم التعرف عليهن؟
نعم..
هل يمكن تحديد السقف الزمني للوفاة؟
يصعب تحديد السقف الزمني للوفاة، وذلك لعوامل البكتريا بالـ”سبتك تنك”.
وماذا عن الجثث التي وجدت بشرق النيل؟
أبلغونا بواسطة الأهالي في منطقة شرق النيل “الفيحاء”، كان هنالك ارتكاز للدعم السريع ويفتش المواطنين ويعتقلهم خصوصًا القادمين من عد بابكر وجدنا فيها 15 جثة لرجال ونساء.
منذ متى وأنت في أم درمان؟
منذ بدأت الحرب حيث خرجت وأولادي وعدت بعد شهرين، ومنذ ذلك الحين وأنا هنا.
إحساس التشريح قبل الحرب وما مر عليك بعد الحرب كمقارنة؟
الشغل يختلف.
شعور مرعب؟
ما مرعب لكن محزن لمناظر تجدها. هنالك جثث وجدناها “مربطة ومكتفين” وتم رميهم بالرصاص. وكذلك مناظر في بئر الأمس كان محزنًا جدًا، حيث إنّه بدا واضحًا آثار الوحشية للمتمردين في أبراج البشير بحري في البدروم وجدنا جثثًا لثمانية رجال يبدو أنهم مأسورين.
حادثة تشريح لجثة بعد الحرب تركت فيك حزنًا كبيرًا؟
نحن طبعًا في مهنتنا الإحساس بكون مفقود، لكن بصفة عامة هناك حزنٌ كبير.
خلال تشريحك للجثث التي وجدت، ما هو أبرز عامل مشترك يجمع بينها؟
كلها نتيجةً للرصاص والتعذيب. يعني أغلب الجثث التي وجدناها تعرضت للتعذيب بشكل وحشي.
القبور الأخرى في الأحياء، هل هنالك خطة لنبشها وتحويل أماكنها؟
هنالك مواطنون لم يخرجوا من منازلهم أثناء الحرب ولم يستطيعوا دفن ذويهم بسبب أنّ الميليشيا كانت تمنع الدفن ويقولوا للمواطنين (أجدعوه بس). هنالك قبور داخل المنازل بأم درمان، والخرطوم، وبحري. وفي أم درمان تم حصر القبور وهي حوالي 1900 قبر، وهنالك إجراءات قانونية يجب أن تتبع لنقل هذه القبور، وأي مواطن لديه متوفى مدفون داخل المنزل أو بالقرب من المنزل عليه أن يتوجه لأقرب قسم شرطة وفتح بلاغ بذلك.
حتى الآن بعد تحرير محليتي بحري وشرق النيل، كم عدد القبور التي وجدت وتم إبلاغكم بها؟
ليس هنالك حصر بعد.
هل بيئة عملكم مهيئة؟ وهل هنالك كوادر تكفي لمجابهة تداعيات ما سيتم لاحقًا؟
نحن ثلاثة أطباء تشريح فقط بأم درمان والعاصمة ككل، وتخصصنا أصلًا غير مرغوب ونادر من قبل الحرب.
كيف سيتم معالجة النقص في نظرك؟
كلنا كأطباء شرعيين قبل الحرب لا يتجاوزوا الـ15، ونأمل أن يعود البقية لمزاولة مهامهم من داخل البلاد، خاصةً وأن الفترة المقبلة تتطلب أكبر عددٍ وستكون صعبة فترة ما بعد الحرب.
ماذا استفدت من هذه التجربة بعد عامين إلّا قليلًا من الحرب؟
تجربة أضافت لي الكثير مهنيًا وحتى على المستوى الإنساني. وبالمناسبة أنا في هذه الفترة أثناء تواجدي في أم درمان أنجزت ورقتين علميتين ونشرتهما في مجلاتٍ علميةٍ خارج السودان.
أول جثة “جابوها ليك” بعد الحرب كانت “وين ولمنو”؟
في أول أيام الحرب كنا نعمل بصورة طبيعية في المشرحة بأم درمان، وبعدها أصبحت الميليشيا تعتدي علينا، وبالتالي العمل أصبح مستحيلًا، وأنا أصلًا مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم، وبديت أشرِح من يوم وقفة العيد الذي صادف اليوم السادس للحرب، وذلك نظرًا لعدم وجود كوادر في ذلك الوقت.
في بداية الحرب كنا نشرح تشريحًا ظاهريًا وذلك بعد التعدي على المرافق الطبية من الميليشيا. وأول جثة شرحتها كانت في أم درمان على متن بوكس شرطة كانت لرجل متوفى برصاصة.
وهل في فترة الحرب توقف عملكم؟
توقف أكثر من مرة لعدم وجود الشرطة والنيابة في بعض الأحيان، وبعد تحرير أجزاء واسعة من أم درمان وافتتاح مراكز الشرطة عدنا للعمل.
ما بعد الحرب.. ما هي أكبر العقبات التي ستواجه الناس، هل التنسيق لمعرفة المفقودين وعددهم وتطابقهم مع القبور والجثث؟
ستكون هنالك صعوبة كبيرة جدًا في التعرف على المفقودين، نسبة لعدم معرفة جميع القبور التي تم دفن المدنيين فيها.
هل تتوقع إيجاد قبورٍ أخرى؟
متوقع بنسبة 95% إيجاد المزيد من القبور، نظرًا لوحشية هؤلاء الناس والانتهاكات التي كانت تتم.