هل تستطيع إيران إنقاذ نفسها؟.. الجمهورية الإسلامية تسعى إلى الإصلاح داخليًا لتتمكن من الصمود أمام ضغوط واشنطن
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على مدار العام الماضي، واجهت إيران سلسلة من التحديات التى تُهدد استقرارها الداخلى ومكانتها على الساحة العالمية. ففى خضم الاضطرابات، بما فى ذلك ضعف حلفائها الإقليميين مثل حماس وحزب الله، والعودة الوشيكة لدونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية مع إعادة تطبيق سياسات الضغط الأقصى، تُحاول الحكومة الإيرانية الإصلاح.
التحديات على الساحة الإقليمية: تواجه شبكة إيران الإقليمية، التى بدت يومًا ما كتلة قوة قوية، انتكاسات كبيرة. فقد تكبدت حماس وحزب الله، وهما حليفان قديمان غير حكوميين لإيران، خسائر فادحة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية. كما اهتز تحالفها، الذى كان قويًا فى السابق، مع الرئيس السورى بشار الأسد، لا سيما مع الانهيار المفاجئ لنظام الأسد، الذى فاجأ الكثيرين، بما فى ذلك إيران. فى حين لا تزال طهران غير قلقة نسبيًا بشأن خسائر حماس وحزب الله - إذ تعتبرهما منظمتين صامدتين قادرتين على التعافى - فقد انتبهت إلى عدم الاستقرار فى سوريا وقدرته على زعزعة موقعها الاستراتيجي.
على الرغم من هذه الضربات، لا تزال إيران تأمل فى أن تحافظ تحالفاتها الأساسية، وخاصة مع جماعات مثل الحوثيين فى اليمن، على مكانتها ضمن ما يسمى "محور المقاومة" ضد إسرائيل والغرب. ومع ذلك، تُدرك طهران أن نفوذها أضعف حاليًا مما كان عليه قبل هجمات حماس فى ٧ أكتوبر/تشرين الأول والانهيار المفاجئ لنظام الأسد. ردًا على ذلك، حوّلت إيران تركيزها نحو تعزيز وضعها السياسى الداخلي.
الإصلاحات الداخلية والدفع نحو الدعم الشعبي: فى محاولة لتعزيز الدعم الداخلي، اتخذت إيران خطوات صغيرة ولكنها مهمة نحو الإصلاح. تشمل هذه الإجراءات تخفيف تطبيق قواعد اللباس الإلزامى للنساء وتخفيف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما يسمح بحوار عام أكثر انتقادًا. الهدف من هذه الإصلاحات هو الحد من الاضطرابات الداخلية وبناء ثقة الجمهور فى نظام يواجه استياءً متزايدًا من شعبه. ومع ذلك، لا ينبغى اعتبار هذه الإصلاحات مؤشرًا على تحول كامل نحو المشاركة الغربية. بل يرى قادة إيران أن هذه التنازلات ضرورية لتعزيز الاستقرار الداخلى تحسبًا للضغوط الخارجية. ومع إشارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى انفتاحه على المفاوضات، بل وتهديده أيضًا بالعمل العسكري، تأمل القيادة الإيرانية أن تُمكّنها جبهة داخلية موحدة من الصمود فى وجه أى تحديات قادمة من واشنطن.
سقوط الأسد: نقطة تحول حاسمة: كان الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد فى سوريا بمثابة تذكير صارخ لإيران بأن الاستقرار السياسى والعسكرى فى المنطقة قابل للانهيار بسرعة. فعلى الرغم من عدم شعبية حكومة الأسد، فقد دعمت طهران نظامه لسنوات، معتبرةً سوريا حليفًا أساسيًا فى مكافحة النفوذ الغربى ونقطة وصل رئيسية فى شبكة وكلاء إيران الإقليميين.
