تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

على مدار العام الماضي، واجهت إيران سلسلة من التحديات التى تُهدد استقرارها الداخلى ومكانتها على الساحة العالمية. ففى خضم الاضطرابات، بما فى ذلك ضعف حلفائها الإقليميين مثل حماس وحزب الله، والعودة الوشيكة لدونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية مع إعادة تطبيق سياسات الضغط الأقصى، تُحاول الحكومة الإيرانية الإصلاح.

قد تُحدد هذه الجهود، التى تهدف إلى كسب الدعم المحلي، مدى قدرة الجمهورية الإسلامية على الصمود أمام الضغوط الخارجية والحفاظ على نفوذها فى الشرق الأوسط.

التحديات على الساحة الإقليمية: تواجه شبكة إيران الإقليمية، التى بدت يومًا ما كتلة قوة قوية، انتكاسات كبيرة. فقد تكبدت حماس وحزب الله، وهما حليفان قديمان غير حكوميين لإيران، خسائر فادحة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية. كما اهتز تحالفها، الذى كان قويًا فى السابق، مع الرئيس السورى بشار الأسد، لا سيما مع الانهيار المفاجئ لنظام الأسد، الذى فاجأ الكثيرين، بما فى ذلك إيران. فى حين لا تزال طهران غير قلقة نسبيًا بشأن خسائر حماس وحزب الله - إذ تعتبرهما منظمتين صامدتين قادرتين على التعافى - فقد انتبهت إلى عدم الاستقرار فى سوريا وقدرته على زعزعة موقعها الاستراتيجي.

على الرغم من هذه الضربات، لا تزال إيران تأمل فى أن تحافظ تحالفاتها الأساسية، وخاصة مع جماعات مثل الحوثيين فى اليمن، على مكانتها ضمن ما يسمى "محور المقاومة" ضد إسرائيل والغرب. ومع ذلك، تُدرك طهران أن نفوذها أضعف حاليًا مما كان عليه قبل هجمات حماس فى ٧ أكتوبر/تشرين الأول والانهيار المفاجئ لنظام الأسد. ردًا على ذلك، حوّلت إيران تركيزها نحو تعزيز وضعها السياسى الداخلي.

الإصلاحات الداخلية والدفع نحو الدعم الشعبي: فى محاولة لتعزيز الدعم الداخلي، اتخذت إيران خطوات صغيرة ولكنها مهمة نحو الإصلاح. تشمل هذه الإجراءات تخفيف تطبيق قواعد اللباس الإلزامى للنساء وتخفيف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما يسمح بحوار عام أكثر انتقادًا. الهدف من هذه الإصلاحات هو الحد من الاضطرابات الداخلية وبناء ثقة الجمهور فى نظام يواجه استياءً متزايدًا من شعبه. ومع ذلك، لا ينبغى اعتبار هذه الإصلاحات مؤشرًا على تحول كامل نحو المشاركة الغربية. بل يرى قادة إيران أن هذه التنازلات ضرورية لتعزيز الاستقرار الداخلى تحسبًا للضغوط الخارجية. ومع إشارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى انفتاحه على المفاوضات، بل وتهديده أيضًا بالعمل العسكري، تأمل القيادة الإيرانية أن تُمكّنها جبهة داخلية موحدة من الصمود فى وجه أى تحديات قادمة من واشنطن.

سقوط الأسد: نقطة تحول حاسمة: كان الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد فى سوريا بمثابة تذكير صارخ لإيران بأن الاستقرار السياسى والعسكرى فى المنطقة قابل للانهيار بسرعة. فعلى الرغم من عدم شعبية حكومة الأسد، فقد دعمت طهران نظامه لسنوات، معتبرةً سوريا حليفًا أساسيًا فى مكافحة النفوذ الغربى ونقطة وصل رئيسية فى شبكة وكلاء إيران الإقليميين.

أثار سقوط حكومة الأسد، الذى حدث بشكل غير متوقع، قلقًا عميقًا لدى المسئولين الإيرانيين، لا سيما مع تفكك الجيش السوري، وهو حليف رئيسي، بسرعة مثيرة للقلق. أقرّ مسئولون إيرانيون، بمن فيهم وزير الخارجية عباس عراقجي، بأنهم رغم إدراكهم للتهديدات الأمنية المتزايدة، إلا أنهم فوجئوا بحجم الانهيار. وقد ترك هذا الوضع إيران تواجه حالة من عدم اليقين فى سوريا، وأثار مخاوف بشأن قدرة تحالفاتها الإقليمية على الصمود.