أثار سقوط حكومة الأسد، الذى حدث بشكل غير متوقع، قلقًا عميقًا لدى المسئولين الإيرانيين، لا سيما مع تفكك الجيش السوري، وهو حليف رئيسي، بسرعة مثيرة للقلق. أقرّ مسئولون إيرانيون، بمن فيهم وزير الخارجية عباس عراقجي، بأنهم رغم إدراكهم للتهديدات الأمنية المتزايدة، إلا أنهم فوجئوا بحجم الانهيار. وقد ترك هذا الوضع إيران تواجه حالة من عدم اليقين فى سوريا، وأثار مخاوف بشأن قدرة تحالفاتها الإقليمية على الصمود.
إدارة الاستقرار الداخلى فى ظل تنامى المعارضة: تُركز القيادة الإيرانية بشكل متزايد على إدارة التحديات الداخلية للبلاد، لا سيما مع تنامى الاستياء العام. تواجه الجمهورية الإسلامية عجزًا فى "رأس المال الاجتماعي"، مع استمرار تآكل ثقة الجمهور بالحكومة، مدفوعًا بالفساد والقمع والشعور بالانفصال عن الشعب. ردًا على ذلك، أوقف النظام تطبيق قوانين الحجاب الأكثر صرامة، والتى كانت تهدف إلى فرض عقوبات صارمة على النساء لعدم التزامهن بقواعد اللباس فى البلاد.
تُشير هذه الخطوة، إلى جانب تعليق عمل شرطة الآداب فى أعقاب الاحتجاجات التى أعقبت وفاة مهسا أمينى عام ٢٠٢٢، إلى تحول عملى فى نهج الحكومة تجاه القضايا الاجتماعية. ومن خلال تخفيف بعض القيود الاجتماعية مؤقتا، تسعى إيران إلى تهدئة الإحباط العام وتجنب المزيد من التصعيد إلى احتجاجات واسعة النطاق، وهو ما قد يضعف قبضة النظام على السلطة.
دور الإعلام والخطاب العام فى تشكيل الوحدة الوطنية: بالإضافة إلى تخفيف القيود الاجتماعية، سمحت إيران بمزيد من النقاشات المفتوحة فى وسائل الإعلام المحلية، حيث تبرز أصوات مستقلة وناقدة. تُوفر هذه النقاشات، بما فى ذلك النقاشات حول قانون الحجاب وقضايا سياسية أوسع، صمام أمان للإحباط العام، مما يسمح للحكومة بإدارة السخط قبل أن يصل إلى مستويات خطيرة.
إن استعداد النظام للسماح بمزيد من النقاشات الصريحة، على الرغم من وجود المدافعين عنه فى وسائل الإعلام، هو استراتيجية مدروسة لمنع الاضطرابات الجماعية. من خلال السماح بقدر من الانفتاح السياسي، تأمل إيران فى احتواء الاستياء مع تعزيز روايتها الخاصة عن الوحدة الوطنية فى مواجهة التهديدات الخارجية.
التماسك الداخلى كأداة للمفاوضات الدولية: الهدف النهائى لهذه الإصلاحات الداخلية هو تعزيز التماسك الداخلي، الذى يراه القادة الإيرانيون ضروريًا للتفاوض مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة. تأمل إيران أن تتمكن من خلال تعزيز الدعم الشعبى من تقديم جبهة موحدة فى أى مفاوضات نووية مستقبلية مع واشنطن. تهدف الحكومة إلى إبرام اتفاق يُعالج المخاوف الأمريكية بشأن البرنامج النووى الإيرانى دون تقديم تنازلات كبيرة فى قضايا مثل تخصيب اليورانيوم، والأسلحة التقليدية، أو دعمها لوكلاء إقليميين.
مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، أكدت القيادة الإيرانية على أهمية الوحدة الوطنية لمواجهة الضغوط الخارجية. وبينما أبدت إدارة ترامب استعدادها لاستخدام القوة فى حال فشل المفاوضات، تعتقد الحكومة الإيرانية أن الوحدة الداخلية والمرونة الاستراتيجية ستسمحان لها بتجاوز أى مواجهة محتملة. ورغم التحديات الخارجية، من غير المرجح أن تتخلى طهران عن أهدافها الاستراتيجية الأساسية، محافظةً على صمودها فى وجه ما تعتبره محاولات غربية لتقويض سيادتها.