إدارة الاستقرار الداخلى فى ظل تنامى المعارضة: تُركز القيادة الإيرانية بشكل متزايد على إدارة التحديات الداخلية للبلاد، لا سيما مع تنامى الاستياء العام. تواجه الجمهورية الإسلامية عجزًا فى "رأس المال الاجتماعي"، مع استمرار تآكل ثقة الجمهور بالحكومة، مدفوعًا بالفساد والقمع والشعور بالانفصال عن الشعب. ردًا على ذلك، أوقف النظام تطبيق قوانين الحجاب الأكثر صرامة، والتى كانت تهدف إلى فرض عقوبات صارمة على النساء لعدم التزامهن بقواعد اللباس فى البلاد.

تُشير هذه الخطوة، إلى جانب تعليق عمل شرطة الآداب فى أعقاب الاحتجاجات التى أعقبت وفاة مهسا أمينى عام ٢٠٢٢، إلى تحول عملى فى نهج الحكومة تجاه القضايا الاجتماعية. ومن خلال تخفيف بعض القيود الاجتماعية مؤقتا، تسعى إيران إلى تهدئة الإحباط العام وتجنب المزيد من التصعيد إلى احتجاجات واسعة النطاق، وهو ما قد يضعف قبضة النظام على السلطة.

دور الإعلام والخطاب العام فى تشكيل الوحدة الوطنية: بالإضافة إلى تخفيف القيود الاجتماعية، سمحت إيران بمزيد من النقاشات المفتوحة فى وسائل الإعلام المحلية، حيث تبرز أصوات مستقلة وناقدة. تُوفر هذه النقاشات، بما فى ذلك النقاشات حول قانون الحجاب وقضايا سياسية أوسع، صمام أمان للإحباط العام، مما يسمح للحكومة بإدارة السخط قبل أن يصل إلى مستويات خطيرة.

إن استعداد النظام للسماح بمزيد من النقاشات الصريحة، على الرغم من وجود المدافعين عنه فى وسائل الإعلام، هو استراتيجية مدروسة لمنع الاضطرابات الجماعية. من خلال السماح بقدر من الانفتاح السياسي، تأمل إيران فى احتواء الاستياء مع تعزيز روايتها الخاصة عن الوحدة الوطنية فى مواجهة التهديدات الخارجية.

التماسك الداخلى كأداة للمفاوضات الدولية: الهدف النهائى لهذه الإصلاحات الداخلية هو تعزيز التماسك الداخلي، الذى يراه القادة الإيرانيون ضروريًا للتفاوض مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة. تأمل إيران أن تتمكن من خلال تعزيز الدعم الشعبى من تقديم جبهة موحدة فى أى مفاوضات نووية مستقبلية مع واشنطن. تهدف الحكومة إلى إبرام اتفاق يُعالج المخاوف الأمريكية بشأن البرنامج النووى الإيرانى دون تقديم تنازلات كبيرة فى قضايا مثل تخصيب اليورانيوم، والأسلحة التقليدية، أو دعمها لوكلاء إقليميين.

مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، أكدت القيادة الإيرانية على أهمية الوحدة الوطنية لمواجهة الضغوط الخارجية. وبينما أبدت إدارة ترامب استعدادها لاستخدام القوة فى حال فشل المفاوضات، تعتقد الحكومة الإيرانية أن الوحدة الداخلية والمرونة الاستراتيجية ستسمحان لها بتجاوز أى مواجهة محتملة. ورغم التحديات الخارجية، من غير المرجح أن تتخلى طهران عن أهدافها الاستراتيجية الأساسية، محافظةً على صمودها فى وجه ما تعتبره محاولات غربية لتقويض سيادتها.