★فورين أفيرز
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إيران الجمهورية الإسلامية واشنطن الساحة الإقليمية الولايات المتحدة
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: القول بأن الشريعة الإسلامية غير مطبقة مغالطة كبرى
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الشريعة الإسلامية ليست غائبة عن واقع المجتمعات الإسلامية كما يزعم البعض، بل تُطبق بأشكال متعددة في مختلف مناحي الحياة، موضحًا أن الادعاء بعدم تطبيق الشريعة هو مغالطة كبرى تستغلها الجماعات المتطرفة لترويج أفكار مضللة تؤدي إلى التشدد والتكفير.
وأوضح مفتي الجمهورية، في حديثه الرمضاني الذي بُث على قناتي DMC والناس الفضائيتين، أن بعض الأصوات تظهر من حين لآخر تزعم أن الشريعة غير مطبقة، وأن المجتمعات الإسلامية تعيش في جاهلية، داعين إلى "إقامة الشريعة" وفق تصوراتهم، دون وعي بحقيقتها ومقاصدها.
وقال مفتي الجمهورية: “قبل الحديث عن مدى تطبيق الشريعة، علينا أن نفهم أولًا ما المقصود بالشريعة الإسلامية، فهي ليست حدودًا فقط، بل هي نظام شامل ينظم حياة الإنسان في العبادات والمعاملات والأخلاق والعلاقات الاجتماعية والنظم الاقتصادية والسياسية وغيرها، وغايتها تحقيق العدل والمصلحة، كما يقول الإمام ابن القيم: الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد، وهي عدل ورحمة ومصالح كلها.”
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الشريعة تطبق في المجتمعات الإسلامية بأشكال كثيرة، منها ما هو ظاهر للعيان، كإقامة الصلوات في المساجد، والأذان، وصيام رمضان، وإخراج الزكاة، وأداء الحج. كما تُطبق الشريعة في الأحوال الشخصية، حيث تُستمد أحكام الزواج والطلاق والميراث من الفقه الإسلامي، وتُنفذ في المحاكم. إضافة إلى أن القوانين في الدول الإسلامية ترتكز على مبادئ الشريعة، لا سيما في المجالات التي تمس الأسرة والحقوق العامة وتحقيق العدالة.
وبيّن أن القول بعدم تطبيق الشريعة لمجرد عدم تنفيذ بعض الحدود الجنائية هو اختزال قاصر، فحتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن الحدود تُطبق إلا في أضيق الحدود ومع توفر الشروط الصارمة، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يدرأ الحدود بالشبهات، ما يدل على أن الغاية الكبرى هي تحقيق مقاصد الشريعة، لا مجرد تنفيذ العقوبات.
وأكد مفتي الجمهورية أن هناك فئتين دأبتا على الخلط بين الشريعة وتطبيقها: فئة المتشددين الذين يختزلون الشريعة في العقوبات، وفئة المستغربين الذين يرفضون الشريعة بحجة عدم مواكبتها للعصر الحديث، وكل منهما بعيد عن الفهم الصحيح. فالشريعة الإسلامية مرنة، وقابلة للاجتهاد والتجديد، وتراعي متغيرات الزمان والمكان، شريطة الحفاظ على مقاصدها.
ولفت مفتي الجمهورية الانتباه إلى أن تعزيز تطبيق الشريعة يتم من خلال أمرين أساسيين: أولهما نشر الوعي الصحيح بمفهوم الشريعة وأنها منظومة متكاملة تشمل الدين والحياة، وثانيهما دعم الاجتهاد الفقهي المعاصر القادر على تنزيل الأحكام الشرعية بما يحقق المصلحة الحقيقية للناس.
وختم مفتي الجمهورية بقوله: "إن ما يزعمه المتطرفون من أن الشريعة معطّلة هو خطاب مضلل لا يمت لحقيقة الإسلام بصلة، فالإسلام دين رحمة، والشريعة جاءت لتحقيق الخير للناس كافة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يعقلون دينهم فهمًا صحيحًا، وأن يرزقنا نور البصيرة، وأن يجعلنا من الدعاة إلى الحق والخير."