★فورين أفيرز

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إيران الجمهورية الإسلامية واشنطن الساحة الإقليمية الولايات المتحدة

إقرأ أيضاً:

ترامب يتراجع: إنقاذ مفاجئ لأسعار الإلكترونيات و"أبل" و"سامسونج" تتنفسان الصعداء

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (سي إن إن)

في خطوة غير متوقعة هزّت أوساط الاقتصاد والتجارة العالمية، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن جزء من قراراته المثيرة للجدل بشأن فرض رسوم جمركية عالية على السلع المستوردة، معلنًا إعفاء مجموعة من المنتجات الإلكترونية الحساسة من هذه الرسوم، ما اعتبره مراقبون "إنقاذًا في اللحظة الأخيرة" لأسواق التكنولوجيا والمستهلكين على حد سواء.

القرار الجديد الذي أصدرته إدارة ترامب يتضمن إعفاء الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والمعالجات، والأقراص الصلبة، وشرائح الذاكرة من الرسوم الجمركية، بعد أن كانت مشمولة سابقًا في قائمة تعرفات انتقامية فرضتها واشنطن على المنتجات الصينية بنسبة وصلت إلى 125%، وأخرى بنسبة 10% على واردات من معظم دول العالم.

اقرأ أيضاً تقدم كبير في المفاوضات بين إيران وأمريكا بمسقط.. ما يتعلق بالملف اليمني 12 أبريل، 2025 واشنطن تُعيد خلط أوراق السلطة في اليمن: نجل صالح يصعد والإصلاح يغلي 12 أبريل، 2025

هذا التراجع المفاجئ يأتي في وقت حساس من العام، مع اقتراب مواسم التسوق والإنتاج التكنولوجي، حيث كانت الشركات الأمريكية والعالمية، على رأسها "أبل" و"سامسونج"، تستعد لتحمل تبعات ارتفاع التكاليف أو نقل خطوط إنتاجها إلى دول بديلة.

وبحسب تقارير وكالة "بلومبرغ"، فإن القرار سيُخفف بشكل مباشر من الضغط على المستهلك الأمريكي، الذي كان سيواجه زيادات حادة في أسعار الإلكترونيات، كما يمنح شركات التكنولوجيا الكبرى متنفسًا كبيرًا لاستمرار الإنتاج دون تحمّل أعباء مالية إضافية.

المحللون يرون أن ترامب، الذي اشتهر بسياساته الحادة تجاه الصين وشعاراته حول "أمريكا أولاً"، قد اضطر إلى اتخاذ هذه الخطوة حفاظًا على استقرار السوق المحلي وضمانًا لرضى المستهلك قبيل أي استحقاق سياسي قادم.

في الوقت نفسه، ما تزال حالة الترقب تخيم على أسواق التجارة العالمية، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاستثناءات مقدمة لتسوية أوسع في الحرب التجارية، أم أنها مجرد مناورة سياسية مؤقتة.

الجمارك وحماية الحدود الأمريكية نشرت تفاصيل دقيقة عن هذه الاستثناءات، مؤكدة أن نطاقها محصور بشكل دقيق لتجنب التأثير على الصناعة المحلية، بينما تُبقي واشنطن يدها على الزناد لمزيد من الإجراءات مستقبلاً، في حال لم تتجاوب الصين أو بقية الدول المتأثرة مع المطالب الأمريكية.

مقالات مشابهة

  • مصر ترحب باستضافة سلطنة عُمان للمحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية
  • ماجد سالم: نلعب دون ضغوط.. وطموحنا بلا حدد
  • البلاد تنهار.. هل تستطيع الحكومة الجديدة إنقاذ ألمانيا من أزمتها؟
  • وزارة الخارجية: المملكة ترحب باستضافة سلطنة عُمان للمحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية
  • ترامب يتراجع: إنقاذ مفاجئ لأسعار الإلكترونيات و"أبل" و"سامسونج" تتنفسان الصعداء
  • واشنطن تُعيد خلط أوراق السلطة في اليمن: نجل صالح يصعد والإصلاح يغلي
  • الخارجية الإيرانية: جولة المحادثات اليوم مع واشنطن مبدئية
  • إيران تسعى لاتفاق نووي مؤقت خلال محادثات عمان
  • مفتي الجمهورية: نواجه تحديات فكرية وثقافية تسعى لهدم القيم وتفكيك الأسرة
  • مسار متضارب نحو نزع السلاح.. الفصائل الشيعية العراقية بين ضغوط أميركية وإيرانية